مشاهدة النسخة كاملة : تعقيبات على كتب العروض
عبده فايز الزبيدي
25-05-2023, 08:12 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وحده. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه الكرام. أما بعد:
فهذه تعقيبات واستدراكات، رأيت وجوب تدوينها على ما سطره أهل العروض في كتبهم ومقالاتهم. واللهَ أسألُ العونَ والتوفيق.
وأرحب بالنصح، واالتصحيح والتصويب، والحوار الجاد الهادف.
محبكم/ عبده بن فايز الزبيدي.
عبده فايز الزبيدي
25-05-2023, 08:14 AM
العقد الفريد دار الكتب العلمية_ بيروت لبنان، الطبعة الأولى 1404هـ - 1983 م.
قال صاحب العقد _ابن عبدربه الأندلسي_رحمه الله_: (
[أبيات الوافر]
العروض المقطوف، الضرب المقطوف
لنا غنم نسوّقها غزار ... كأنّ قرون جلّتها العصيّ
إذا لم تستطع شيئا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع
.........
[معقول]
منازل لفرتني قفار ... كأنما رسومها شطور
.............
[أعصب]
إذا نزل الشتاء بدار قوم ... تجنّب جار بيتهم الشتاء
...............
[أقصم]
ما قالوا لنا سيدا ولكن ... تفاحش قولهم فأتوا بهجر
............
[أجم]
وإنك خير من ركب المطايا ... وأكرمهم أبا وأخا ونفسا ......). [مج 6 / 329].
قلتُ:
(1) قوله (أعصب) هو تصحيف ولاشك، تصويبه: أعْضَبُ، والعَضْبُ: _بالضاد_ حذف أول الوتد المجموع من (مفاعلتن) الأولى السليمة، وبه (مُفاعلتن) تصبح (فاعلتن). وتنقل إلى مفتعلن لتحسين اللفظ. والعضب علَّة تجري مجرى الزحاف، لأنها لا تتكرر في بقية أبيات القصيدة. شاهده قول عمروٍ بن أحمرَ الباهلي:
إنْ نَزَلَ الشّتِاءُ بدارِ قَومٍ = تَجَنَّبَ جارَ بَيتهِمُ الشّتِاءُ
إنْ نَزَلَشْـ/ ـشِتِاءُ بدا/ رِقَومنْ = تَجَنْنَبَ جا/ رَبَيْتهِمُشْ/ شِتِاءُوْ
(/ه///ه)(//ه///ه)(//ه/ه) = (//ه///ه)(//ه///ه)(//ه/ه)
مفْتعلن/ مفاعلتن/ فعولن = مفاعلتن/ مفاعلتن/ فعولن
معضوبة/ صحيحة/ مقطوفة = صحيحة/ صحيحة/ مقطوف
(2) رواية العقد الفريد لبيت الباهلي، هكذا:
إذا نَزَلَ الشِتاءُ بِدارِ قَومٍ = تَجَنَّبَ جارَ بَيتِهِمُ الشِتاءُ
ليس فيها شاهد على علة العضْب. والشاهد يكون برواية:
(إنْ نَزَلَ الشِتاءُ بِدارِ قَومٍ = ..........)
عبده فايز الزبيدي
25-05-2023, 08:16 AM
كتاب القوافي للتنوخي، بتحقيق الدكتور عوني عبدالرؤوف، الطبعة الثانية ١٩٧٨ م ، مكتبة الخانجي بمصر. ورد قول التنوخي: (وقال قطرب: القافية حرب الروى ….) [ص: ٦٦].
وهو تصحيف تصويبه: (القافية حرف الروي)
ولم يشر محقق الطبعة لهذا، بل كتب في الهامش رقم (٤)، ما نصه: (وعبارة اللسان ج ١٥ ص ١٩٥ ع ٢ س ٣٠: وقال قطرب: القافية الحرف الذي تبنى عليه القصيدة) وهو المسمى رويا.
وهذه النسخة معتمدة في المكتبة الشاملة، فوجب التنبيه.
ولم يرد هذا التصحيف في نسخة الكتاب الذي حققه وقدم له / عمر الأسعد ومحيي الدين رمضان.
إذ أوردا قول التنوخي، هكذا: ( وقال قطرب: القافية حرف الروي). [ص: ٥٩].
في الطبعة الأولى ١٣٨٩ هـ _ ١٩٧٠ م، دار الإرشاد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.
عبده فايز الزبيدي
25-05-2023, 08:34 AM
أورد الدكتور/ عمر خلوف في كتابه (كن شاعرا) صورة لمشطور الطويل، جاءت على وزن: (فعولن مفاعيلن فعولُ فعولن)
واستشهد لها بأبيات لابن عبدربه الأندلسي، جاء فيها لفظة (كلومي)، فأورد النص هكذا :
آعاذل قد آلمتِ ويكَ فلومي
وما بَلَغ الإشراكَ ذَنْبُ عَديمِ
لقد أَسْقطتْ حقِّي عليكِ "كلومي"
كما أسْقطَ الإفلاسُ حقَّ غريمِ ) [ص: 179].
قلتُ:
جاءت الأبيات في العقد الفريد، كما يلي:
آعاذل قد آلمتِ ويكَ فلومي=وما بَلَغ الإشراكَ ذَنْبُ عَديمِ
لقد أَسْقطت حقِّي عليكِ (صبابتي) = كما أسْقطَ الإفلاسُ حقَّ غريمِ
وأعذرُ ما أدْمى الجُفونَ منَ البُكا = كريمٌ رأى الدُّنيا بكفِّ لئمِ
أَرى كلَّ فَدمٍ قَد تَبحْبَحَ في الغِنى = وذُو الظَّرف لاتلْقاهُ غيرَ عَديمِ
وليس فيها (كلومي)، بل هي من عند الدكتور عمر خلوف.
ويكون وزن القطعة_ في أصلها_ التي بين أيدينا_ عدا التصريع_ ، هكذا:
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن= فعولن مفاعيلن فعولن فعولن
أي قصيدة من ذوات البيت الذي يـتألف من مصراعين، بعروض تامة مقبوضة وضريها محذوف، وليست من المشطور.
الخلاصة:
(1) أورد الكاتب النص ناقصا، ووضع كلمة (كلومي) بدلا من صبابتي، كي يتماشى مع الوزن الذي ذكره، والصورة التي افترضها، وليس لها وجود.
والقصيدة في مصادرها قطعة من أربعة أبيات، ووزنها من التام بعروض تامة مقبوضة، وضرب محذوف:
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن= فعولن مفاعيلن (فعولن) فعولن
و(فعولن) الرابعة ترد كثيرا مقبوضة: فعولُ.
(2) نسب للشاعر ما لم يكتبه أو يقره، وهذا تحوير للنصوص وتعديل فيها لا يصح أبداً.
تنبيه:
هنا مسألة في ورود (فعولن) في عروض وضرب الطويل، فالخليل بن أحمد _صاحب العروض_ يرى أن (فعولن) ينتج عن حذف (مفاعيلن)، والجَرْمِيَ يرى أن (فعولن) متولدة عن قَصْر (مفاعلن) المتفرعة عن (مفاعيلن) بعد قبضها. ورأي الخليل أقرب للصواب لأنه بنى على الأصل، والجرمي بنى على الفرع. ورَدُّ الشيءِ إلى أصْلِهِ أوْلى وأحْكَم.
عبده فايز الزبيدي
27-05-2023, 09:36 PM
قال الدكتور/ عبدالعزيز عتيق في كتابه( علم العروض والقافية): ([حروف القافية]
تتكون القافية من حرف أساسي ترتكز عليه يعرف باسم الروي. فالروي هو آخر حرف صحيح في البيت وعليه تبني القصيدة وإليه تنتسب، فيقال: قصيدة ميمية أو نونية أو عينية، إذا كان الروي فيها ميمًا أو نونًا أو عينًا.
والروي وحده هو أقل ما تتألف منه القافية، وذلك عندما يكون الروي ساكنًا، فإذا زاد الشاعر شيئًا آخر فإن لهذه الزيادة اصطلاحات خاصة، …..) [ص: ١٣٦]
قلت: عبارة الكاتب غير دقيقة، ولو قال ترتكز القافية على حرف الروي، لكان أقرب للصواب؛ لأن الروي وإن كان محور القافية، فليس هو القافية، إلا من باب المجاز.
وقوله (والروي وحده هو أقل ما تتألف منه القافية، وذلك عندما يكون الروي ساكنًا)
وهذا ليسَ بصحيحٍ، فالقافيَةُ في أحد تعريفي الخليل صاحب العروض هي آخر ساكنين في البيت وما بينهما من حركات، مع الحرف الذي يسبق الساكن الأول.
وهذا التعريف يشمل القوافي المُطلقَة _وهي التي تحرَّك روِيُّها_، والقوافي المُقيَّدة وهي التي سكن رويُّها.
والقافية المقيّدةُ تكون وجوبا في الأضرب التي تنتهي بساكنين، مثل مجيء (متفاعلانْ) في مجزوء الكامل، والسريع الذي ضربه (فاعلانْ)، والرمل الذي ضربه (فاعلاتْ).
و القافية المقيّدة ثلاثة أنواع، هي:
(1). القافية المقيَّدة المُجَرَّدَة من الردف والتأسيس، قال المثقّب العَبْدي:
حَسَنٌ قَوْلُ نَعَمْ مِنْ بَعْدِ لا = وقَبِيحٌ قولُ لا بَعْدَ نَعَمْ
القافية: (بَعْدَنَعَمْ /ه///ه) الروي الميم الساكنة. والفتحة هي التوجيه، والتوجيه حركة الحرف الذي يسبق الروي في القافية المقيدة المجردة، وقيل في المطلقة كذلك. وسأسمي الحرف الذي يسبق روي القافية المجردة: المُوَجَّه. وبذا يكون عندنا روي، وموجه وتوجيه، مع باقي حروف القافية غير المسماة.
(2). القافية المقيَّدة المردوفة، قال سعيد زهور عدي:
كَريمُ الخِصالِ لطيفِ المَقالِ = جزيلُ النَّوالِ جميلُ الفِعَالْ
القافية: (ـعَالْ)، الروي اللام الساكنة، والألِفُ قبلها ردفها، والفتحة الحذو.
فعندنا من حروف القافية المسماة: الردف و الحرف الذي قبل الردف وسأسميه المُحَاذى وحركته حركته (الحذو)، والروي.
(3). القافية المقيّدة المؤسسة، شاهدها قول ابن عبدربه الأندلسي:
يا ساحِراً مَا كُنْتُ أَعْـ = ـرِفُ قَبْلهُ في الناسِ ساحِرْ
القافية: (سَاحِرْ)، الروي الراء الساكنة، والحاء الدخيل، والألف قبل الدخيل حرف التأسيس. فعندنا من حروف القافية وحركاتها : الروي، الدخيل وحركته الكسرة وهي الإشباع، والألف حرف التأسيس، والحرف قبل التأسيس سأسميه المرسوس، والرَّسُّ حركته، ولا تكون الرَّسُّ إلا الفتحة وجوبا.
الخلاصة: بدراسة القافية المقيدة، وجدنا أن القافية تشمل حروفا وحركات غير الرَّوي المقيد. وكلام الدكتور العلامة/ عبدالعزيز عتيق من السهو، الذي يقع فيه الإنسان، مهما بلغ من العلم والخبرة. والله أعلم وأحكم
خالد أبو اسماعيل
28-05-2023, 02:03 AM
جزاك الله خيرا أستاذ عبده الزبيدي ونفعنا بعلمك
عبده فايز الزبيدي
28-05-2023, 11:24 AM
جزاك الله خيرا أستاذ عبده الزبيدي ونفعنا بعلمك
آمين، وجزاك الله خيرا، ورزقك الله خير الدنيا والآخرة.
عبده فايز الزبيدي
29-05-2023, 12:11 PM
قال أبو العباس المبرد في "القوافي وما اشتقت ألقابها منه": (فأما الألف فإنها لا تكون رويّاً في شعر مطلق إلا موصولة؛ لأن حروف الوصل لا بدّ من أن تكون متصلة بالروي، والألف ساكنة، والساكن لا يتصل به شيء مما ذكرنا). [ص: ٧]
قلتُ:
(١) يصح استخدام الألف الأصلية _ التي من بنية الكلمة_ رويا، ومن ذلك القصيدة التي يقال لها المقصورة، وهي كل قصيدة تنتهي بألف مقصورة.
ومن أشهر تلك القصائد مقصورة ابن دريد. جاء في مطلعها:
يـا ظَبيَـةً أَشبَـه شَـيءٍ بِالمَهـا = تَرعى الخُزامى بَينَ أَشجـارِ النَّقـا
إِمّا تَـرَي رَأسِـيَ حاكـي لَونُـهُ = طُرَّةَ صُبحٍ تَحـتَ أَذيـالِ الدُجـى
ومن المعاصرين عبدالرحيم محمود، في ألفيته المشهورة، ومنها:
سأحمل روحي على راحتي = وألقي بها في مهاوي الردى
فإمّا حياة تسرّ الصديق = وإمّا مماتٌ يغيظ العدى
ونفسُ الشريف لها غايتان = ورود المنايا ونيلُ المنى
يلذّ لأذني سماع الصليل = ويبهجُ نفسي مسيل الدما
وجسمٌ تجدّل في الصحصحان = تناوشُهُ جارحاتُ الفلا
كسا دمه الأرض بالأرجوان = وأثقل بالعطر ريح الصّبا
وتسميتها بالمقصورة فيه اشتراط أن تكون الألف مقصورة في الروي، وهذا الشرط عندي مثل رفض المبرد مجيئها رويا.
(٢) وأما حجته في قوله: (والألف ساكنة، والساكن لا يتصل به شيء مما ذكرنا)
فالجواب عنها أن الألف وإن كانت ساكنة أصالة، فهذا لا يمنع ورودها رويّا، لأن حرف الهجاء من غير الألف في الروي المقيد: ساكن، ولا يتصل به شيء وليس له مجرى. فهو والألف في الروي سواء.
عبده فايز الزبيدي
31-05-2023, 02:11 PM
قال سعيد محمود عقل في "الدليل في العروض": (مثال العصب من الوافر:
إنْ نَزَلَ الشّتِاءُ بدارِ قَومٍ = تَجَنَّبَ جارَ بَيتهِمُ الشّتِاءُ
(/ه///ه) (//ه///ه) (//ه/ه) = (//ه///ه) (//ه///ه) (//ه/ه)
فاعلتن/ مفاعلتن/ فعولن = مفاعلتن/ مفاعلتن/ فعولن
شاهد التفعيلة الأولى (فاعلتن) وأصلها مفاعلتن). [ص: 18 - 19]
قلت: (1) قوله: (العصب) هو خطأ، تصويبه: العَضْب، بالضاد لا بالصاد.
وكأنه نقل عن ابن عبدربه الأندلسي صاحب العقد الفريد_وقد أشرت لهذا سابقا_ فقال ابن عبدربه في العقد في معرض حديثه عن البحر الوافر:
([أعصب]: إذا نزل الشتاء بدار قوم ... تجنّب جار بيتهم الشتاء)
وقلت حينها: رواية العقد الفريد لبيت الباهلي، هكذا:
إذا نَزَلَ الشِتاءُ بِدارِ قَومٍ = تَجَنَّبَ جارَ بَيتِهِمُ الشِتاءُ
ليس فيها شاهد على علة العضْب. والشاهد يكون برواية:
(إنْ نَزَلَ الشِتاءُ بِدارِ قَومٍ = ..........)
(2) أورد سعيد العقل الشاهد صحيحا على العضب، ولكنه أخطأ في التسمية، وربما كان هذا من أخطاء الطباعة، والله أعلم.
عبده فايز الزبيدي
01-06-2023, 12:48 PM
قال سعيد محمود عقل في كتابه "الدليل في العروض": (التشعيث: هو قطع الوتد المتوسط، وليس بلازم، ولا يكون إلا في الخفيف. جزؤه: فاعلاتن : فالاتن....). [ص: 20]
قلت: الذي يبدو لي أن سعيد عقل ينقل عن العقد الفريد، فكما رأينا سابقا نقله عن صاحب العقد الفريد قوله (أعصب)، وهو تصحيف، وصوابه: أعضب.
نجده الآن يوافق ابن عبدربه الأندلسي الذي قال في العقد الفريد: (أما التشعيث فهو دخول القطع في الوتد من «فاعلاتن» التي من الضرب الأول من الخفيف، فيعود «مفعولن»). [مج 6 / 319].
وأقصد بقولي أنه وافق صاحب العقد الفريد أن كليهما أخذا بالرأي الذي يرى أن التشعيث يأتي من قطع وتد (فاعلاتن).
وقد بسط الدماميني تلك الآراء في العيون الغامزة, بقوله: (التشعيث عبارة عن تغيير يلحق فاعلاتن المجموع الوتد، فيصيّره على وزن مفعولن، وقد اختلف العروضيون في كيفيته على أربعة مذاهب:
أحدها أنّ لامه حذفت فصار فاعاتن، وهذا مذهب الخليل. قال الشريف: ولذلك سماه تشعيثاً، لأن التشعيث في اللغة التفريق، ومنه قولهم لمّ الله شعثك، أي جمع متفرق أمرك، فلما حذفت هذه اللام من ((علا)) وهي وسط الوتد افترق نظمه فسماه تشعيثاً لذلك. ورجح هذا الرأي بأن الحذف من الأواخر وما قرب منها أكثر.
الثاني أن عينه حٌذفت فصار ((فالاتن)) واختاره كثير من الحذّاق. ورُجح بأنه حذفٌ من أوائل الأوتاد فجاز كالخرم.
الثالث: أن وتده قطع قُطِع فحذفت ألفه وسكنت لاممه فصار ((فاعلْتن)) ورجح بأن القطع في الأوتاد أكثر.
الرابع مذهب الزّجاج وقطرب، أنه خبن بحذف ألفه، ثم أضمر بإسكان عينه فصار (فعْلاتن)). [ص: 126].
وعلى هذا يكون ابن عبدربه أخذ بالرأي الثالث في تفسير ظاهرة التشعيث في (فاعلاتن)، ونقل عنه سعيد محمود عقل.
تنويه:
- قول الدماميني: ( أن وتده قطع قُطِع ) أرى أن (قطع) الأولى من أخطاء النُّسخ والطباعة؛ لأن أسلوب الدماميني في هذه المسألة أن يأتي بالجزء ثم يوقع عليه فعلا بصيغة ما لم يسمَّ فاعله.
- ورد في المكتبة الشاملة : (أحدها أنّ لامه حذفت فصار فاعلتن) وكما ترى فـ(فاعلتن) تصحيف، والصواب (فاعاتن) كما أوردته أعلاه. وتوجد أخطاء طباعية أخرى، فوجب التنبيه. والله أعلم وأحكم.
عبده فايز الزبيدي
03-06-2023, 03:13 PM
قال الأخفش في القوافي :”وأما "مَفْعُولُنْ" في الرجز و"فَعُولُنْ" فلا يكون إلا بحرف لينٍ، لأنك أسقطتَ نونَ "مُسْتَفْعِلُنْ" وَأَسكنتَ اللام، فذهبَ منهُ زنةُ مُتحركٍ). [ص: 114].
قلتُ: (1) ورود حرف اللين أو المد في القافية يجعلها من القوافي المردوفة_المُرْدَفة_، والردف حرف لين أو مد (و، ي، ا) يسبق الروي مباشرة.
وعللوا ورود الردف في القوافي بسببين:
أولهما: أن يأتي لتعويض النقص، كما قال الأخفش: (لأنك أسقطتَ نونَ «مُسْتَفْعِلُنْ» وَأَسكنتَ اللام، فذهبَ منهُ زنةُ مُتحركٍ).
وثانيهما: ورود القافية مترادفة، فيجتمع في آخرها ساكنان.
وشرح هذا مبسوط في كتب العروض، ليس هذا مقامه.
(2) يجتمع (فعولن) في ضرب الرجز مع (مفعولن) في القصيدة الواحدة، لأن فعولن هي بديلة (مفعولن) بعد خبنها.
(3) أمَّا قول الإمام الأخفش وهو تلميذ الخليل: ( وأما «مَفْعُولُنْ» في الرجز و«فَعُولُنْ» فلا يكون إلا بحرف لينٍ). [ص: 114].
فهذا ليس بصحيح، وليس بملزم. بل تأتي قافية ضرب الرجز المقطوع (مستفعلْ = مفعولن) تارة مردوفة، وأخرى مجردة من الردف.
فمن شواهد الردف في (مفعولن)، قول ابن عبدربه الأندلسي:
القَلبُ مِنها مستريحٌ سَالمٌ = والقلبُ مِنِّي جَاهِدٌ مَجْهُوْدُ
ومن شواهد التجريد من الردف، قول الحريري في المقامة التبريزية:
أنا السَّروجيّ وهَـذي عِـرْسـي (................ مفعولن)
وليسَ كُفْؤُ البدْرِ غيرَ الشّـمـسِ (................ مفعولن)
وما تَنافى أُنـسُـهـا وأُنـسـي (........... فعولن)
ولا تَناءى ديرُها عـنْ قَـسّـي (................ مفعولن)
ولا عدَتْ سُقْيايَ أرْضَ غَرْسـي (........... فعولن)
لكِنّـنـا مـنـذُ لَـيالٍ خـمْـسِ (................ مفعولن)
نُصبحُ في ثوبِ الطّوى ونُمْسـي (............ فعولن)
وهكذا يمضي هذا التناوب بين (مفعولن) و (فعولن)، في بقية الأرجوزة:
لا نعرِفُ المَضْغَ ولا التّحَـسّـي
حتى كأنّا لخُـفـوتِ الـنّـفْـسِ
أشْباحُ مَوْتى نُشِروا منْ رَمْـسِ
فحينَ عزّ الصّبـرُ والـتـأسّـي
وشَفّنا الضُـرُّ الألـيمُ الـمَـسّ
قُمْنا لسَعْدِ الجَدّ أو لـلـنّـحْـسِ
هذا المَقامَ لاجـتِـلابِ فَـلْـسِ
والفَقْرُ يُلْحي الحُرَّ حـينَ يُرْسـي
إلى التّحَلّي في لِباسِ الـلَّـبْـسِ
فهـذِهِ حـالـي وهَـذا دَرْسـي
فانظُرْ إلى يوْمي وسَلْ عن أمسي
وأمُرْ بجَبري إنْ تَشا أو حبْـسـي
ففي يدَيْكَ صحّتـي ونُـكْـسـي
ووزن الأرجوزة: مستفعلن مستفعلن مفعولن، وهي غير مردوفة.
عبده فايز الزبيدي
03-06-2023, 03:23 PM
أورد سعيد عقل في (الدليل في العروض) في معرض حديثه عن التضمين في القوافي، قولَ امرئ القيس:
(وَتَعرِفُ فيهِ مِن أَبيهِ شَمائِلاً
وَمِن خالِهِ (مِن) يَزيدَ وَمِن حُجَر
سَماحَةَ ذا وَبِرَّ ذا وَوَفاءِ ذا
وَنائِلَ ذا إِذا صَحا وَإِذا سَكِر). [ص: 28 ]
قلت: سقط من عجُز البيت الأول حرف العطف: أَوْ. وهو خطأ طباعي، وتصويبه:
وَتَعرِفُ فيهِ مِن أَبيهِ شَمائِلاً
وَمِن خالِهِ( أَو ) مِنْ يَزيدَ وَمِن حُجَر
عبده فايز الزبيدي
08-06-2023, 04:46 PM
قال ابن رشيق القيرواني في العمدة: (ذكر الزجاج أن ابن دريد أخبره عن أبي حاتم عن الأخفش قال: سألت الخليل بعد أن عمل كتاب العروض: لم سميت الطويل طويلاً؟ قال: لأنه طال بتمام أجزائه، قلت: فالبسيط؟ قال: لأنه انبسط عن مدى الطويل وجاء وسطه فعلن وآخره فعلن، قلت: فالمديد؟ قال: لتمدد سباعيه حول خماسيه، قلت: فالوافر؟ قال: لوفور أجزائه وتداً بوتدٍ، قلت: فالكامل؟ قال: لأن فيه ثلاثين حركة لم تجتمع في غيره من الشعر، قلت: فالهزج؟ قال: لأنه يضطرب؛ شبه بهزج الصوت، قلت: فالرجز؟ قال: لاضطرابه كاضطراب قوائم الناقة عند القيام، قلت: فالرمل؟ قال: لأنه شبه برمل الحصير لضم بعضه إلى بعض، قلت: فالسريع؟ قال: لأنه يسرع على اللسان، قلت: فالمنسرح؟ قال: لانسراحه وسهولته، قلت: فالخفيف؟ قال: لأنه أخف السباعيات، قلت: فالمقتضب؟ قال: لأنه اقتضب من السريع، قلت: فالمضارع؟ قال: لأنه ضارع المقتضب، قلت: فالمجتث؟ قال: لأنه اجتث، أي: قطع من طويل دائرته، قلت: فالمتقارب؟ قال: لتقارب أجزائه؛ لأنها خماسية كلها يشبه بعضها بعضاً.). [مج 1 / ١٣٦].
قلتُ: وهذا يدل على أن الخليل هو من سمَّى هذه البحور بتسمياتها؛ نسبة للعلاقات بين أسبابها وأوتادها. ولم يرد ذكرٌ لبحر المتدارك، في تلك الرواية المشهورة، فلعل هذه الرواية إن صدقت دليل على أن المتدارك مما استدركه الأخفش على أستاذه الخليل، لا لأن الخليل لا يعلمه، ولكن_ ربَّما_ أهمله لندرة الشواهد عنده. والله أعلم.
وأول من قسَّم البحور الشعرية على مركب ومفرد، هو الجوهري. قال ابن رشيق في العمدة: (وجعل الجوهري هذه الأجناس اثني عشر باباً، على أن فيها المتدارك: سبعة منها مفردات، وخمسة مركبات، قال: فأولها المتقارب، ثم الهزج، والطويل بينهما مركب منهما، ثم بعد الهزج الرمل، والمضارع بينهما، ثم بعد الرمل الرجز، والخفيف بينهما، ثم بعد الرجز المتدارك، والبسيط بينهما، ثم بعد المتدارك المديد، مركب منه ومن الرمل، قال: ثم الوافر والكامل، لم يتركب بينهما بحر لما فيهما من الفاصلة). [مج 1 / 136 - 137].
عبده فايز الزبيدي
09-06-2023, 10:05 PM
قال فانديك في محيط الدائرة: (وبيت التلم قول الحماسي:
إِن كانَ ما بُلِّغتَ عَنّي فَلامَني.= صَديقي وَسُلَّتْ مِن بدَيَّ الأَنامِلُ). [ص: 31].
وَرَدَ في كلام فانديك الأمريكاني، تصحيفات عِدَّة، فقوله: (التلم) تصويبه: الثلم (الخرم)، وهو سقوط أول الوتد المجموع من أول تفعيلة الحشو، وهو هنا الفاء من فعولن، فتصير: عولن، ثم تنقل إلى: فعْلُنْ؛ تحسينا للفظ.
والثلم علة تجري مجرى الزحاف.
وقوله: (بدَيَّ) تصويبه يَدَيّ. والشاهد بيتٌ للسموأل، يروى هكذا:
إِن كانَ ما بُلِّغتَ عَنّي فَلامَني= صَديقي وَحُزَّت مِن يَدَيَّ الأَنامِلُ.
وقوله الحماسي، نسبة لديوان الحماسة، ويقال لكل شاعر ورد له نص في ديوان الحماسة حماسِيٌّ.
وأمَّا نقل (عولن) إلى فعلن، فلَهُ تبريرٌ مفادُه أن الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي_رحمه الله_ صاحب العروض اعتمد حروف ميزان الصرف (ف، ع، ل) المجموعة في : فَعَل، ويقال لها في الصرف والعروض: حروف الوزن.
ثم يزاد عليها لبناء أجزاء البيت من حروف التفعيل، حسب وزن البيت وموسيقا النغم فيه.
وحروف التفعيل _التقطيع_، هي: ( م، ت، س، ي، و، ن ، ا). وتُجمع حروف الوزن والتقطيع في قولهم: (لَمَعَتْ سُيُوفُنا).
فإذا سقط حرف من حروف الوزن في تفعيلة(جزء)؛ بسبب دخول زحاف أو عِلَّة، نقلت إلى صورة مألوفة، بها ذلك الحرف الوزني، الذي سقط، مثل: (فعولن) إذا ثُلمت صارت (عولن) فتنقل إلى (فعْلن)، و(مفاعيلن) إذا حذفت كانت (مفاعي) فتنقل إلى فعولن، و(مستفعلن) إذا طويت تصبح (مستعلن) فتنقل إلى (مفتعلن)......إلخ.
أمَّا إذا زُحفت التفعيلة وبقي لفظها مقبولا محافظا على حروف الوزن فتبقى كما هي، مثل قبض مفاعيلن الطويل: مفاعلن، فهي بعد القبض تحوي: الفاء والعين واللام، ولفظه مألوف ومحبَّبٌ.
بخلاف صورة القطع في "فاعلنْ" وبه تصير: فاعلْ، فتنقل إلى (فعْلنْ) فالمبرر هنا الألفة لا غير؛ لأن (فاعلْ) بها : الفاء، والعين، واللام.
عبده فايز الزبيدي
14-06-2023, 01:09 PM
قال سعيد عقل في "الدليل في العروض" مستشهدا على ورودِ العروض مشعَّثة دون تصريع، بقول عمر بن ابي ربيعة المخزومي:
(دُمْيَّةٌ عِنْدَ راهِبٍ قسِّيْسٍ = صوَّروها في جَانبِ المِحرابِ). [ص: 91].
قلتُ:
(1) روى الجاحظ في (المحاسن والأضداد) البيت وصدره:
(دمية عند راهب قسّيسٍ = صوروها في مذبح المحراب). [ص: 239]
ومطلع القصيدة: (من رسولي إلى الثريا فإنِّي)، ومنها:
من رسولي إلى الثريا، فإني = ضقت ذرعاً بهجرها، والكتاب
سلبتني مجاجة المسك عقلي = فسلوها بما يحل اغتصابي
أبرزوها مثل المهاة، تهادى = بين خمس كواعبٍ أتراب
ذكرتني ببهجة الشمس لما = طلعت في دجنةٍ وسحاب
دُمْيَةُ عند راهبٍ قسِّيْسٍ ... صوروها في مذبح المحراب
فعروض البيت المشار عليه : فالاتن = مفعولن. وعروض سائر أبيات القصيدة: فاعلاتن. وبهذا يكون في القصيدة إقعاد.
تنبيه: ورد البيت في المحاسن والأضداد _نسخة المكتبة الشاملة_ هكذا:
دُمْيَةُ عند راهبٍ (و)قسيسٍ ... صوروها في مذبح المحراب
والواو بين راهب وقسيس تصحيف من النّسَّاخ.
(2) وروى عبدالقادر البغدادي في شرح أبيات مغني اللبيب، البيتَ هكذا:
(دمية عند راهبٍ ذي اجتهاد = صوروها في جانب المحراب). [مج 1 / 39].
وبهذه الرواية لا يكون في القصيدة إقعاد. لأن أعاريض القصيدة جاءت على: فاعلاتن. والله أعلم وأحكم.
عبده فايز الزبيدي
16-06-2023, 08:59 AM
قال الدكتور الأستاذ عبدالحميد السيد عبدالحميد في كتابه "الطريق المُعبَّد إلى علمي الخليل بن أحمد"، ناقلا عن الجاحظ في البيان والتبيين، ما قوله: ( وقد ذكرت العرب في أشعارها السناء والأقواء والأكفاء، ولم أسمع بالإيطاء) . [ص: 19]
قلتُ: قوله (السناء) تصحيف من صاحب كتاب الطريق المعبد، وتصويبه: السِّناد. وقوله: (الأقواء) و(الأكفاء)بفتح الهمزة خطأ، والصواب بكسرها: الإقواء.،والإكفاء
والسِّنَادُ: مجموعةُ من العيوبٍ تتعلًّقُ بحروف وحركات القافية، ويرى ابن جني أن كل عيب في القافية، وبخاصة ما يكون قبل الروي يجوز تسميته بالسناد.
ويُعرف السِّنادُ بأنه اختلافُ ما يُرَاعَى قَبْلَ الرَّوِيِّ مَنَ الحَركاتِ والحروف.
والسناد خمسة أنواع، هي: سناد التأسيس، سناد الردف، سناد التوجيه، سناد الإشباع، وسناد الحذو.
والإقواء: هو اختلاف المجرى بالضمِّ والكسر. كقول النابغة الذبياني:
أمِنْ آل مَيَّة رَائِحٌ أومُغْتَدِيْ = عجْلَانَ ذَا زَادٍ وغَيْر مزوّدِ
زَعَمَ البَوَارِحُ أنَّ رِحْلَتَنَا غَدَاً = وبِذَاكَ خَبَّرَنَا الغُرَابُ الأسودُ
فحركة الروي (المجرى) في البيت الأول الكسرة، وفي البيت الثاني الضمة.
