المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقيبة الإسعاف



نزار ب. الزين
21-10-2005, 04:38 AM
حقيبة الإسعاف
أقصوصة بقلم : نزار ب. الزين*
------------------------

عماد مدرس في إحدى ثانويات العاصمة ، و هو و جميع أفراد أسرته من عشاق الطبيعة ، يحبون الترحال و إكتشاف مناطق جديدة ، يقضون معظم أيام العطلات الصيفية و حتى في معظم أيام عطلات الربيع ، يقضونها متنقلين من غابة إلى مرج ، و من شاطئ بحيرة أو بحر إلى أعالي جبل أو بطن واد ، و من ضفاف نهر إلى ينبوع ماء ؛ مستمتعين بتغريد العنادل و هديل الحمائم و خرير المياه و هدير الأمواج و غثاء الحملان و زقزقة الصيصان و حفيف الأغصان .

إذا صادفوا مخيما سياحيا نصبوا فيه خيمتهم ، و إن لم يجدوه فأي فندق مهما بلغت بساطته ينزلون ، لا يهمهم أين يقضون سواد الليل بقدر ما يهمهم الإصغاء إلى صراصير الصنوبر ، أو مشاهدة الذبابات النارية** تحوم حول الأفنان ، أو تأمل شهب السماء منهمرةً كالألعاب النارية في عيد الجلاء .

*****

في فندق العائلات المتواضع في مصيف تل الصنوبر ، نزلوا ذات مرة ...

و من شرفته أطلوا على الوادي الأخضر فشعروا و كانهم فوق عش نسر أو صقر ، فقرروا أن يكتشفوه صخرة صخرة و شجرة شجرة ..

و في شرفة فندق العائلات تعرفوا أيضا على النزلاء و جميعهم أسر قدمت للإستجمام ..

و بسرعة انسجم الكبار و الصغار ..

و لكن ، ذات يوم ...

علا صياح إبنة أحد النزلاء ، فقد دخلت في إصبعها شوكة كبيرة الحجم ..إنغرست فيه كخنجر ..

أحضر عماد حقيبة الإسعاف التي إعتاد أن يحملها في حله و ترحاله ،

و تمكن من إخراج الشوكة ، ثم من إيقاف نزف الدم ، ثم من تعقيم الجرح ، ثم من ربطه بإتقان ...ثم أعطاها مسكنا ليخفف ألمها ...تصرف كمحترف فقد قرأ كثيرًا عن الإسعاف الأولي ..

تم ذلك في الشرفة ، حيث تكأكأ إضافة لوالدي الطفلة بعض جيرانه النزلاء ، يشهدون مهارته .. و يشكرون شهامته .

و ذات يوم آخر ...

أصيب طفل لأحد النزلاء بالحُمى ، كان يبكي بحرقة و قد وضع يديه على بطنه ضاغطا عليه ليخفف آلامه الحادة ....

أشفق عماد عليه ، فطلب من أحد أولاده إحضار حقيبة الإسعاف ، طال منها ميزان الحرارة : << إنها تزيد قليلا عن الأربعين >> قال عماد لوالديه متأسفا ، ثم اضاف : << الأفضل أن تحملوه إلى أقرب طبيب و بأسرع ما يمكن ! >>

أجابه والد الطفل : << في تل الصنوبر لا يوجد أطباء ، و أقرب بلدة منا تبعد ثلاثين كيلومترا >> فرد عليه عماد قائلاً : << الأمر لا يحتمل التأجيل ، الحرارة فوق الأربعين يا رجل ؟! >>

ثم عاد عماد بحقيبة الإسعاف إلى غرفته ، حيث كانت زوجته و أطفاله قد استعدوا لرحلة نحو نبع الصفصاف مشيا على الأقدام ...

*****

لدى عودتهم ...

ألقى عماد التحية على مدير الفندق فتجاهله ،

ألقى بالتحية على مجموعة من النزلاء فتجاهلوه ،

ألقت زوجته بالتحية على مجموعة من نساء النزلاء فتجاهلنها ، كررت التحية فتجاهلنها أيضا ..

