المعاني النحوية كيف صارت الاستعارة أجمل من التشبيه

[خالد أبو اسماعيل]

كما نعرف أن الشيخ عبدالقاهر الجرحاني قد قرر أن المعنى نوعان معنى اللفظ كذهب زيد ومعنى المعنى كالتشبيه والاستعارة والكناية تقول زيد كالأسد فيكون معنى اللفظ زيد يشبه الأسد ثم نتوصل من معنى اللفظ هذا الى معنى المعنى الشجاعة وهو المعنى المراد.
ولذلك اذا قلت :
زيد كالأسد ...... تشبيه
زأر زيد ............ استعارة
المعنى المراد واحد وهو الشجاعة لأن معنى المعنى واحد في الجملتين .
فأين إذاً موضع المزية الذي جعل الاستعارة أجمل من التشبيه .
إنه في معنى اللفظ :
زيد كالأسد
معنى اللفظ : زيد يشبه الأسد .
زأر زيد
معنى اللفظ : زيد خرح من جنس البشر ودخل في جنس الأسود ... أي أنه أسظ وليس بشرا .
العبقرية ليست في المعنى بل في كيفية وطريقة الوصول اليه .
تفسير جمال الاستعارة هو أن الشاعر ينظر الى الأشياء بعين شاعريته فيراها في صورة غير صورتها الحقيقية فيستدعي الاستعارة لأنه بحاجة الى أداة لغوية تعيد خلق الأشياء وليس في اللغة أداة تصنع هذا الا أداة واحدة هي الاستعارة .
يعني أن الشاعر لو قال غنى الطير ورقص الورد فهذا يعني أنه رأى الطبيعة في حفلة حتى لو كان يصف من دواوين الشعر وليس من بيئته لأن الشعر تعدى التعبير الى الحرفة والفن والاختراف .
لكن هناك نوع من التشبيه بالنسبة لي قد يكون أحمل من الاستعارة لكن علماء البلاغة قالوا الاستعارة ملكة علم البيان وهو العلم الخاص في البلاغة بالصورة الفنية .
هذا هو التشبيه التمثيلي وقظ نافس الاستعارة لأن فيه حركة وعناصر تتفاعل فيما بينها :
مكر مفر مقبل مدبر معا
كجلمود صخر حطه السيل من عل
أعتقد أن الحركة واضحة في كجلمود صخر .... .
استحضرت لك الصورة الحقيقية في عقلك لأن مصدر المشبه به هو صورة مخزنة في العقل من البيئة .
يعني كأنه لما شاهد خيله يكر ويفر بسرعة شديدة استحضر عقله صورة مخزنة فيه مصدرها البيئة ولذلك أي إنسان في بيئة جبلية فيها أودية وسيول يفهم هذا التشبيه لأنه قد شاهد منظر المشبه به ولذلك في عقله صورة مخزنة منه هو أيضا .
وقال النابغة يمدح النعمان بن المنذر ملك الحيرة :
كأنك شمس والملوك كواكب
اذا طلعت لم يبد منهن كوكب
المشبه عنصران : النعمان والملوك
والمشبه به عنصران : الشمس والنجوم
لاحظ كيف يصنع الشعراء هذا التشبيه :
هناك حركة عكسية بين الشمس والنجوم ... تظهر الشمس فتختفي النجوم ... و تختفي الشمس فتظهر النجوم .
فكذلك النعمان والملوك .
هل لاحظت معنى اللفظ في التشبيه التمثلي ؟
بديع مثل الاستعارة لكن تظل الاستعارة هي الملكة والسيدة والفاتنة التي فتنت الشعراء وعشاق الشعر.
والله أعلم

[ناديه محمد الجابي]

:مثال على الاستعارة في القرآن الكريم
سورة مريم (4): "قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا".

:مثال على الاستعارة في الشعر
وَأقْبَلَ يَمشِي في البِساطِ فَما درَى … إلى البَحرِ يَسعَى أمْ إلى البَدْرِ يرْتَقي
المتنبي واصفاً دخول رسول الروم على سيف الدولة الحمداني (سيف الدولة العباسية - مؤسس إمارة حلب).
وهنا شبه المتنبي الأمير سيف الدولة الحمداني بالبحر والبدر في البيت نفسه.

الاستعارة التصريحية
وهي الاستعارة التي يصرح فيها بالمشبه به أو "المستعار منه"، وحذف المشبه أو "المستعار له"،
مثل قوله تعالى في سورة إبراهيم الآية 1: "الٓر ۚ كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ".