قيلَ إنَّ أكثر ما يقع الإقواء في شعر الأوائل بين الضمة والكسرة، لقرب الضمة من الكسرة، ويقال الكسرة أخت الضمة.
والإكفاء: هو اختلاف الروي بحروف ذات مخرج واحد أو متقاربة المخارج، كاللام مع النون، أو السين مع الصاد ونحو ذلك. والإكفاء عكس الإجازة.
عبده فايز الزبيدي
16-06-2023, 09:00 AM
قال الدكتور الأستاذ عبدالحميد السيد عبدالحميد في كتابه "الطريق المُعبَّد إلى علمي الخليل بن أحمد": (الفاصلة الكبرى لا تكون إلا في جزء مزاحف، وهو مستفعلن المخبول، بحذف سيئه، وفائه، فينقل إلى فعلتن). [ص: 41].
قلت:
قوله (سيئه) تصحيف، تصويبه: سينه.
و(مستفعلن) تتكون من سببين خفيفين ووتد مجموع، والمخبول هو الجزء(التفعيلة) الذي دخل عليه الخبل.
والخبل اجتمع الخَبن والطي، فإذا خُبنت مستفعلن، سقط سينها: متَفْعِلن.
ثم إذا طويت بَعْدُ، سقط فاؤها: فعُلَتُنْ.
وقد سمَّى الخليل الفاصلة الصغرى: فاصِلة بالصاد المهملة، كما سمى الفاصلة الكبرى بالفاضِلة بالضاد المعجمة.
قال الأزهري في تهذيب اللغة: (وَقَالَ الْخَلِيل: الفاصلة فِي العَرُوض: أَن يَجمع ثَلَاثَة أحرف متحرّكة وَالرَّابِع سَاكن مثل فَعِلَنْ. قَالَ: فَإِذا اجْتمعت أربَعةُ أحرف متحرّكة فَهِيَ الفاضلة بالضاد مُعْجمَة مثل: فعُلَتُنْ). [مج 12 / ١٣٦].
يرى ابن عبدربه في العقد الفريد أن المفاعيل أربعة فقط، هي: السبب الثقيل والسبب الخفيف، والوتد المجموع، والوتد المفروق.
ويهمل ابن عبدربه الفاصلة الصغرى والفاصلة الكبرى؛ لأنه يرى أن الفاصلة الصغرى هي سبب ثقيل بعده سبب خفيف. وأنَّ الفاصلة الكبرى هي سبب ثقيل بعدها وتد مجموع. فما هناك حاجة لإضافة مصطلحات جديدة. وعلى رأيه الدماميني، وصاحب الخزرجية، ومن المعاصرين عبدالحميد السيد صاحب الطريق المُعَبَّد.
وعلى النقيض من ذلك يرى الخليل بن أحمدَ_ صاحب العروض_ ومن تبعه إثبات الفاصلة بنوعيها الصغرى والكبرى، وقالوا: الفاصلة الكبرى لا تأتي إلا من جزء مُزاحف، وهو "مستفعلن" بعد خَبْلهِ، فيصبح (متعلن) بعد سقوط سينه بالخبن ،وفائه بالطي، فالخبل هو اجتماع الخبن والطي في الجزء. وكلام الرافضين لمصطلح الفاصلة إنما يجري على الأجزاء الصحيحة.
وكلام الخليل مقدّم عندي ، فهو ابو هذا الفن، وثقة هذا الباب دون منازع.
عبده فايز الزبيدي
17-06-2023, 06:22 AM
قال الأستاذ الدكتور/ عبدالحميد السيد عبدالحميد في (الطريق المعبد): (الخذل اجتماع الإضمار والطي). [ص: 56].
قلتُ:
قول الكاتب: (الخذل) بالذال تصحيف، تصويبه الخزل بالزاء لا بالذال. وقد كرر هذا الإيراد في كذا موضع من الكتاب، ومنه إيراده هذا الشاهد من منظومة الدمنهوري:
فطَيٌّ وخَبْنٌ أصْلُه ثم أوَّلٌ = والاضْمارُ خَذلٌ ثمَّ ثانٍ تَحصَّلا
أورد (خذل)، والذي في المنظومة (خزل) كما بيَّنت لك آنفا. ولم أقف على أنها لغة أخرى فيه، كما يقال للكشف: كسف، وللفاصلة الكبرى فاضِلة.
عبده فايز الزبيدي
17-06-2023, 07:21 AM
قال الدكتور عبدالحميد السيد عبدالحميد في (الطريق المُعبَّد): (الحذف: إسكان السبب الخفيف من آخر التفعيلة). [ص: 62].
قلتُ:
قوله: (الحذف: إسكان السبب الخفيف من آخر التفعيلة) خطأ، والصواب أن الحذف من علل النقص، وهو إسقاط_حذف_ السببِ الخفيفِ من آخر التفعيلة، مثلُ حذفِ (لُنْ) من (فَعولُنْ) فتصير (فَعُوْ).
ولا يستقيم قوله (إسكان السبب الخفيف)؛ لأن السبب الخفيف آخره ساكن أصالةً.
وقيل سمي السبب الخفيف بهذا؛ لخفته إذ ينتهي بساكن، خلافا لشقيقه السبب الثقيل الذي ينتهي بمتحرك. وقد سمى ابن منظور_في لسان العرب_ السببين الخفيف والثقيل في الفاصلة الصغرى بالسببين المقرونين.
جاء في اللسان: (والفاصلة الصغرى من أجزاء البيت: وهي السببان المقرونان، وهو ثلاث متحركات بعدها ساكن، مثل "متفا" من متفاعل، و"علتُنْ" من مفاعلتُن).
.
عبده فايز الزبيدي
20-06-2023, 12:00 PM
قال الدكتور الأستاذ عبدالحميد السيد عبدالحميد في كتابه "الطريق المُعبَّد إلى علمي الخليل بن أحمد": (الطويل هو أول البحور، وأتمَّها استعمالا، إذ لا يدخله شطْرٌ، ولا جَزءٌ، ولا نَهْكٌ. وهو أكبرُ البحور وروداً في شعر القدماء ) . [ص: 88]
قلتُ:
(1)قوله (الطويل هو أول البحور).
هذا يصح على ترتيب أبي علم العروض والقافية، الخليل بن أحمد، الذي جعل دَائِرَةَ المُخْتَلِفِ أولى الدَّوائر العروضَيَّة، وجعل الطويل مقدماً فيها على المديد والبسيط، لأن الأخيرين يبدأن بسبب، والطويل يبدأ بوتد مجموع. والوتد أوثق وأثبت من السبب الذي يغشاه الزحاف غالبا. ومن العروضيين من يسمي الزحاف بالخبن، ويعني به خاصة حذف أحد حرفي السبب.
ومن العروضيين من يعتمد ترتيبا للبحور غير الترتيب الذي جعله الخليل.
فالترتيب المشهور حسب دوائر الخليل الفراهيدي، هو كما يلي:
(1)الطويل
(2) المديد
(3) البسيط
(4) الوافر
(5) الكامل
(6) الهزج
(7) الرجز
(8) الرمل
(9) السريع
(10) المنسرح
(11) الخفيف
(12) المضارع
(13) المقتضب
(14) المجتث
(15) المتقارب
(16) المتدارك.
ترتيب المحلي في شفاء الغليل:
(1)المتقارب
(2) المتدارك
(3) الهزج
(4) الرجز
(5) الرمل
(6) الوافر
(7) الكامل
(8) الطويل
(9) المديد
(10) البسيط
(11) المضارع
(12) المقتضب
(13) المجتث
(14) السريع
(15) المنسرح
(16) الخفيف
ترتيب محمود شاكر:
(1)الطويل
(2) المديد
(3) البسيط
(4) الوافر
(5) الكامل
(6) الهزج
(7) الرجز
(8) الرمل
(9) المضارع
(10) المقتضب
(11) المجتث
(12) السريع
(13) المنسرح
(14) الخفيف
(15) المتقارب
(16) المتدارك.
وهناك ترتيبات أخرى، وليس هذا مكان تقصيها وحصرها.
(2)قوله (وأتمَّها استعمالا):
هذه عبارة لا صحة لها، والواقع أن الطويل لا يستخدم وافيا إلا نادرا، والغالب أن تأتي عروضه مقبوضة. بينما هناك بحور تأتي بيوتها وافية، وعروضها صحيحة وضربها سالما، مثل: الرجز، والكامل.
(3) قوله: (إذ لا يدخله شطْرٌ، ولا جَزءٌ، ولا نَهْكٌ).
يُقبل هذا الكلام على ما كان من عمل الشعراء زمن الخليل، وبعده بزمنٍ يسير. لكن لم يعجب هذا الجمود شعراء العصر العباسي وما بعده، فكسروا هذا الجمود، وتفننوا في الأوزان داخل البحر الواحد، ومن هذا ما فعلوه في البحر الطويل، فجاءوا به تامَّا، ومشطورا، ومجزوءاً، ومنصوفا.
والنَّهْكُ لا يكون في الأبحر التي تتألف من تفعيلتين، وقد شرحتُ هذا الأمر سابقا.
فشاهدُ مجزوءِ الطويل ما أورده ابن القطاع في البارع في العروض:
لَعَمْرِي لَقَدْ نَادَى أَخَاهُ = سُوَيدٌ فَلَمْ يَسْمَعْ نِدَاهُ
فعولن/ مفاعيلن/ فعولن = فعولن/ مفاعيلن/ فعولن
وشاهد مشطور منصوف الطويل، قول الوأواء الدمشقي:
سَبيلُ الهَوى وَعْرُ
وَبَرْدُ الهَوى حَرُّ
وسِرُّ الهَوى جَهْرُ
وَشَهْرُ الهَوى دَهْرُ
وَبَرُّ الهَوى بَحْرُ
ويومُ الهَوى شَهْرُ
فهذه الأبيات فيها شاهد على مشطور الطويل، وعلى منصوفه. وتسمية (فعولن مفاعيلن) بمنصوف الطويل تسمية لم اقف على شخصٍ سبقني إليها، حسب معرفتي المتواضعة، والله أعلم.
والمنصوف مصطلح أجريته على كل بحر ثماني جاءت صورته من تفعيلتين، ومدار نغمه أصالةً على تفعيلتين مختلفتين، مثل الطويل (فعلون مفاعيلن)، والبسيط (مستفعلن فاعلن)، و ... إلخ.
(4) قوله: (وهو أكبرُ البحور وروداً في شعر القدماء).
لا بأس من استخدام كلمة (أكبر) بمعنى (أكثر)، فيقال: أعطاه مالاً كثيرا، و يقال: أعطاهُ مالاً كبيراً.
تنويه:
- جاء خطأ طباعي في [ص: 90]، إذا قال:
(فعول مفاعيلن فعولن مفاعلن = (فعلو) مفاعيلن فعول مفاعلن)
إذ قال (فعلو) بدلا من (فعولُ)، عند وزنه للبيت الذي أنشده:
وإنَّك للمولى الذي بكَ أقتدي = وإنَّك للنجم الذي بك أهتدي
- استخدم المؤلف كلمة (عروضة) بدلا من عروض، أوردها مثلا في [ص: ٩١ -٩٢ -٩٣].
والعروض ترد بلا تاء، وهي مؤنث مجازي، وجمعها أعاريض. وأهل العروض يقولون في صفات العروض: مقبوضة ، صحيحة، مكفوفة، …… إلخ.
ويقولون في وصف الضرب: سالم، صحيح، مكفوف، ….إلخ.
جاء في تاج العروس قول الأخنس بن شهاب التَّغْلبي:
لُكلِّ أُناسٍ مِنْ مَعَدٍّ عِمَارَةٌ= عَرُوْضٌ إليْهَا يَلجَؤون وجانبُ
والعروض الناحية.
ابو الطيب البلوي القضاعي
21-06-2023, 02:12 AM
موضوع أكثر من رائع، ويا ليتك تضمه معا في ملف واحد منسق، كملف وورد منسق، ليمكننا الاحتفاظ به.
واسمح لي أن اضيف هذا التعقيب على ما سطره أهل العروض في كتبهم ومقالاتهم. فقد جاء في "المعيار في أوزان الأشعار، والكافي في علم القوافي [المعيار]. تحقيق: محمد رضوان الداية. دار الأنوار - بيروت، ط 1، 1968 م. للشنتريني [السرّاج الشنتريني] (أبو بكر محمد بن عبد الملك السرّاج الأندلسي الشنتريني النحَوِيّ، ت 550 هـ)، تعقيباً منه على قالب مستدرَك على الخليل في الوافر، شاهده عليه هو قول العلاء بن منهال الغنوي:
فليتَ أبا شَرِيكٍ كانَ حيّاً .... فيَقصُرَ حينَ يَنصُرَهُ شَرِيكْ
مفاعلَتن مفاعلْتن مفاعلْ ... مفاعلَتن مفاعلَتن مفاعْ
نعم، نعمم نعم، لا لا نعم، لا... نعم، نعمم نعم، نعمم نعم Ø
ويَترُكَ مِن تَدَرُّئِهِ علَينا ... إذا قلنا لهُ هذا أبُوكْ
نعم، نعمم نعم، نعمم نعم، لا ... نعم، لا لا نعم، لا لا نعم Ø
أقول: فبينما أنه يمكن وصف عروضة هذا القالب في نظام الخليل، فإنّ ضربه مستحيل الوصف باستعمال مصطلحات نظام الخليل الحالية، فلم يخترع الخليل علة تحوّل مفاعلَتن //0 ///0 الى مفاعْ (//00).
وهنا يتبين خطأ الشنتريني في وصفه لهذا القالب المستدرَك من خلال أدوات نظام الخليل، عندما قال أنه شذّ في ضربه الأول القَصْر (المعيار في أوزان الأشعار، ص 44). فهذا توصيف خاطئ بالنظر لبنية نظام الخليل.
فعلة القصر تحذف ساكن السبب الخفيف آخر الجزء وتسكّن ما قبله؛ وعند تطبيقها على جزء الوافر (مفاعلَـتن)، المنتهي بسبب خفيف [وَهْمي]؛ فهذا سيوصلنا إلى مفاعلَـتْ [نعم نعم] وليس إلى مفاعْ ( نعم Ø)..! فحتى توصلنا علة القصر إلى مفاعْ ( نعم Ø)، فهذا لا يكون إلّا لو كان الضرب هو فاعلاتن أو فعولن حصراً. لكن جزء الوافر منتهي بـ مفاعلَتن كصورة قياسية بحسب تقرير الخليل، والصورة القياسية هي منطلق تطبيق العلة في نظام الخليل العروضي.
وأظن أنّ الشنتريني قد غلب على ذهنه القول المتداول في الكتب وعلى ألسن العروضيين، عن قالب الوافر الاول الأكثر شيوعاً من بين قوالب الوافر، بأنّ عروضته وضربه هي (فعولن). فأجرى علة القصر على (فعولن) دون العودة للأصل القياسي التام منطلق عمل العلة، أي العودة إلى (مفاعلَـتن) السالمة.
وقد دار جدال على هذا القالب بين أتباع نظام الخليل، لم يتمحور حول كونه موافق لنظام العرب أم غير موافق، فنظام الخليل يعجز عن البَتّ في ذلك كما يقول صاحب هلم عروض قضاعة؛ إنما تمـحور النقاش عنه حول هل بُني على الإطلاق أم على الوقف..؟ وهل كان بناءه على الوقف كان لتجنّب الإقواء أم لا..؟
فلو بُني على الإطلاق فهذا معناه زيادة سبب حفيف للعجز [** سِواهُ: ** //0 /0]، وبذلك لن يَعود قالباً مستدركاً على الخليل، إنما يكون هو النوع الأول من الوافر. فكما ترى، فكل هذا الجدل إنما هو محاولتهم لإرجاعه لنظام الخليل، حتى أنساهم ذلك أن يناقشوا هل له مكان في نظام الخليل فيما لو بُني على الوقف حقاً أم لا؛ ومحمد العَلمي هو احدهم. (العروض والقافية- دراسة في التأسيس والاستدراك ص 197-198).
وهذا القالب ليس شاذاً كما ادعى الشنتريني، فليس مستغرباً أن ينتج هذا القالب عن قريحة العرب، فهو يسير على القواعد التي سارت قرائحهم عليها. والقرينة المؤكِّدة لذلك، أنّ على هذا القالب نظم موثق للبريق الهذلي (مخضرم)، كما أن هناك قطعة ثانية على نفس هذا القالب لزياد الأعجم (أموي)، مطلعها (ألَمْ تَرَ أنَّـنـِي وَتَّـرْتُ قَوسِي ... لِأبْقَعَ مِن كِلابِ بنِي تَمِيمْ)، (من قصيدة عدّت ثمانية أبيات، ديوانه: ص 100).
قال البريق الهذلي (مخضرم) - (من قصيدة عدّت 16 بيت، شرح أشعار الهُذَليين، ص 756):
رمَيْتُ بِثابتٍ مِن ذِي نُمارٍ .... وأَردَفَ صاحِبانِ لَهُ سِواهْ
مفاعلَتن مفاعلْتن مفاعلْ ... مفاعلَتن مفاعلَتن مفاعْ
نعم، نعمم نعم، لا لا نعم، لا .... نعم، نعمم نعم، نعمم نعم Ø
فأغْرى صاحِبَيهِ فقُلتُ مَهلاً ... فإنّ الموتَ يَأتِي مَن أتاهْ
نعم، لا لا نعم، نعمم نعم، لا نعم، لا لا نعم، لا لا نعم
فأوْمَأْتُ الكِنانَةَ إنّ فيها ... مَعابِلَ كَالجَحِيمِ لَها لَظاهْ
نعم، لا لا نعم، نعمم نعم، لا نعم، نعمم نعم، نعمم نعم
ومِنكُمْ مَيِّتٌ قَبلِي فَأبقُوا ... على أدنى الثَّلاثَةِ مَن نَعاهْ
نعم، لا لا نعم، لا لا نعم، لا نعم، لا لا نعم، نعمم نعم
تفضل بقبول فائق التقدير لجهدك العظيم هذا.
وانتهز الفرصة لدعوتك للاطلاع على نظرية قضاعة "علم عروض قضاعة"، التي تفوقت على نظرية الخليل بأشواط. فالخليل قد أقام نظامه العروضي على قدر ما وصل له من قوالب شعر العرب؛ وهذه القوالب هي ما شكلّت كيان نظامه، النواة وغلافها؛ بحيث انه إذا استُدرك قالب على نظامه من العرب المعتد بنظمهم، ولم يكن له مكان في نظامه، تخلخل نظامه وصنّف هذا القالب بأنه من الشواذ ظلماً. أمّا في نظام قضاعة فالأمر مختلف، فنظام قضاعة قام على القواعد الصوتية والإيقاعية التي سارت عليها قرائح العرب، سواء وردت القوالب موثقة عنهم أم أبدعها شاعر معاصر.
هذا مع إقراري بأنه ليس هناك أقوى من نظرية الخليل العروضية إذا غابت نظرية قضاعة عن الساحة الصوتية والعروضية؛ هذا على حدّ زعم صانعها طبعاً (أبو الطيب القضاعي)، وهو زعمٌ لا ألزم به أحداً إلّا نفسي ومن تبعني.
وإذا اشتركَ بعد ذلك ذوي النباهة والمعرفة بهذا الزعم، فسوف يثبت هذا الزعم لعروض قضاعة في الساحات الصوتية والعروضية؛ إذا شاء له الله ذلك طبعاً؛ فصحة الفكرة وقوتها ليست الشرط الوحيد لهيمنة الفكرة على الساحة المعنية، فما لم يقدر الله أتباعاً للفكرة يحملونها عن صاحبها، فستظل حبيسة كُتب صاحبها.
تقبل تحياتي...
عبده فايز الزبيدي
21-06-2023, 02:56 PM
موضوع أكثر من رائع، ويا ليتك تضمه معا في ملف واحد منسق، كملف وورد منسق، ليمكننا الاحتفاظ به.
واسمح لي أن اضيف هذا التعقيب على ما سطره أهل العروض في كتبهم ومقالاتهم. فقد جاء في "المعيار في أوزان الأشعار، والكافي في علم القوافي [المعيار]. تحقيق: محمد رضوان الداية. دار الأنوار - بيروت، ط 1، 1968 م. للشنتريني [السرّاج الشنتريني] (أبو بكر محمد بن عبد الملك السرّاج الأندلسي الشنتريني النحَوِيّ، ت 550 هـ)، تعقيباً منه على قالب مستدرَك على الخليل في الوافر، شاهده عليه هو قول العلاء بن منهال الغنوي:
فليتَ أبا شَرِيكٍ كانَ حيّاً .... فيَقصُرَ حينَ يَنصُرَهُ شَرِيكْ
مفاعلَتن مفاعلْتن مفاعلْ ... مفاعلَتن مفاعلَتن مفاعْ
نعم، نعمم نعم، لا لا نعم، لا... نعم، نعمم نعم، نعمم نعم Ø
ويَترُكَ مِن تَدَرُّئِهِ علَينا ... إذا قلنا لهُ هذا أبُوكْ
نعم، نعمم نعم، نعمم نعم، لا ... نعم، لا لا نعم، لا لا نعم Ø
أقول: فبينما أنه يمكن وصف عروضة هذا القالب في نظام الخليل، فإنّ ضربه مستحيل الوصف باستعمال مصطلحات نظام الخليل الحالية، فلم يخترع الخليل علة تحوّل مفاعلَتن //0 ///0 الى مفاعْ (//00).
وهنا يتبين خطأ الشنتريني في وصفه لهذا القالب المستدرَك من خلال أدوات نظام الخليل، عندما قال أنه شذّ في ضربه الأول القَصْر (المعيار في أوزان الأشعار، ص 44). فهذا توصيف خاطئ بالنظر لبنية نظام الخليل.
فعلة القصر تحذف ساكن السبب الخفيف آخر الجزء وتسكّن ما قبله؛ وعند تطبيقها على جزء الوافر (مفاعلَـتن)، المنتهي بسبب خفيف [وَهْمي]؛ فهذا سيوصلنا إلى مفاعلَـتْ [نعم نعم] وليس إلى مفاعْ ( نعم Ø)..! فحتى توصلنا علة القصر إلى مفاعْ ( نعم Ø)، فهذا لا يكون إلّا لو كان الضرب هو فاعلاتن أو فعولن حصراً. لكن جزء الوافر منتهي بـ مفاعلَتن كصورة قياسية بحسب تقرير الخليل، والصورة القياسية هي منطلق تطبيق العلة في نظام الخليل العروضي.
وأظن أنّ الشنتريني قد غلب على ذهنه القول المتداول في الكتب وعلى ألسن العروضيين، عن قالب الوافر الاول الأكثر شيوعاً من بين قوالب الوافر، بأنّ عروضته وضربه هي (فعولن). فأجرى علة القصر على (فعولن) دون العودة للأصل القياسي التام منطلق عمل العلة، أي العودة إلى (مفاعلَـتن) السالمة.
وقد دار جدال على هذا القالب بين أتباع نظام الخليل، لم يتمحور حول كونه موافق لنظام العرب أم غير موافق، فنظام الخليل يعجز عن البَتّ في ذلك كما يقول صاحب هلم عروض قضاعة؛ إنما تمـحور النقاش عنه حول هل بُني على الإطلاق أم على الوقف..؟ وهل كان بناءه على الوقف كان لتجنّب الإقواء أم لا..؟
فلو بُني على الإطلاق فهذا معناه زيادة سبب حفيف للعجز [** سِواهُ: ** //0 /0]، وبذلك لن يَعود قالباً مستدركاً على الخليل، إنما يكون هو النوع الأول من الوافر. فكما ترى، فكل هذا الجدل إنما هو محاولتهم لإرجاعه لنظام الخليل، حتى أنساهم ذلك أن يناقشوا هل له مكان في نظام الخليل فيما لو بُني على الوقف حقاً أم لا؛ ومحمد العَلمي هو احدهم. (العروض والقافية- دراسة في التأسيس والاستدراك ص 197-198).
وهذا القالب ليس شاذاً كما ادعى الشنتريني، فليس مستغرباً أن ينتج هذا القالب عن قريحة العرب، فهو يسير على القواعد التي سارت قرائحهم عليها. والقرينة المؤكِّدة لذلك، أنّ على هذا القالب نظم موثق للبريق الهذلي (مخضرم)، كما أن هناك قطعة ثانية على نفس هذا القالب لزياد الأعجم (أموي)، مطلعها (ألَمْ تَرَ أنَّـنـِي وَتَّـرْتُ قَوسِي ... لِأبْقَعَ مِن كِلابِ بنِي تَمِيمْ)، (من قصيدة عدّت ثمانية أبيات، ديوانه: ص 100).
قال البريق الهذلي (مخضرم) - (من قصيدة عدّت 16 بيت، شرح أشعار الهُذَليين، ص 756):
رمَيْتُ بِثابتٍ مِن ذِي نُمارٍ .... وأَردَفَ صاحِبانِ لَهُ سِواهْ
مفاعلَتن مفاعلْتن مفاعلْ ... مفاعلَتن مفاعلَتن مفاعْ
نعم، نعمم نعم، لا لا نعم، لا .... نعم، نعمم نعم، نعمم نعم Ø
فأغْرى صاحِبَيهِ فقُلتُ مَهلاً ... فإنّ الموتَ يَأتِي مَن أتاهْ
نعم، لا لا نعم، نعمم نعم، لا نعم، لا لا نعم، لا لا نعم
فأوْمَأْتُ الكِنانَةَ إنّ فيها ... مَعابِلَ كَالجَحِيمِ لَها لَظاهْ
نعم، لا لا نعم، نعمم نعم، لا نعم، نعمم نعم، نعمم نعم
ومِنكُمْ مَيِّتٌ قَبلِي فَأبقُوا ... على أدنى الثَّلاثَةِ مَن نَعاهْ
نعم، لا لا نعم، لا لا نعم، لا نعم، لا لا نعم، نعمم نعم
تفضل بقبول فائق التقدير لجهدك العظيم هذا.
وانتهز الفرصة لدعوتك للاطلاع على نظرية قضاعة "علم عروض قضاعة"، التي تفوقت على نظرية الخليل بأشواط. فالخليل قد أقام نظامه العروضي على قدر ما وصل له من قوالب شعر العرب؛ وهذه القوالب هي ما شكلّت كيان نظامه، النواة وغلافها؛ بحيث انه إذا استُدرك قالب على نظامه من العرب المعتد بنظمهم، ولم يكن له مكان في نظامه، تخلخل نظامه وصنّف هذا القالب بأنه من الشواذ ظلماً. أمّا في نظام قضاعة فالأمر مختلف، فنظام قضاعة قام على القواعد الصوتية والإيقاعية التي سارت عليها قرائح العرب، سواء وردت القوالب موثقة عنهم أم أبدعها شاعر معاصر.
هذا مع إقراري بأنه ليس هناك أقوى من نظرية الخليل العروضية إذا غابت نظرية قضاعة عن الساحة الصوتية والعروضية؛ هذا على حدّ زعم صانعها طبعاً (أبو الطيب القضاعي)، وهو زعمٌ لا ألزم به أحداً إلّا نفسي ومن تبعني.
وإذا اشتركَ بعد ذلك ذوي النباهة والمعرفة بهذا الزعم، فسوف يثبت هذا الزعم لعروض قضاعة في الساحات الصوتية والعروضية؛ إذا شاء له الله ذلك طبعاً؛ فصحة الفكرة وقوتها ليست الشرط الوحيد لهيمنة الفكرة على الساحة المعنية، فما لم يقدر الله أتباعاً للفكرة يحملونها عن صاحبها، فستظل حبيسة كُتب صاحبها.
تقبل تحياتي...
حياك الله أخي الكريم
سعيد جدا بمشاركتك القيمة. وألف شكر.
ابو الطيب البلوي القضاعي
30-06-2023, 01:02 AM
جاء في كتاب القسطاس للزمخشري (ص 40) [ت/ 538 هـ]، قوله: "والرابع: المقطوف. والقَطْف: الحذف بعد العصب، حتى يصير مَفاعِلْ، ويردّ إلى فَعُولُنْ".
أقول (أبو الطيب): مقولة أنّ علة القطف إنما هي علة الحذف بعد زحاف العصب، على ما قال الزمخشري وغيره، هي مقولة خاطئة بالنظر لأساسات نظام الخليل..؟
فمنطوق علة القَطف كما قرّرها الخليل، والمتوافقة مع أساسات نظامه التي انطلق منها، هو أن القطف إسقاطٌ للسبب الخفيف من آخر الجزء مفاعلَـتن [//0 - //- /0]، ثم إسكان ما قبله [(العقد الفريد، ج6، 273)، (الغامزة، ص 106)].
فنهاية جزء الوافر القياسي بتأصيل نظام الخليل هي الفاصلة الصغرى (///0) [مفاعلَـتن //0 - ///0 ]؛ وهذه الفاصلة في أساسات نظامه هي سبب ثقيل متبوع بسبب خفيف [وهْمِي]. وفي علة القطف قد تصادَف أنّ الذي سوف يسكّن هو المتحرك الثاني من السبب الثقيل؛ ما أدّى لتحوّل السبب الثقيل إلى خفيف في الظاهر [مفاعلَـتن //0 - //- /0 تؤول إلى //0 /0]، فأشبه ذلك عمل زحاف العصب الذي يحوّل السبب الثقيل إلى خفيف. ومن هنا نتجت هذه المقولة الخاطئة.
فالمسبب الحقيقي لهذا التحوّل ليس زحاف العصب على السبب الثقيل، إنما علة القطف نفسها؛ فعلة القطف هي بنفس مفعول علة القطع في نظامه، اللهم أنّ علة القطع من نصيب الوتد المجموع، أمّا علة القطف فمن نصيب الفاصلة الصغرى في الوافر، أي إذا نحينا السبب الثقيل جانباً. فعلة القطع تحذف ساكن الوتد المجموع من آخر الجزء، وتسكّن ما قبله (العقد الفريد، ج6، 273).
وهذا اللغط الحاصل هنا هو بسبب ارتهان الخليل وأتباع نظامه للحرف الصوتي في التاصيل والتفسير، على ما اشرنا في مقالتنا التي عنوانها (كيف أنشأ الخليل نظامه العَروضي فكان مترابطاً شاملاً..؟ السّر الدّفـين).
عبده فايز الزبيدي
02-07-2023, 09:02 AM
جاء في كتاب القسطاس للزمخشري (ص 40) [ت/ 538 هـ]، قوله: "والرابع: المقطوف. والقَطْف: الحذف بعد العصب، حتى يصير مَفاعِلْ، ويردّ إلى فَعُولُنْ".
أقول (أبو الطيب): مقولة أنّ علة القطف إنما هي علة الحذف بعد زحاف العصب، على ما قال الزمخشري وغيره، هي مقولة خاطئة بالنظر لأساسات نظام الخليل..؟
فمنطوق علة القَطف كما قرّرها الخليل، والمتوافقة مع أساسات نظامه التي انطلق منها، هو أن القطف إسقاطٌ للسبب الخفيف من آخر الجزء مفاعلَـتن [//0 - //- /0]، ثم إسكان ما قبله [(العقد الفريد، ج6، 273)، (الغامزة، ص 106)].
فنهاية جزء الوافر القياسي بتأصيل نظام الخليل هي الفاصلة الصغرى (///0) [مفاعلَـتن //0 - ///0 ]؛ وهذه الفاصلة في أساسات نظامه هي سبب ثقيل متبوع بسبب خفيف [وهْمِي]. وفي علة القطف قد تصادَف أنّ الذي سوف يسكّن هو المتحرك الثاني من السبب الثقيل؛ ما أدّى لتحوّل السبب الثقيل إلى خفيف في الظاهر [مفاعلَـتن //0 - //- /0 تؤول إلى //0 /0]، فأشبه ذلك عمل زحاف العصب الذي يحوّل السبب الثقيل إلى خفيف. ومن هنا نتجت هذه المقولة الخاطئة.
فالمسبب الحقيقي لهذا التحوّل ليس زحاف العصب على السبب الثقيل، إنما علة القطف نفسها؛ فعلة القطف هي بنفس مفعول علة القطع في نظامه، اللهم أنّ علة القطع من نصيب الوتد المجموع، أمّا علة القطف فمن نصيب الفاصلة الصغرى في الوافر، أي إذا نحينا السبب الثقيل جانباً. فعلة القطع تحذف ساكن الوتد المجموع من آخر الجزء، وتسكّن ما قبله (العقد الفريد، ج6، 273).
وهذا اللغط الحاصل هنا هو بسبب ارتهان الخليل وأتباع نظامه للحرف الصوتي في التاصيل والتفسير، على ما اشرنا في مقالتنا التي عنوانها (كيف أنشأ الخليل نظامه العَروضي فكان مترابطاً شاملاً..؟ السّر الدّفـين).
بارك الله فيك أستاذنا الكريم.
