تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : كيف استخرج الشيخ عبدالقاهر الحرجاني صفحات من سطر وعلما من علم



خالد أبو اسماعيل
22-12-2024, 02:56 AM
هذه الأفكار هي أفكار الدكتور محمد محمد أبوموسى الذي يسمى شيخ البلاغيين وكان تلميذا للشيخ محمود شاكر .
في ثقافتنا تجارب كثيرة عن :
كيف قرأ العالم كلام الذين قبله .
لكني لم أطلع عليها فقط اطلعت على تجربة الشيخ عبدالقاهر الجرجاني وكيف قرأ كلام من قبله فاستخرج علم البلاغة من علم النحو .
أكثر من استفاد منهم الشيخ عبدالقاهر هما سيبويه والجاحظ قرأ سطرا لسيبويه يقول فيه أن العرب تقدم مابيانه أهم فاستخرج منه بضع عشرة صفحة ثم توصل الى التقديم والتأخير وبعد ذلك قرأ علماء البلاغة كلام الشيخ عبدالقاهر عن التقديم والتأخير فدققوا ورتبوا حتى أسسوه كما نعرفه : تقديم المسند والمسند اليه ... الخ .
كيف استخرج هذه الصفحات من سطر .
كان الشيخ نحويا لكنه كان مهتما بشيء لايهتم به النحوي وهو كيف صار هذا الشعر أفضل من هذا الشعر وكيف صار القرآن معجزا وبهذا دقق في المعاني فدخل الى إجابة هذه الأسئلة من مدخل النحو الذي يكون فيه أصل المعنى هو العلاقات النحوية بين الألفاظ كأن تكون هذه الكلمة فعلا وهذه فاعلا وهذه مفعولا ثم تعمق أكثر .
دخل الى الموضوع من المدخل المناسب .
عندما قرأ كلام سيبويه عن التقديم دخل اليه من الاستفهام بالهمزة إذ عنده كنحوي يجب أن يلي المسؤول عنه الهمزة أي حكمه في علم النحو عنده واجب لكن سيبويه يجيز أن تقول :
أمررت بزيد أم عمرو
ثم يقول والأحسن أن تقول :
أبزيد مررت أم بعمرو
حتى يكون المسؤول عنه يلي الهمزة فأنت لاتسأل عن الفعل أي المرور حدث أم لم يحدث ولكن تسأل عن الجاروالمجرور أي الممرور به هل هو زيد أم عمرو .
وعند الشيخ عبدالقاهر يجب أن تقول :
أبزيد مررت أم عمرو
والشيخ عبدالقاهر كان قد تعمق في هذا الموضوع الاستفهام بالهمزة نعرف هذا من كلامه في دلائل الإعجاز لأنه قال كلاما لم يقله أحد قبله مثل :
إذا قلت :
أرجل في الدار
فأنت تسأل عن نوع هذا الذي في الدار رجل أم امرأة .
واذا قلت :
أفي الدار رجل
فأنت تسأل عن عدد الرجال الذين في الدار ... رغم أنك قدمت الخبر ولكن كان المعنى هكذا لأن المبتدأ نكرة ولو قلت :
أفي الدار زيد
تكون قد سألت عن مكان وجود زيد وليس العدد لأن المبتدأ معرفة .
واذا قلت :
ازيد في الدار
تكون قد سألت عن الذي في الدار زيد أم غير زيد .
وكذلك في الجملة الفعل إذا قدمت الفعل فقلت :
أضربت زيدا
تكون قد سألت عن الفعل حدث أم لم يحدث .
واذا قلت :
أأنت ضربت زيدا
تكوم قد سألت عن الفاعل .
واذا قلت :
أزيدا ضربت
تكون قد سألت عن المفعول .
فاذا قلت :
أبنيت هذه الدار
يكون كلامك خطأ لأنك قدمت الفعل أبنيت فتكون قد سألت عن البناء حدث أم لم يحدث وفي نفس الوقت تشير اليه هذه الدار فيكون البناء قد حدث فكيف تسأل عن الفعل وأنت تشير اليه .
ثم طبق هذه القاعدة على النفي بما وهي مثل الاستفهام بالهمزة اذا قلت :
ماضربت زيدا
فأنت تنفي الفعل ويكون زيد قد ضرب من غيرك أو أنه لم يضرب منك ولامن غيرك
واذا قلت :
ما أنا ضربت زيدا
فأنت تنفي الفاعل ويكون زيد قد ضرب من غيرك .
... الخ .
ثم وقف وقفة وقال :
تقديم الكلام ليس كتأخيره
وأعتقد أنك أيها القارئ قد عرفت كيف كان المعنى إذا قدمنا الفعل أو قدمنا الفاعل أو قدمنا المفعول وكذلك المبتدأ والخبر في الاستفهام بالهمزة والنفي بما .
فثبت أن الكلمة اذا تقدمت يكون لهذا علاقة بالمعنى .
بعد ذلك توجه الى الجملة الاسمية والفعلية مثل :
زيد الشجاع - الشجاع زيد
أنت الحبيب - الحبيب أنت
زيدٌ ضرب عمرا
عمرا ضرب زيد
وكذلك في الأشياء التي تقيد الفعل مثل الجار والمجرور
وبدأ يطبق القاعدة :
تقديم الكلام ليس كتأخيره ويستنتج معاني هذا التقديم .
وهكذا استخرج صفحات من سطر واستخرج أفكارا من فكرة واستخرح علما من علم أي استخرج علم البلاغة من علم النحو .
والله أعلم