الأستعارة التمثيلية:
كما قال الشاعر:
إذا رأيت نيوب الليث بارزةً ... فلا تظنن أن الليث يبتسم.
وهنا تشبيه لحالة المخدوع في عدوه، بحالة الفريسة التي تظن أن انكشاف أنياب الأسد، معناه الابتسام.
أو كما قال المتنبي
:قال المتنبي
ومن يك ذا فم مرّ مريض ... يجد مرّا به الماء الزلالا

شكرا لك ولشرحك المستفيض
بوركت ولك تحياتي.
:0014::0014:

[خالد أبو اسماعيل]

جزاك الله خيرا على إثراء الموضوع

[نغم عبد الرحمن]

بارك الله فيك أخينا الفاضل..وبالأخت الكريمة نادية
ومن وجهة نظر شخصية،متواضعة، فأنا أرى أن علم البيان رائع بكل أركانه .وكما للإستعارة جمالها، للتشبيه جماله أيضا.
أستاذي الكريم سؤالي لكم :
مانوع الصورة في هذا البيت من الشعر؟ ( لابن زيدون) :
وللنسبم اعتلال في أصائله
كأنما رق لي فاعتل اشفاقا

لو قلت حضرتك بأنها استعارة ؛ فماذا عن وجود كلمة
(كأنما) هنا..؟! ألا توحي بتشبيه ضمنيي؟
أتمنى منكم التوضيح حتى نستفيد أكثر .
مع خالص الشكر والتقدير.

[خالد أبو اسماعيل]

هو تشبيه وليس تشبيها ضمنيا لأن التشبيه الضمني لاتكون فيه أداة تشبيه .
لاحظي أنه قال :
كأنما رق لي
ولم يقل :
كأنه رق لي
فمعنى كأنه رق هو أن التركيز على النسيم أي المشبه مثل :
كأنك شمس والملوك كواكب
التركيز على الممدوح .
ولوقال : كأنما أنت الشمس . يجب ان يعرف المشبه بال
يصير المعنى حصرا لأن كأنما اذا كان بعدها جملة اسمية مثل : كأنما أنت الأسد يصير المعنى حصرا : إنما أنت كالأسد لأن كأنما كلمة مركبة من إن التي للتوكد والكاف حرف تشبيه وما التي تدخل على إن فتصير إنما وتكون للحصر .
إذاً كأنما اذا كان بعدها جملة اسمية تكون للحصر .
ومعنى كأنما رق هو أن التركيز على الفعل رق وليس على المشبه النسيم :
لان (كأنما) بعدها فعل بينما (كأنه)بعدها اسم الضمير الهاء الذي يعود على النسيم . وهذا التركيز على الفعل هو مثل قوله تعالى :
(أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ) فكأنما قتل الناس جميعا
التركيز على الفعل لشناعته .وليس على الفاعل ولو قيل : كانه قتل الناس جميعا يكون التركيز على الفاعل .
وقوله تعالى (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا )
التركيز على الفعل أي أن إحياء النفس فعل عظيم .
يعني المعنى هكذا :
كأنه رق : التركيز على النسيم .
كأنما رق : التركيز على الفعل رق . أي على النسيم في حال معينة هي الرقة أي ليس في كل حال بينما لو قال (كانه رق) يصير التركيز على النسيم عموما خاصة في حال رقته .
لما قال وللنسيم اعتلال في أصائله كان الكلام على حال اعتلاله أي حال معينة وليس على كل أحوال النسيم .
بعد ذلك قال (معللا) هذه الحال أي اعتلال النسيم في أصائله :
كأنما رق لي فاعتل اشفاقا
فقال (كأنما) ليعلل الفعل الفعل والحال الحال أي يعلل (الاشفاق) (الاعتلال).
هذا من المعاني النحوية الدقيقة أي أن (كأنما) فيها معنى دقيق ليس في (كأنه) يناسب المقام والمقام تعليل اعتلال النسيم.ولما كان التعليل انه رق للحال التي فيها الشاعر ناسب هذا الفعل (رق لي) فكان لابد ان يضيف (ما) على (كأن) فتصير (كأنما)وبهذا يجوز أن تدخل على الجملة الفعلية .