عبده فايز الزبيدي
02-07-2023, 09:11 AM
قال الدكتور عبدالحميد السيد، في "الطريق المعبد" في مبحثٍ عن (أسماء حركات القوافي): (الخامس: المجرى: .......، وسميت بذلك لأنها مبدأ جريان الصوت بالدخيل، ومنشؤه). [ص: 217].
قلتُ:هذا خطأ واضح، فقوله (الدخيل) تصويبه: (الروي). والروي والدخيل من حروف القافية. والروي حرف تبنى عليه القافية، وبه تسمى القصيدة، وهو قسمان: مطلق ومقيد، ويقال لحركة الروي المطلق_المتحرك_ المَجْرَى. والدخيل حرف صحيح يدخل بين التأسيس والروي، ولا يكون إلا متحركا، وحركة الدخيل يقال لها: الإشباع. وقال التنوخي في القوافي في تفسير تسمية حركة الروي: (وقيل لها مجرى لأن الروي يجري فيها).
عبده فايز الزبيدي
03-07-2023, 01:43 PM
في "الطريق المعبد" للدكتور عبدالحميد السيد:
(1) ورد خطأ في خانة من خانات الجداول التي صنعها المؤلف، إذ قال: (جدول نوعي القافية: ................، جدول القافية المقيدة:
(أقسام المطلقة)...........) [ص: 222]
قلت: وتصويبه أن يقول (أقسام المقّيَّدة).
(2) أورد المؤلف عند حديثه عن حدود القافية هذا الشاهد:
(حصروا القوافيَ في حدود خمسة = فاحفظ على الترتيب ما أنا واصفُ
متكاوس، متراكب، متدارك = "متوافر"، من بعده المترادف). [ص: 223]
قلتُ: قوله: (متوافر) بالفاء تصحيف، تصويبه: متواتر.
وقد جمعتُ لك أنواع القافية من جهة عدد حركاتها في كلمة: (سبكرف).
س: متكاوس، ب: متراكب، ك: متدارك، ر: متواتر، ف: مترادف.
(3) قال المؤلف في تعريف الإيطاء: (إعادة الكلمة، غير المتعذبة بلفظها، ومعناها في بيت من غير أن يفصل بين البيتين سبعة ابيات على الأقل). [ص: 223].
قلتُ: قوله (المتعذبة) لعله يقصد بها: (المستعذبة).
(4) قوله في عيوب القافية: (التجريد: هو تنويع الضرب في البحر الواحد، ...). [ص: 234].
قلت: قوله (التجريد) بالجيم تصحيف، وتصويبه: (التَّحْريد) بالحاء.
عبده فايز الزبيدي
05-07-2023, 05:10 PM
مشاركة معادة، حذفتُ ما فيها
أرجو حذف هذه المشاركة من سلسة الموضوع ، وبارك الله فيكم.
عبده فايز الزبيدي
05-07-2023, 05:22 PM
"المدخل إلى تحليل النص الأدبي وعلم العروض" :
تأليف: مصطفي خليل الكسواني، زهدي محمد عيد، حسين حسن قطناني.
دار صفاء للنشر والتوزيع، عَمّان- الأردن، الطبعة الأولى: ٢٠١٠ م _ ١٤٣١ هـ.
.................................
(١) قال مؤلفو "المدخل إلى تحليل النص الأدبي وعلم العروض" : ( والرواية الثانية تقول: روي أن الخليل قيل له: هل للعروض أصل؟ قال: نعم، مررت بالمدينة حاجاً، فرأيت شيخا يعلم غلاما، يقول له: قل:
نعم لا ، نعم لا لا ، نعم لا ، نعم لا لا، (نعم لا)= نعم لا لا ، نعم لا ، نعم لا لا، نعم لا، (نعم لا لا)). [ص: ١٩٤]
قلت:
وقع خطأ في رواية بيت التنعيم، في قولهم:
(نعم لا ، نعم لا لا ، نعم لا ، نعم لا لا، نعم لا= نعم لا لا ، نعم لا ، نعم لا لا، نعم لا، نعم لالا)
وصوابه بعد حذف التفعيلة الخامسة من شطري البيت، كالتالي:
نعم لا ، نعم لا لا ، نعم لا ، نعم لا لا = نعم لا ، نعم لا لا ، نعم لا ، نعم لا لا
وهذا وزن تام الطويل، على دائرته، وهو الذي ترجمه الخليل إلى:
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن = فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
فقول الشيخ للغلام: "نعم لا" = فعولن ، وتد مجموع ثم سبب خفيف. و "نعم لالا"= مفاعيلن، وتد مجموع وبعده سببان خفيفان.
جاء في تاريخ آداب اللغة العربية: ( وروى الأخفش عن الحسن بن يزيد قال: سألت الخليل: هل للعروض أصل؟ قال: نعم، مررت بالمدينة حاجًّا، فرأيت شيخًا يعلِّم غلامه يقول له: قل:
نعم لا/نعم لا لا/نعم لا/نعم لا لا = نعم لا/نعم لا لا/نعم لا/نعم لا لا
فقلت له: ما هذا الذي تقول للصبي؟ فقال: هو علمٌ يتوارثونه عن سلفهم يُسمونه «التنعيم»؛ لقولهم فيه: نعم. قال الخليل: فرجعت بعد الحج فأحكمتها. )
(٢) وقولهم : ( أما القروضي فغرضه الضبط والتصنيف ووضع المقاييس). [ص: ١٩٦].
قلت:
قولهم: (القروضي) تصحيف، وتصويبه: العروضي.
(٣) وقولهم: (المنهوك: وهو ما حذف شطره وبقي على شطر واحد، ومثاله:
مثل: يا خاطئا = ما أغفلك). [ص: ٢٠٤].
قلت: هذا تعريف المشطور، وأما المنهوك فهو البيت الذي ذهب ثلثاه، فتعريفهم للمنهوك كان خطأ.
وهنا مسألة:
هذا الشاهد من شعر أبي نواس، من قصيدة مشهورة له، مطلعها:
إِلَهَنا ما أَعدَلَك
مَليكَ كُلِّ مَن مَلَك
ومنها قوله:
يا مخطئًا ما أغفلك
عجِّل وبادر أجلك
وَاِختُم بِخَيرٍ عَمَلَك
لَبَّيكَ إِنَّ الحَمدَ لَك
وَالمُلكَ لا شَريكَ لَك
وورد الشاهد في الكتاب، هكذا: يا خاطئا = ما أغفلك
فالأمر لا يحتمل سوى واحد من ثلاثة احتمالات، هي :
الأول: أن يكونوا تعمدوا المجيء بالشاهد هكذا: "يا خاطئا = ما أغفلك"، على هيئة المنهوك، وهذا العمل لا يصحّ. فما الشطر من منهوك الرجز، بل هو من مجزوء الرجز، كما رأيتَ، ووزنه:
مستفعلن مستفعلن(في كل شطر)، وليس: مستفعلن (مرة واحدة) في الشطر. و(خاطئا) مثل (مخطئا) وزنا.
الثاني: أن يكونوا نقلوا من غيرهم دون تمحيص؛ فوقعوا في المحظور، دون قصدٍ منهم، وهذا ليس مستبعدا.
الثالث: أن يكونوا أخطأوا في كتابة الشاهد، مثلما أخطأوا في تعريف المنهوك. وهذا أقوى الاحتمالات عندي. والله أعلم.
عبده فايز الزبيدي
07-07-2023, 11:04 PM
جاء في "المدخل إلى تحليل النص": (ثالثا: علة جارية مجرى الزحاف: وتسمى التشعيث، وهي قطع رأس الوتد المجموع الموسط، وهي علة جارية مجرى الزحاف، وبهِ فاعلن - ب - ، تصبح فالن - - . فاعلاتن - ب - - تصبح فالاتن - - - ). [ص: 213].
قلتُ:
(١) لم يذكر أصحاب الكتاب من العلل الجارية مجرى الزحاف سوى علة التشعيث. وأغفلوا بقية العلل المشهورة ، مثل: الحذف في عروض المتقارب، والخرم، والخزم، والثلم، الخرب، الجمم.
(٢) قولهم: (قطع رأس الوتد المجموع الموسط).
قلتُ: فيه مسألتان:
الأولى: قولهم(قطع رأس الوتد المجموع) هذا أحد رأيين، والآخر يرى أن الإسقاط يكون للحرف الثاني من الوتد. وهذا خلاف لا طائلة تحته.
الثانية: قولهم(الموسط) أي المتوسط، وهو من عبارات ابن عبدربه الأندلسي في العقد الفريد، إذا قال في منظومته:
(وبعده التشعيث في الخفيف ... في ضربه السالم لا المحذوف
يقطع منه الوتد الموسّط ... وكلّ شيء بعده لا يسقط).
والوتد الموسَّط الذي تقع فيها علة التشعيث تكون في (فاعلاتن) في الخفيف، والمجتث.
وتعريفهم للتشعيث لا يشمل فاعلن، لأن فاعلن تتكون من سبب خفيف (فا) ووتد مجموع متطرف (علن) أي وقع في آخر التفعيلة، وليس متوسطا للتفعيلة كما في فاعلاتن.
والصحيح في تعريف التشعيث أن يقال: الـتَّـشْـعيثُ: هوَ حذفُ أوَّلِ الوَتَدِ المجموعِ أو ثانيهِ.
مبحث في أصل (فَعْلُنْ):
تأتي فعْلن في ضرب البسيط وأصلها فاعلن بعد قطعها، ولأهل العروض في تفسير مجيء (فَعْلُنْ) في المتدارك ثلاثة أقوال، هي:
(١) القول الأول: إنها مشعثَّة، وذلك بحذف أول الوتد المجموع أول ثانيه، من (فاعلن) فتصير إلى (فالُنْ) أو (فاعنْ)، ثم تنقل إلى (فَعْلُن)، تحسينا للفظ.
(2) القول الثاني: إنها مقطوعة، والقطع هو حذف آخر الوتد، وتسكين ما قبله، فتصير (فاعلن) إلى (فاعِلْ)، وتنقل إلى (فعْلن)؛ تحسينا للفظ فقط.
(3) والقول الثالث: إنَّ (فاعلن) خُبنت: (فَعِلن)، ثمَّ أضمرت: (فَعْلنْ).
وهذا الخلاف لا طائلَ منه، ولكن لو أردتُ الترجيح بينها سأختار قول الفريق الأول؛ لأن التشعيث تغيير مفرد، وهو حذف أحد حرفي الوتد. أما القطع ففيه تغييران: الحذف والتسكين. والرأي الثالث أبعدها وأكثرها تكلفاً.
عبده فايز الزبيدي
10-07-2023, 09:31 PM
(١) قال مؤلفو "المدخل إلى تحليل النص الأدبي وعلم العروض" : ( العلة: إحداث تغيير في تفعيلة العروض أو الضرب بزيادة أو نقص. …..،
والعلة قسمان:
ا - علة قصر : وهي حذف ثاني السبب الخفيف وتسكين ما قبله …………،
ب - علة مزدوجة أو أبتر وهي الحذف مع القطع ……..). [ص: ٢٠٩ - ٢١٠].
قلت:
الصواب أن يقولوا : ….. والعلة قسمان:
أ- علة مفردة، مثل علة القصر ………
ب- علة مزدوجة ، مثل البتر ……….
(٢) قالوا: (جـ - القصر: اسقاط ثاني السبب الخفيف الأخير وتسكين ما قبله ، وبه مفاعلين ب - - - ، تصبح مفاعل ب - - ). [ص: ٢١١].
قلت: قولهم: (مفاعلين) تصحيف، تصويبه (مفاعيلن). وقولهم (تصبح مفاعل)، والصواب أن يقال: (مفاعيلْ).
سؤالي: هل ترد علَّة القصر في (مفاعيلن)؟
نعم، كما في أحد أضرب الهزج.
(٣) قالوا: (ط- البتر: علة مزدوجة تتاتلف من الحذف والقطع …..). [ص: ٢١٢].
قلت: قولهم: (تتاتلف) تصحيف، صوابه: (تتألف).
عبده فايز الزبيدي
17-07-2023, 10:02 PM
جاء في "المدخل إلى تحليل النص": (الترفيل زيادة سبب خفيف على وتد مجموع بعد مدَ، وبه فاعلن - ب -، تصبح فاعلاتن - ب - - ، متفاعلن ب ب - ب -، تصبح متفاعلاتن ب ب - ب - - .
التذييل: زيادة حرف ساكن على وتد مجموع بعد مدَ، ............
التسبيغ: زيادة حرف ساكن على سبب خفيف بعد مدّ ............). [ص: 212 - 213].
قلتُ:
قول مؤلفي كتاب "المدخل إلى تحليل النص": (بعد مدّ) لعله وهم وقع منهم، وظاهر كلامهم يشير إلى الألف التي تظهر في كتابة التفعيلة بعد أن تقع عليه علّة من علل الزيادة الثلاث، فمثلا:
فاعلن تصبح بالترفيل فاعلاتن، والألف هنا ليست سوى نون ساكنة قلبت ألفاً؛ لتحسين اللفظ، والأصل هو: فاعلنْتن.
وفاعلن بالتذييل تصير إلى: فاعلان، والأصل فيها: فاعلنْنْ، فنقلت إلى: فاعلانْ؛ لتحسين اللفظ فحسب.
وهنا مبحث مهم:
اختار الخليل بن أحمد للتفاعيل ما اختاره في بنية الكلمة في علم الصرف، فجعل (فعل) الفاء والعين واللام هي أساس بناء التفاعيل، وأضاف إلى ذَلك من الحُروف الزَّوائد سَبعة، وهي: الألف، والياء، والواو، والسِّين، والتاء، والنُّون، والميم.
وجمعت في قولهم: "لمعتْ سيوفنا"، ويقال لها أحرفِ التفاعيل أو حروف التفعيل، أو حروف التقطيع.
وإذا وقع على التفعيلة (الجزء) تغيير من زحاف وعلَّة، يطرأ على بنْيتِها تغيير لفظي، فإذا كان مألوفا ترك كما هو،مثل (مَفَاعِيلُنْ) و(فَعُولُنْ) إذا دخلهما القبضُ، يصبحان (مَفَاعِلُنْ) و(فَعُولُ) فيبقيان كما هما من دون تحويل أونقلٍ.
وكذلك (فَاعِلُنْ) إذا دخلها الخبنُ، فتكون (فَعِلُنْ)، ومثلها (فَاعِلَاتُنْ) إذا خُبِنتْ تُترك على شكلها الجديد: «فَعِلَاتُنْ»، وكذلك إذا دخلها الكف (فاعلاتُ) فلا تنقل.
أمَّا إذا كان لفظ التفعيلة (الجزء) بعد التغيير غيرَ مألوفٍ أو ثقيلا؛ فيُنْقل إلى لفظٍ مألوف تحسيناً اللفظ، بشرط أن يحتوي هذا اللفظ المنقول إليه الحروف الثلاثة الأساس (فَـ عَـ ل) التي يقال لها حروف الوزن.
ومن أسباب النقل والتحويل:
(1) أنْ يَسْقُط أَحدُ أحروف الوَزن (فعل)، بتغيير يطرأ من زحافٍ وعلل. مثل الحذف في مفاعيلن فتصبح (مفاعي)، فليس بها اللام، فتنقل إلى (فعولن). و(متفاعلن) إذا وقع بها الحذذ تصير إلى (متَفا) وليس بها العين ولا اللام، فتنقل إلى (فَعَلُن). و(فعولن) إذا خرمت صارت (عولن) فليس بها الفاء، فتنقل (فَعْلُنْ).
(2) ألَّا يسقط حرف من حروف الوزن الثلاثة، ولكنْ يُسْتثقَل النُّطق بهِ، مثل (فاعلاتن) تصبح بالحذف (فاعلا) فتنقل إلى (فاعلن).
و(مَفْعُولَاتُ) إذَا دَخلها الكشْفُ أوالكَسْفُ، فَتصيرُ (مَفْعُولَا) فتنقل إلى (مَفْعُولُنْ)، أو دخله الكشفُ والطيُّ معًا فَيصيرُ (مَفْعُلا) فينقل إلى (فَاعِلُنْ).
(3) أن يستوجب التغيير الوقوف على ساكن غير النون، مع وجود حروف الوزن، فإذا قطعت (فاعلُنْ) أصبحت (فاعلْ)، فتنقل إلى (فَعْلُنْ). وفاعلاتن إذا دخلها القصر أصبحت (فاعلاتْ)، فتنقل إلى (فاعلان). وهذا قريب من التفسير الثاني.
قال ابن جني في الخصائص عن منهج الخليل صاحب العروض: (ألا ترى أن الخليل لما رتَّب أمر أجزاء العروض المزاحفة، فأوقع للزحاف مثالًا مكان مثالٍ عدل عن الأول المألوف الوزن إلى آخر مثله في كونه مألوفًا، وهجر ما كان بقَّتْه صنعة الزحاف من الجزء المزاحف مما١ كان خارجًا عن أمثلة لغتهم.
وذلك أنه لما طوى "مُسْ تَفْ عِلُنْ " فصار إلى "مُسْ تَعِلُن " ثناه إلى مثال معروف وهو "مفتعلن" لما كره "مُسْتَعِلُنْ" إذ كان غير مألوف ولا مستعمل. وكذلك لما ثرم "فَعُولُنْ" فصار إلى "عُولُ" وهو مثال غير معروف عدله إلى "فَعْلُ". وكذلك لما خبل "مُسْتَفْعِلُنْ" فصار إلى "مُتَعِلُنْ" فاستنكر ما بقي منه جعل خالفة الجزء "فَعَلَتُنْ" ليكون ما صيِّر إليه مثالًا مألوفًا، كما كان ما انصرف عنه مثالًا مألوفًا. ويؤكد ذلك عندك أن الزحاف إذا عرض في موضع فكان ما يبقى بعد إيقاعه مثالًا معروفًا لم يستبدل به غيره. وذلك كقبضه "مفاعلين" إذا صار إلى "مفاعلن", وككفه أيضًا لما صار إلى "مفاعيل", فلما كان ما بقي عليه الجزء بعد زحافه مثالًا غير مستنكر أقرَّه على صورته ولم يتجشَّم تصوير مثال آخر "غيره" عوضًا منه, وإنما أخذ الخليل بهذا لأنه أحزم وبالصنعة أشبه.). [مج 2 / 69].
عبده فايز الزبيدي
27-07-2023, 09:47 PM
جاء في "المدخل إلى تحليل الص الأدبي وعلم العروض ":
(وتقوم الكتابة العروضية على أمرين، هما: أ- ما ينطق يكتب. ب- ما لا ينطق لا يكتب.) [ص: ٢١٤].
قلتُ:
نعم هذا صحيح، ولكن هناك استثناء قد يخفى على عامة المنشغلين بعلم العروض، وهو إذا جاءت كلمة بها ساكنان متجاوران، مثل: حاجّ، حواسّ، هامّ، طامّة، صاخّة، ……..
فمثلا قولك: حاجٌّ ، تكتب عروضيا هكذا:حجْجُن، ووزنها: فَعْلُنْ.
وقد عالج النص القرآني هذه الظاهرة بالمد اللازم، وحيث المد لا يحتسب في الميزان العروضي وجب إسقاط الألف.
مبحث:
مسألة اجتماع ساكنين في حشو الشعر:
العرب تكره التقاء ساكنين في غير الوقف ، ولهم تقنيات تتعامل مع هذه الظاهرة
من أبرزها : تحريك الساكن الأول، أو حذفه، أو الإتيان بالمد اللازم قبل الانتقال من ساكن لآخر، ... إلخ.
وقد يلتقي ساكنان في كلمة واحدة مثل: الحاجّ ، الحاقَّة ، الطامَّة ، الجانَّ ، الدَّاهية ، الشَّابَّة .
و قد يلتقيان في كلمتين متجاورتينِ، وهذا كثير جدا: (قل هو اللهُ أحدٌ . اللهُ الصمد) ، سعى الرجل ، مِنَ الكتابِ ، ......
وقد عَرضتْ لي مسألة دعت لكتابة هذه الكلمة و هي ورود كلمة الحاج في قصيدة لي :
شــريــعـةُ الله لـــلأبــرارِ مــنـهـاجُ = وكُــلُّــنَـا لـــعـطـاءِ الله مــحــتـاجُ
أهـلا وسـهلا بـضيفِ الله في كرمٍ = وكُـلّـنَـا خـــادمٌ يـــا أيُّــهـا الـحـاجُّ
نـرجـو بـخـدمةِ ضـيفِ الله جـنتَهُ = وخـدمةُ الـحاجِّ لـلفردَوسِ معراجُ
عَسَاكرُ النُّورِ تَحمي الحَاجَّ تَحْرُسُهُ = كَـأَنَـهَمْ فــي سُـمُـوِّ الـقَـصْدِ أَبْـرَاجُ
فقيل لي: ( الحَاجُّ) اجتمع فيها ساكنان هما الألف المدية والجيم الساكنة المدغمة في مثلها، ولا يجوز اجتماع ساكنين في حشو الشعر .
والذي أشكل عليهم الألف فظنوا أنهم يمدونها كما يفعلون بمثيلاتها في القرآن ، و القرآن ليس من جنس كلام البشر، فلا هو بشعر و لا بنثر، بل هو وحيٌ يوحى، و إن نزل بلسان العرب .
و يتعامل _في الشعر_ مع كل لفظة فيها ألف مدية تلاها ساكن بحذف الألف في درج الكلام، و لا تظهر تلك الألف في الميزان العروضي.
لماذا أشكل عليهم لفظة (الحاجّ) و مثيلاتها في الشعر؟
لأن المد الذي جاءت بها القراءات الشريفة صارت كالحركة للألف ، وهذا كلام ابن جني في الخصائص في باب (علل العربية كلامية أم فقهية) ، وفيه : ( و مما نحن بسبيله مذهب يونس في إلحاقه النون الخفيفة للتوكيد في التثنية ، وجماعة النساء ، وجمعه بين ساكنين في الوصل ، نحو قوله : (اِضْرِبَانِّ زيدًا) ، و (اِضْرِبْنَانِ عُمَرًا) وليس ذلك_ وإن كانَ في الإدراج_ بالمتتنع في الحسِّ ، وإن كان غيره أسوغ فيه منه ، من قِبَلِ أنَّ الألف إذا أشبع مدُّها صار ذلك كالحركة فيها ، ألا ترى إلى اطراد نحو: (شَابَّةٌ ) و ( دَابَّةٌ ) و (اِدهامَّتْ) و (الضَّالِّين).
فإن قلت : فإنَّ الحرف لما يكونُ مدغَمًا خفِي ، فنَبَا اللسانُ عنه و عن الآخر بعدهُ نبوةً واحدة ، فجريَا لذلك مجرى الحرف الواحد ، وليست كذلك نون (اضربانِّ زيدًا) و ( أكرمْنَانِ جعفرًا) ؟
قيلَ : فالنون الساكنة ايضا حرفٌ خفيٌ فجرت لذلك نحوًا من الحرف المدغم ، وقد قرا نافع : ( محيَايَ و مَمَاتي) [سورة الأنعام ، آية:162] بسكون الياء من ( محيايْ) وذلك لما نحن عليه من حديث الخفاء ،.......) أ.هـ
ثم طرح السائل هذا السؤالَ : لماذا لا نخفف الجيم من الحاج ، فنلغي التقاء الساكنين ، إن أمن اللبس؟
قلتُ: الحاجُ بتخفيف الجيم فيه اللبس بعينه ؛ لأن الحاجُ جمع حاجَةٍ ،وحاجَةٌ تجمع على حاجَاتٍ و حوائجَ وحاجٍ .
وإنما يسعنا ما وسع العربَ قديما، وهم أهل الفصاحة، وهم أدرى بمعاني الكلام وأهدى بمسالكه ، و بالتأمل نجد أن اللبس يدفع بأمرين :
أولهما : الرسم الإملائي ، و ثانيهما : فهم المراد من سياق الكلام
وخير مثال قول الله تبارك و تعالى حكاية عن سيدنا داوود وابنه سليمان، عليهما وعلى نبينا الصلاة و السلام : (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15))[ النمل].
فقوله عزَّ وجلَّ: (وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ)، التقى فيه ساكنان فسقطت ألف التثنية الفاعل و همزة الوصل ، و أصبحت (قالا) والتي تسمع: (قالَ) في النطق، ولكنَّ المستمعَ يعرف معنى التثنية من السياق، و القارئَ يعرفه كذلك مع نظره في الخط، فالألف و الهمزة لا تسقطان خطَاً، بل نطقا، عند الوصل أمّا عند الوقف فالألف باقية . والله أعلم.
عبده فايز الزبيدي
02-08-2023, 01:38 AM
جاء في " المدخل إلى تحليل النص الأدبي وعلم العروض":
(١). (ج- تزاد الألف في بعض أسماء الإشارة، مثل: هذا هاذا، هذه هاذه، الله اللاه). [ص: ٢١٤].
قلت: لفظ الجلالة ليس من أسماء الإشارة.
(٢). (أما إذا أورد البناء في كلمة الكتب محركة بالكسر فإن عليه أن يلتزم كسر الباءات فيما يلي من الأبيات). [ص: ٢١٧].
قلت: قولهم (البناء) تصحيف، تصويبه: الباء.
عبده فايز الزبيدي
02-08-2023, 02:01 AM
جاء في "المدخل إلى تحليل النص الأدبي":
(١) قول مؤلفِيه: (أنواع القافية: تنقسم القافية من حيث الروي إلى قسمين هما:
الأول؛ القافية المقيدة …..
الثاني: القافية المطلقة …..
ب - ما كان لوصله خروج …. ) .[ص: ٢١٨ - ٢١٩].
قلتُ:
لو قالوا: من حيث حركة الروي، لكان كلامهم أكثر دقة. ولم يذكروا أنواع القوافي التي يجب ذكرها من القسمين الأساسين في هذا الباب. وأما قولهم (ب - ما كان لوصله خروج ) فقد أوردوه دون ذكرٍ لشيء يسبقه، بمعنى أن الأمر يبدوا كأن شيئا سقط من كلامهم، فجاء بعد تعريف القافية المطلقة ذلك القول، وهو مبهم.
ولشرح أنواع القوافي حسب حركة الروي، أقول:
تنقسم القافية حسب حركة رويِّها على قسمين، هما: قافيةٌ مُطْلَقَةٌ، وقافية مُقيَّدة.
(أ) القافية المُطْلَقَةُ:
القافية المُطْلَقَةُ هي التي تحَرَّكَ رَوِيُّها، ويتفرع منها ستة أنواع، هي:
(1) القافية المطلقة المجرَّدة من التأسيس والردف، والموصولة بحرف مدّ.
قال عبده فايز الزبيدي، في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قَدْ أَكْمَلَ اللهُ عِقْدَ الأنبياءِ بِهِ = بِخَيْرِهِمْ أنبِياءُ اللهِ قَدْ خُتِمُوا
فالقافية هي: قَدْ خُتِمو (/ه///ه)، ونوعها مُطلقة متراكبة، وهي ميمية؛ لأنَّ حرف رويها الميم. والمَجْرَى الضَّمَّة.
(2). القافية المطلقة المجرَّدة من التأسيس والردف، والموصولة بحرف الهاء.
قال أحمد بن الحسين (المتنبي):
فَلا مَجدَ في الدُنيا لِمَن قَلَّ مالُهُ = وَلا مالَ في الدُنيا لِمَن قَلَّ مَجدُهُ
القافية هي: مَجْدُهُو (/ه//ه)، الروي الدال، فهي دالية، والمجرى الضمة، والهاء الوصل. والواو (الخروج) في (مَجْدُهُو) ناشئة عن إشباع _مَطْلِ_ الضمة وهي حركة الهاء ويقال لها النفاذ .
(3) القافية المطلقة، المؤسسة الموصولة بحرف مدّ. قال أبو العلاء المعري:
ولما رأيتُ الجهلَ في الناسِ فاشياً = تجاهلْتُ حتى ظُنَّ أنّيَ جَاهِلُ
القافية: (جَاهِلُوْ /ه/ه)، وهي مطلقة مؤسسة، ورويها اللام، فهي لامية، والمجرى الضمة، والدخيل الهاء.
(4) القافية المطلقة المؤسسة الموصولة بحرف الهاء. قال عدي بن زيد:
في ليلة لا نَرَى بها أحَداً = يَحكي علينا إلاَّ كوَاكُبُها
القافية: (وَاكُبها /ه///ه)، الألف الأولى تأسيس، والباء روي، والكاف دخيل، والهاء وصل، والألف بعدها خروج.
(5) القافية المطلقة المردوفة والموصولة بحرف مدّ. قال عروة بن الورد:
دَعيني لِلغِنى أَسعى فَإِنّي = رَأَيتُ الناسَ شَرُّهُمُ الفَقيْرُ
القافية: (قِيرُوْ). فالروي الراء، والواو الوصل وهو حرف المد الذي وُصِلَتْ بِهِ، والياء الساكنة قبل الروي حرف الردف.
(6) القافية المطلقة المردوفة والموصولة بحرف الهاء.
قال لبيد بن ربيعة رضي الله عنه:
فَبَنى لَنا بَيتاً رَفيعاً سَمكُهُ = فَسَما إِلَيهِ كَهلُها وَغُلامُها
القافية: (لامها)، الروي الميم، والألف قبله رِدف، والهاء بعد الروي وصله، والألف بعد الهاء الخروج.
تنبيه: إذا كانت القافية مؤسسة فلا يقع فيها الردف، والعكس صحيح. فالتأسيس والردف لا يجتمعان في قافية أبَدَاً.
(ب). القافية المُقَيَّدَةُ:
القافية المقيّدةُ هي التي سُكِّنَ رَوِيُّها، وتكون وجوبا في الأضرب التي تنتهي بساكنين، مثل مجيء (متفاعلانْ) في مجزوء الكامل، والسريع الذي ضربه (فاعلانْ)، والرمل الذي ضربه (فاعلاتْ). ويتفرع عن القافية المقيّدة ثلاثة أنواع، هي:
(1). القافية المقيَّدة المُجَرَّدَة من الردف والتأسيس، قال المثقّب العَبْدي:
حَسَنٌ قَوْلُ نَعَمْ مِنْ بَعْدِ لا = وقَبِيحٌ قولُ لا بَعْدَ نَعَمْ
القافية: (بَعْدَنَعَمْ /ه///ه) الروي الميم الساكنة. والفتحة هي التوجيه.
(2). القافية المقيَّدة المردوفة، قال سعيد زهور عدي:
كَريمُ الخِصالِ لطيفِ المَقالِ = جزيلُ النَّوالِ جميلُ الفِعالْ
القافية: (ـعَالْ) الروي اللام الساكنة، والألِفُ قبلها ردفها.
(3). القافية المقيّدة المؤسسة، شاهدها قول ابن عبدربه الأندلسي:
يا ساحِراً مَا كُنْتُ أَعْـ = ـرِفُ قَبْلهُ في الناسِ ساحِرْ
القافية: (سَاحِرْ)، الروي الراء الساكنة، والحاء الدخيل، والألف قبل الدخيل حرف التأسيس.
تنويه:
يعرف عني بعض الأحبة من أهل العروض أني أرى أن يعامل حرف الهاء في القوافي معاملة سائر حروف الهجاء، وكذا الحال مع الكاف.وإنما ذكرت الوصل بالهاء جرياً على المشهور، وقد ذكرت ذاك الرأي في مقالات نشرتها على الأنترنت. وسأخصص لها مساحة هنا، بإذن الله تبارك وتعالى.
...............................................
(٢) قالوا : (الردف: وهو حرف مدّ يكون قبل الروي سواء كان الروي ساكنا أم كان متحركا). [ص: ٢٢٠].
ثم قالوا: (…… والردف حرف علة يسبق الروي مباشرة….). [ص: ٢٢٣].
قلتُ:
التعريف الأول ناقص، والثاني لا يصح.
فحرف الردف يكون أحد ثلاثة هي: الألف والواو والياء الساكنة، ويكون الردف حرف مد، كما يكون حرف لين، ويجوز اجتماع الواو والياء في قافية، ولا يكون مع الألف واحد منهما.
أما التعريف الثاني فليس بصحيح لأن حرف العلة ( و، ي) قد يكون متحركا أو ساكنا، والردف لا يكون إلا ساكنا. أما الألف فلا تأتي إلا ساكنة وما قبلها يأتي مفتوحاً وجوبا.
مبحث:
حروف العلة هي: الواو والألف والياء. وهذه الحروف:
- إذا وقعت ساكنة بعد حركة تجانسها، وهي الفتحة قبل الألف، والضمة قبل الواو، والكسرة قبل الياء نحو: قَام يقُوْم يقِيْم، سميت حروف المدّ . وهذه يشمل الحروف الثلاثة. والألفُ لا تكون إلا ساكنة، و لا يكون ما قبلها إلَّا مفتوحاً وجوبا.
أما (و، ي):
- فإن سكنا، وقبلهما حركة لا تناسبهما (وهي الفتحة) فهما حرفا لينٍ، نحو: فرعَوْن، خَيْر.
