تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المعاني النحوية - مسألة بلاغية في التشبيه



خالد أبو اسماعيل
05-09-2024, 04:40 PM
الشعر والنثر الفني كلامان مصنوعان فينبغي مراعاة صنعة الشاعر وصنعة الكاتب عند قراءة النص ومن الأشياء التي تراعى الإعراب لأن المعنى ينتح منه ومن المسائل البلاغية التي تتعلق بالإعراب هذا البيت :
لعاب الأفاعي القاتلات لعابه
...........................................
قال الشيخ عبدالقاهر الجرجاني : من أعرب لعاب الأفاعي مبتدأ ولعابه خبر فقد أفسد على الشاعر صنعته .
الا أن هناك عالما من جهابذة علماء البلاغة أعرب لعاب الأفاعي مبتدأ وقد تأولت له بأنه يرى رأيا نحويا في المسألة يوجب إعراب لعاب الأفاعي مبتدأ .
وأصل المسألة في النحو هو إذا كان عندنا اسمان معرفتان فأيهما المبتدأ ؟
في المسألة ثمانية آراء منها رأي يقول : يكون الإعراب حسب المعنى وهذا ما يتماشى مع كلام الشيخ عبدالقاهر ومنها رأي وهو قوي جدا في النحو أن هذا مما يشكل فهمه فينبغي أن يكون الاسم الذي يتقدم هو المبتدأ وهذا الرأي يوجب إعراب لعاب الأفاعي مبتدأ ... وعلماء البلاغة في الأصل ينطلقون من قواعد النحو .
الشاعر يصف حبر قلم الممدوح فلعابه تعني حبر قلم الممدوح أي أنه يكتب به اقتلوا فلانا فيقتلونه وبهذا صار حبر قلم الممدوح قاتلا ولعاب الأفاعي يكون فيه سمها وهو كذلك قاتل .
المهم أننا إذا أعربنا لعاب الأفاعي مبتدأ ولعابه خبرا صار نوع التشبيه تشبيها مقلوبا وبلاغة هذا التشبيه هي في المبالغة والادعاء بأن الصفة التي هي وجه الشبه قد كملت في المشبه حتى ساوى المشبه به فيها أو تعداه وبهذا صار ينبغي أن يكون مشبها به ويكون المشبه به مشبها.
أم إذا أعربنا لعاب الأفاعي خبرا مقدما ولعابه مبتدأ فيكون التشبيه تشبيها عاديا .
هذا الممدوح أعتقد أنه وزير فقلمه يكتب اقتلوا فلانا وكذلك يكتب الهبات فرأيي أننا إذا قلنا أن التشبيه مقلوب فهذا قد يكون فيه ذم وكأننا نصف قلم الحجاج بن يوسف أي يكون الممدوح سفاحا كثير السفك للدماء .
وأعتقد أن الشاعر لم يرد الشاعر هذا المعنى بل أراد أن قلم الممدوح يقتل لمن يستحق القتل ويهب لمن يستحق الهبة فالممدوح ينفذ أحكام الله في القتلة والمجرمين وكذلك هو كريم يجود على الناس .
فالمعنى في التشبيه هو معنى المعنى ويتوصل اليه عن طريق معنى اللفظ أي إذا قلت زيد كالأسد يكون معنى اللفظ هو أن زيدا يشبه الأسد ثم نتوصل منه الى معنى المعنى وهو أنه شجاع وكذلك إذا قلنا أن التشبيه مقلوب يكون معنى اللفظ أن لعاب الأفاعي يشبه حبر قلم الممدوح فتكون صفة القتل أكثر في حبر قلم الممدوح من لعاب الأفاعي ثم نتوصل الى معنى المعنى وهو أن الممدوح يصدر أوامر كثيرة جدا بالقتل أما إذا قلنا أن التشبيه عادي فيكون معنى اللفظ هو أن حبر قلم الممدوح يشبه لعاب الأفاعي فتكون صفة القتل أكثر في لعاب الأفاعي ثم نتوصل الى معنى المعنى وهو أن الممدوح يصدر أوامر بالقتل فبالتشبيه المقلوب يصير الممدوح كأنه سفاح وبالتشبيه العادي لايصير كذلك .
فلو قيد المعنى وقال أن لعاب الأفاعي القاتلات كلعاب حبر قلم الممدوح بالنسبة للصهاينة يكون التشبيه المقلوب جميلا لأن معنى المعنى هو أن الممدوح كثير القتل للصهاينة ثأرا للمجازر التي يرتكبونها .
والله أعلم