[خالد أبو اسماعيل]

جواب سؤالك يكون من ناحية الصنعة صنعة الشاعر لأنه يخترع الصورة ثم يشكلها .
فإذا كانت الصورة تشبيها تمثيليا مثل هذا فإن المشبه به قد يكون صورة حقيقية أو صورة خيالية .
حقيقية مثل :
يهز الجيش حولك جانبيه
كما نفضت جناحيها العقاب
أضاف (ما) على (ك) التشبيه لأن بعدها فعل فلا يصح ان يقول (كنفضت) مثل (كأنما ) و(كأن) لان المراد هو الفعل وليس الفاعل فالمشبه به هو فعل معين او وصف معين يتصف به الفاعل (ينفض جناحيه)
ويكون المشبه به صورة خيالية فاذا كان صورة خيالية فلابد من الاستعارة حتى يخرج المشبه به من صورته الحقيقية ويدخل في الصورة الخيالية . وهذا هومعنى قولهم أن الشعراء يعيدون خلق الأشياء أي يخرجونها من صورتها الحقيقية ويدخلونها في صورة خيالية من اختراعهم . طبعا خيالا وليس حقيقة .
أي أن الصنعة هكذا :
أراد الشاعر أن يعلل اعتلال النسيم بشفقة النسيم عليه فشكَّل المشبه به عن طريق الاستعارة (رق لي ) (فاعتل) (اشفاقا) النسيم يرق ويعتل ويشفق من الشفقة . ليخرج النسيم من كونه هواء ليصير إنسانا يرق ويعتل ويشفق .
هذه كلها استعارات مكنية أي استعار الفعل مثل (زأر زيد) استعرنا الزئير لزيد من الأسد ثم حذفنا الأسد وأبقينا الفعل زأر ثم أسندناه الى زيد فقلنا (زأر زيد) وبهذا خرج زيد من البشر وصار أسدا من الأسود . طبعا خيالا.
والشاعر استعار الفعل(رق) والفعل(اعتل)والاسم(اشفاق) وهو مثل الفعل لأنه مصدر والمصدر فيه معنى الفعل فالاشفاق مثل الضرب .
وبهذا صار المشبه صورة خيالية تشكلت بالاستعارة فأضاف اليها (كأنما):
كأنما رق لي فاعتل اشفاقا
يعني شبه اعتلال النسيم أي رقته (نسيم عليل) كما يقولون أي هواء رقيق أو خفيف شبههه وهو في هذه الحالة حالة الاعتلال بإنسان رأى حال الشاعر فرق له واعتل شفقة عليه . ليعلل النسيم العليل بهذا أي رق فاعتل اشفاقا .
والمعنى في التشبيه هو معنى المعنى أي يشكل الشاعر الصورة ثم يجعل القارئ يصل من خلالها (أي معنى اللفظ أن هذا يشبه هذا)الى المعنى المراد وهو(معنى معنى اللفظ) . فمعنى اللفظ هو أن النسيم صار عليلا لأنه رق لحال الشاعر فاعتل شفقة عليه ومعنى هذا المعنى أن الشاعر حاله يرق له الجماد الذي ليس به شعور فيصير إنسانا بهذا الشعور فكيف يكون شعور الإنسان الحقيقي تجاهه فتكون حاله بهذا صعبة جدا .
فكون النسيم رق لحال واعتل شفقة عليه شبيه بقولهم حاله تصعب على الكافر .
(اعتل اشفاقا) هذا المعنى كثير عند الشعراء يقول الشاعر انه زار الحبيب وهو مريض فمرض هو ايضا من مرضه .
فاعتل إشفاقا وهذا المعنى أصلهما واحد . أو أن أحدهما مسروق من الآخر .
التشبيه تشبيه تمثيلي وليس تشبيها ضمنيا والمشبه به صورة خيالية تشكلت بالاستعارة .
والله أعلم

[خالد أبو اسماعيل]

المعنى في الشعر إشارات لأن الوزن يجعل الشاعر يختصر وكذلك بعض النثر المصنوع صناعة شاعرية فهذا النثر فيه شبه من الشعر .
وابن زيدون شاعر جهبذ هو يتكلم عن منطقة سمها الزهراء التي له فيها ذكريات هو وولادة بعد أن فعل فيه الأفاعيل الوزير ابن عبدوس الذي كان ينافسه في حب ولادة لان ولادة ابنة ملك فيستفيد منها سياسيا هذا الوزير فدبر مؤامرة لابن زيدون كي يسجنه ويتخلص منه وبعد أن خرج ابن زيدون من السجن ذهب الى منطقة الزهراء فعبثت به الأشواق لما تذكر ذكرياته هو وولادة في هذا المكان .
وهذا المكان يتصف بالنسيم العليل أي الهواء فجعل رقة النسيم له وإشفاقه عليه تعليلا لكون أن هواء هذا المكان نسيم عليل .
فيه إشارة المكان وذكريات هذا المكان حتى أنه قال أن ورد هذا المكان مال أعناقا شفقة عليه .
فمثل هذا المعنى يسمونه حسن التعليل .
والله أعلم