- فإن تحركا، فهما حرفا علة فقط نحو: حَوِرَ، هَيَفَ.
(٣) وقالوا: (فحرف التأسيس هو الأف ….). [ص: ٢٢٣].
قلتُ: قولهم(الأف) تصحيف، تصويبه (الأَلِف).
عبده فايز الزبيدي
11-08-2023, 06:15 PM
(1) في البحر الطويل لم يحفل مؤلفو كتاب "المدخل إلى تحليل النص الأدبي وعلم العروض" بتسمية أعاريض واضرب البحر الطويل، بل يأتون بصورة الضرب دون تسميتها أو بيان ما طرأ عليها إن أصابها تغيير، وأمَّا العروض فيستسمح لأنها صورة واحدة مقبوضة: مفاعلن.
وكذلك الحال في عرضهم الزحافات والعلل التي تخص البحر.
فمثلا يقولون في بحر الطويل: (أعاريضه وأضربه:
أ- مفاعيلن كقول الشاعر:
أبا مُنذرٍ أفنيتَ فاسْتَبْقِ بَعْضَنا = حَنانيكَ بعضُ الشرِّ أهونُ من بعضِ.
ب - - ب - -- ب- - ب - ب- = ب - - ب --- ب- ب ب - --
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن = فعولن مفاعلين فعولن مفاعلين
........،.
ب- مفاعلن كقول الشاعر: ...... إلخ.
زحافات بحر الطويل: أ- القبض: حذف الياء من مفاعلين ........). [ص: 231 - 232].
وعلى هذا المنوال يجرون في كتابهم، وهو نهج يجري عليه بعض الكُتَّاب اليوم؛ طلبَاً للتسهيل. وهو مقبول عند من له خبرة جيدة بعلم العروض والقافية، وهو صعب ومبهم عند المبتدئين؛ لأن الاختصار الشديد لمادة علمٍ من العلوم يكون بعد معرفة الدارس لمادة ذلك العلم، والإلمامِ بها وفهمها فهماً صحيحا وجيدا.
تنويه:
يهتم أهل العروض بالعروض والضرب، لأن الأولى تكون في آخر الصدر (المصراع الأول) فتفْصِل بين الصدر والعجز، فتمنع تداخل مصراعي البيت، وإذا حصل تداخل من جهة اللفظ لا الوزن قيل للبيت: مدوّر أو متداخل.
وتشتد عناية أهل العروض بالضرب_وهي آخر أجزاء العجز_ لأنه محلُّ التنوع، ويكثر فيه، ولذا قيل لآخر تفعيلة في البيت ضرب؛ لأن من معاني الضرب في اللغة: النوع.
(2) وقولهم: (مفاعلين) تصحيف تصويبه: مفاعيلن، وقد تكرر هذا الخطأ عدة مرات، في [ص: 232 - 233].
(3) وقولهم عن الطويل: (هو أكثر بحور الشعر حروفا، وأتمَّها استعمالا، فلا يكون مجزوءاً، ولا مشطورا، ولا منهوكا، ...). [ص: 231].
قلتُ:
كلامهم هذا فيه نظر، فقد ورد استعمال الطويل تامَّاً ومشطورا ومنصوفا.
(4) قالوا: (بحر البسيط: مفتاح البحر:
إن البسيط لديه يبسط الأمل = مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن
-- ب -/ ب ب -/ ب - ب - / ب ب - =
قلتُ:
الصواب أن يكون التمثيل، هكذا:
- - ب - / ب ب - / - - ب - / ب ب -
عبده فايز الزبيدي
11-08-2024, 06:21 PM
جاء في كتاب (كن شاعرا) للدكتور عمر خلوف، الصفحة رقم (88):
مستفعلن مستفعلن مستفعلن = مستفعلن مستفعلن مفعولْ
يقول عدنان قيطاز:
أخطُّ يا حبيبتي رسالتي = إليك من سفينة الفضاءْ
وفي حنايا أضلعي مضطرما = كلُّ حنينِ الأرضِ والسماءْ
منفرداً في قمرتي أشردُ أمـ = ـضي واهماً أحلم باللقاءْ
ويقول حسن القرشي:
مخطئةٌ جاحدتي فإنني = أنا الذي أهدهد السنين
أحصدُ في المساءِ ألفَ نجمة = قربي لحبٍّ صادقٍ ثمين
برئتُ من هواك يا جاحدتي= فلم تعودي منهل الحنين
// ه // ه - // ه // ه - /ه///ه = //ه // ه - /ه/ه//ه - //ه ه
أحسن التقطيع، وأخطأ في الوصف، فالكاتب _وفقه الله_ أورد هذه الأبيات مستشهدا بها على صورة العروض التامة السالمة (الصحيحة) وضربها المكبول المقصور، ولكنه أخطأ في وصف وزنه، وتصويب الوزن، هكذا:
مستفعلن مستفعلن مستفعلن = مستفعلن مستفعلن (فعولْ)
ولا اعلم أن (مفعولْ) من بدائل مستفعلن في الرجز،_ والله أعلم_ بل تأتي ( مستفعلْ = مفعولن) بعد قطعها، وإذا خبنت المقطوعة صارت إلى متفْعِلْ = فعولن، ثم إذا قُصرتْ صارت إلى (فعولْ)، كما في الأمثلة السابقة.
أضع بين يدي أساتذتي هذه المسألة، وربما أكون مخطئاً، فالأمر شورى.
ابو الطيب البلوي القضاعي
13-08-2024, 07:52 PM
تصحيحك أستاذنا الكريم لصيغة هذا القالب المقترَح من الرجز في مكانه:
مستفعلن مستفعلن مستفعلن .... مستفعلن مستفعلن فعول
فهي فعولْ ( //0 0) ، وليس مفعولْ ( /0 /0 0 ) كما أوردها خلّوف سهواً- (كن شاعراً ص 84). وهو خطأ كتابي ناتج عن السهو، ولو انتبه له عمر خلوف لقام بتصحيحه.
والأمر كما قلت أستاذنا الكريم، فالأجزاء المعلولة ليست بدائل للأجزاء الصحيحة السالمة أو المزاحفة. ذلك أن العرب لم تلجأ للعلل إلّا من اجل تنويع القوالب بتعديل أطوالها، فالعلة متى وقعت ثبتت لأنها تحكم أطوال القالب؛ ألا ما كان من أمر علة التشعيث في ضرب الخفيف التام، وعلة القبض في عروضة القالب التام من المتقارب، وهذه لها حديث منفصل ليس هذا المكان مكانه.
أما الزحاف فقد لجأت إليه العرب للتنقل بين الصورة الأولية للقالب والصورة الثانوية له، ذلك أن اللغة مهما كانت مطواعة كالعربية، فلن تطيق قريحة الشاعر العربي سكبها في الإيقاع الأولي للقالب على طول الخط، أو سكبها في الإيقاع الثانوي على طول الخط. ولذلك، فهي التي تتنقل بينها "البدائل" بحسب طريقة عمر خلّوف في شرح العروض العربي التي تتجاهل مسمّيات الزحاف على أجزاء نظام الخليل، بداعي التسهيل وتذليل صعوبة نظام الخليل للجمهور [وكذلك هي نفسها طريقة جلال الحنفي إنما بالأرقام وبدائلها الرقمية]. فهما يتجاهلان في طريقتهما تعريفات الخليل للزحاف المركبة على فكرة الجزء، وبيان ما تُحدثه في كينونة الجزء؛ واكتفوا بذكر الصور المزاحفة باعتبارها بدائل جائزة عن الأجزاء القياسية فيما بينها. أو بدائل عن الأجزاء المزاحفة المعلولة فيما بينها.
فليس فقط الأجزاء الصحيحة غير المعلولة لها بدائل فيما بينها بحسب طريقة خلّوف، فبعض الأجزاء المعلولة قد يكون لها بدائل معلولة مزاحفة في نظام الخليل، وهي قليلة العدد. أشهرها هي ما ذكره استاذنا عبده فايز الزبيدي، أي ( مستفعلْ /0 /0 /0 ). فـ ( مستفعلْ /0 /0 /0 ) المقطوعة (الداخلة عليها علة القطع)، لها بديل هو (متفْعِلْ //0 /0) المقطوعة المخبونة؛ فيمكن لهما أن يتبادلا المواقع في الضرب. أما في عروضة قوالب الرجز والبسيط، فيُقتصر على (متفْعِلْ //0 /0) تجنباً لعلة العكرة المهادية، فهكذا فعل العرب. (1)
(1) راجع موضوع (اهتمام شعراء العرب بمنطقة بين الشطرين - أحكام الـمِهاد)، في رابطة الواحة- قسم العروض. وأحكام المهاد التي راعها العرب بشدة، والتي لها دور مهم في اعتبار القوالب قوالب عربية أم غير عربية، هي من مكتشفات علم عروض قضاعة.
بعد هذا الاستعراض- وهو استعراض ليس موجهاً لعارفٍ مثلك (أي الأستاذ عبده فايز الزبيدي)، إنما هو موجّه للقراء الراغبين بالمتابعة والتعلّم- اسمح لي أن أنبه القارئ على أن توصيفك لضرب هذا القالب بعد تصحيحك للخطأ الكتابي الوارد؛ هو توصيف مستحدَث على نظام الخليل. فالخليل لم يصنع علة مركبة مع زحاف توصل الجزء (مستفعلن) إلى (متفْعْ //0 0).
فأولاً قد قلت (***، وضربها المكبول المقصور) ، ولا ادري ما تقصد بذلك، فلم اسمع بـ "الكبل" في عروض الخليل، فهل تقصد "المخبول"، ولا أظن ذلك . لكن من تتمة كلامك بعدها، يتضح لي أنك قد وصفت (فعولْ //0 0) بأنها تمثّل ضرباً مقطوعاً مخبوناً مقصوراً للرجز (او حتى للبسيط)، أي انه بافتراضك هذا، قد أدخلت على مستفعلن علة القطع أولاً، فصارت هكذا: (/0 /0 /0 : مستفعلْ)، ثم زحاف الخبن ثانياً، فصارت هكذا: (//0 /0 متفْعلْ)، ثم علة القصر ثالثاً، فصارت هكذا: (//0 0 متفْعْ)، فنقلتها إلى (فعولْ //0 0) تحسيناً لهيئة الهندام اللغوي بعدما بقّته صنعة الزحاف والعلل على حدّ توصيف ابن جني.
فأنت هنا جمعت بين علة القطع وعلة القصر كعلة مركبة جديدة، تدخل على مستفعلن، وما ينقصها سوى أن تصنع اسماً جامعاً لهما، على غرار علة البتر المركبة من الحذف والقطع في نظام الخليل. أمّا دخول الخبن عليها بعد القطع والقصر، فهو زحاف واجب الالتزام هنا، لأن أحكام القافية العربية لا تستسيغ الجمع بين قافية الخطوة وقافية غيرها، أي لا تستسيغ الجمع بين قافية السبب الخفيف وقافية غيرها.
نأتي الآن إلى اقتراح عمر خلوف لهذا القالب من الرجز (هكذا):
مستفعلن مستفعلن مستفعلن .... مستفعلن مستفعلن فعولْ
/0 /0 //0 - /0 /0 //0 - /0 /0 //0 .... /0 /0 //0 - /0 /0 //0 - //00
لا لا نعم، لا لا #، لا لا نعم (ت= 12) .... لا لا نعم، لا لا #، نعم Ø ، (ت = 10)
والذي أفترضُ أن خلّوف يعتبره قالباً عربياً يتبع بحر الرجز. وأنا صاحب علم عروض قضاعة أرفض ذلك..؟ واتّهمُ الأستاذ خلوف بأنه ميّع عَروض العرب فجعله مهيئاً ليتسع لكل ما هبّ ودبّ. والبينة على من ادّعى.
ذلك أن تأصيل خلوف لهذا القالب مأخوذ من نظم شاعر معاصر بعد الخليل (عدنان قيطاز- حسن القرشي)، فنظمهما لا يُعتدّ به من جهة التأصيل للعروض العربي، إنما قد يُعتد به من جهة التمثيل فقط فيما لو توافق مع نظام العرب.
فعدا عن أن هذا القالب الذي يقترحه خلّوف لم يرد عن العرب المعتدّ بهم (شعراء الجاهلية حتى عصر بين الدولتين)، ومع أن عدم الورود ليس بقرينة صحيحة على طول الخط؛ لكن فوق ذلك – وهو الأهم- فهذا القالب غير موافق لقاعدة الميزان التي التزم بها العرب. وتنص هذه القاعدة على انه لا يجب أن يزيد الفرق بين الشطرين عن وحدة كمية واحدة، مهما كانت الأسباب. فالصدر هنا بطول 12 وحدة كمية، أمّا العجز فهو بطول عشر وحدات كمية. ولمعرفة المقصود بالوحدة يرجى مراجعة كتاب "المنتج الجاهز لعروض قضاعة".
وللحديث بقية إن رغبتم بذلك.
عبده فايز الزبيدي
24-08-2024, 02:45 PM
حياك الله يا أبا الطيب، وشكرا لك على جميل الكلام وجليل الفوائد، يا غالي!
وأعتذر إليك خالص الاعتذار، فقد تأخرت في الرد على بعض أسئلتك الطيبة ! ومثلك يعذر أخاه.
أما الكبل فهو اجتماع الخبن والقطع. فقد قال جارالله الزمخشري في القسطاس: ( مكبول العروض والضرب .....). [ص: 82].
أما حول تسمية أكثر التغيّرات التي تصيب أجزاء البيت، وترك بعضها الأقل غٌلاُ دون تسمية، فستجد بعض جوابٍ في المشاركات التالية، بإذن الله تبارك وتعالى.
وبارك الله فيك وفي علمك وقلمك!
ابو الطيب البلوي القضاعي
24-08-2024, 09:42 PM
سررت بردك أخي الكريم، عبده فايز الزبيدي. ولا داعي لاعتذارك، فأنت دائماً معذور عندي. وبانتظار مشاركاتك القيمة،.. بارك الله ببجهودك القيّمة.
عبده فايز الزبيدي
25-08-2024, 11:55 AM
قال أبو الحسن العروضي في الجامع في العروض والقوافي في معرض حديثه عن التغيرات في (مفعولات) التي في ضرب السريع: (... وإنما كان مفعولات ثم ذهب منه / ١٥٥/ وتد فبقي مفعو فنقل إلى فعلن كما ذكرنا وما ذهب وتده سماه الخليل في الكامل الأحذِّ. فإن شئت أن تسميه هاهنا بهذا الاسم فعلت وكان ذلك جائزا وإن شئت تتركه على جملته). [ص: 143].
قلتُ:
هذا الكتاب مصداق عن تطور المصطلح في العروض والقافية، فقد رأينا الكاتب تارة يجمع التغييرين تحت مسمى واحد، وتارة يذكر التغيير دون اسم مصطلح له عليه.
فذكر أبو الحسن أن الخليل صاحب العروض _رحمه الله_ سمَّى سقوط الوتد المجموع بالحذذ، فقال: ( وما ذهب وتده سماه الخليل في الكامل الأحذِّ)، و توقف عند تسمية حذف الوتد المفروق من (مفعولاتُ)، وخيَّر القارئ بين تركه غفلا بدونِ اسم، وبين أن يسمّيه بالأحذِّ، على غِرار الكامل الأحذ.
والحقيقة أن من جاء بعد أبي الحسن فرَّق بين حذف الوتد المجموع وحذف الوتد المفروق، فسمَّى حذف الوتد المجموع بالحذذ، فهو أحذُّ، وسمى حذف المفروق بالصَّلم، فهو أصلمُ أو مصلوم.
ومثله وصفه للمكانفة في المنسرح، مع عدم ذكر الاسم _المكانفة_ وذلك في صفحة 148 من الجامع.
وقد تهيَّب أبو الحسن من تسمية ما لم يسمه الخليل من تغيرات، فقال: (.... وكذلك كان ينبغي أن يسمى هذا وما أشبهه بأسماء يعرف بها وقد ذكر أمثال هذا في مواضع ولم يسمه البتة . وقد يمكن أن تسمي هذه الأجزاء التي لم يسمها الخليل بأسماء تحصر معانيها وتدلّ على ما صنع الزحاف فيها نحو المجدود والمجدوع والمجبوب وما أشبه ذلك. ولو ذهبنا أن نسميها لم نَخْلُ من اللائمة إذ كان هذا الرجل قد بان من فضله ما تقبح به الزيادة عليه والتقدم بين يديه ولسنا نشك أنه كان على ذلك أقدر وبتسميته أجدر فترك هذا على ما وجد أولى لأن قصدنا في هذا الباب أن نشرحه ونقربه فأما الزيادة فيه فليس بنا حاجة إليها). [ص: 143].
ولتلخيص الكلام:
- ترك الخليل تسمية بعض التغيرات.
_ تهيَّب بعض العلماء من تسمية ما لم يسمه الخليل، واكتفوا بالوصف.
- جاء من تجرَّأ وسمَّى ما لم يسمه الخليل، فقالوا عن حذف الوتد المفروق: الصَّلم.
وقد طالعت تلك المتغيَّرات التي بقيت اليوم غُفْلا، دون تسمية، فوجدتها عِللاً رافقها زحاف الخبن بكثرة، أو أخرى رافقها الطي. وسأستعرض البحور حسب ما ذكرت لك، كما يلي:
(1) الطويل: لم أجد تغييرا بدون تسمية.
(2). المديد: العروض والضرب (حذف + خبن).
(3). البسيط: من صور مخلع البسيط: العروض والضرب (خبن + قطع).
(4). الوافر: لم أجد تغييرا بدون تسمية.
(5). الكامل: لم أجد تغييرا بدون تسمية.
(6). الهزج: لم أجد تغييرا بدون تسمية.
(7). الرجز: وهو استثناء، فقد سموا (الخبن + القطع) في ضرب الرجز بالكبل.
( 8 ). الرمل: الضرب (خبن + حذف)، وكذلك (خبن + قصر).
(9). السريع: في مفعولات: (الطي + كشف)، و (الطي + وقف). و(خبن + طي + كشف)
(10). المنسرح: في مفعولات: (خبن + كشف).
(11). الخفيف: في مستفعلن (خبن + قصر)،
(12). المضارع: لم أجد تغييرا بدون تسمية.
(13). المقتضب: لم أجد تغييرا بدون تسمية.
(14). المجتث: لم أجد تغييرا بدون تسمية.
(15). المتقارب: لم أجد تغييرا بدون تسمية.
(16). المتدارك: ترفيل + خبن.
فهل لأن الخبن والطي من الزحافات الحسنة الصالحة، اعتبرت أمراً طبيعيا عند ورودهما مع العلل في الأعاريض والأضرب، فتجاهلوا التسمية.
فقد رأيت أن علماء العروض لا يتركون اجتماع علتين في ضرب ولا عروض دون تسمية، ويتجاهلون تسمية اجتماع الزحاف مع العلة في ذلك الموضعين، ما عدا تسميتهم لاجتماع الخبن والقطع، بالكبل
عبده فايز الزبيدي
27-08-2024, 07:43 AM
قال أبو الحسن العروضي في الجامع: (وفعولن الذي هو الضرب الخامس كان أصله مستفعلن، فسقط ثانيه وسابعه، فبقي مفاعل، وهو المشكون *، ثم أسكنت اللام، ونقل إلى فعولن؛ لأن آخر البيت لا يكون إلا ساكنا، وقد كان يجب أن يكون له بعد أن أسكن اسم يخصه، كما فعل ذلك في المقطوف، وما أشبه، وقد سماه قطرب مقصورًا لأن النون لما سقطت بقي مستفعل ثم أسكنت اللام بعد حذف السين فبقي مُتَفْعِل فنقل إلى فعولن . وكذلك كل ما سقط منه حرف مما يدخله الزحاف ثم سكن المتحرك الذي يبقى فاسم ذلك المقصور وكذلك حده الأخفش). [ص: 154].
قلت:
سبق وأشرت إلى مسألة ترك الخليل بن أحمد _رحمه الله_ بعض ظواهر العروض دون تسمية، مثل تركه تسمية ظاهرة حذف الوتد المفروق من آخر (مفعولات).
ولا أدري هل ذكرها ونُسيتْ من قبل تلاميذه؟ أم أنه لم يشر لها البتَّة؟ وكلا الاحتمالين قابل للقبول.
والأقرب عندي أنه تركها؛ لقول أبي الحسن: (وقد كان يجب أن يكون له بعد أن أسكن اسم يخصه، كما فعل ذلك في المقطوف، وما أشبه، وقد سماه قطرب مقصورًا)
وقُطْرُب ممن عاصر الخليل، ولكن لم تشر المصادر إلى أنه تتلمذ عليه، ولكنه تتلمذ على سيبويه، وسيبويه من أقرب وأخلص تلميذ الخليل رحمهما الله.
قيل عن قطرب أنه كان جهمياً، والخليل من أهل السنة والجماعة، وربما لهذا السبب لم يكن هناك توافق وتقارب، ولكن يُضعِّف هذا عندي أنه كان يغشى مجالس سيبويه وهو على مذهب الخليل.
الحاصل:
أن ترك الخليل لتسمية بعض التغيرات وارد، ولا يغضّ من جهده، وقد جاء من بعده من أكمل هذا النقص، وبقيت بقية تحتاج لتسمية.
* وقوله: (المشكون)، تصحيف، تصويبه: (المشكول).
ابو الطيب البلوي القضاعي
04-09-2024, 03:25 PM
(1)
قرأت بتمعن المشاركتين السابقتين للأخ الأستاذ القدير عبده فايز الزبيدي. وأجد نفسي متفقاً في الإطار العام مع ما طرحه من رأي، لكن مختلفاً معه بشدة في تفصيل هذا الرأي الذي طرحه؛ بل ومعترضاً بشدة على الشواهد التي طرحها تأييداً لرأيه، المنقول عن أبي الحسن العروضي والزمخشري. وأدناه زبدة رأيي في هذا الأمر بعد مراجعات عديدة. وليعذرني القراء على طول المقالة، فعدد النقاط التي طرحها استأذنا في مشاركتيه كثيرة؛ خاصة مقولته هذه: {هذا الكتاب [يقصد كتاب الجامع] مصداق عن تطوّر المصطلح في العروض والقافية}. فهذه لوحدها تحتاج صفحات كثيرة لمناقشتها.
ولنبدأ أولاً بذكر اعتراضي على الشواهد التي طرحها الأستاذ القدير عبده فايز الزبيدي تأييداً لدعواه. فالشاهد الأول على دعواه هو في الحقيقة توهّم وقع فيه أبو الحسن عند حديثه عن ضرب من ضروب السريع. وهي قول أبي الحسن: (*** وإنما كان مفعولاتُ ثم ذهب منه وتد فبقي مفعو فنقل إلى فعْلن كما ذكرنا. وما ذهب وتده سماه الخليل في الكامل الأحذِّ. فإن شئت أن تسميه هاهنا بهذا الاسم فعلت وكان ذلك جائزاً، وإن شئت تتركه على جملته) [الجامع، ص: 143]. ثم عقّب الأستاذ عبده فايز الزبيدي قائلاً: (والحقيقة أن من جاء بعد أبي الحسن فرَّق بين حذف الوتد المجموع وحذف الوتد المفروق، فسمَّى حذف الوتد المجموع بالحذذ، فهو أحذُّ، وسمّى حذف المفروق بالصَّلم، فهو أصلمُ أو مصلوم).
أقول (أبو الطيب القضاعي): والصواب هو أنّ الخليل نفسه هو من صنع مصطلح "الصّلم" الضروري وجوده، كعلة تشير إلى حذف الوتد المفروق من آخر الجزء (مفعولاتُ)، وبما يميزه عن مصطلح علة الحَذَذ التي تشير إلى حذف الوتد المجموع من آخر الجزء..؟
ذلك أنّ وحدات البناء الأساسية الأربعة في نظام الخليل، التي يتألّف منها الجزء أسُّ نظامه، المربوطة شرعيته بدوائر نظامه الهندسية المغلقة عليها، حيث لا شرعية للجزء خارجها؛ هي السبب بنوعيه والوتد بنوعيه [(السبب الخفيف والسبب الثقيل)، (الوتد المجموع والوتد المفروق)]؛ أمّا الفاصلة الصغرى وكذلك الكبرى، فليست من وحدات البناء الأساسية في نظام الخليل؛ والحرف الصوتي بشقيه المتحرك والساكن، ليس من وحدات البناء الأساسية في نظام الخليل أيضاً، على الرغم من أن الخليل مرتهن له بشدة في التأصيل والتفسير.
وحيث أن مفهوم العلة يختلف عن مفهوم الزحاف، إذ الزحاف لا يُعد مساساً بكينونة الجزء بإنقاص وحدة بناء منه، وهذا بعكس العلة. ولذلك فالتغيير الحاصل على أعيان وحدات البناء الأساسية الأربعة هذه في موضع العروضة والضرب (1)، يختلف عن التغيير الحاصل عليها في الحشو بالزحاف [السبب يُزاحف، والوتد لا يُزاحف]؛ وبالتالي فإن أيّ تغيير على كينونة الجزء في موضع العروضة والضرب، بحذف أحد تلك اللبنات الأساسية الأربعة جملةً منه، يلزمه مسمّى علة مخصوص به. فلا يكفي اشتراك الوتد المفروق والوتد المجموع بمسمّى "الوتد" لكي يحصلا على نفس مسمّى علة "الحذذ" على ما افترض أبو الحسن فكان واهماً في رأيه، غافلاً عن ما قاله الخليل بشأنه. ومن يتمعن في العلل التي صنعها الخليل يعرف أنّ هذا هو ديدن الخليل بشأن العلل.(2)
(1) أبو الطيب القضاعي: الحقيقة أن الخليل سمّى الجزء الأخير من سلسلة الصدر بمسمّى (عَروض) وليس (عَروضة)، لكن علم عروض قضاعة يسميها (عروضة) على أشرنا في صفحة (تنبيه) أول الكتاب الأم لعروض قضاعة. والذي دعانا لذلك هو فض الاشتباك بين مصطلح "العروض" الدال على هذا العلم في أصله، وبين مسمّى آخر جزء في شطر الصدر؛ خاصة مع حضور نظرية (علم عروض قضاعة) في الساحة العروضية، التي نافست نظرية الخليل وتفوقت عليها بأشواط كثيرة بحسب ما أزعم.
(2) فعلة التسبيغ وعلة التذييل مثلاً، اللتين تضيفان حرفاً ساكناً إلى نهاية الجزء. فمع أنهما لم تتعرضا لكينونة الجزء بحذف أحد اللبنات الأساسية الأربعة منه؛ إذ هما في الحقيقة لا تعتبران من ضمن مفهوم العلة، لكن الخليل قال بهما لكونه مرتهن للحرف الصوتي في التأصيل والتفسير. فبغض النظر عن ذلك، لكن لاحظ أن واقع إضافة الساكن وحده لنهاية الجزء هو واقع ثابت بينهما، بغض النظر عما انتهى به الجزء؛ أي أن الجزء نفسه هو المشترَك بين هاتين العلتين. لكن الخليل مع ذلك ميّز بينهما بكون التسبيغ هو إضافة الساكن للجزء الذي نهايته سبب خفيف، أمّا التذييل فهو إضافة الساكن للجزء المنتهي بوتد مجموع (العقد الفريد، ج6، 273). ومع أن علة الترفيل ليس لها مثيل في نظام الخليل، لكن الخليل ميزها بأن جعلها مخصوصة بالجزء الذي نهاية وتد مجموع. (العقد الفريد، ج6، 273). وهذه العلل الثلاث ذكرها أبو الحسن في كتابه (الجامع، ص 217)، وكان تعريفه لها غير منضبط تماماً.
ثم أنّ المسجل للسريع في كتب العروض ضربين أصلمين [فعْلن: لا لا]، أولهما الذي عروضته (فاعلن)، وهذا ثابت عن الخليل، وهو الذي أثبته أبو الحسن في باب السريع متوهّماً أنّ الخليل لم يصنع للعلة التي أصابت ضربه مسمّى كما رأينا. شاهده عنده وعند الخليل: قالَتْ ولَم تَقصِدْ لِقَولِ الخَنا ... مَهلاً، فقد أبلَغتَ أسماعِ (3). أمّا الضرب الأصلم الثاني، الذي عروضته (فعِلن)، والذي شاهده: يا أيّها الرّازي على عُمرٍ ... قد قلت فيه غير ما تَعلَمْ. فيدور الشك بثبوته عن الخليل (4)، ولم يتطرق إليه أبو الحسن في باب السريع. (5)
(3) وتنغيم هذا القالب وتقطيعه هكذا: (لا لا نعم، لا نعمـم، لا نعم (ت= 11)... لا لا نعم، لا لا نعم، لا لا (ت= 10). = مستفعلن مستعلن مفْعلا .. مستفعلن مستفعلن مفعو (وتنقل مفعلا إلى فاعلن، ومفعو الى فعْلن: وجملة وصفه في نظام الخليل: السريع ذو العروضة المكشوفة المخبولة، ولها ضرب أصلم سالم).
(4) قال الزمخشري في القسطاس بأنّ الخليل لم يثبت هذا القالب للسريع في نظامه (القسطاس، ص 109). وتنعيم وتقطيع هذا الشاهد [يا أيّها الرّازي على عمرٍ ... قد قلت فيه غير ما تَعلَمْ: لا لا نعم، لا لا نعم، نعمم (ت= 11)... لا لا نعم، لا لا نعم، لا لا (ت= 10): مستفعلن مستفعلن فعِلن ... مستفعلن مستفعلن فعْلن]. وجملة وصف هذا القالب هي: السريع ذو العروضة المكشوفة المخبولة، ولها ضرب أصلم سالم.
(5) ويزعم الأخفش بأنّ الخليل جعل هذا القالب تابعاً للقالب الذي قبله، أي للنوع الرابع من السريع، وهو نفس الرأي الذي مضى عليه الزّجاح من قبله (عروض الزجاج، ص 161). ومعنى ذلك أنّ الخليل بزعمه يجوّز اجتماع فعْلن وفعِلن في الضرب. أي يجوّز ورود قافية السبب الخفيف مع قافية الفاصلة الصغرى في هذا القالب [أي قافية المتواتِر مع قافية المتراكِب]؛ وهذا طبعاً فيما لو كانت القافية مجردة مقيّدة (القوافي للأخفش، ص 91). أقول: وهذا غلط وتخليط من الأخفش برأينا، حتى لو أن بعض الشواهد جاءت بذلك، فزلّات القرائح لا تؤصل. فالقافية العربية ترفض اجتماع قافية السبب الخفيف مع قافية الفاصلة الصغرى؛ والخليل لا يخفى عليه ذلك؛ وإلّا لكان جوّز مثله في القالب الثالث من السريع نفسه، وفي قالب الكامل الأحذ بدل استحداث قالب مضمر بجانبه، وذلك كي يكون منسجماً مع نفسه غير متناقض. وقد رأيت كثيراً من العروضيين يتابعون الأخفش على هذا الغلط الفاحش. وهذا القالب في كتاب العقد لابن عبد ربه الأندلسي، هو قالب مستقل بنفسه (العقد الفريد ج6، ص 313).
أعود فأقول: لو أن القالب الثاني ذو الضرب الأصلم، هذا المختلف على ثبوته عن الخليل في السريع، هو الوارد فقط في كتب العروض؛ فحينها لالتمسنا لأبي الحسن العذر. أمّا والقالب الأول ذو الضرب الأصلم أيضاً، المثبت عن الخليل، حاضر في كتابه وفي شواهد الخليل؛ فلا عذر له.
فلا عذر له بسبب ما قلناه آنفا، وبسبب أن ابن عبد الأندلسي [ت/ 328 هـ] الذي تتحقق به مظِنّة النقل عن كتاب الخليل المفقود لدينا، قد ذكر علة الصلم لأكثر من مرّة في كتابه "العقد الفريد"؛ بجانب باقي المسميات الأخرى للعلل المعهودة عن الخليل(6). فقد ذكرها أولاً كتعريف تحت عنوان (علل الأعاريض والضروب) [العقد الفريد، ج6, ص 273]. ومن ثم ذكرها في أرجوزته مفرقاً بينها وبين علة الحذذ (7). وذكرها أيضاً كعنوان في بداية المقطوعات التي ألّفها على كل قالب ذكره الخليل [الضرب الأصلم السالم]، مرفقاً في نهاية المقطوعة شاهد الخليل عليها [ج6, ص 312]. ثم ذكرها كملخص لِما يدخل السريع من العلل والزحاف، مع ذكر مرتبة الزحاف فيه (الحسن والصالح والقبيح) [ج6, ص 315]. ثم عاد وذكرها عند ذكره لشواهد الخليل قائمة بنفسها [ج6، ص 337].