أراد أطفاله اللعب – كما اعتادوا – مع أطفال النزلاء ، فرفض هؤلاء اللعب معهم ، فعاد أطفاله إلى غرفتهم كسيري الخاطر ..

و استمر الوضع كذلك إلى اليوم التالي .. فأحسّوا أن وراء الأكمة ما وراءها ، و لما لم يعد عماد يطيق صبرا ، توجه إلى مدير الفندق سائلاً و بشيء من الغضب : << عندما نزلنا في فندقك عاملتنا بمنتهى اللطف و الكياسة ، كذلك كان جميع النزلاء ، و شعرنا و كأننا نعرفكم جميعا منذ سنين ، فما الذي غيَّرك و غيرهم ؟ هل بدر مني أو من أي فرد من عائلتي أي سوء ؟ >> .

لم يتمكن مدير الفندق من تجاهله هذه المرة ، فالرجل يطرح سؤالا جادا و مباشرا ، فأجابه بعد تردد : << دكتور عماد ، لقد رفضتَ معالجة الطفل مع أنه كان في حالة خطر ، و أنت بنفسك قستَ حرارته ، و أنت بنفسك من أعلن أنه بحاجة فورية لطبيب ، أما كان بوسعك أن تخصص له بضع دقائق من وقتك يا دكتور ؟ أما كان بوسعك تأجيل رحلتك إلى نبع الصفصاف بضع دقائق لمساعدة طفل بلغ صياحه عنان السماء تألما ؟ الحقيقة أن جميع نزلاء الفندق استغربوا تصرفك هذا و ..... >> و قبل أن يتم مدير الفندق كلامه ، و أمام ذهوله الشديد إنفجر عماد ضاحكا ، و استغرق في ضحكه الهستيري بضع دقائق أخرى قبل أن يتمكن من إجابته قائلاً و هو ما زال يضحك : << الحق على حقيبة الإسعاف >>.------------------------

*نزار بهاء الدين الزين

مغترب يعيش في الولايات المتحدة من أصل سوري

البريد : nizarzain@adelphia.net

الموقع : www.FreeArabi.com

-------------------------------

**الذباب الناري : نوع من الحشرات الليلية ، تضييء مؤخرتها فتبدو كنقط ضوء متحركة في كل إتجاه .

د. سلطان الحريري
21-10-2005, 03:36 PM
الحبيب نزار الزين:
نعم المشكلة في حقيبة الإسعاف ..
أمتعتني بقصتك الجميلة هذ المرة ، فقد أحسنت في جلاء الفكرة بتمكن،وقد جمعت بين السرد والحوار والوصف..
لك دائما خالص التقدير والمحبة

عدنان أحمد البحيصي
21-10-2005, 06:08 PM
أستاذي الرائع نزار

شدتني قصتك حتى ظننت أن الطفل قد مات

لكن بحق


أنت قمة


هنا أوجه كلمة لنزلاء ذلك الفندق
ولمديره


ليس كل ما حمل حقيبة اسعاف

كان طبيباً


دمتم بألف خير

نزار ب. الزين
25-10-2005, 12:06 AM
الحبيب نزار الزين:
نعم المشكلة في حقيبة الإسعاف ..
أمتعتني بقصتك الجميلة هذ المرة ، فقد أحسنت في جلاء الفكرة بتمكن،وقد جمعت بين السرد والحوار والوصف..
لك دائما خالص التقدير والمحبة
----------------------------
عزيزي الدكتور سلطان
و أنت أمتعتني بتعقيبك الدافئ
مودتي و إحترامي
نزار ب. الزين

نزار ب. الزين
25-10-2005, 12:10 AM
أستاذي الرائع نزار
شدتني قصتك حتى ظننت أن الطفل قد مات
لكن بحق
أنت قمة
هنا أوجه كلمة لنزلاء ذلك الفندق و لمديره
ليس كل من حمل حقيبة اسعاف كان طبيباً
دمتم بألف خير
-----------------------------
أخي الكريم الأستاذ عدنان
صدقت فليس كل من حمل حقيبة اسعاف كان طبيباً ، و ليس كل من حمل القلم كان كاتبا ، و كثيرا ما تنقلب النوايا الحسنة على صاحبها .
شكرا لمرورك و ثنائك الطيب
نزار ب. الزين