[نغم عبد الرحمن]

أستاذي الفاضل ..
-لقد سألت سؤالي هذا، لأن حالي كحال من إلتبس عليه الأمر مابين الاستعارة والتشبيه.
في هذا البيت من الشعر .
.
.
فهناك من رأى أنها استعارة، لأن الشاعر شبه النسيم بالإنسان، ذكر المشبه وهو النسيم، وحذف المشبه به وهو الإنسان، وترك شيئاً من لوازمه وهو"اعتلال، رق، اعتل اشفاقا"على سبيل الاستعارة المكنية

والبعض الآخر رأى أن اللبس كان من وجود كلمة (كأنما)
ووجودها لا يترتب عليه، بحال من الأحوال أن نحكم على الصورة بأنها تشبيه.
.
.
-(طبعا لم أقتنع بهذا الكلام)!
لأني رجحت أن التشبيه موجودا بعد وجود( كأنما).
أكان ضمنيا أم تمثيليا ،وقد اقتنعت بالأخيرة بعد شرحك الوافي في ردك الأول .

- أما في ردك الثاني،واستفاضتك القيمة؛ فاقتنعت بأن البيت يشتمل على تشبيها تمثيلا من خلال :
(كأنما رق )العائدة على الفعل رق ، أي أن النسبم رق لحاله فاعتل واشفق عليه .
وعلى إستعارة مكنية انبثقت من خلال المشبه به:
( رق لي)، وكأنه انسان من لحم ودم ،رق لحاله. فكانت صورة شعرية مركبة دقيقة وموحية! وفيها براعة عالية خيالا وتصويرا..
بارك الله فيك أستاذي الفاضل ،ونفعنا بعلمكم .
مع خالص شكري وتقديري.

[خالد أبو اسماعيل]

اكتب اللغة تفهمها
لان الموضوع له علاقة بالصنعة الشعرية والنثرية

[خالد أبو اسماعيل]

يكون المشبه به صورة مخزنة بالعقل وهذا هو الأصل مثلا رأيت حصانا سريعا فذكرك هذا المنظر بمنظر رأيتيه في بيئتك وهو سيل يسوق صخرة من أعلى الجبل فتقولين كجلمود صخر حطه السيل من عل .
ويكون المشبه به صورة مخترعة ولابد في هذا النوع من الاستعارة .
ونوع مثل :(طلعها كأنه رؤوس الشياطين)هذا تشبيه ونحن لانعرف المشبه ولا المشبه به . فكيف ؟
قد قلت أن التشبيه المعنى فيه هو معنى المعنى وليس معنى اللفظ نقول زيد كالأسد فيكون معنى اللفظ هو زيد يشبه الأسد ثم ننتقل منه الى معنى المعنى وهو الشجاعة .
هذه الآية غرضها إثارة الرعب فيتم الانتقال الى معنى المعنى مباشرة بدون معنى اللفظ ولكن من خلال إيحاء المشبه به(رؤوس الشياطين) . كلمة مرعبة رؤوس الشياطين .
لاتقولين كأنه الا اذا كان المشبه والمشبه به كأنهما شيئا واحدا من قوة الشبه والدليل على ذلك قول بلقيس :(كأنه هو) والعرش هو عرشها فظنت أنه ليس هو ولكن يشبهه شبها شديدا فقالت كأنه .
والله أعلم

[خالد أبو اسماعيل]

(كأن) عند البصريين للتشبيه فقط ولذلك في بعض الأمثلة يقولون بان هناك موصوف محذوف او يؤلون ويفسرون .
وعند الكوفيين والزجاج تكون للتشبيه وللشك .
وهناك أمثلة لكأنما قال فيها العلماء بمعاني كثير لها لكنها قد لايقاس عليها .
الذي يقاس عليه هو التشبيه والشك والشك أن تقول كانه قال شيئا . وعند البصريين يقولون بموصوف محذوف يعني التقدير هنا : كأنه (شخص) قال شيئا . فشخص هو المشبه . أو يقومون بالتأويل وهو الأحسن . وكل ذلك تكون كأن على الأصل الذي وضعت وهو التشبيه .
والله أعلم