(6) فقد أقام ابن عبد ربه الأندلسي الجزء الأول من كتابه "العقد الفريد"، على ما جاء في كتاب العروض للخليل مصرّحاً بذلك في قوله [العقد الفريد - ج 6/ ص 277- تحقيق- مفيد محمد قميحة]:
وقد نظرتُ فيهِ فاختصرتُ ... إلى نظـــــــــــــامٍ منهُ قد أحْكمتُ
ملخّصٍ مختصـــــــــرٍ بديـــــعِ ... والبعض قد يكفي عن الجميعِ
وهذا ما يميل إليه الدكتور محمد العلمي أيضاً (العَروض والقافية - دراسة في التأسيس والاستدراك ، ص 59، وص 61)، وكذلك الأستاذ سليمان أبو ستة (راجع: شواهد الخليل في كتاب العَروض وما لكل منها مما جاء في العِقد الفريد لابن عبد ربّه- المقدمة)- مجلة الدراسات اللغوية -الرياض، المجلد السادس (مج 6) - العدد الثاني (ع 2)، 2004 م. وراجع (منهج ابن عبد ربه في تهذيب كتاب العروض للخليل وأثره في نشأة الخلاف بين العروضيين من بعده)، للأستاذ سليمان أبو ستة. وهو بحث منشور في عدد خاص من مجلة جامعة الطائف للعلوم الإنسانية. العدد 28- محرم 1443- أغسطس 2021.
(7) فقد ذكر ابن عبد ربه الأندلسي علة الصلم في أرجوزته عن العروض قائلاً: [العقد الفريد، ص 281]:
وإنْ يَزُل من آخرِ الجُزء وَتَدْ ... إن كانَ مجموعاً فذلكَ الأحَدْ
أو كانَ مَفروقاً فذاكَ الأصْلمُ ...كلاهُما للجُزءِ حقّاً صَيْلَمُ
وبذلك، يسقط احتجاج أستاذنا القدير عبده فايز الزبيدي بهذا الشاهد على حجته. ويسقط بالمعية كلام أبي الحسن الذي اعتمد عليه في هذا الشاهد. وسنعود في نهاية هذه المقالة فنتوسع في بحث قضية المصطلحات الضرورية في نظام الخليل التي صنعها الخليل وليس غيره.
*******
ابو الطيب البلوي القضاعي
04-09-2024, 03:33 PM
(2)
وأمّا قول أستاذنا عبده فايز الزبيدي كشاهد آخر له على هذه الدعوى، في المشاركة الأولى: {ومثله وصفه [أي أبو الحسن] للمكانفة في المنسرح، مع عدم ذكر الاسم "المكانفة" وذلك في صفحة 148 من الجامع}.
أقول (أبو الطيب): فهذه اتفق فيها مع أستاذنا بأن الخليل لم يذكر المكانفة، فلم يأت ابن عبد ربه على ذكرها في كتابه. وهو الذي تتحقق به مظِنّة النقل عن كتاب الخليل المفقود لدينا كما قلنا آنفا. لكنها ليست حجة مقبولة هنا لسببين:
السبب الأول: أن أبا الحسن نفسه لم يأت على ذكر المكانفة في كتابه أصلاً؛ بينما ذكر المعاقبة والمراقبة تحت عنوان "مقاييس الزحاف"، والمكانفة هي من ضمن مقاييس الزحاف لأن هذه الثلاثة تعالج كيفية توجيه الزحاف للتعامل مع السببين المتجاورين في السلسلة. وبالتالي، كيف تتوقع منه أن يذكرها وليس لها وجود في قاموسه أساساً. وهذا ما يرجح أنها إضافة حصلت لاحقاً.
وبالمناسبة، "المكانفة" ليست بالإضافة اللازمة في نظام الخليل، ذلك أنها تعلّقت بالمباح من الزحاف في الجزء نفسه، وليس بالمنع منه (8). فالممنوع هو الواجب الذكر الواجب صنع مصطلح له إذ كان له داعي فعلاً، كالمعاقبة مثلاً؛ ذلك أن الأصل في الزحاف انه جائز وليس بواجب. وبالتالي فالمكانفة يُغني شرح مدلولها عنها، تماماً كما فعل أبو الحسن في الموضع المذكور.
والسبب الثاني وهو الأهم: أنه على فرض أن الخليل هو مخترع مصطلح "المكانفة"، وعلى فرض أن أبا الحسن ذكر المكانفة في كتابه لكنه لم يذكره في الموضع المذكور، فهذا لا يُعدّ دليلاً على دعوى أستاذنا عبده فايز الزبيدي..؟
ذلك أن الدعوى في أساسها قامت على وجود نص يذكر بأن الخليل لم يسمّ هذا المصطلح أو ذاك؛ سواء كان ضرورياً بنظرنا أو غير ضروري. والدعوى كذلك لم تقم على أنه من الممكن والجائز شرح الكاتب أو المؤلّف لتفاصيل ما حدث من تغيير على جزء العروضة والضرب من جهة العلة؛ مع تجاهل مسمّاها؛ فيقال مثلاً على سبيل الشرح انه قد تم حذف الوتد المفروق من نهاية الجزء مفعولاتُ، دون ضرورة لذكر لعلة الصلم. أمّا أن يقال أن الخليل لم يسمّ هذا التغيير البتّة كما قال أبو الحسن [الجامع/ 206]، فهذا هو صميم هذه الدعوى.
(8) لمعرفة الفرق بين المعاقبة والمراقبة والمكانفة، راجع مقالتنا في رابطة الواحة التي عنوانها (الزحاف بين الواقع النظري في نظرية الخليل والواقع الحقيقي في الشعر).
*******
ابو الطيب البلوي القضاعي
04-09-2024, 03:43 PM
(3)
نأتي الآن للشاهد الثالث لأستاذنا عبده فايز الزبيدي، المنقول عن أبي الحسن العروضي أيضاً، تأييداً لدعواه، وهو قول أبي الحسن: (وفعولن الذي هو الضرب الخامس كان أصله مستفعلن [مستفع لن]، فسقط ثانيه وسابعه، فبقي مفاعلُ [//0 /]، وهو المشكول، ثم أسكنت اللام ونقل إلى فعولن؛ لأن آخر البيت لا يكون إلّا ساكناً، وقد كان يجب أن يكون له بعد أن أسكن اسم يخصه، كما فعل ذلك في المقطوف، وما أشبه، وقد سماه قطرب مقصورًا لأن النون لما سقطت بقي مستفعلُ [/0 /0 /]) ثم أسكنت اللام بعد حذف السين فبقي مُتَفْعِل [//0 /0] فنقل إلى فعولن. وكذلك كل ما سقط منه حرف مما يدخله الزحاف ثم سكن المتحرك الذي يبقى فاسم ذلك المقصور وكذلك حدّه الأخفش). [الجامع ص: 154].
وأشير في البداية إلى أنه من المناسب جداً إضافة هذا التعقيب التالي مني على مقولة أبي الحسن هذه، على موضوعك الأساس (تعقيبات على كتب العروض)؛ فالذي قاله أبو الحسن هنا هو سقطة عَروضية فظيعة، لا يليق بعروضي بارع فاهم لنظام الخليل أن يقولها.
فأبو الحسن يتحدث هنا عن ضرب النوع الخامس المجزوء من بحر الخفيف، والذي شاهده عند الخليل: كُلُّ خَطبٍ إن لَم تَكو ... نُوا غَضِبتُم يَسيرُ [فاعلاتن مستفع لن ... فاعلاتن متفْع لْ (وتنقل متفْع لْ إلى فعولن)]، [= لا نعم، لا لا لا نعم (ت= 8) ... لا نعم، لا نعم، لا (ت= 7)].
فأي نعم أن هذا الضرب كما قال أبو الحسن، قد كان أصله الجزء (مستفع لن : /0 - /0/ - /0) مفروق الوتد بتقرير الخليل، والذي آخره سبب خفيف حقيقي بنظر الخليل، لكنه سبب خفيف وهمي بتقرير عروض قضاعة. ولذلك هو بحسب تقرير الخليل يجوز عليه زحاف الشكل المركّب من الخبن والكف. فيتحول بالشكل إلى (متفْع لُ = //0 /) متحركة الآخر، ومن ثم ينقل إلى (فعولُ). (الخبن هو حذف الثاني الساكن للسبب الخفيف الحقيقي، والكف هو حذف السابع الساكن لهذا السبب الخفيف الوهمي)
وهنا يفترض أبو الحسن أن هذا الضرب المجزوء من الخفيف، إنما صار هكذا لأنه دخل عليه زحاف الشكل المركّب الذي سيوقفه على متحرك. ثم لكي يتخلص أبو الحسن من معضلة الوقوف على متحرك في موضع القافية (آخر البيت)، لأنه لا وقوف لقافية عربية على متحرك؛ فقد افترض أن (متفْع لُ) المشكولة قد أسكنت اللام منها بعد ذلك، ومن ثم نقلت إلى فعولن. وبعد ذلك راح أبو الحسن يتعجّب من كون الخليل لم يصنع له اسماً بعد أن أسكنت اللام منه، كما فعل ذلك في المقطوف على حد زعمه..! وتوهّم بعد ذلك بأن قطرب سمّاه مقصورًا بعد هذا التغيير الذي افترضه..!
وهذا غلط فظيع من أبي الحسن، فهذا الضرب إنما صار إلى (متفْع لْ //0 /0) المنقولة إلى (فعولن)، بعلة القصر أولاً، ثم بدخول زحاف الخبن بعد ذلك. وليس عن طريق زحاف الشكل المركّب ثم إسكان لام (متفْع لُ) المشكولة كما توهّم. ولا دخل لقطرب بذلك، فعلة القصر من اختراع الخليل أساساً، وأبو الحسن نفسه قد ذكرها في كتابه (الجامع، ص 217). ومنطوق علة القَصْر بحسب تقرير الخليل – وليس بمنطوق أبي الحسن غير الدقيق - هو حذف ساكن السبب الخفيف آخر الجزء وتسكين ما قبله [(العقد الفريد، ج6، 273)، (الغامزة، ص 107)]، وهي محصورة بجزء الضرب فقط.
فحيث أن أطوال السلاسل – كما هو مشاهَد- يقاس بعدد المتحركات فيها ولا دخل لعدد السواكن بذلك؛ فإنه إذا تجاهلنا عِلل نظام الخليل التي تضيف ساكناً على نهاية الجزء مباشرة، كعلة التذييل وعلة التسبيغ التي هي إشارة مباشرة لتلوين السكون (9)؛ فإن طريق الإنقاص من طول السلسلة إنما يكون بالعلل لا بالزحاف؛ ذلك لأن العلة هي من تحذف المتحركات مع السواكن معاً من نهاية السلسلة؛ أي هي مَن تقوم تحذف أحد وحدات البناء الأساسية الأربعة في نظام الخليل التي يقوم عليها الجزء كما قلنا (السبب بنوعَيه والوتد بنوعَيه). أمّا الزحاف فهو يتعامل مع سواكن الأسباب الخفيفة بحذفها فقط على طول السلسلة، أي في الحشو وفي موقع العروضة والضرب؛ وذلك في البحور التكافؤية النظام التي منها بحر الخفيف، أي ما عدا الكامل والوافر.
(9) مصطلح "التلوين" هو مصطلح خاص بنظام قضاعة العروضي، حيث مصطلحات عروض قضاعة هي مصطلحات مُحكمة مرنة غير مشوشة للذهن، وقد استدعيته هنا لأشرح به هذه الجزئية بكل وضوح وسلاسة. فالتلوين في عروض قضاعة هو فعل القانون الصوتي (التكافؤ أو الخبب) المطبّق حصراً على تسلسل الجرس في الأصل الأولي له. كما وقد جعلت إضافة الساكن لنهاية السلسلة، بحيث تنتهي السلسلة بساكنين، يحمل مسمّى "تلوين السكون". ولكون أن الخليل في نظامه مرتهن بشدة للحرف الصوتي بشقيه (للمتحرك والساكن)، فقد تنازع تلوين السكون في نظامه أربعة مسمّيات مع أن واقعه واحد (علة القصر- علة التذييل- علة التسبيغ- علة الوقف). وتلوين السكون لا يؤثر في مقياس طول السلسلة، لأن السلسلة يقاس طولها بعدد المتحركات فيها كما قلنا.
وقد وقعت علة القصر للأجزاء الثلاثة التالية في نظام الخليل: (فاعلاتن) – (فعولن) – (مستفع لن). فبعيداً عن ارتهان الخليل للحرف الصوتي في التأصيل والتفسير، فإن علة القصر مصمّمة أساساً لبيان كيفية إنقاص طول السلسلة التي يتصادف أن يكون الضرب فيها أو العروضة، هي أحد تلك الأجزاء الثلاثة المذكورة، حيث الإنقاص من الطول يكون من نهاية السلاسل حصراً كم قلنا، والضرب والعروضة إنما يحتلان نهاية السلسلة في أبجديات نظام الخليل. لكن علة القصر في نظام الخليل ليست تدل على أمر واحد، إنما تدل على أمرين:
الأول: هو حذف السبب الخفيف الأخير بكلّيته من الجزء المنتهي بسبب خفيف [أي حذف ساكنه ومتحركه معاً]، ثم إضافة تلوين السكون للوتد المجموع المتبقي بعد ذلك. فإذا دخلت على فاعلاتن (وَ) فعولن تتحول إلى : فاعلاتْ (/0 //0 0)، (وَ) فعولْ (//0 0). وهذه قد كان عدد المتحركات فيها قبل دخول علة القصر، أربعة في حالة فاعلاتن السباعية (/0 //0 /0)، وثلاثة في حالة فعولن الخماسية (//0 /0). أمّا بعد دخول علة القصر عليها، فقد صار عدد المتحركات أربعة في حالة فاعلاتْ، واثنان في حالة فعولْ؛ وبذلك تم الإنقاص من الطول.
لكن علة القصر إذا دخلت على مستفع لن (/0 - /0/ - /0) مفروقة الوتد في بحر الخفيف، وهذا هو الأمر الثاني؛ فسوف تتحول إلى مستفع لْ (/0 /0 /0). فمع أنه سينخفض عدد المتحركات بذلك من أربعة إلى ثلاثة، وفي هذا إنقاصٌ من الطول كما قلنا، لكن لن ينتج عن ذلك تلوين السكون كما حصل مع السابقات، بل ثلاثة أسباب خفيفة فقط..؟ ذلك أن الخليل قرّر أن نهاية (مستفع لن : /0 - /0/ - /0) هو سبب خفيف حقيقي بنظره [السبب الوهمي]، وبالتالي، فتطبيق علة القصر عليها سيوصلها إلى (مستفع لْ) ساكنة اللام مباشرة، وليس هناك وقوف على متحرك أصلاً لنضطر إلى تسكينه بعد ذلك على ما توّهم أبو الحسن. ودون حضور تلوين السكون طبعاً.
ومن ثم ألزمَ الخليل هذا الضرب المقصور زحاف الخبن، فصار يُدعى "المقصور المخبون"؛ وذلك منعاً لظهور أربعة أسباب خفيفة نهاية السلسلة ( لا لا لا لا )؛ فهذا لا يكون أبداً في شعر العرب المنظوم. وسبب ظهورها أن (مستفع لْ : /0 /0 /0) المقصورة في بحر الخفيف، ذات الثلاثة أسباب، يجيء قبلها فاعلاتن المنتهية بسبب خفيف أصلاً (10). ولو كانت مصطلحات علم عروض قضاعة حاضرة هنا، لكان شرح هذه القضية أفضل وأعمق وأمتع.
(10) هكذا مع علة القصر وقبل دخول زحاف الخبن: فاعلاتن مستفع لْ ( لا نعم، لا لا لا لا ). فصارت بعد الخبن هكذا: فاعلاتن متفع لْ : لا نعم لا نعم لا). ومن ثم تنقل (متفع لْ) إلى فعولن.
وهكذا صار هذا الضرب من بحر الخفيف موصوفاً بكونه "مجزوءاً مقصوراً مخبوناً" بتقرير الخليل [العقد الفريد، ج6، ص 319، وص 340]. وليس كما توهم وغلط أبو الحسن فجعله بالزحاف المركّب مشكولاً، ما اضطره بعد ذلك إلى مواجهة إشكال تسكين اللام؛ حلاً منه لمعضلة وقوف القافية على متحرك. فعلة القصر هي من تقرير وتسمية الخليل أساساً، جرياً على طريقته في نظامه في توصيف أعاريض وضروب القوالب؛ وقد استخدمها الخليل بالفعل من قبل في توصيف ضرب قالب في المتقارب وضرب قالب في المديد وضرب قالب في الرمل. لكنها في هذه الضروب المذكورة أدت لظهور تلوين السكون كما قلنا.(11)، (12)
(11) مع أن ناتج تطبيق علة القطع على مستفعلن مجموعة الوتد، هو نفس ناتج تطبيق علة القصر على مستفع لن ( /0 - /0/ - /0) مفروقة الوتد، أي مستفعلْ ( لا لا لا) ذات الثلاثة أسباب. ومع أن الأصل في ناتج تطبيق علة القصر هو حضور تلوين السكون بعد الوتد المجموع. لكن الخليل شملَ (مستفع لن) مفروقة الوتد بعلة القصر كي لا يتناقض مع نفسه؛ فهو في نظامه يزعم بأن السبب الخفيف نهاية (مستفع لن) مفروقة الوتد، هو سبب خفيف حقيقي يجوز عليه الزحاف ودخول علة القصر الموكلة بهذا السبب الخفيف برمته. وعروض قضاعة يعترض بشدة على ذلك، فهذا السبب الخفيف هو سبب خفيف وهمي نتج عن شق الوتد المجموع. كما أن الوتد المفروق نفسه هو كائن صوتي غير حقيقي، اخترعه الخليل ليحل به معضلة عويصة واجهها نظامه في بداية تخلّقه [راجع مقالتنا (السر الدفين)]. وبالرغم من ذلك، فالخليل كما ظهر لي من الإبحار العميق في نظريته، كان حريصاً جداً على صنع نظام مترابط شامل، منسجمة مكوناته وغير متناقضة، ما أمكنته أدوات نظامه من ذلك.
(12) من المناسب أن نشير هنا إلى أن هذا القالب المجزوء من الخفيف، مرفوض في عروض قضاعة، فهو ليس قالباً عربياً، أي أنه لا يتوافق مع قوانين العرب في النظم (ظن عازم)..؟ فهو قد خلط بين إيقاع بحرين مختلفين عن بعضهما (الخفيف والبندول)؛ والعرب قد حرصت أشد الحرص على منع التشابك الإيقاعي بين البحور، بعكس ما ظن البعض (ظن عازم). فقاطع بحر الخفيف الذي وقفت عنده العرب فلم تنزل دونه هو طول الأصفر (ت= 8)، فلم تنزل به لطول الأحمر (ت= 7). فهذا القالب من الخفيف ليس له شواهد عن العرب المعتَد بشعرهم؛ فلم يعثر محمد العَلمي في إحصاءه لأيّ نظم عليه في الدواوين محل دراسته، البالغ عددها 191 ديواناً (عروض الشعر العربي- قراءة نقدية توثيقية، جزء الدواوين ص 22). هذا عدا عن بحث إبراهيم أنيس عنه في الأجزاء العشر الأولى من كتاب (الأغاني) لأبي الفرج الأصفهاني (ت/ 356 هـ)، فلم يجد فيها أي مثال عليه (موسيقى الشعر: مجزوءات البحور، ص 119 و ص 121). هذا عدا عن بحثي الشخصي عنه في بعض الدواوين غير التي بحث فيها العلمي وإبراهيم أنيس، فلم أجد له ذكر. وإذا فتشنا في كتب العروض الحديثة التي حاول كثير من أصحابها الإتيان بنماذج متنوعة على القوالب، فإذا وصلوا لهذا القالب، لم يكن أمامهم من بد إلّا الإتيان بأحد شواهد الخليل عليه، أو بمقطوعة ابن عبد ربه الأندلسي التي ضمنها شاهد الخليل الأول عليه (العقد الفريد، ج 6، ص 319). أو بشاهد عليه لشاعر من عصر ما بعد الخليل، نظم عليه بهدي من تقرير الخليل له؛ ذلك أنه معدوم الشواهد كما قلنا، والذي يترجح عندي أنه من صنع الخليل لغاية محددة (ظن ناقب)، ناقشناها في الكتاب الأم لعروض قضاعة.
وبذلك، يسقط أيضاً احتجاج أستاذنا القدير عبده فايز الزبيدي بهذا الشاهد على حجته. ويسقط بالمعية كلام أبي الحسن الذي اعتمد عليه في هذا الشاهد.
*******
ابو الطيب البلوي القضاعي
04-09-2024, 03:51 PM
(4)
نأتي الآن للنقطة الأخيرة والشاهد الأخير، على دعوى أستاذنا عبده فايز الزبيدي، فقد قال أستاذنا أن {أبا الحسن تهيَّب من تسمية ما لم يسمه الخليل من تغيرات}، مورداً كلام أبي الحسن بهذا الشأن وهو: (.... وكذلك كان ينبغي أن يسمى هذا وما أشبهه بأسماء يعرف بها وقد ذكر أمثال هذا في مواضع ولم يسمه البتة. وقد يمكن أن تسمي هذه الأجزاء التي لم يسمها الخليل بأسماء تحصر معانيها وتدلّ على ما صنع الزحاف فيها نحو المجدود والمجدوع والمجبوب وما أشبه ذلك. ولو ذهبنا أن نسميها لم نَخْلُ من اللائمة إذ كان هذا الرجل قد بان من فضله ما تقبح به الزيادة عليه والتقدم بين يديه ولسنا نشك أنه كان على ذلك أقدر وبتسميته أجدر فترك هذا على ما وجد أولى لأن قصدنا في هذا الباب أن نشرحه ونقربه فأما الزيادة فيه فليس بنا حاجة إليها). [الجامع، ص: 143].
وتابع أستاذنا الزبيدي كلامه قائلاً: {وقد طالعت تلك المتغيَّرات التي بقيت اليوم غُفْلا، دون تسمية، فوجدتها عِللاً رافقها زحاف الخبن بكثرة، أو أخرى رافقها زحاف الطي}. أقول (أبو الطيب): وهذا الاقتراح هو نفسه الذي مضى على مثله الزمخشري بالفعل، وذلك لـمّا اخترع مصطلح "الكبل- المكبول" [القسطاس، ص 82]، الذي يشير إلى اجتماع الخبن مع القطع على مستفعلن في ضرب من ضروب بحر الرجز.
وأجيب رداً على هذه الدعوى، التي هي في حقيقتها "اقتراح غير موفّق" من أبي الحسن والزمخشري، وليست شاهداً معتداً به على دعوى استأذنا عبده فايز الزبيدي، فأقول: أنه قد سبق لنا وأن قلنا بأن العلة – وليس الزحاف- هي العامل الأول في تمييز القوالب بعضها عن بعض من جهة الأطوال. فلا يكون الزحاف مفرّقاً بين القوالب في نظام الخليل إلّا في حالتين، وفي كلتا الحالتين لا يُصنع لاجتماع العلة مع الزحاف مسمّى جديد، على ما يقتضيه المنهج الذي سار عليه الخليل في نظامه بشأنها، وتبعه العروضيون على ذلك من بعده.
الحالة الأولى: إذا لم تكن العلة حاضرة؛ أي إذا تساوت أطوال الشطرين كمياً من حيث عدد المتحركات، سواء كان الشطر تاماً أم مجزوءاً، أو كان ذلك في المشطور والمنهوك. فحينها يحضر الزحاف باسمه المحدّد وجوداً أو نفياً، لتفريق هذه القوالب بعضها عن بعض، وذلك كما في النوع الأول والثاني من الطويل. وذلك كقولنا في وصف القالب الأول من الطويل: (الطويل ذو العروضة التامة المقبوضة (مفاعلن : نعم نعم)، ولها ضرب تام سالم (مفاعيلن: نعم لا لا). فمصطلح "سالم" هنا هو من صنع الخليل، والمراد به هنا هو سلامة جزء الضرب من الزحاف. هذا وقد يستعمل الخليل عبارة "اللازم الثاني" في بعض الضروب المعلولة، للإشارة إلى السلامة من الزحاف بعد دخول العلة. أمّا العروضة هنا فجاء توصيفها بكونها "تامة مقبوضة". وفي وصف القالب الثاني من الطويل نقول: (الطويل ذو العروض التامة المقبوضة، وضربها مثلها). وكقولنا في وصف القالب الرابع من البسيط الذي عروضته وضربه هي مستفعلن [مستفعلن فاعلن مستفعلن ... مستفعلن فاعلن مستفعلن] (البسيط ذو العروضة المجزوءة، وضربها مثلها؛ ويجوز فيهما الخبن والطي والخبل.
والحالة الثانية التي يُفرّق فيها الزحاف بين قوالب البحر، هو فيما لو ترافق مع العلة زحاف، وهنا تذكر العلة ثم بعد ذلك يذكر الزحاف، وذلك كقولنا (الضرب المقطوع المخبون). أو قولنا (الضرب المجزوء المقطوع الممنوع من الطي الجائز فيه الخبن). وإذا رجعت لجمل وصف القوالب في شواهد الخليل على ما أوردها ابن عبد ربه الأندلسي، فستجد مصداق ما قلت لك؛ ، وعلى مثل هذا سار العروضيون الخليليون من بعده. (13)
(13) (شواهد الخليل في كتاب العَروض وما لكل منها مما جاء في العِقد الفريد لابن عبد ربّه- للأستاذ القدير سليمان أبو ستة- مجلة الدراسات اللغوية -الرياض، المجلد السادس (مج 6) - العدد الثاني (ع 2)، 2004م).
فاقتراح جمع الزحاف والعلة تحت مسمّى واحد، هو ما أسميه "الاقتراح غير الموفّق" الذي اقترحه أبو الحسن العروضي، وطبّقه فعلياً الزمخشري لـمّا استحدث مسمّى "المكبول" الذي أثار استغرابي أول ما سمعته منك [القسطاس، ص 40]؛ ولا يعد صنيعهما تطويراً على نظام الخليل بأيّ حال من الأحوال. فالعلة والزحاف لا يجمعان معاً تحت مسمّى واحد على ما يقتضيه منهج الخليل، بل وعلى ما يقتضيه واقع العلة المختلف تماماً عن واقع الزحاف كما رأينا. (14)
فالذي يجمع سوياً تحت مسمّى واحد هي العلل المركبة فقط، والزحافات المركبة فقط. كما أن للزحاف أسماءً محددة في نظام الخليل، وهو ليس محصوراً بموقع العروضة والضرب كما هو حال العلل؛ ولذلك فلا يُحشر الزحاف مع العلة تحت مسمّى معين مهما كان. فما كان الخليل ليقدم على مثل هذا وهو المشهود له بالعبقرية، العارف لِما يصنع ولتبِعات ما يصنع.(15)
(14) الذي جرّأ الزمخشري على صناعة مسمى "المكبول" غير الموفّق، هو توهّمه بأن علة القطف في الوافر هي علة الحذف بعد زحاف العصب [القسطاس، ص 40]، فقاس هذه على هذه؛ وسبق لنا أن علقنا على خطأ هذه المقولة في الصفحة الثالثة من هذا الموضوع ((تعقيبات على كتب العروض).
(15) الدليل التوثيقي على كون الخليل هو العارف لِما يصنع ولتبِعات ما يصنع، هو هذه الرواية التي نقلها تلميذه النّضر بن شُمَيل عنه، قال: {جاءه رجل من أصحاب يونس يسأله عن مسألة، فأطرق الخليل يفكر وأطال، حتّى انصرف الرجل فعاتبناه، فقال: ما كنتم قائلين فيها..؟ قلنا: كذا وكذا. قال: فإن قال كذا وكذا. قلنا: نقول كذا وكذا. فلم يزل يغوص حتى انقطعنا وجلسنا نفكر، فقال: إنّ المجيب يفكر قبل الجواب، وقبيحٌ أن يفكرَ بعده. وقال: ما أُجيب بجواب حتّى أعرف ما عليّ فيه من الاعتراضات والمؤاخذات}. (شَذَراتُ الذهب في أخبار من ذَهَب. ، ج 2، ص 322؛ تحقيق: محمود الأرناؤوط. دار ابن كثير، دمشق - بيروت، ط 1، 1986م).
وبذلك، تسقط جميع شواهد أستاذنا القدير عبده فايز الزبيدي على دعواه. ويتبقى عندنا مناقشة موضوع "حقيقة دعوى تطوّر المصطلح في نظام الخليل"، وهذا هو الرأي الأخير لأستاذنا عبده فايز الزبيدي، الذي استقاه من تلك النقولات، وهي قوله في المشاركة الأولى: {هذا الكتاب [يقصد كتاب الجامع] مصداق عن تطوّر المصطلح في العروض والقافية}. وسنترك هذه للمشاركة القادمة إن شاء الله.
*******
عبده فايز الزبيدي
04-09-2024, 04:50 PM
أخي وأستاذي/ أبا الطيب البلوي
أخوك يميل لعدم تطويل المشاركات من جهته ومن جهة أحبابه الكرام أمثالك؛ لأن الكلام إذا طال أنسى بعضه بعضا، كما قالت العرب.
وبخصوص ردك الجميل المفيد فأنا شاكر لك على هذا الجهد النافع، وأسال الله أن يكتب لك الأجر وأن ينفع بك.
وسأجيب بكلمتين:
الأولى: كان كلامي رافضا لمسألة إدارج المسميات المتعدد تحت مسمَّى واحد، ولهذا تجدني أدعو لتسمية ما لم يُسَمَّ بعدُ.
والثانية: أرى أنه حان الوقت لتسمية ما تبقى من أسماء الظواهر العروضية التي ليس لها تسمية إلى اليوم، وقد حصرت بعضها في المشاركة رقم (40).
وأقدر رأيك كبير التقدير، وتقبل مودتي الخالصة.
عبده فايز الزبيدي
06-09-2024, 11:56 AM
قال أبو الحسن العروضي في الجامع في العروض والقوافي: (وأما المعقول فكل جزء سقط خامسه بعد سكونه نحو : مفاعيلن في الوافر حتى يصير مفاعلن). [ص: 215]
قلتُ:
هذا التعريف للعقْلِ هو تعريف القدامى، كأبي الحسن العروضي، وكذلك ابن جني، الذي قال في العروض: (يجوز فِي (مفاعلتن) العصب وَهُوَ إسكان اللَّام فَيصير (مفاعلْتن) فينقل إِلَى (مفاعيلن)، وَيجوز فِيهَا النَّقْص وَهُوَ إسكان اللَّام، وحذف النُّون، فَيصير (مفاعيلُ)، وَيجوز فِيهَا الْعقل وَهُوَ حذف الْيَاء من (مفاعيلن) فَيبقى (مفاعلن))*. [ص: 86].
فتعريف القدامى للعَقْلِ هو حذف الخامس الساكن من (مفاعيلن) أي من (مفاعلَتن) المعصوبة، والعصب هو تسكين الخامس المتحرك.
وأتعجب من قوليهما _العروضي وابن جني_ : ( سقوط خامسه بعد سكون)، و(حذف الياء من مفاعيلن)، كيف عرفا أن (مفاعلتن) عُصبت قبل سقوط خامسها؟
بل هو لغوٌ ليس له واقع في العروض؛ لأن مفاعيلن تقبض بسقوط الياء كما في الطويل مثلا، فإذا وجدت في الطويل (مفاعلن) فهي مقبوضة لأن الياء ساكنة فيه أصالة ، وإذا وجدتها في الوافر _أي مفاعلن_ فهي معقولة، لأن خامسها اللام متحرك أصالة.
ولم يبعد عنهما الزمخشري في القسطاس النَّجعة، إذ قال: (والعَقْل: إسقاط خامسه بعد إسكانه، حتى يصير مُفاعَتُنْ، ويردّ إلى مَفاعِلُنْ). [ص: 39].
بينما يُفرِّق المعاصرون بين القبض والعقل، فيقولون: القبض هو حذف الخامس الساكن كما في (فعولن)، وفي (فاعلن). أما العقل فهو حذف الخامس المتحرك كما في (مفاعلَتن) فتصير (مفاعتُن) فتنقل إلى (مفاعلن)؛ تحسينا للشكل واللفظ.
وكما قيل الشيءُ بالشيء يذكر، فقد ذكرني هذا التضارب في تعريف بعض المصطلحات بكلام قاله الدكتور محمود السّمان في " العروض الجديد"، إذ قال في معرض كلامه عن الوافر: (ويدخل العصب والكف حشو هذا البحر في الشعر الحر، وهذا الزحاف المزدوج جديد، وخاص بالشعر الحر، ويمكن أن نسميه " العصف "). [ص: 45 - 46].
قلت: لعله لم تصله هذه التسمية، مع أنها مذكورة من أول الدهر، فقد استشهد الزمخشري في القسطاس للجزء المنقوص في الوافر بهذا الشاهد:
(لسَلَّامةَ دارٌ بِحَفيرٍ = كباقي الخَلَقِ السَّحْقِ قِفارُ). [ص: 85].
وسأشرح الأمر كما يلي:
النَّقْصُ: هو تسكين الخامس المتحرك، وحذف السابع الساكن، وبه (مفاعلَتنْ) تصير (مُفَاعَلْتُ) وتنقل إلى (مفاعيْلُ)؛ تحسينا للفظ. وبعبارة أخرى فالنَّقْصُ هو اجتماعُ العَصْبِ والكفِّ. وشاهده:
لسَلَّامةَ دارٌ بِحَفيرٍ = كباقي الخَلَقِ السَّحْقِ قِفارُ
لسَلْلامَـ/ ـةَ دارُنْ بِـ/ ـحَفيرنْ = كباقِلْخَـ/ ـلَقِسْسَحْقِ/ قِفارُوْ
(//ه/ه/) (//ه/ه/) (//ه/ه) = (//ه/ه/) (//ه/ه/) (//ه/ه)
مفاعيْلُ/ مفاعيْلُ/ فعولنْ = مفاعيْلُ/ مفاعيْلُ/ فعولنْ
منقوص/ منقوص/ مقطوفة = منقوص/ منقوص/ مقطوف.
وقد ذكرت _سابقاً _ مسألة مشابهة، وهي اختلاف تسمية الخليل وأبو عبيدة وأبوعبيد لاختلاف أعاريض القصيدة، فالخليل سماه بالإقعاد، وأبو عبيدة وأبو عبيدٍ سمياه الإقواء. قال التنوخي في القوافي: (وهذا عند الخليل إقعاد، وعند أبي عبيد وأبي عبيدة إقواء.). [ص: 82].
...................
* وقد ذكر الدكتور أحمد فوزي الهيب _محقق كتاب العروض_ تعريف العقل، ولكنه لم ينبَّه لمسألة: هل يقع العقل في (مفاعيلن)، أي هل يقع في الخامس الساكن؟ وهذا لا يصح، بل القبض هو الذي يقع في ذلك الموضع.
فالعقل حذف الخامس المتحرك، والقبض حذف الخامس الساكن.
عبده فايز الزبيدي
27-09-2024, 09:50 AM
قال أبو الحسن العروضيُّ في الجامع: (إعلم أن الخروج هو ياء أو واو أو ألف بعدها الإضمار إذا كانت وصلاً نحو قوله: (رحلت سميّة غُدوة أجمالها) فالهاء وصل والألف خروج.
والواو نحو قوله: (وبلد عامية أعماؤهو) فالهاء وصل والواو خروج.
والياء نحو قوله : (الحمد لله على آلائهي) فالهاء وصل والياء خروج ولا يكون خروج إلا بعد هاء). [ص:٢٧8].
قلتُ:
العبارة التالية: (بعدها الإضمار )، فيها تصحيف شديد، أخلّ بالمعنى، وتصحيحه: (بعدَ هاء الإضمار).
والهاءات في العربية على قسمين:
أصلية: وهي التي من بنية الكلمة مثل الهاء في: لفظ الجلالة (الله)) وإله، وشبه، ومُكره، أشباه، ونبيه، ووجيه، ووجه، .......... ونحو هذا.
والهاءات الفرعية: هي التي ليست من أصل بناء الكلمة مثل: هاء الكناية _ضمير الغيبة للمفرد المذكر_، وهاء السكت، وهاء العوض، وهاء التأتيث وهي التاء التي تتصل بالاسم المفرد وتدل على التأنيث، وتنطق هاء عند إسكانها، مثل: شجرة، نعمة، حمزة.
ذكرت لك أقسام الهاء حتى تدرك معاني الكلام في الفائدة التالية.
فائدة:
من أشد مسائل حروف القافية إشكالا، حتى على الخبراء، مجيء الهاء في القافية.
حتى أني وجدت من يُشار إليه بالبنان في هذا المجال يقول: (إذا سبقَ الهاء حرفٌ متحرك، أو ساكن، والتزم الشاعر الهاء الأصلية في قصيدته، كانت روياً. سواء التزم الشاعر حرفاً قبلها أم لم يلتزمه.
إذا سبق الهاء حرفٌ متحرك، أو ساكن، وخلط الشاعر بين الهاءات الأصلية والفرعية، لم تكن إلاّ صلة. ووجب على الشاعر التزام حرفٍ للروي قبلها).
والسؤال: هل للرويِّ الساكن _المقيَّد_ صلة؟
الجواب: لا، ليس للروي الساكن صلة، وإنما الصلة تكون للروي المتحرك، قال أبو الحسن العروضي: (.... وإنما يكون جميع ما ذكرناه وصل، إذا تحرك حرف الروي، فأمَّا إذا سَكَنَ بطل الوصل ...). [ص: 278].
ومن أبجديات القافية: لا صلة لساكن.
فكلُّ هاءٍ سبقها حرف ساكن فهي الرويّ، سواء كانت متحركة، فيليها الخروج، أو ساكنة وعندها لا خروج لها.
والهاء إن جاءت صلةً، فهي في مقام المَجْرَى، ولا مجْرى لرويِّ مُقَيَّدٍ أبدا.
عبده فايز الزبيدي
02-10-2024, 09:53 PM
قال إبراهيم أنيس في موسيقى الشعر *:( .. وقد شهد عصرنا . الحديث تطورا فى موسيقانا ، واصطبغ هذا التطور بلون من ألوان الموسيقى الغربية حينا ، وموسيقى الأم الشرقية الأخرى حينا آخر ، ورأينا الجيل الناشيء يقبل على هذا التجديد فى حماس ورغبة ، و يؤثره على ما شاع عندنا من موسيقى في القرن الماضي .
أما في أوزان الشعر وقوافيه فلا نكاد نظفر من شعرائنا المحدثين بجديد، فقد غلبت عنايتهم بالأخيلة ، وحرصهم على البراعة في المعانى ، وأهملوا ناحية الموسيقى الشعرية . فليس منهم من حاول التجديد فيها أو التفنن في نظامها . وربما كان للكتابة والقراءة أثر فى هذا ، فالشعر يقرأ الآن أكثر مما ينشد ، و ينظر إليه مدونا فوق الصحف أكثر مما نسمعه إلقاء ذا نغم وموسيقى .....). [ص: 17].
قلتُ:
أصدر إبراهيم أنيس _رحمه الله_ كتابَه (موسيقى الشعر)، في يوم 16 جمادى الأولى 1972 م، الموافق أول فبراير 1952م، وأتعجب من كلامهِ، فمن أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، والشعراء العرب يحاولون التجديد في الأوزان والقوافي.
فقد ظهر شعر التفعيلة قبل طباعة أنيس لكتابه بأكثر من خمسين سنة، أي أكثر من نصف قرن، إذ نشر الشاعر السعودي محمد حسن عَوَّاد، رحمه الله، أولى قصائد الشعر التفعيلي، بجريدة القبلة، بمكة المكرمة سنة 1921م، وفي نفس الوقت نشر شاعر في جريدة عراقية تحت مسمى (ب . ن) قصيدة من شعر التفعيلة، وكانت تسميه الجرائد _وقتها_ بالشعر المُطْلق، أي الذي أطلق من قيد القافية.
وعرف الأدباء العرب ما يسمى بقصيدة النثر، ووضع العَوَّاد مصطلح: (شَنَر) لقصيدة النثر، فالشين ترمز للشعر، والنون للنثر، والراء مشترك بينهما، وهو من باب التسمية بالنحت.
ولقد ظُلمُ شاعر الحجاز من قبل النقاد والكتاب، بتقصير منهم، أو بتقصيرٍ من العوَّاد نفسه والنقاد السعوديين، وقد آن الأوان أن تعاد ريادة الشعر التفعيلة لصاحبها، وأن يعتبر بحقّ هو أبو شعر التفعيلة، كما أنه من أوائل من تكلم عن قصيدة النثر.
وظهر كذلك ، الشعر المُرسلُ، وهو شعرٌ عمودي ذو شطرين يلتزم بالوزن ولكنه لا يلتزم بوحدة القافية، أيْ ليْسَ للقصيدة رويٌّ مُوحَّد.
بل ذهبوا أبعد من هذا، إلى عدم التقيد ببحر واحد في القصيدة، مثل قول أحمد فارس الشدياق:
ساعةُ البُعْدِ عنْك شهرٌ وعامٌ = الوصل يمضي كأنما هو ساعةْ
أتنجم الليل الطويل صبابة = وتنجمي لنجوم ذي تفليك
ويخفق مني القلب أن هبت الصبا = ويذكرني البدر المنير محياك
ألا ليت شعري كم يقاسي من النوى =وأنحائه قلب يذوب تجلدا
فالبيت الأول صدره من الخفيف، وعجزه من الكامل، والبيت الثاني من الكامل، والبيتان: الثالث والرابع، جاءا من الطويل.
والشعر المرسل هو الباب الذي دخل منه الشعراء إلى الشعر التفعيلي). **
وشمل التجديد، والتحديث الوزن والقافية، فقد خلطوا الأوزان في القصيدة الواحدة، وتركوا الروي، كما في الشعر المرسل.
ثم ألغوا القافية تماما، واعتمدوا على تكرار التفعيلة، دون التزام بما يجب عليهم تكراره وفق دائرة العروض، كما في شعر التفعيلة.
ثم تركوا الوزن والتقفية كما في قصيدة النثر.
فهذه ثورة حقيقة بارزة في عالم الوزن والقافية، تجاهلها الكاتب.
.........
* موسيقى الشعر، دكتور/ إبراهيم أنيس، ملتزم الطبع والنشر مكتبة الأنجلو المصرية، مطبعة لجنة البيان العربي، طبعة سنة 1952م.
** التجديد في العروض والقافية، عبده فايز الزبيدي.
عبده فايز الزبيدي
04-10-2024, 05:49 PM
قال إبراهيم أنيس في موسيقى الشعر: (وقد اصطلح أهل لعروض على اعتبار الحركة الأخيرة في البيت أو الشطر من الشعر بمثابة حرف ساكن فمثلا قول شوقى :
في الموت ما أعيا وفى أسبابه = كل امرىء رهن بطيَّ كتابه
حين نزنه بميزان أهل العروض يكتب هكذا :
فلموت ما | أعيا وفى | أسبابهي = كللمرئن/ رهنُنْ بطيـ/ ـيِ کتا بھی
مستفعلن / مستفعلن / مستفعلن = مستفعلن / مستفعلن/ مستفعلن*
فالكسرة التي انتهى بها كل شطر اعتبرت كحرف ساكن أى أنها تقابل في المقياس النون الساكنة .
فإذا كانت الحركة المتطرفة فتحة كتبت فى الأشعار ألفا وهي تعد كذلك بمثابة حرف ساكن ، ….، ولكن حين يكتب الشعر بالرسم العادي يراعى الكاتب أن الضمة الأخيرة أو الكسرة يرمز لهما بالرمز المألوف ، أما الفتحة فيرمز لها دائماً بألف . وجميع هذه الحركات الثلاث حين تقع في أواخر الأبيات تعتبر في ميزان الشعر بمثابة حرف ساكن ، ولهذا يكتبون في الرسم العروضيّ الكسرة ياء والضمة واوا ). [ص: 56 - 57].
قلتُ:
أخطأ أنيس في وصف المَجْرَى وما بعدها، وهي حركة الرَّوِيِّ المُطْلقِ، أي المتحرك، وإذا سكَن الروي فلا مجرى ولا صلة، فهي حركة للحرفِ، وليست بحرفٍ، ولكن يتولد عنها حرف ساكنٌ من جنسها يقال له الوصل.
فقوله: (وقد اصطلح أهل العروض على اعتبار الحركة الأخيرة في البيت أو الشطر من الشعر بمثابة حرف ساكن)،
هذه مغاطلة من مغالطاته التي أوردها في موسيقى الشعر، فما قال عروضيّ معتبر من القدامى والمعاصرين أن المجرى _حركة الروي_ حرفٌ ساكن، بل قالوا يتولد من إشباعها _مطلها_ حرفٌ ساكنٌ من جنسها.
والحركة التي على الروي المتحرك _المطلق_ لا تدخل بذاتها منفردة في الوزن بتاتا البتَّة، إنما بها يصبح الروي حرفا متحركا، ويكون الحرف الناشئ من إشباعها حرفاً ساكناً، ينتهي عنده الوزنُ، ما لم يكن وصل الرويّ بهاء متحركة، فالخروج هو آخر الحروف في البيت، وهو حرف ساكن متولد عن إشباع النفاذ، وهي حركة هاء الصلة المطلقة. ومع أنه ضَربَ مثالاً لكنه لم يفرق بين المجرى والوصل.
ولزيادة التوضيح، نحن في القوافي: نصل الروي المُطلق، بحروف المد الثلاثة (و - ا - ي)، وكذلك بالهاء، وبعضهم يقول وكذلك بالكاف، فلا الهاء ولا الكاف تتولدان من المجرى.
وحول كتابة الحركات بحروف، وهذا كما ذكرت لك خطأ مرده عدم فهمه لمعاني حروف القافية وحركاتها. وهو نفسه يرد على نفسه، حين جاء بالهاء مع حركتها مع صلة الحركة، هكذا:
فلموت ما | أعيا وفى | أسبابهي = كللمرئن/ رهنُنْ بطيـ/ ـيِ کتا بھِی
فالقافية: (تابهي)، الروي الهاء، والمجرى الكسرة، والياء الوصل.
وكان بإمكانه تجنب هذا الخطأ لو أنه يقال يتولد عن حركة الروي أو ينشأ عنها حرف ساكن، لخرج من هذه المغالطة.
الخلاصة:
إبراهيم أنيس لا يفرق بين الحركة والحرف، في القافية، بل قد جعل الحركة حرفاً، كما قال: (فإذا كانت الحركة المتطرفة فتحة، كُتبت فى الأشعار ألفا ....). في حين أن العروضيّين فرقوا بينهما، فقالوا: حروف القافية، وحركات القافية.
.............
* (ــيِكتابهي) تساوي متفاعلن، وليست مستفعلن
عبده فايز الزبيدي
10-10-2024, 04:14 PM
قال الدكتور/ عبدالرضا علي في كتابه (العروض والقافية، دراسة وتطبيق في شعر الشطرين و الشِّعْرِ الحُرّ): (ولا يستعمل مشطورا من الأوزان غير الرجز والمنسرح). [ص: 13].
ثم قال: (ولا يستعمل منهوكا غير الرجز). [ص: 13].
قلتُ:
قد يقبلُ هذا الكلام من العروضيين القدامى، أما من المعاصرين فلا، ونظرة خاطفة في دواوين الشعراء المحدثين والمعاصرين، تنسف هذه المقولة نسفا.
فقد استعملتِ الشعراء كثيرا من البحور تامة ومشطورة ومجزوءة ومنصوفة وموحَّدة.
عبده فايز الزبيدي
10-10-2024, 04:18 PM
قال الدكتور عبدالرضا علي في (العروض والقافية، دراسة وتطبيق في شعر الشطرين و الشِّعْرِ الحُرّ):
(زحاف الإضمار: وهو تسكين الحرف الثاني في (متفاعلن)، فتنقل إلى (مستفعلن)، وأجازوا دخوله على جميع أجزائه، حشواً وعروضاً وضرباً). [ص: 42].
قلتُ:
قوله (وأجازوا دخوله على جميع أجزائه)، فيه تعميمٌ لا يصحُّ مطلقاً.
لأنَّ هناك أعاريض وأضرب يمتنع فيها الإضمار، مثل الكامل الأحذ، السالم من إضمارِ عروضه وضربه، وصورته:
متفاعلن متفاعلن فعِلن = متفاعلن متفاعلن فعِلن
فوقوعه _هنا _ في الأعاريض يقال له: إقعاد، ووقوعه في الأضرب يقال له: تحريد.
والعروض الحذاء، وضربها المحذوم (أحذّ مضمر):
متفاعلن متفاعلن فعِلن = متفاعلن متفاعلن فعْلن
فوقوعه _هنا _ في الأعاريض يقال له: إقعاد
وأما:
العروض المحذومة، وضريها محذوم مثلها:
متفاعلن متفاعلن فعْلن = متفاعلن متفاعلن فعْلن
فعدم وروده في العروض يكون من باب الإقعاد، وغيابه عن الضرب يقال له: تحريد.
والعروض الأخيرة، أسميتها العروض الضَّربِيَّة *، وبعضهم يسميها العروض المقلوبة، وهي التي يقع فيها ما يقع في الضرب، فيما لا يقع في أعاريض ذلك البحر عادةً.
....
* الحَذْمُ، والعروض الضَّربيَّة، هي من التسميات التي وضعتها فيما أسميته (ما لم يسمِّه الخليل) .
عبده فايز الزبيدي
19-10-2024, 07:42 PM
قال ابن رشيق القيرواني، في العمدة: (المديد: مثمن محدث، مسدس قديم، مربع قديم، أجزاؤه: (فاعلاتن فاعِلن)، ثماني مرات وعلى ذلكم أتى محدثه، وبيت مربعه (1) السالم:
بؤس للحرب التي = غادرت قومي سدى
قال: وهذا شعر قديم، إلَّا أن الخليل لم يذكره. زحافه: الخبن، الكفّ، الشكل، القصر، الحذف، الصلم...).[ص: 302].(2)
............
قلتُ:
قوله: (... ثماني مرات) خطأ، صوابه أربع مرات، هكذا:
(فاعلاتن فاعلن) (فاعلاتن فاعلن) = (فاعلاتن فاعلن) (فاعلاتن فاعلن)
وقد نبه على هذا المحقق محمد محيي الدين عبدالحميد، بقوله: (صوابه أربع مرات).
قلتُ:
قوله: (الصلم ...)، لا يصح ذكره في المديد، لأنه علة تلحق الجزء ذا الوتد المفروق المتطرف، وهو (مفعولات). و(مفعولات) ليست من أجزاء المديد.
أما الخبن: وهو حذف الثاني الساكن، فهو حسن في المديد، وبه تصير (فاعلاتن) إلى (فعِلاتن)، و(فاعلن) إلى (فعِلن).
والكفّ: هو حذف السابع الساكن، ويدخل (فاعلاتن) فقط، وبه تتحول إلى (فاعلاتُ).
والشكل: هو اجتماع الخبن والكف، وبه تتحول (فاعلاتن) إلى (فعلاتُ). ولا يدخل (فاعلن) لامتناعها من الكف لكونها خماسية.
والقصر: هو حذف ساكن السبب الخفيف، من آخر تفعيلة الضرب أو العروض، مع تسكين ما قبله، فتصير (فاعلاتن) إلى (فاعلانْ)،
والحذف: هو إسقاط السبب الخفيف من آخر التفعيلة..
وقد قلتُ سابقا أن هذا الكتاب الذي أصنعه، ليس الغرض منه تصيّد الأخطاء_ معاذَ الله_ ولكن إنْ وجدتُ ما يستحق التنبيه عليه وتصويبه وتقويمه _حسب معرفتي المتواضعة_ فإنه عندي من باب النصيحة لعامة المسلمين وخاصتهم.
وأسأل الله أن يعينني ويوفقني لما يحبه و يرضاه، وأن يقبله من عبده وابن عبده وابن أمته.
والكمال لله وحده، وقد قلتُ في مدح ربي:
كَمالُ ربيَّ أمرٌ لا كَمَالَ لهُ = وكيفُ يُكْملُ من في الأصْلِ قَد كَمُلا
...............
(1). المربع عند بعض العلماء هو الذي أسميته في كتابي (التجديد في العروض والقافية) بالمنصوف، ويسميه بعضهم بالمشطور، مثل ميخائيل ويردي في (بدائع العروض)، ولا مشاحة في الاصطلاح.
(2). العمدة في صناعة الشعر ونقده، تأليف أبي علي الحسن ابن رشيق القيرواني ألأزديِ، حققه وفصله ووعلق على حواشيه/ محمد محيى الدين عبدالحميد، مطبعة السعادة بمصر،، الطبعة الثانية 1374 هـ - 1955 م.
عبده فايز الزبيدي
19-10-2024, 09:12 PM
العقد الفريد دار الكتب العلمية_ بيروت لبنان، الطبعة الأولى 1404هـ - 1983 م.
قال صاحب العقد _ابن عبدربه الأندلسي_رحمه الله_: (
[أبيات الوافر]
العروض المقطوف، الضرب المقطوف
لنا غنم نسوّقها غزار ... كأنّ قرون جلّتها العصيّ
إذا لم تستطع شيئا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع
.........
[معقول]
منازل لفرتني قفار ... كأنما رسومها شطور
.............
[أعصب]
إذا نزل الشتاء بدار قوم ... تجنّب جار بيتهم الشتاء
...............
[أقصم]
ما قالوا لنا سيدا ولكن ... تفاحش قولهم فأتوا بهجر
............
[أجم]
وإنك خير من ركب المطايا ... وأكرمهم أبا وأخا ونفسا ......). [مج 6 / 329].
قلتُ:
(1) قوله (أعصب) هو تصحيف ولاشك، تصويبه: أعْضَبُ، والعَضْبُ: _بالضاد_ حذف أول الوتد المجموع من (مفاعلتن) الأولى السليمة، وبه (مُفاعلتن) تصبح (فاعلتن). وتنقل إلى مفتعلن لتحسين اللفظ. والعضب علَّة تجري مجرى الزحاف، لأنها لا تتكرر في بقية أبيات القصيدة. شاهده قول عمروٍ بن أحمرَ الباهلي:
إنْ نَزَلَ الشّتِاءُ بدارِ قَومٍ = تَجَنَّبَ جارَ بَيتهِمُ الشّتِاءُ
إنْ نَزَلَشْـ/ ـشِتِاءُ بدا/ رِقَومنْ = تَجَنْنَبَ جا/ رَبَيْتهِمُشْ/ شِتِاءُوْ
(/ه///ه)(//ه///ه)(//ه/ه) = (//ه///ه)(//ه///ه)(//ه/ه)
مفْتعلن/ مفاعلتن/ فعولن = مفاعلتن/ مفاعلتن/ فعولن
معضوبة/ صحيحة/ مقطوفة = صحيحة/ صحيحة/ مقطوف
(2) رواية العقد الفريد لبيت الباهلي، هكذا:
إذا نَزَلَ الشِتاءُ بِدارِ قَومٍ = تَجَنَّبَ جارَ بَيتِهِمُ الشِتاءُ
ليس فيها شاهد على علة العضْب. والشاهد يكون برواية:
(إنْ نَزَلَ الشِتاءُ بِدارِ قَومٍ = ..........)
قلتُ:
(3). شاهد الجمم _عند الأندلسي_:
وإنك خير من ركب المطايا = وأكرمهم أبا وأخا ونفسا
ليس فيه دليل على هذه الظاهرة من الخرم، وقد قلت في كتابي (التجديد في العروض والقافية): (الجَمَمُ: اجتماع الخرم والعقل، أي حذف أول الوتد المجموع من التفعيلة الأولى المعقولة (مُفَاعَتُنْ = مفاعلُنْ)، فتصبح (فَاعَتُنْ = فاعِلن).
والجَمَمُ: هو اجتماع الخرم معَ العقل. شاهده:
أنتَ خَيرُ مَن رَكِبَ المَطايا = وأَكْرَمَهُمْ أخاً وأباً وأُمَّاً
أَنْتَخَيْـ/ ـرُمَنْ رَكِبَلْـ/ ـمَطايا = وأكرمَهُمْ/ أخَنْ وأبَنْ/ وأُمْمَنْ
(/ه//ه) (//ه///ه) (//ه/ه) = (//ه///ه) (//ه///ه) (//ه/ه)
فاعلنْ/ مفاعَلَتُنْ/ فَعُوْلنْ = مفاعَلَتُنْ/ مفاعلَتُنْ/ فعولنْ
والجمم علَّة تجري مجرى الزحاف.).
..............
العقد الفريد، تأليف الفقيه أحمد بن محمد بن عبدربه الأندلسي، تحقيق الدكتور عبدالمجيد الترحيني، دار الكتب العلمية_ بيروت لبنان، الطبعة الأولى 1404هـ - 1983 م.
عبده فايز الزبيدي
24-10-2024, 11:55 AM
قال الدكتور/ عبدالرضا علي في كتابه (العروض والقافية، دراسة وتطبيق في شعر الشطرين و الشِّعْرِ الحُرّ) في معرض حديثه عن البحر المتدارك: ( ... وأنَّ المطرد استعماله مخبوناً، والخبنُ زحاف وهو حذف الثاني الساكن، وتصير تفعيلته (فعٍلن)، وعلى وفق هذا فإنَّ لهذا الوزن ذي التفعيلة المخبونة تشكيلين، هما:
١ - المتدارك المخبون : وهو ما كانت عروضه مخْبونة، وضربها كذلك، مع مراعاة أن الحشو قد يدخله الاضمار بعد الخبن، فتصير تفعيلة الحشو ( فعْلن)، بتسكين العين، ومثاله قصيدة الحصري القيرواني :
يا ليلُ الصبُّ متى غدُهُ = أقيامُ السَّاعةِ مَوْعِدُهُ
رقدَ السُّمَّارُ فأَرَّقه = أسفٌ للبيْنِ يردِّدهُ
٢ - المتدارك المضمر : وهو ما كانت عروضه مخبُونة، وضربه مخبوناً مضمراً، فتصير ( فعْلن ) بتسكين العين ، لأن الاضمار _وهو تسكين الثاني المتحرك_ يدخل على التفعيلة وهي مخبونة ( فعِلن ) بكسر العين فيجعلها ساكنة العين .
ومثاله قول الشاعر :
إنِّ الدُّنيا قد غرْتنا = واستَهْوتْنا واستَلْهَتْنا
يا ابنَ الدُّنيا مَهْلاً مَهْلاً = زِنْ ما تأتي وزناً وزنا
ما مِنْ يومٍ يمضي عنَّا = إلا أوْهَى منَّا رُكْنا ...). [ص: 69 - 70]
............................
قلت:
هذا نصُّ كلامه، وقد تركت التقطيع، حتى لا يطول الكلام، فقوله: (المتدارك المضمر) تعبير ليس له مصداق في الواقع، ولو قال: متدارك مخبون مضمر، لكان أصاب في الوصف.
فظواهر العروض في كتب العروض قديما وحديثا بين تسمية ووصف. فهنالك من يسمي الظاهر العروضية باسم خاصّ، وهناك من يكتفي بوصفها، والكلام عمَّا لم يسمِّ الخليل.
وهنا مسألة مشهورة وشائكة، وهي ظهور (فعْلنْ) في المتدارك، قيل إن الخليل عرف المتدارك، ولم يذكره إما لقلة شواهده، وإمَّا لظهور (فعْلن) ساكنة العين، وهي عند الخليل مقطوعة، والقطع لا يكون في الحشو، لأنها علَّة تقع في الأوتاد في أجزاء الأعاريض والأضرب.
ولأهل العروض في تفسير مجيء (فَعْلُنْ) في المتدارك ثلاثة أقوال، هي:
(1). القول الأول: إنَّها مُشَعَّثَة، وذلك بحذف أول الوتد المجموع أو ثانيه، من (فاعِلُنْ) فتصير إلى (فالُنْ) أو (فاعِنْ)، ثم تنقل إلى (فَعْلُن)؛ تحسينا للفظِ والشِّكْلِ.
(2). القول الثاني: إنَّها مقطوعة، والقطع هو حذف آخر الوتد وتسكين ما قبله، فتصير (فاعِلُنْ) إلى (فاعِلْ)، وتنقل إلى (فعْلنْ)؛ تحسينا للفظ فقط.
(3). والقول الثالث: إن (فاعِلن) خُبنت، فصارت (فَعِلن)، ثمَّ أضمرت فكانت (فَعْلنْ)، والخبنُ والإضمار وقعا في نفس الموضع. وسأسمي هذه الظاهرة بالخَضْنِ.
وهذا الخلاف لا طائلَ منه، ولكن لو أردتُ الترجيح بينها سأختار قول الفريق الأول؛ لأن التشعيث تغيير مفرد، وهو حذف أحد حرفي الوتد المتحركين، فهو حذف حرف وحركته. أما القطع ففيه تغييران: الحذف والتسكين، أي حذف حرفٍ مع حركته، ثم حذف حركة الحرف الذي قبله، والرأي الثالث أبعدها وأكثرها تكلفاً، لأنك ستحذف حرفاً مع حركتهِ، ثم تعود لنفس الموضع وتحذف حركة الحرف الذي حلَّ مكان المحذوف.
وقد أسميت في (ما لم يسمِّه الخليل) اجتماع القطع والقصر، بالقَصْلِ، وهو يقع في الأوتاد المتطرفة في مثل: فاعلن، ومستفعلن.
والخلاصة فيها:
أن (فعْلن) تأتي من (فاعِلن) إمَّا بالقطع، وإما بالتشعيث، وإما بالخضن.
عبده فايز الزبيدي
24-10-2024, 08:12 PM
جاء في تاج العروس*:
(وضَرَجَ الثَّوْبَ وغيرَهُ: لَطَخَهُ بالدَّمِ، ونحوِهِ من الحُمْرَةِ أو الصُّفْرَةِ، قال يصف السَّرَابَ على وَجْهِ الأرضِ:
" في قَرْقَرٍ بلُعْبَابِ الشَّمسِ مَضْروجِ "
يعني السَّرَابَ وضَرَجَ الثَّوْبَ وغيرَهُ: لَطَخَهُ بالدَّمِ، ونحوِهِ من الحُمْرَةِ أو الصُّفْرَةِ، ) [مج 6/ ص: 77].
قلتُ:
الشاهد لذي الرّمّة، وهو من البسيط، ولا يستقيم إلا هكذا:
" في قَرْقَرٍ بلُعابِ الشَّمسِ مَضْروجِ "
بحذف الباء بين العين والألف، كما في العين واللسان، وغيرهما، والشاهد _كاملا_ هو:
في صَحْنِ يَهْمَاءَ يَهْتَفُّ السّهامُ بِها = في قَرْقَرٍ بلُعابِ الشَّمسِ مَضْروجِ
صحن الشيء وسطه، ويهماء أي صحراء، السّهامُ ريح سموم حارة، والقرقر ما استوى من الأرض،ومن أسماء السراب: لُعابُ الشمس.
.........
* تاج العروس من جواهر القاموس، للسيد محمد مرتضى الحُسينيّ الزبيدي، تحقيق الدكتور/ حسين نصار، مطبعة حكومة الكويت، طبعة سنة 1369 - 1969م.
عبده فايز الزبيدي
31-10-2024, 07:07 AM
قال الدكتور/ عبدالرضا علي في كتابه (العروض والقافية)، في معرض كلامه عن البحر المتقارب: (علة القصر: وتدخل في ضربه.) [ص: 94]
قلتُ:
قصره القصرَ في المتقارب، على الضرب دون العروض، تحجَّرٌ لا داعي له، لأنه يرد القصر والحذف والقبض والبتر في العروض.
قلت في كتابي: (التجديد في العروض والقافية):
((5). عروض مقصورة (فَعُوْلْ)، وضربها صحيح (فَعُوْلُنْ):
ورُمْنَا قَصَاصَاً وكَانَ التَّقَاصُّ (م)= فَرْضَاً وحَتْمَاً على المُسْلمينا
ورُمْنَا/ قَصَاصَنْ/ وكَانَتْـ/ تقَاصْـ = ـصُفَرْضَنْ/ وحَتْمَنْ/ علَلْمُسْـ/ لِمِيْنَا
(//ه/ه) (//ه/ه) (//ه/ه) (//ه ه) = (//ه/ه) (//ه/ه) (//ه/ه) (//ه/ه)
فَعُوْلُنْ/ فَعُوْلُنْ/ فَعُوْلُن/ فَعُوْلْ = فَعُوْلُنْ/ فَعُوْلُنْ/ فَعُوْلُنْ/ فَعُوْلُنْ
سالم/ سالم/ سالم/ مقصورة = سالم/ سالم/ سالم/ سالم
قيل إنَّ عِلَّةُ القَصْرِ تجري في هذه العروض مجرى الزّحاف، والقصر علَّة في الضرب لازمة، ولا تجري مجري الزحافِ، واختلاف أعاريض المتقارب لا يعدُّ من الإقعاد ....).
عبده فايز الزبيدي
03-11-2024, 07:10 AM
قال التنوخي في القوافي _طبعة الخانجي، سنة 1978م_: (والقافية على قولِ الخليل الآخر ما بين الساكنين الأخيرين من البيت، مع الساكن الأخير فقط). [ص: 68].
قلت:
قال الدكتور عوني عبدالرءوف وهو محقق الطبعة الثانية، طبعة الخانجي، سنة 1987م: (لم يرد هذا الرأي _فيما رجعت إليه من مظان_ إلا باللسان جـ 15، ص 195، ع 2، س 19).
وكلام لسان العرب ليس كما ظنَّ الدكتور عوني، بل قال صاحب اللسان: (وَقَالَ الْخَلِيلُ: القَافِيَة مِنْ آخِرِ حَرْفٍ فِي الْبَيْتِ إِلى أَوّل سَاكِنٍ يَلِيهِ مَعَ الْحَرَكَةِ الَّتِي قَبْلَ السَّاكِنِ، وَيُقَالُ مَعَ الْمُتَحَرِّكِ الَّذِي قَبْلَ السَّاكِنِ ).[مج 15 / 195].
فكلام صاحب اللسان مستقيم، وقد نوَّه من طرف خفي على أنَّ قولهم (مَعَ الْحَرَكَةِ الَّتِي قَبْلَ السَّاكِنِ) و(مَعَ الْمُتَحَرِّكِ الَّذِي قَبْلَ السَّاكِنِ) هو شيءٌ واحد، وإن اختلفت الألفاظ، فالحركة لا بدَّ لها من حرف يحملها، ولهذا كان أبو الحسن العروضيّ_في الجامع_ يسمي الحر ف المتحرك بالثقيل، لثقل الحركة فوقه، ويسمي الحرف الساكن بالخفيف للسكون عليه.
وقول الخليل فيما نقله ابن منظور صاحب اللسان (القَافِيَة مِنْ آخِرِ حَرْفٍ فِي الْبَيْتِ) لا يتصور غير كونه ساكنا، لأن آخر حرف بالبيت يكون واحدا مما يلي: رويَّاً مقيَّداَ، أيْ ساكناً _ولا صلة لساكن_، أو يكون صلة لروي متحرك، أو خروجا، وكلها سواكن.
أمَّا محققا طبعة دار الإرشاد، وهما: عمر الأسعد، ومحيي الدين رمضان، فلم يعلِّقا على هذه العبارة بشيء مطلقا.
وكلهم لم ينبهوا على الزيادة التي لا معنى لها في قوله: (مع الساكن الأخير فقط).
ووجدتُ محمد العلمي قد أشار لهذا في (العروض والقافية) بقوله: (وهذا ـ حسب علمي – مما انفرد به التنوخي . وتكون القافية عليه عند الخليل ، ما بين آخر حرف في البيت إلى الساكن الذي يليه ، إذ آخر حرف في البيت يكون ساكنا وهو الوصل أو الخروج . وعلى هذا الفهم ، تكون عبارة (مع الساكن الآخر فقط ) في هذا التعريف زائدة .). [ص: 168].
عبده فايز الزبيدي
11-11-2024, 06:07 PM
قال محمد العلمي في (العروض والقافية) في ذكر ما استدركه الزمخشري في القساطاس على الخليل، قوله:
(... وذكر كذلك في الكامل ضربا شاذًا، جعله محذوف الصدر من الضرب الثالث، ويتم بإضافة (مَنْ مُخبري) إلى أوله ، وهو عندي المخمس الشاذ الذي سيذكره الدماميني بعد قليل ، وهو قول حسان :
لِمَنِ الصَّبِيُّ بِجَانِبِ الْبَطْحَاءِ مُلْقَى غَيْرَ ذِي مَهَدِ). [ص: 230].
قلتُ:
صدق من قالَ: (ما بُني على باطلٍ فهو باطل)، فقد بنى صورة للكامل مختلقة بناءً على شاهد مُحرَّف، ولو رجع لأمهات الكتب التي تذكر هذا الشاهد لعرف الحقَّ. وسيأتي ذكر الشاهد قريباً.
وأعحب منه تغافله عن كلام الزمخشري، فالزمخشري قال في القسطاس: (وقول حسان:
لِمَنِ الصَّبيُّ، بجانبِ ال= بَطحاءِ، مُلقىً، غَيرَ ذِي مَهدِ؟
من الضرب الثالث، محذوف الصدر، يتمُّ بـ (مَنْ مُخْبِرِيْ)). [ص: 90].
فقد أدرك الزمخشري أن رواية البيت _على هذا النحو_ فيها نقصٌ، فقال أن البيت يتمُّ بزيادة: (من مخبري)، فيكون البيت حسب افتراض صاحب القسطاس، هكذا:
مَنْ مُخْبري لِمَنِ الصَبِيُّ بِجانِبِ الْـ = ـبَطحاءِ مُلقىً غَيرَ ذي مَهدِ.
مستفعلن/ متفاعلن/ متفاعلن = مستفعلن/مستفعلن/ فعْلنْ
مضمر/ سالم/ سالمة = مضمر/ مضمر/ محذوم (1).
وقد جزم الزمخشري في القسطاس بأن الكامل لا يأتي سوى تامَّا أو مجزوء فقال: (الكامل هو، في البناء، على نوعين: مسدّس، ومربَّع). [ص: 88]. (2)
قلت: والبيت مطلع قصيدة من ديوان حسان بن ثابت الأنصاريّ، رضي الله وأرضاهُ، أوردها عبدالرحمن البرقوقي في (شرح ديوان حسان هكذا):
لِمَنِ الصَبِيُّ بِجانِبِ البَطحاءِ = مُلقىً عَلَيهِ غَيرَ ذي مَهدِ
نَجَلَت بِهِ بَيضاءُ آنِسَةٌ = مِن عَبدِ شَمسٍ صَلتَهُ الخَدِّ
تَسعى إِلى الصَباحِ مُعوِلَةً = يا هِندُ إِنَّكَ صُلبَةُ الهَردِ
فَإِذا تَشاءُ دَعَت بِمِقطَرَةٍ = تُذكى لَها بِأَلُوَّةِ الهِندِ
غَلِبَت عَلى شَبَهِ الغُلامِ وَقَدْ = بانَ السَوادُ لِحالِكٍ جَعدِ
أَشِرَت لَكاعِ وَكانَ عادَتَها = دَقُّ المُشاشِ بِناجِذٍ جَلدِ). [ص: 157]. (3).
ورواية المطلع فيها إشكال، لأن أعاريض القصيدة كلها عدا عروض المطلع_ حذاء: (فعِلن)، وأضربها (فعْلنْ) محذومة (1) (حذاء مضمرة)، فإذا صحَّت رواية (البطحاء) فتكون عروض البيت الأول مقضومة (4) أي مضمرة مقطوعة: (متْفا علْ= فعْلاتن)، وسائر الأعاريض حذاء، ويكون في الأعاريض إقعاد، بسبب هذه العروض الأولى.
ويسلم البيت الأول من الإقعاد بقصر البطحاء، أي بحذف الهمزة المتطرفة، هكذا: (لِمَنِ الصَبِيُّ بِجانِبِ البَطحا)، فيكون وزن القصيدة هو:
متفاعلن متفاعلن فعْلنْ = متفاعلن متفاعلن فعْلنْ
وجاءت (فعْلنْ) في المطلع؛ للتصريع فحسب.
فكما رأيت زعم أن الكامل يأتي خماسيا بناء على رواية ناقصة.
وقد وقع في هذا الوهم قبله بعض أهل العروض منهم السكاكي، إذ قال في مفتاح العلوم: (ولقد خمس الوافر من قال:
لِمَنِ الصَبِيُّ بِجانِبِ الصَّحْراءِ = مُلقىً غَيرَ ذي مَهدِ). [ص: 290].
قلت: قوله: (خمس الوافر) أي جعل البيت على خمسة أجزاء، و(الوافر) خطأ واضح، وتصويبه (الكامل).
وجاء في كتاب الأبرار للزمخشري_: (وفي ذلك قال حسان:
لمن الصبي بجانب البطحاء= ملقى غير ذي سهد
نجلب به بيضاء آنسة ... من عبد شمس صلتة الخد). [مج 4 / 276]. (5).
فالعجب كيف ترد هذه الرواية لمطلع قصيدة مشهورة لشاعر مثل حسان بن ثابت رضي الله عنه، دون أن ينبه لها كاتب أو محقق، بل يعتمدها عروضي معاصر، ويبني عليها حكما باطلا.
وسأجمل الكلام في ثلاث مسائل:
الأولى: أن الخماسي لا يصح أبداً، لمخالفته شطر الكامل على الدائرة، فهو ثلاثي الشطر، سداسي البيت.
الثانية: الدليل الذي استدل به شاهدٌ مُصَحَّفٌ، فروايته خلاف ما هو عليه في ديوان شاعره سيدنا حسان بن ثابت رضي الله عنه. وكما قيل: الغَلَطُ لا يتدلُّ به، ولا يجتجُّ بخطإٍ.
وقد استبعد محمد العلمي، من كتابه كلام الدكتور/ كمال أبو ديب؛ لاستشهاد الديب بشاهد مُصَحَّف، إذ قال: (...، وقد ألغيت ما كتبتُه عن عمل الدكتور كمال أبي ديب ، لأنني وجدت أنه يبعد بي كثيرا عن نظام الخليل أولا ، ولأن عمله في مناقشة نظام الخليل يحتاج إلى قدر كبير من الضبط وتقصّي العلم في مواطنه . ولذلك رأيت ما سماه كشفا عن الأسس الفكرية لعمل الخليل ، أو تحليلا للأبيات التي استشهد بها الخليل مثلا ، محتاجا إلى الرجوع إلى المصادر الأصلية ، مفتقرا إلى أبسط شروط البحث العلمي . وأبسط مظاهر أخطائه ، اعتماده على نصوص يتفق كل من له علاقة بالعروض على خطئها وتصحيفها . لكل هذا ، ولغيره ، فضلت ألا أعرض لعمله ، لأنه سيبعدني عن عروض الخليل والمستدرك عليه . ويستحق عمله ، لكشف أخطائه وتهافته وضلاله كتابا مستقلا ، رأيت ألا أقحمه على موضوع هذا البحث). [ص: ١٩٠] .
الثالثة: من قوانين العروض العربية: المناسبة في عدد الأجزاء، فالبيت من الكامل يأتي سداسي الأجزاء، ففي كل شطر ثلاثة أجزاء، هكذا:
متفاعلن متفاعلن متفاعلن = متفاعلن متفاعلن متفاعلن
أما الخماسي فصورته هي:
متفاعلن متفاعلن متفاعلن = متفاعلن متفاعلن
فهذا لا يقبل أبداً، و لا يضر المناسبة العروضية أن تجحف الزحافات والعلل بالجزء، ما بقيتْ منه بقيَّة، فقولك:
متفاعلن متفاعلن متفاعلن = متفاعلن متفاعلن فعلن
يُقبل؛ لأنَّ (فعِلن/ فعْلن = متفا) هي (متفاعلن) بعد حذّ وتدها، أي حذفه، فتأمَّل هذا الكلام تعرف كيف تفرق بين الممكن والمستحيل في الأوزان وصورها.
....................
(1). الحَذْمُ: اجتماع الحذَذِ مع الإضمارِ، أي تسكين الثاني المتحرك، مع حذف الوتد المجموع، فتصير به (متَفاعِلن) إلى (فعْلُنْ). وهذا من تسمياتي التي وصفت بها ما لم يسمه الخليل.
(2). القسطاس، جار الله الزمخشري، تحقيق الدكتور فخر الدين قباوة، مكتبة المعارف - بيروت، االطبعة الثانية المجددة سنة 1410 هـ - 1989 م.
(3). شرح ديوان حسان بن ثابت الأنصاري، عبدالرحمن البرقوقي، المطبعة الرحمانية بمصر، طبعة سنة 1347 هـ - 1929م.
(4). القضم: اجتمع القطع والإضمار، أي تسكين الثاني المتحرك، مع حذف ساكن الوتد المجموع من آخر التفعيلن وتسكين ما قبله فتصبح بالقضم: (مُتْفَاعِلْ)، وتنقل إلى (مَفْعُوْلُنْ) تحسيناً للفظ والشكل. وهذا من تسمياتي التي وصفت بها ما لم يسمه الخليل.
(5). ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، أبو القاسم محمود بن عامر الزمخشري، تحقيق عبد الأمير المهنا، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الأولى سنة 1412 هـ - 1992م.
عبده فايز الزبيدي
13-11-2024, 10:59 AM
قال الدكتور/ عبدالرضا علي، في (العروض والقافية، دراسة وتطبيق)، عند حديثه عن صورة الضرب المحذوف في البحر الطويل: (... ويلاحظ في هذا التشكيل وجوب أن تكون التفعيلة التي تسبق الضرب مقبوضة ( فعولُ)، .... ، أي لا يمكن أن يكون الضرب محذوفاً (مفاعي)، من غير أن تقبض التفعيلة التي تسبقه ...). [ص: 116].
قلت:
قوله: ( وجوب أن تكون التفعيلة التي تسبق الضرب مقبوضة) هو من باب تضييق الواسع، والتحجير على الشعراء من غير داعٍ يدعو له، وإنْ قال به بعض الأوائل.
ويقال لقبض (فعولن) التي قبل الضرب المحذوف: اعتماد.
قلتُ في كتابي (التجديد في العروض والقافية) :
(الاعْتِمَادُ في الطويل: هو قبض (فعولن) قبل الضرب، وبخاصة قبل الضرب المحذوف، وسُمِّيَ اعتِمَاداً، لأنك تزاحف السبب الواقع بين وتدين، فهو معتمد عليهما، فكأنه قَوِي بهما؛ فجازَ زِحافُه.
قال أبو الحسن العروضي في الجامع في العروض والقوافي: (أما الطويل فحذف نون (فعولن) منه حَسَنٌ؛ لأنه شِعْر كثرت حروفه، وطالَ، فاحتمل الحذف، وكذلك كان أخفّ عليهم من التَّمامِ، فحذفوا من كل موضعٍ الحذفُ فيه قَوِيَ على الاعتماد، ونون (فعولن) تعتمد على وَتدٍ قبلها، ووَتدٍ بعدها. وقد ألزموا نون (فعولن) الذي قبل الضرب الثالث من هذا الباب الحذف). [ص: 199].
وقوله: (الضرب الثالث) أي الضرب المحذوف، إذ تأتي فيه (مفاعيلن) هكذا: (فعولن).
واختلف العلماءُ في حكمِه وموقعِه، فقسمٌ جعلَه زِحافا، وقسمٌ جعله علَّة، وقسم جعله قسْماَ بنفسه. والصحيح أنه زِحافٌ لا يلزم، فيجوز أنْ تقبضَ (فعولن) التي تكونُ قبلَ الضربِ المحذوفِ في الطويل، كما قيل :
واقْبِضْ لَهَاكَمَا رَوَوْا ضَرْبًا وَصَحّْ = ثَانٍ وَثالِثٌ بِحَذْفٍ اتَّضَحْ
واختيرَ عندَ الحذفِ فيما قبلَهُ = قبضٌ ويحكمونَ بالرِّدْفِ لَهُ
وعلَّلوا ذلك بأنَّ بناءَ الطويلِ يقوم على اختلافِ الأجزاءِ ؛ لتركبه من خماسيٍّ وسباعيٍّ ، فلما حُذفَ ضربُه قبضوا اختيارا ما قبلَهُ؛ لتختلفَ التفعيلتان ، شاهده:
لقدْ سَاءني سَعْدٌ وصاحبُ سَعْدٍ = ومَا طَلبَا في قَتْلِهِ بِغَرَامَةْ
لقدْسَا/ ءنيـ سَعْدن/ وصاحِـ/ بُسَعْدنْ = ومَاطَـ/ لبَافيْـ قَتْـ/ لِهِيْبِـ/ غَرَامَهْ
(//ه/ه) (//ه/ه/ه) (//ه/) (//ه/ه) = (//ه/) (//ه/ه/ه) (//ه/) (//ه/ه)
فعولن/ مفاعيلن/ فعولُ/ فعولنْ = فعولُ/ مفاعلين/ فعولُ/ فعولنْ
سالم/ سالم/ مقبوض/ محذوفة = مقبوض/ سالم/ مقبوض/ محذوف
ومَعَ ذلِكَ جَاءَتْ هَذِهِ التفعِيلةُ سالمة: (فعُولنْ) قبل الضرب المحذوف، كمَا في قولِ الشَّاعرِ:
أَقِيمُوا بَنِي النُّعْمَانِ عَنَّا صُدُورَكُمْ = وَإلَّا تُقِيمُوا صَاغِرينَ الرُّءُوسَا
أَقِيمُو/ بَنِنْنُعْمَا/ نِ عَنْنَا/ صُدُورَكُمْ = وَإلَّا/ تُقِيمُو صَا/ غِرينَرْ/ رُءُوسَا
(//ه/ه) (//ه/ه/ه) (//ه/ه) (//ه//ه) = (//ه/ه) (//ه/ه/ه) (//ه/ه) (//ه/ه)
فعولن/ مفاعيلن/ فعولن/ مفاعلن = فعولن/ مفاعيلن/ فعولن/ فعولن
سالم/ سالم/ سالم/ مقبوضة = سالم/ سالم/ سالم/ محذوف
وممَّا يجوز فيه القبض والسلامة، قول القائل:
إذا المرءُ لمْ يَدْنَسْ مِنَ اللؤمِ عِرْضَهُ = فُكُلُّ رِدَاءٍ يَرْتَدِيْهِ جَمِيْلُ
فإذا خطفت حركة الهاء من (يَرْتَدِيْهِ) جاءت " فعولن " مقبوضة (فعولُ) وفيها الاعتماد، وهو حسن مليح، وإن أشبعتَ حركة الهاء، جاءت " فعولن " سالمة، وهو قبيح جائز.
ويقع الاعتماد في البحر المتقارب أيضا، أمَّا الاعتماد في البحر المتقارب فهو سلامة نون فعولن، أي سلامة فعولن من القبض، وهذا خلاف معناه في الطويل. وسأتحدث عنه بشكل أوسع عند حديثي عن المتقارب بإذن الله تبارك وتعالى).
عبده فايز الزبيدي
15-11-2024, 03:59 PM
قال ابن رشيق القيرواني، في العمدة: (المديد: مثمن محدث، مسدس قديم، مربع قديم، أجزاؤه: (فاعلاتن فاعِلن)، ثماني مرات وعلى ذلكم أتى محدثه، وبيت مربعه (1) السالم:
بؤس للحرب التي = غادرت قومي سدى
قال: وهذا شعر قديم، إلَّا أن الخليل لم يذكره. زحافه: الخبن، الكفّ، الشكل، القصر، الحذف، الصلم...).[ص: 302].(2)
............
قلتُ:
قوله: (... ثماني مرات) خطأ، صوابه أربع مرات، هكذا:
(فاعلاتن فاعلن) (فاعلاتن فاعلن) = (فاعلاتن فاعلن) (فاعلاتن فاعلن)
وقد نبه على هذا المحقق محمد محيي الدين عبدالحميد، بقوله: (صوابه أربع مرات).
قلتُ:
قوله: (الصلم ...)، لا يصح ذكره في المديد، لأنه علة تلحق الجزء ذا الوتد المفروق المتطرف، وهو (مفعولات). و(مفعولات) ليست من أجزاء المديد.
أما الخبن: وهو حذف الثاني الساكن، فهو حسن في المديد، وبه تصير (فاعلاتن) إلى (فعِلاتن)، و(فاعلن) إلى (فعِلن).
والكفّ: هو حذف السابع الساكن، ويدخل (فاعلاتن) فقط، وبه تتحول إلى (فاعلاتُ).
والشكل: هو اجتماع الخبن والكف، وبه تتحول (فاعلاتن) إلى (فعلاتُ). ولا يدخل (فاعلن) لامتناعها من الكف لكونها خماسية.
والقصر: هو حذف ساكن السبب الخفيف، من آخر تفعيلة الضرب أو العروض، مع تسكين ما قبله، فتصير (فاعلاتن) إلى (فاعلانْ)،
والحذف: هو إسقاط السبب الخفيف من آخر التفعيلة..
وقد قلتُ سابقا أن هذا الكتاب الذي أصنعه، ليس الغرض منه تصيّد الأخطاء_ معاذَ الله_ ولكن إنْ وجدتُ ما يستحق التنبيه عليه وتصويبه وتقويمه _حسب معرفتي المتواضعة_ فإنه عندي من باب النصيحة لعامة المسلمين وخاصتهم.
وأسأل الله أن يعينني ويوفقني لما يحبه و يرضاه، وأن يقبله من عبده وابن عبده وابن أمته.
والكمال لله وحده، وقد قلتُ في مدح ربي:
كَمالُ ربيَّ أمرٌ لا كَمَالَ لهُ = وكيفُ يُكْملُ من في الأصْلِ قَد كَمُلا
...............
(1). المربع عند بعض العلماء هو الذي أسميته في كتابي (التجديد في العروض والقافية) بالمنصوف، ويسميه بعضهم بالمشطور، مثل ميخائيل ويردي في (بدائع العروض)، ولا مشاحة في الاصطلاح.
(2). العمدة في صناعة الشعر ونقده، تأليف أبي علي الحسن ابن رشيق القيرواني ألأزديِ، حققه وفصله ووعلق على حواشيه/ محمد محيى الدين عبدالحميد، مطبعة السعادة بمصر،، الطبعة الثانية 1374 هـ - 1955 م.
فائدة:
حول ذكر ابن رشيق في العمدة : الصلَّم، في المديد، فلعله تابع الجوهري صاحب عروض الورقة، إذْ جاء في عروض الورقة عند ذكر المديد: (... زحاف المديد: الخبن، الكفّ، الشكل، القصر، الحذف، الصلم). [ص: 19].
قال محمد العلمي في " العروض والقافية دراسة في التأسيس والاستدارك "، في معرض حديثه عن استدراكات الجوهري على الخليل:
(... أنَّه سَمَّى البتر في ضرب المديد بالصلم، وهو عنده حذف ثم قطع، فلم يخالف الخليل إذنْ إلَّا في التسمية). [ص: 250].
قلتُ: البترُ هو اجتماع القصر والحذف، لا اجتماع القطع والحذف.
فالأول رأي الخليل، والثاني رأي الجوهري.
وقد حاول العلمي أن يجد للجوهري مبررا، فقال في نفس المصدر السابق: (وعندي أن استعماله للصلم، عوض البتر في المديد، يرجع إلى إرادة التمييز بين ما يحصل في المديد والمتقارب برأيه، وإن كان ما يحصل فيهما عند الخليل شيئاً واحداً، سمَّاه باسم واحد، هو البتر). [ص: 250].
ونحن نعلم أن الجوهري لا يفرق _في عروض الورقة_ بين الزحاف والعلة، بل يجعلهما شيئاً واحداً، ولهذا كان يجري العلة في الحشو والعروض والضرب.
والقول بأن القطع والقصر شيئا واحداً؛ يلغي أهمية دلالة المصطلح، لأن القصر يقع في الأسباب المتطرفة فقط، والقطع يقع في الأوتاد المتطرفة كذلك.
ومصطلح التغيير في العروض، لم يوضع اعتباطاً، بل يحمل بيانات الوحدة الصوتية المزاحفة، من الجزء الإيقاعي ، أي الحرف المزاحف أو المعلول من التفعيلة، و يبين نوع مقطع الحرف الذي وقع فيه التغيير، هل هو سبب أم وتد، وموقع المقطع من الجزء، هل هو في البدء أم في الوسط أم في الطرف؟
فهو يربط في ذهن القائل والسامع أثناء وصفِ التغيير، بين الوحدة الصوتية والوحدة المقطعية والوحدة الإيقاعية، أي بين الحرف (من ساكن ومتحرك) والمقطع (من سبب، أو وتد)، والجزء (التفعيلة) من خماسي وسباعي، ويبيّن ما بينهم من علاقات عروضية متعددة، وما لهم من مواقع، وما يجوز لهم، وما لا يجوز كذلك .
عبده فايز الزبيدي
16-11-2024, 06:48 PM
قال الأخفش في القوافي :”وأما "مَفْعُولُنْ" في الرجز و"فَعُولُنْ" فلا يكون إلا بحرف لينٍ، لأنك أسقطتَ نونَ "مُسْتَفْعِلُنْ" وَأَسكنتَ اللام، فذهبَ منهُ زنةُ مُتحركٍ). [ص: 114].
قلتُ: (1) ورود حرف اللين أو المد في القافية يجعلها من القوافي المردوفة_المُرْدَفة_، والردف حرف لين أو مد (و، ي، ا) يسبق الروي مباشرة.
وعللوا ورود الردف في القوافي بسببين:
أولهما: أن يأتي لتعويض النقص، كما قال الأخفش: (لأنك أسقطتَ نونَ «مُسْتَفْعِلُنْ» وَأَسكنتَ اللام، فذهبَ منهُ زنةُ مُتحركٍ).
وثانيهما: ورود القافية مترادفة، فيجتمع في آخرها ساكنان.
وشرح هذا مبسوط في كتب العروض، ليس هذا مقامه.
(2) يجتمع (فعولن) في ضرب الرجز مع (مفعولن) في القصيدة الواحدة، لأن فعولن هي بديلة (مفعولن) بعد خبنها.
(3) أمَّا قول الإمام الأخفش وهو تلميذ الخليل: ( وأما «مَفْعُولُنْ» في الرجز و«فَعُولُنْ» فلا يكون إلا بحرف لينٍ). [ص: 114].
فهذا ليس بصحيح، وليس بملزم. بل تأتي قافية ضرب الرجز المقطوع (مستفعلْ = مفعولن) تارة مردوفة، وأخرى مجردة من الردف.
فمن شواهد الردف في (مفعولن)، قول ابن عبدربه الأندلسي:
القَلبُ مِنها مستريحٌ سَالمٌ = والقلبُ مِنِّي جَاهِدٌ مَجْهُوْدُ
ومن شواهد التجريد من الردف، قول الحريري في المقامة التبريزية:
أنا السَّروجيّ وهَـذي عِـرْسـي (................ مفعولن)
وليسَ كُفْؤُ البدْرِ غيرَ الشّـمـسِ (................ مفعولن)
وما تَنافى أُنـسُـهـا وأُنـسـي (........... فعولن)
ولا تَناءى ديرُها عـنْ قَـسّـي (................ مفعولن)
ولا عدَتْ سُقْيايَ أرْضَ غَرْسـي (........... فعولن)
لكِنّـنـا مـنـذُ لَـيالٍ خـمْـسِ (................ مفعولن)
نُصبحُ في ثوبِ الطّوى ونُمْسـي (............ فعولن)
وهكذا يمضي هذا التناوب بين (مفعولن) و (فعولن)، في بقية الأرجوزة:
لا نعرِفُ المَضْغَ ولا التّحَـسّـي
حتى كأنّا لخُـفـوتِ الـنّـفْـسِ
أشْباحُ مَوْتى نُشِروا منْ رَمْـسِ
فحينَ عزّ الصّبـرُ والـتـأسّـي
وشَفّنا الضُـرُّ الألـيمُ الـمَـسّ
قُمْنا لسَعْدِ الجَدّ أو لـلـنّـحْـسِ
هذا المَقامَ لاجـتِـلابِ فَـلْـسِ
والفَقْرُ يُلْحي الحُرَّ حـينَ يُرْسـي
إلى التّحَلّي في لِباسِ الـلَّـبْـسِ
فهـذِهِ حـالـي وهَـذا دَرْسـي
فانظُرْ إلى يوْمي وسَلْ عن أمسي
وأمُرْ بجَبري إنْ تَشا أو حبْـسـي
ففي يدَيْكَ صحّتـي ونُـكْـسـي
ووزن الأرجوزة: مستفعلن مستفعلن مفعولن، وهي غير مردوفة.
فائدة:
قلتُ في كتابي (التجديد في العروض والقافية):
قال الأخفش الأوسط في كتاب القوافي: (وأما " مَفْعُولُنْ " في الرجز و" فَعُولُنْ " فلا يكون إلا بحرف لينٍ، لأنك أسقطتَ نونَ "مُسْتَفْعِلُنْ" وَأَسكنتَ اللام، فذهبَ منهُ زنةُ مُتحركٍ). [ص: 114].
قال السكاكي بعد ذكر البيتِ السابق *، في مفتاح العلوم: (ويلزمُ هَذَا الضربَ عند الخليلِ والأخفشِ كونُ القافيةِ مردفةً بالمدِّ). [ص: 653].
قلتُ: لكن هذا الكلامُ فيه نظر، فلا يلزم من ورود (مفعولن) في ضرب الرجز، أن تأتي قافيته مردوفة. وسيأتي معنا قول الحريري في إحدى مقامته التبريزية:
أنا السَّروجيّ وهَـذي عِـرْسي = وليسَ كُفْؤُ البدْرِ غيرَ الشّمسِ
وما تَنافى أُنسُهـا وأُنْسي = ولا تَناءى ديرُها عـنْ قَسّي
ولا عدَتْ سُقْيايَ أرْضَ غَرْسِي = لكِنّنَا منذُ لَيالٍ خمْسِ
والحرف الصحيح الساكن مثل المعتل الساكن، فكلاهما حرف سَكَنَ قبل الروي، وقول الأوائل بوجوب ردف قافية الضرب (مفعولن)؛ لكثرة الشواهد عليه، ليس على إطلاقه، ولكن كما قلتُ لك هو ليس بواجب.
.............
* وهو بيت ابن عبدربه الأندلسي:
القَلبُ مِنْها مُسْتَرْيْحٌ سَالمٌ = والقلبُ مِنِّي جَاهِدٌ مَجْهُوْدُ
عبده فايز الزبيدي
17-11-2024, 11:43 AM
هذه المقالة فيها طرفة عجيبة، قال حازم القرطاجني في منهاج البلغاء:
(فأما الوزن الذي سموه المضارع، فما أرى أن شيئا من الاختلاق على العرب أحق بالتكذيب والرد منه؛ لأن طباع العرب كانت أفضل من أن يكون هذا الوزن من نتاجها. وما أراه أنتجه إلا شعبة بن برسام خطرت (1) على فكر من وضعه قياسا. فيا ليته لم يضعه، ولم يدنس أوزان العرب بذكره معها؛ فإنه أسخف وزن سُمع، فلا سبيل إلى قبوله، ولا العمل عليه أصلا). [ص: 243].
قال محقق الكتاب محمد الحبيب ابن الخوجة في هامش رقم (1) عن (خطرتْ): (كذا بالأصل، والتقدير صورته، أي صورة الوزن).
ثم جاء محمد العلمي في (العروض والقافية دراسة في التأسيس والاستدراك) فقال:
(وقد وضع محقق كتاب حازم هامشا افترض فيه أن الأصل ورد كذا ، والمقصود بفاعل (خطرت) من قوله ، (صُورَتُه ) ، أي " خَطَرَتْ صُورَتُهُ عَلَى فِكْرِ مَنْ وَضَعَهُ قياسا ". ولم أستسع هذا التأويل، لسببين:
أولهما: أنني لم أهتد إلى معرفة (شعبة بن برسام)، الذي ورد فيما سبق أنه واضع المضارع، كما لم ينص على أي شيء عنه محقق كتاب حازم، وفوق كل ذي علم عليم .
وثانيهما: أنه لم يرد قبل حازم أدنى إشارة إلى أن المضارع وضعه شخص ما ، فكل ما ورد أن الخليل واضعه ، كما سبق .
وعندي أن في كلام حازم السابق تصحيفاً لعل صوابه أن يكون هكذا : (وَمَا أَرَاهُ أَنْتَجَهُ إِلَّا عِلَّةُ بِرْسَامٍ ، خَطَرَتْ عَلَى فِكْرِ مَنْ وَضَعَهُ قِيَاسَا). البرسامُ : الْمُومُ، والمومُ: الْجُدَرِيُّ الكثير المتراكب. وفي اللسان: وقال الليث : قيل المُوم أَشَدُّ الجُدَرِي. والمومُ بالفارسية : الجدري الذي يكون كله قرحة واحدة ، وقيل : هو بالعربية.
فكأن حازما ، وهو يجعل طباع العرب أفضل من أن يكون هذا الوزن من نتاجها؛ لأنه أسخف وزن سُمِعَ، يجعل علةَ الجُدري تصيبُ فِكْر مَنْ وَضَعَه، وتكون نتيجة ذلك هذا الوزن السخيف عنده. أما إذا كان شُعْبَةُ بْنُ بِرْسَام، حَيَّاً رُزِقَ فيْما غَبَرَ، فإن الاهتداء إلى شخصه وأخباره، سيُلغي هذا التأويل مني إلى غير رجعة). [ص: 282].
وهذه من طرائف أهل العلم، وهي مثل قصة الكموج، وقصة الخنفشار، واسم الذئب الذي أكل يوسف عليه الصلاة والسلام.
وكلُّ ما في الأمر أنه وقع تصحيف بسيط أربك المحقق محمد الحبيب ابن الخوجة، ومحمد العلمي، وهما هما في العلم.
فكلمة (بن) التي أثبتها ابن الخوجة، هي تصحيف (مِنْ) حرف الجرِّ، فأحدث هذا التصحيف البسيط كلَّ هذا الاضطراب في التأويل.
وتصحيح العبارة هو: (وما أراه أنتجه إلا شعبة من برسام خطرتْ على فكر من وضعه)
والبرسام داء يصبب الإنسانَ بالهذيان، والشعبة الطائفة، فمراد حازم أن من وضع المضارع أصابته حالة أو نوبة من الهذيان فجعلته يهذي بهذا البحر، وينسبه للعربية.
وإن كان العلمي قد كاد أن يقارب الصواب، ولكنه كان مترددا، وشكَّ في وجود شخص يقال له: شعبة بن برسام، حتى قال: (أما إذا كان شُعْبَةُ بْنُ بِرْسَام، حيَّاً رُزِقَ فيما غبَر ، فإن الاهتداء إلى شخصه وأخباره سيُلغي هذا التأويل مني إلى غير رجعة).
قلت: ليس شعبة بن برسام، بشي من الناس، بل شعبة من برسام، كما ذكرت لك. وليس معنى برسام هنا الجدري. بل معناه شعبة _نوع_ من الجنون، أو الهذيان والسكر.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: (البِرْسَامُ لُغَةً، وَاصْطِلاَحًا: عِلَّةٌ عَقْلِيَّةٌ يَنْشَأُ عَنْهَا الْهَذَيَانُ، شَبِيهَةٌ بِالْجُنُونِ).
[مج 8 / 75].
وقال ابن قائد، في هداية الراغب: (الثَّالثُ مِنْ النَّواقضِ: ما أشارَ إليه بقولِه: (وَزَوَالُ عَقْلٍ بجنونٍ، أو بِرسامٍ، أو تَغطيتُه بإغماءٍ أو سُكرٍ، قليلًا كان ذلك أو كثيرًا.). [مج 1 / 165 - 166].
وورد هذا التعبير في نثر العرب وشعرهم، قال ابن خفاجة في " سر الفصاحة ": (ولم يزل الناس على وجه الدهر منكرين قول امرئ القيس بن حجر:
ألا إنني بالٍ على جمَلٍ بالِ= يقود بنا بالٍ ويتبعنا بالِ
وهو لعمري قبيح، وإن كان بيت هذا الفن الذي لا غاية وراءه في القبح قول مسلم بن الوليد الأنصاري:
سلت وسلت ثم سل سليلها = فأتى سليل سليلها مسلولا
ولولا أن هذا البيت مروي لمسلم، وموجود في ديوانه، لكنت أقطع على أن قائله أبعد الناس ذهناً، وأقلهم فهماً، وممن لا يعد في عقلاء العامة، فضلاً عن عقلاء الخاصة، ولكنى أخال خطرة من الوسواس، أو شعبة من البرسام، عرضت له، وقت نظم هذا البيت، فليته لما عاد إلى صحة مزاجه وسلامة طباعه جحده، فلم يعترف به، ونفاه فلم ينسبه إليه، ...). [ص: 104 - 105].
وجاء في شرح حماسة أبي تمام، لأبي القاسم الفارسي، هذه الأبيات:
(ألام على بغضي لما بين حية = وضبع وتمساح تغشاك من بحر
تحاكي نعيما زال في قبح وجهها = وصفحتها لما بدت سطوة الدهر
هي الضربان في المفاصل خاليا =وشعبة برسام ضممت إلى النحر
إذا سفرت كانت لعينيك سخنة = وإن برقعت فالفقر في غاية الفقر
وإن حدثت كانت جميع مصائب = موفرة تأتي بقاصمة الظهر
وإن حدثت كانت جميع مصائب = موفرة تأتي بقاصمة الظهر
حديث كقلع الضرس أو نتف شارب = وغنج كحطم الأنف عيل به صبري
وتفتر عن قلح عدمت حديثها = وعن جبلي طيء وعن هرمي مصر). [مج 3 / 403].
والبِرْسام هنا هو: ذات الجَنْب، وهو التهاب في الغشاء المحيط بالرئة
وعلى ما سبق أقول إن البرسام اسم يطلق على عدة أمراض، فهو الجدري، وذات الجنب، ومرض يصيب العقل فيسبب الهذيان. ويفهم معناه من سياق الكلام.
فائدة:
العامة عندنا _ في محافظة القنفذة _ تقول: فلان مُبرشِّمٌ، إذا كان في غير وعيه، أو كان سكران. أو وقف صامتاً مدهوشاً أو مذعوراً، أو سكت من عيٍّ وقلة فهم.
ومن وصفهم قولهم: فلانٌ بَرْشَمٌ، أي أحمق، مجنون، فاقد للوعي أو العقل.
وكذلك العامة في مصر تقول اليوم للمخدر: برشام، واحده برشامة، والشين مبدلة من سين (برسام)؛ لقرب مخرجيهما. وقيل لها هذا لأنها تصيب العقل بالوسوسة والهذيان، وتغيب عقل العاقل.
ويقال للورقة الصغيرة، التي يصنعها الطالبُ؛ كي يغشَّ منها في الاختبارات: برشام، وبرشامة، وأرى أنها سميت بهذا؛ لأنها تطوي ثم تلف مثل سيجارة البرشام المخدر، أو تكون عند طيها ولفها في هيئة البرشام وهو نوع من المسامير، والله أعلم وأحكم.
عبده فايز الزبيدي
19-11-2024, 07:13 AM
قال عبدالله الطيب في (المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها):
([الطويل والبسيط]: هذان البحران في الشعر العربي بمنزلة السداسي عند اليونان، والمرسل عند الإنجليز، والمزدوج عند فرنجة القرن الثامن عشر. والبسيط منهما يحل المكان المتقدم في شعر العامة باسم «الكان وكان» أو «الدوبيت» علاوة على أنه مقدم مرموق المكان بين أشعار الفصحاء.
أما الطويل، فوزنه من المتقارب كله. وأقرب وسيلة إلى معرفة رنّته أن تأتي بتفعيلة من المتقارب التام. ثم بتفعيلة من الهزج، وتكرّر ذلك أربع مرات على التوالي. وهاك أمثلة توضح ذلك: تفعيلة المتقارب هي «فعولن» وتعادلها كلما «دَجاج»، وتفعيلة الهزج هي مفاعلين، وتعادلها كلمة «دجاجات»، فتفعيلات الطويل هي إذن:
دجاج دجاجات دجاج دجاجات = دجاج دجاجات دجاج دجاجات
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن = فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلين
فَعولن فَعُولَفْعو، فعولن فَعولَفْعو = فَعولن فَعولَفْعو، فعولن فعولَفعو
فهو كما ترى من المتقارب، ....). [مج 1 / 435].
قلت:
(1). قوله: (هذان البحران في الشعر العربي بمنزلة السداسي عند اليونان، والمرسل عند الإنجليز، والمزدوج عند فرنجة القرن الثامن عشر.).
يقصد في التقديم وكثرة الاستعمال، أما من جهة الوزن فليست هناك أيَّة علاقة بينهم، لا من قريب ولا من بعيد.
قال زكي نجيب محمود وأحمد أمين، في " قصة الأدب في العالم ": (الشعر القصصي مكتوب كله فيما يُسمَّى بالوزن السداسي hexameter، أعني ذلك الذي يُبنى البيت فيه من ستِّ تفاعيل، وهذا وزن سهل مُطرد رحب يلائم القصص...).
قلت: (hexa) أي ستة أو سداسي، أي سداسي التفاعيل، وميتر أو مِتْر (meter) هو الوزن، أي أنه سداسي الوزن، لأنه يتألف من ستة أقدام، أي من ستة مقاطع، وكان حازم القرطاجنّي_في منهاج البلغاء_ يسمي الأقدام _أي المقاطع_ بالأرجل، جمع رِجْل. وهذا من تأثر حازمٍ بالمنطق الأرسطي، ويقال للأرجل العروضية في الأدب الإنجليزي: (feet)، واحدها: (foot).
ومن أشهر الأوزان الإنجليزية (pentameter) أي خماسي الأجزاء (التفاعيل)، وهو وزن كان يكتب عليه شكسبير كثيرا من أشعاره.
وكذلك لا علاقة لبحري: الطويل والبسيط العربيين، بالشعر المرسل أو المزدوج عند الفرنجة، لا من جهة الوزن و لا من جهة الشكل، إلا إن قلنا أراد في الشيوع والشهرة.
(2). وقوله: ( والبسيط منهما يحل المكان المتقدم في شعر العامة باسم «الكان وكان» أو «الدوبيت» علاوة على أنه مقدم مرموق المكان بين أشعار الفصحاء)
يقصد ذات المعنى في الكلام المتقدم، من كثرة الشيوع والتقديم، والدوبيت عند السودانيين _ كما قال الكاتب_ هو الكان وكان. وظهر _كان وكان_ في العراق في منتصف وأواخر العصر العباسي، عند فشو اللحن.
كما أن الأزجال من أشعار العامة عند الأندلسيين والمغاربة. والنبطي في نجد وتهامة والحجاز، وهو أقواها وأجزلها.
(3). وقوله: (أما الطويل، فوزنه من المتقارب كله).
فهذه العبارة أقل ما يقال في حقها إنها كَبوة جواد، ونَبْوة صارم.
فقد زعم الطِّيِّبُ أن وزن الطويل، الذي هو عند الخليل:
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن = فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
من وزن المتقارب الخليلي:
فعولن فعولن فعولن فعولن = فعولن فعولن فعولن فعولن
ولا يخفى عليك بطلان كلامه؛ لأن الأصلَ يشتق منه الفرعُ، لا العكس، فالجزء (مفاعيلن) يمكن لك أن تقسمه على: (مفا) + (عيـ) + (لن)، أي وتد مجموع (بدء)، وبعده سببان خفيفان.
وبتحوير بسيط _حتى نقترب من زعم صاحب المرشد_ نقول إن (مفاعيلن) = مفاعي +لن = فعولن + لن. فكما لاحظت أن مفاعيلن هي: (فعولن)، وزيادة (لن).
بينما (فعولن) = فعو + لن، أي وتد مجموع، ثم سبب خفيف، فهل تستطيع أن تولد (مفاعيلن) من (فعولن)، دون زيادة (لن) من عندك؟
الجواب: كلا.
(4). عاد عبد الله الطيب فناقض نفسه بنفسه، بقوله: (أقرب وسيلة إلى معرفة رنّته أن تأتي بتفعيلة من المتقارب التام. ثم بتفعيلة من الهزج، وتكرّر ذلك أربع مرات على التوالي. وهاك أمثلة توضح ذلك: تفعيلة المتقارب هي «فعولن» وتعادلها كلما «دجاج»، وتفعيلة الهزج هي مفاعلين، وتعادلها كلمة «دجاجات»، فتفعيلات الطويل هي إذن:
دجاجٌ دجاجاتٌ دجاجٌ دجاجاتٌ = دجاج دجاجات دجاج دجاجات
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن =فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلين)
بغض النظر عن دجاج ودجاجات عبدالله الطيب، وسذاجة التمثيل، وعن قوله: (... التام) التي لا قيمة لها في المسألة، لأن (فعولن) هي جزء المتقارب: التامِّ والمشطور، والمجزوء، والمنصوف، والمنهوك؛ لأنه بحرٌ صافٍ، أحادي التفعيلة.
نقول: إن قوله بأن الطويل هو من بحري: المتقارب والهزج، هو كلام ليس من عنده، بل أخذه عن أبي نصر الجوهري صاحب عروض الورقة.
فالجوهري هو صاحب فكرة إدخال البحور في بعضها، اعتمادا على ألفاظ التفاعيل، في مسألة التركيب التي ابتدعها. إذ قال: (أمَّا الأبواب فاثْنا عَشَر، سبعة منها مفرداتٌ، و خمسة مركّباتٌ. فأولها المتقارب، ثم الهزج، والطويل بينهما مركب منهما، ثم بعد الهزجِ الرملُ، والمضارعُ بينهما، ثم بعد الرملِ الرجزُ، والخفيفُ بينهما، ثم بعد الرجزِ المتداركُ، والبسيطُ بينهما، ثم بعد المتداركِ المديدُ، مركّبٌ منه ومن الرملِ. ثم الوافر والكامل، لم يتركب بينهما بحر لما فيهما من الفاصلة). [ص: 11].
ونقل عنه ابن رشيق في العمدة، بالنص، إذْ قال: (وجعل الجوهري هذه الأجناس اثني عشر باباً، على أن فيها المتدارك: سبعة منها مفردات ، وخمسة مركبات، قال: فأولها المتقارب، ثم الهزج، والطويل بينهما مركب منهما، ...، ثم الوافر والكامل، لم يتركب بينهما بحر لما فيهما من الفاصلة). [مج 1 / 136 - 137].
(5). ثم عاد الطيبُ للتناقض، فقال عن الطويل: قوله: (تفعيلات الطويل هي إذن:
دجاجٌ دجاجاتٌ دجاجٌ دجاجاتٌ .= دجاج دجاجات دجاج دجاجات
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن = فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلين
فعولن فعولفعو، فعولن فعولفعو =فعولن فعولفعو، فعولن فعولفعو
فهو كما ترى من المتقارب ....).
السؤال: هل الطويل من المتقارب فحسب؟ أم من المتقارب والهزج؟
والحقيقة أن هذا من عبث بعض العروضيين، قديما وحديثا، ولو التزموا بمبادئ الخليل الرياضية المحكمة، لما وقع منهم مثل هذا.
وأجيب عن هذه الشبهة، بما يلي:
(أ). من فقه العروض أن تقول إنَّ الجزء إنْ أردنا الزيادة عليه، فالمفروض أن تسبغه بزيادة حرف ساكن، وفي أقصى الأحوال أن تزيده بسبب خفيف، أي بحرفين: ساكن فمتحرك.
والترفيل والتسبيغ والإذالة، من علل الزيادة اللاتي يقعن في الأعاريض والأضرب، لا في الحشو، كما ستظطرنا إليه مزاعم عبدالله الطيب.
(ب). لو تنازلنا جدلا له، وقبلنا أن بحراً يقع من بحر آخر، بزيادة ونقص، متجاهلينَ مسألة افتكاك البحور من بعضها على الدائرة، وهي نظرية محكمة عندي، فالأَولى أن نقول أن المتقارب هو ابن الطويل، لا العكس.
لأننا إن طرحنا (لن) من (مفاعيلن) جاءت (مفاعي) وهي تساوي (فعولن) وزناً.
فالمنطق يقول بهذا، لأننا وجدنا في الطويل الضرب المحذوف( فعولن) وهو بديل من (مفاعيلن)، فهل قال أحدٌ له معرفة بالعروض إنَّ (مفاعيلن) هي بديلة من (فعولن) !
(جـ) قوله:
فعولن فعولفعو، فعولن فعولفعو = فعولن فعولفعو، فعولن فعولفعو
كما في نسخة الكتاب الذي بين يدي، وضع الطيب فاصلة بعد:
(فعولن فعولفعو) في كل مرة؛ ربما كي يبين أن هذه الطلاسم هي الوحدة الإيقاعية المميزة للطويل.
وهذا الذي فعله هو من باب قول القائل: (وفسَّر الماءَ بعد الجهد بالماءِ).
لأنَّ: ( فعولن فعولفعو) = (فعولن) + ( فعو +لفْعوْ = مفاعيلن)، وهي نفس كلام الخليل: فعولن مفاعيلن.
ثمَّ هل (فعولفعو) هي من أجزاء المتقارب؟ كلا!
وهل (فعو) وتد، و(لفعو) سببان خفيفان متطرفان؟
فإن قال: نعم! قلنا أفسد أخِرُك أولَك، وحكمت على كلامك بالبطلان، لأن الخليل قال عن (مفاعيلن) هي وتد مقرون (مجموع) ثم سببان خفيفان.
وإن قال: لا! قلنا: فما هما؟ وهل سنجد: (فعولفعو) في البحر المتقارب؟ لأنك قلت الطويل من المتقارب.
وأرى أن منطق الجوهري مع شذوذه عن قواعد العروض، أنسب من كلام صاحب المرشد.
(6). وحين قلت عن صاحب المرشد أنه متناقض، فليس من باب اللوم عليه؛ حاشا لله! بل لأنه يفعل ذلك، ومن هذا قوله: (مما ترى أن وزن الطويل كله يدور على (فعولن مفاعيلن). [ص: 437].
كما أنه لم يقدم أي تبرير لقوله بأن الطويل تارة من المتقارب فحسب، وتارة من المتقارب والهزج، وثالثة حين جاء بمناقضة ما سبق فوافق الخليل الفراهيدي، فقال عن وزن الطويل هو: (فعولن مفاعيلن).
(7). ختاماً:
لو قبلنا جدلاً بأن الطويل جاء من المتقارب، أو بأنه مركب من: المتقارب والهزج، أي من (فعولن) المتقاربية و(مفاعيلن ) الهزجية، فهل سيقبل في قصيدة واحدة، بوجود بيتٍ من المتقارب، وبثانٍ من الهزج (مفاعيلن)، وبثالث من (فعولن مفاعيلن) الطويل، تحت مبدأ التغيير بزيادة ونقصان، من زحافات وعلل؟
أظنَّ أنَّ مثل هذه الآراء هي آراء مخالفةٌ، ومخالفتها لمجرد المخالفة فحسب. والله أعلم وأحكم.
عبده فايز الزبيدي
21-11-2024, 02:14 PM
قال المرزباني في الموشح: (فأمَّا الإقواءُ فرفعُ بيتٍ وجَرُّ آخر. وأمَّا الإكفاء فاختلاف حركة الروي. والعرب قد تخلط فيما بين الإكفاء والإقواء، ولكن وضعنا هذهالأسماء أعلاماً لتدلَّ على ما نريد). [ص: 19].
قلتُ:
قوله (فأمَّا الإقواءُ فرفعُ بيتٍ وجَرُّ آخر) صحيح، ولكنه ناقص، لأنه لم يذكر الفتح، ولو قال: (الإقواءُ اختلاف المجرى) لأن المجرى هي حركة الروي، لكان أتمَّ وأشمل.
قال التنوخي في القوافي: (الإقواء: اختلاف الإعراب، مأخوذ من قوى الحبل المختلفة الفتل، مثل أن يأتي الشاعر بالضم مع الكسر أو بالكسر مع الضم. ولا يكادون يأتون إقواء بالنصب، فإذا وجد هذا فالأجود تسكينه).
وربما اقتصار المرزباني على المخالفة بين الجر والرفع، سببه ما قاله التنوخي: (لا يكادون يأتون إقواء بالنصب).
ومن المعاصرين ممن وافق المرزباني عبدالعزيز عتيق في (علم العروض والقافية)، إذ قال: (الإقواء: وهو اختلاف المجرى الذي هو حركة الروي المطلق بكسر وضم).
ولم يذكر معهما النصب.
ويفرِّقُ العروضيون في اختلاف المجرى_حركة الروي المطلق_، فيقولون بالإقواء وبالإصراف:
(1). الإقْواءُ: هو اختلاف المَجْرى، أي اختلاف حركة الروي في القصيدة، وسمي هذا العيب بالإقواء من قولهم: أقوى الربع إذا تغيَّرَ، وخَلا من سُكَّانه، والإقواء. أومِنْ قولهم: أقْوَى الحَبْلَ، إذا خَالَفَ في فَتْلِهِ، وجَعَل بَعضَه أغْلظَ من بَعْضٍ. ويحدث الإقْوَاءُ باختلاف حركة المجرى، في روي القصيدة الواحدة، وأقوَى الشّاعِر إذا خَالَفَ بين قَوَافِيهِ، بِرَفْعِ بَيْتٍ وجَرِّ آخرَ، ونحو هذا، كقول النابغة الذبياني:
أمِنْ آل مَيَّة رَائِحٌ أومُغْتَدِيْ = عجْلَانَ ذَا زَادٍ وغَيْر مزوّدِ
زَعَمَ البَوَارِحُ أنَّ رِحْلَتَنَا غَدَاً = وبِذَاكَ خَبَّرَنَا الغُرَابُ الأسودُ
فحركة الروي (المجرى) في البيت الأول الكسرة: مزوّدِ ، وفي البيت الثاني الضمة: الأسودُ.
قيلَ إنَّ أكثر ما يقع الإقواء في شعر الأوائل بين الضمة والكسرة، لقرب الضمة من الكسرة، ويقال الكسرة أختُ الضمة.
وأمَّا ما يروى لحسان بن ثابت _رضي الله عنه_على أن فيه إقواء:
لا عَيبَ بِالقَومِ مِن طولٍ وَلا عِظَمٍ = جُسمُ البِغالِ وَأَحلامُ العَصافيرِ
كَأَنَّهُم قَصَبٌ جوفٌ مُكاسِرُهُ = مُثَقَّبٌ نفخَتْ فيهِ الأَعاصيرُ
فهذه الرواية ليست بصحيحة، وممن رواها المرزباني في الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء. والرواية الصحيحة هي:
لا عَيبَ بِالقَومِ مِن طولٍ وَلا عِظَمٍ = جُسمُ البِغالِ وَأَحلامُ العَصافيرِ
كَأَنَّهُم قَصَبٌ جوفٌ مُكاسِرُهُ = مُثَقَّبٌ فيهِ أَرواحُ الأَعاصيرِ
وهكذا روى البيتين عبد القادر البغداديُّ في الخزانة، وجاءت هذه الرواية الصحيحة في كثير من مصادر اللغة الموثوقة.
وكيف يخطئ حسان في الشعر، وأهل المدينة هم أعرف الناس بالشعر، وقد قيل إن النابغة لما أنشد بالمدينة قوله:
أمِنْ آل مَيَّة رَائِحٌ أومُغْتَدِيْ = عجْلَانَ ذَا زَادٍ وغَيْر مزوّدِ
أمروا جواريَ لهم أن يغنين أبياته، فلما سمع خفض الصوتِ، ورفعه بين الضمة والكسرة، فطنَ لرسالةِ أهل المدينة، ورجعَ عن مثْلِ هذا في شعْرِه.
(2). الإصراف:
الإصرافُ، أوالإسراف، هو اختلاف المجرى بالفتح في رويٍّ، وغيرهِ من الكسر أو الضم، أي يأتي الروي بالفتح في بعض القصيدة، ويأتي بالكسر أو الضمِّ في البعض الآخر.
فمثال الفتح مع الضَّمِّ، قول الشاعر:
أريتُكَ إنْ منعتَ كلامَ يَحْيَى = أتمْنعُني على يَحْيَى البُكاءَ
ففِي طَرْفِي على يَحْيَى سُهادٌ = وفي قلبي على يَحْيَى البلاءُ
ومع الكسر:
ألم ترني رددتُ على ابْنِ ليْلَى = منيحتَهُ فعَجّلتُ الأداءَ
وقلتُ لشَاتِهِ لَمَّا أتَتنا = رَمَاكِ اللهُ مِنْ شَاةٍ بِدَاءِ
تنبيهات:
(أ). من العلماء من يجعل الإصراف من الإقواء، ومنهم: أبو عمرو بن العلاء، وأبو عمرو الشيباني.
(ب). عَدَّ العربُ اختلافَ حركةِ المَجْرَى بشقيها: الإقواء والإصراف، عيباً؛ لاختلاف نغَمِ أواخر الأبيات على أذن المستمع.
كما فرَّقوا في اختلاف حرف الروي، من جهة المخرج، فقالوا بالإكفاء والإجازة:
(1). الإكفاء:
هو اختلاف الروي بحروف ذات مخرج واحد، أو متقاربة المخارج، كاللام مع النون، أو السين مع الصاد ونحو ذلك، والإكفاء عكس الإجازة. ومن الإكفاء بين حرفين لهما مخرج واحد، قول الشاعر:
إذا نَزَلْتُ فاجعلاني وسَطَا
إنِّي شَيْخٌ لا أُطيقُ العَنَدَا
فالطاء والدال، حرفان لهما نفس المخرج، وهو رأس اللسان مع أصول الثنايا العليا، ويخرج منه ثلاثة أحرف، هي: الطَّاءُ والدَّالُ والتَّاءُ.
ومن الحروف متقاربة المخارج، اللام مع الميم، في قول القائل:
ألا هل ترى إن لم تكن أم مالكٍ = بملك يدي أن الكفاء قليلُ
رأى من خليليه جفاءً وغلظةً = إذا قام يبتاع القلوصَ ذميمُ
ومثله الجمع بين اللام والنون قول الراجز أبي ميمون النضر ابن سلمة العجلي:
بنات وطاء على خد الليل
لا يشتكين عملا ما أنقين
وكالجمع بين الغين والغين، وهي حروف حلقية المخرج، قول الراجز:
قُبِّحْتَ مِنْ سَالِفَةٍ ومِنْ صُدُغْ
كأنَّها كُشْيَةَ ضَبٍّ في صُقُعْ
(2). الإجازة:
الإجازَةُ، أو الإجارَةُ، هي اختلافُ الرَّويِّ بحروفٍ متباعدةِ المَخارِج، والإجازة عكس الإكفاء. مثاله ما رواه البغدادي في خزانة الأدب:
خليليَّ سيْرا واتركا الرَّحْلَ إنَّنِي = بمهْلكةٍ والعاقبات تدورُ
فبيناه يشري رحْلَه قال قائلٌ = لمَنْ جملٌ رخْوُ الملاطِ نجيبُ
البيتُ الأوَّلُ رَوِيُّه الرَّاءُ، والثَّاني الباءُ، والحرفانِ مختلفان ومتباعدانِ في المخرج، والذوق السليم يأنف منَ هذا العيب.
تنبيهات:
(أ). بعضُهم يَرى الإجازةَ نوعاً مِنَ الإكفاء، لأنَّهما اختلاف في حرف الروي، لكن الإكفاءَ تكون فيه الحروف متقاربة المخارج، مثل: (س، ص، ز) و(م، ن) و(م، ب)، و(ح، خ)، .... إلخ.
أمَّا الإجازةُ فتكون فيه الحروف متباعدة المخارجِ، مثل: (م، ل) و (ب، ر) و(ج، د)، ... إلخ.
(ب). الشعر الذي يقع فيه الإكفاء أوالإجازةُ، لا يعدُّ شِعْرَاً معتبراً، لأنه فقد ركن من أهم أركان القصيدة العربية، ألا وهو انتظام رَوِيِّ القافية.
وأما قول صاحب الموشح: (والعرب قد تخلط فيما بين الإكفاء والإقواء).
فهذا سنجعل له كلاما مستقلاً قريباً، إن شاء الله.
عبده فايز الزبيدي
21-11-2024, 03:04 PM
أورد سعيد عقل في (الدليل في العروض) في معرض حديثه عن التضمين في القوافي، قولَ امرئ القيس:
(وَتَعرِفُ فيهِ مِن أَبيهِ شَمائِلاً
وَمِن خالِهِ (مِن) يَزيدَ وَمِن حُجَر
سَماحَةَ ذا وَبِرَّ ذا وَوَفاءِ ذا
وَنائِلَ ذا إِذا صَحا وَإِذا سَكِر). [ص: 28 ]
قلت: سقط من عجُز البيت الأول حرف العطف: أَوْ. وهو خطأ طباعي، وتصويبه:
وَتَعرِفُ فيهِ مِن أَبيهِ شَمائِلاً
وَمِن خالِهِ( أَو ) مِنْ يَزيدَ وَمِن حُجَر
فائدة:
وهناك من يروي الشاهد بِـ(و)، بدلاً من (أوْ):
وَتَعرِفُ فيهِ مِن أَبيهِ شَمائِلاً = وَمِن خالِهِ (وَ) مِنْ يَزيدَ وَمِن حُجَر
ورواية الواو فيها قبض لِلجزء (مفاعيلن) في حشو البيت.
عبده فايز الزبيدي
30-11-2024, 11:40 PM
قال عبد الرضا علي في (العروض والقافية) في معرض حديثه عن المنسرح: (له تشكيلٌ آخر اسموه بـ (المنهوك)، تبعنا فيه رأي صاحب الإيقاع، في جعله من الرجز، فهو به أحفل إيقاعاً، وألصق تكويناً). [ص: 146].
قلت:
وصاحب الإيقاع، هو مصطفى جمال الدين، صاحب كتاب: (الايقاع في الشعر العربي من البيت إلى التفعيلة)، وقد نقل عنه _عبد الرضا علي _ ،كما صرّح هو به.
إذ قال صاحب الإيقاع: (يذكر العروضيون للمنسرح نوعاً منهوكاً، فضلنا ذكره مع الرجز؛ لأنَّه بالرجز أشبه). [122].
والمنهوك عند صاحب الإيقاع، هو عندنا المجزوء، وقد ذكرتُ لك _أيها الكريم_ أن سبب هذا الاختلاف هو أن بعضهم نظر لوزن الشطر، وبعضهم نظر لوزن البيت.
والصواب أن تكون التسمية بحسب وزن الشطر الذي على الدائرة، فمثلا وزن المنسرح التام هو:
مستفعلن مفعولاتُ مستفعلن
والمجزوء، وهو الذي ذهب جزء من وزن شطره، هو:
مستفعلن مفعولاتُ
والمنسرح لا يقع منه المنهوك، لأن المنهوك هو ما ذهب ثلثاه، ولكن بعضهم ينظر لعد أجزاء البيت فيقول عن: (مستفعلن مفعولات) منهوكا، لأن عدد أجزاء البيت ستة، والصواب كما بيت لك أنه ليس إلا مجزوءاً.
وحتَّى وإن قبلنا النظر للوزن من جهة عدد أجزاء البيت، فإنه لا يقع: (مستفعلن مفعولات) ثلاث مرات، فنقتطع ثلثه، ثم نسميه بالمنهوك.
ثم إن صاحب الإيقاع ذكر وزنين لمنهوك الرجز __حسب زعمه_، هما:
(أ). الرجز المنهوك المذيل: (مستفعلن مفعولان).
(ب). الرجز المنهوك الصحيح: (مستفعلن مستفعلن).
ولا خلاف على أن (مستفعلن مستفعلن) من الرجز، وهو عندي من المجزوء، فحسب.
وأمَّا الوزن: (مستفعلن مفعولان) فهو عندي من المنسرح، الذي يأتي من وقْفِ (مفعولاتْ) فحسب، بينما يأتي في الرجز _ لو قبلناه جدلاَ_ من قطع (مستفعلن) فتصبح (مفعولن) ثم تُذال فتصير هكذا (مفعولان).
ومن قواعد فكِّ الاشتباك، في حال تداخل البحور: الحَمْل على الأصل، وعلى الأخف عملا، وعلى الأحسن.
والوقف في المنسرح، أخفّ عملا، وعملا بالأصل، وأحسن من جهة نوع التغيير، من القطع والتذييل في البحر الرجز.
عبده فايز الزبيدي
21-12-2024, 04:47 PM
قال عبد الصاحب مختار في دائرة الوحدة: (فالأبيات إذن هي الوحدات الوزنية الموسيقية، وليست الموازين، وبها يلتزم الشاعر وزنا ينتهي في كل بيت إلى نهاية توازن يستقر فيها النغم بين شطريه). [ص: 64].
قلت:
هذا الكلام نقله عن صاحبي (نظرية الأدب) : (...الوحدة الأساسية في الإيقاع ليست التفعيلة، وإنما هي البيت كله، فليس للتفعيلات وجود مستقل ....).
وهذه مغالطة، فليس كل شعر يأتي على هيئة بيت، فهناك المشطور.
وهناك الشعر السطري، كما في: شعر التفعيلة، والشعر المقطعي.
وقوله: (فالأبيات إذن هي الوحدات الوزنية الموسيقية) ولو لم يردف بعدها بقوله: (وليست الموازين)، لقبلنا كلامه مجازاً. أي لاعتبرنا أنه يرى أن تمام الشعر في البيت هو الوزن والقافية.
ولكنه نفى نفيا قاطعا أن تكون (الموازين) أي التفعيلات هي الوحدة الوزنية.
والجواب عن هذه المغالطة من وجوه عدة، منها:
(1). أن الأبيات تكوّن القصائد، فما الذي يكون البيت؟
فكما أن الحجر أو الآجر هي الوحدات التي تبنى بها البيت المسكون، فكذلك التفاعيل تبني البيت الموزون، وهذا منطقٌ، يتفق فيه العالم مع العاميّ.
(2). لو افترضنا ألَّا فائدة للموازين عند بناء البيت الشعري، فلماذا تُذكر، وتبيَّن حدودها، ومكوناتها؟
والحَقيقُ الذي لا مراء فيه، أن كل علوم العروض، في جميع اللغات، تبني أوزانها على التفاعيل، وهذا معلوم في الشعر العربي والأعجمي، فالعربية تبني أوزانها الشعرية على العلاقة بين المتحرك والساكن، بينما في اللغات الإفرنجية تكون العلاقة العروضية بين المنبور وغير المنبور.
(3). في العربية ميَّز أهل العلم الوحدة الوزنية أنها وحدة أساس النغم، فمثلا:
كل (فعولن مفاعيلن): هو من الطويل طال الشعر أم قصًر.
وكل (مستفعلن فاعلن): هو من البسيط طال الشعر أم قصًر.
وكل (مستفعلن): هو من الرجز طال الشعر أم قصًر.
وكل (فعولن): هو من المتقارب طال الشعر أم قصًر.
(4). الكاتب ناقض نفسه بنفسه حين قال: (... وزن الهزج: دَدَنْ دَنْدَنْ، ووزن الرجز: دَنْ دَنْ دَدَنْ، ...........). [ص: 65].
فقد أثْبتَ أنَّ (دَدَنْ دَنْدَنْ) والتي تساوي (مفاعيلن) تؤلّف وزن الهزج، و(مفاعيلن) تفعيلة، وليست بيتاً كاملاً، وقِسْ على هذا في الجواب عن وزن الرجز، وغير هذا.
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir