المصطفى البوخاري
03-02-2025, 12:49 AM
مع أول نفس استقر في صدري، بدأ عالمي يتضح شيئًا فشيئًا. كنت مستلقيًا، أحس ببرودة سطحٍ تحتي، ورائحة معقمة تعكر صفو الهواء. حاولت أن أفتح جفوني ببطء، لاكتشاف عالمي الجديد الذي ما زال يغلفه الصمت، عدا صوت تنفسي الثقيل.
تنهدات سيدة، ملابسها البيضاء تداعب الهواء، تقف بجانب سريري، تحمل في يديها صاعقين. ابتسامتها العريضة كانت أكثر من مجرد تعبير عابر، كانت كأنها تعزف لحنا قديما في أعماق نفسي. لم أكن فقط أراها، بل كنت أشعر بها، كأن تلك الابتسامة هي أول إشعار لي بأنني لست مجرد جسد ممدد هنا.
ضوء باهت يضرب عيوني، قاسٍ، بارد كالصقيع. السقف أبيض، بلا ملامح، تتدلى منه مصابيح فلورية تصدر أزيزًا خافتًا. الهواء ساكن، مشبع برائحة الكحول الطبي. أشيح بنظري، فتتضح الجدران الرمادية، والنافذة الكبيرة ذات الزجاج الشفاف. خلفها... أشخاص يراقبونني، ظلال مبهمة. باستثناء وجه واحد... مألوف بطريقة مزعجة، كما لو كانت ابتسامته نحتا في ذاكرة قديمة.
حولت بصري. شاشة صغيرة يومض عليها رسم بياني متموج، وأسلاك تمتد من صدري إلى آلات أخرى، لا أعرف ماهيتها.
انطلقت نبضات جسدي ببطء، كأنها لا تجد طريقها بسهولة. عضلاتي مشدودة، وكأنني قد فقدت القدرة على التعرف عليها. تحركت أصابعي بصعوبة، وكأن تيارات كهربائية خفيفة تسري في أطرافي، تنبهني إلى وجودها. عقلي مشوش، وذاكرتي في صراع لا ينتهي، صور وذكريات متداخلة تتقاطع في خاطري، ولا أستطيع تمييز أي منها، كأنها مشاهد محطمة لا ترتبط ببعضها.
"هل كان هذا حلمًا؟" تمتمت في نفسي، وأنا ألاحظ الضباب الذي يغلف عقلي، كضلال تلعب مع الضوء.
ثم... استفاق ذهني بشيء آخر. طرقات على زجاج النافذة. ووجه شبه مألوف يحدثني، يراقبني؟ كنت أعتقد أنني في عزلة تامة، إلا أنني شعرت بشيء ما يخاطبني، شيء له ارتباط بي، يتسلل إلى ذاكرتي من خلف الزجاج، يحاول إيقاظ جزء من نفسي قد نسيته.
بعد الطرقات، بدأت دقات رأسي تتسارع. ظهر وجهها كالوميض، ثم اختفى، كأنه يتلاشى مع أول نسمة هواء. كان مألوفًا لي في تفاصيله، ولكنه غريب، كما لو أنني أراه لأول مرة، وكلما اقتربت منه، ازداد الألم. ذكريات متداخلة تتشابك كما لو كانت شظايا زجاج مهشمة.
صوت بعيد... صوت ينبثق من وراء الزجاج، وكأنه يحمل معه مفاتيح ذاكرتي. كان يوشوش، يقتحم ضباب إحساسي، يدفعني أكثر نحو النور. الذكريات كانت تتبدد مني كما لو كانت متلاشية في سماء غائمة، لكن الصوت أصبح أكثر وضوحًا، أقرب، وكأنما يعرف طريقه إلى عقلي، يمر عبر السد المتصدع في ذهني.
يد دافئة تلامس معصمي بلطف، وكأنها تتحقق من نبضي. ابتسمت في وجهي، ابتسامة ناعمة، هادئة، تحمل في طياتها سرًا يتجاوز ما تراه العين. عيناها تابعتاني باهتمام، وكأنها تدرس كل حركة، كل نفس أتنفسه. ذبذبات صوتها اجتاحت كياني، نبرة كنت قد اعتدت سماعها، ووجهها كانه محفور في أعماقي. راودني شعور بالدفء، كأنه يعود بي من زمن بعيد، ورائحة عطرها الزكية غزت مركز ذاكرتي، وكأنها تعيدني إلى مكان آخر.
"أخيرًا... استيقظت."
كلماتها انسابت ببطء، اهتزازات صوتية تزحف، فنبضات تدب عبر الأعصاب، سابحة في فضاء أذني الثقيلة.
ربتت على يدي بحنان، وقالت:
"أتتذكرني؟"
لمسة نسجت خيوطًا غير مرئية على جلدي، بإحساس تيار صاعق، نبض له قلبي، وتعرقت مسامي، وتفتحت. دفء يتسلل عبر جسدي. كانت لحظة حقيقية، واضحة، كأنها تعيدني إلى وعيي بالكامل. عندها فقط... أدركت أنني كنت غائبًا لفترة طويلة، غارقًا في فراغ لم أكن أعيه.
نظرت إلي بعينيها البريئتين، وقالت:
"أما زلت لا تتذكرني؟"
نظراتها تسحبني إليها، تبتلعني، تفتح لي بابًا إلى عالمها بكل تفاصيله: صوره، ذكرياته، عواطفه، وإحساساته. كل شيء ينبض بالحياة أمامي، كأنني غارق فيه، وكأنني جزء منه.
مع كل نظرة، كانت قوقعة النسيان تتصدع، تتشقق طبقات اللاوعي، حتى وجدت نفسي هناك... كنت أراها بين تلك الذكريات... ممسكة بيدي في مساء بعيد، بعطر يملأ هواء اللحظة، وضحكة تتردد في زوايا الماضي، كلمات تهمس باسمي وسط ضباب الذكرى. كنت هنا معها، لم أكن أبحث عن ذكريات مفقودة، بل كنت أبحث عنها... أراها، وأتذكر.
وها أنا الآن... أدركت أنني لم أكن يومًا وحيدًا.
اقتربت مني أكثر، همست باسمي بحنان قديم، وقالت:
"لقد عدت أخيرًا."
تنهدات سيدة، ملابسها البيضاء تداعب الهواء، تقف بجانب سريري، تحمل في يديها صاعقين. ابتسامتها العريضة كانت أكثر من مجرد تعبير عابر، كانت كأنها تعزف لحنا قديما في أعماق نفسي. لم أكن فقط أراها، بل كنت أشعر بها، كأن تلك الابتسامة هي أول إشعار لي بأنني لست مجرد جسد ممدد هنا.
ضوء باهت يضرب عيوني، قاسٍ، بارد كالصقيع. السقف أبيض، بلا ملامح، تتدلى منه مصابيح فلورية تصدر أزيزًا خافتًا. الهواء ساكن، مشبع برائحة الكحول الطبي. أشيح بنظري، فتتضح الجدران الرمادية، والنافذة الكبيرة ذات الزجاج الشفاف. خلفها... أشخاص يراقبونني، ظلال مبهمة. باستثناء وجه واحد... مألوف بطريقة مزعجة، كما لو كانت ابتسامته نحتا في ذاكرة قديمة.
حولت بصري. شاشة صغيرة يومض عليها رسم بياني متموج، وأسلاك تمتد من صدري إلى آلات أخرى، لا أعرف ماهيتها.
انطلقت نبضات جسدي ببطء، كأنها لا تجد طريقها بسهولة. عضلاتي مشدودة، وكأنني قد فقدت القدرة على التعرف عليها. تحركت أصابعي بصعوبة، وكأن تيارات كهربائية خفيفة تسري في أطرافي، تنبهني إلى وجودها. عقلي مشوش، وذاكرتي في صراع لا ينتهي، صور وذكريات متداخلة تتقاطع في خاطري، ولا أستطيع تمييز أي منها، كأنها مشاهد محطمة لا ترتبط ببعضها.
"هل كان هذا حلمًا؟" تمتمت في نفسي، وأنا ألاحظ الضباب الذي يغلف عقلي، كضلال تلعب مع الضوء.
ثم... استفاق ذهني بشيء آخر. طرقات على زجاج النافذة. ووجه شبه مألوف يحدثني، يراقبني؟ كنت أعتقد أنني في عزلة تامة، إلا أنني شعرت بشيء ما يخاطبني، شيء له ارتباط بي، يتسلل إلى ذاكرتي من خلف الزجاج، يحاول إيقاظ جزء من نفسي قد نسيته.
بعد الطرقات، بدأت دقات رأسي تتسارع. ظهر وجهها كالوميض، ثم اختفى، كأنه يتلاشى مع أول نسمة هواء. كان مألوفًا لي في تفاصيله، ولكنه غريب، كما لو أنني أراه لأول مرة، وكلما اقتربت منه، ازداد الألم. ذكريات متداخلة تتشابك كما لو كانت شظايا زجاج مهشمة.
صوت بعيد... صوت ينبثق من وراء الزجاج، وكأنه يحمل معه مفاتيح ذاكرتي. كان يوشوش، يقتحم ضباب إحساسي، يدفعني أكثر نحو النور. الذكريات كانت تتبدد مني كما لو كانت متلاشية في سماء غائمة، لكن الصوت أصبح أكثر وضوحًا، أقرب، وكأنما يعرف طريقه إلى عقلي، يمر عبر السد المتصدع في ذهني.
يد دافئة تلامس معصمي بلطف، وكأنها تتحقق من نبضي. ابتسمت في وجهي، ابتسامة ناعمة، هادئة، تحمل في طياتها سرًا يتجاوز ما تراه العين. عيناها تابعتاني باهتمام، وكأنها تدرس كل حركة، كل نفس أتنفسه. ذبذبات صوتها اجتاحت كياني، نبرة كنت قد اعتدت سماعها، ووجهها كانه محفور في أعماقي. راودني شعور بالدفء، كأنه يعود بي من زمن بعيد، ورائحة عطرها الزكية غزت مركز ذاكرتي، وكأنها تعيدني إلى مكان آخر.
"أخيرًا... استيقظت."
كلماتها انسابت ببطء، اهتزازات صوتية تزحف، فنبضات تدب عبر الأعصاب، سابحة في فضاء أذني الثقيلة.
ربتت على يدي بحنان، وقالت:
"أتتذكرني؟"
لمسة نسجت خيوطًا غير مرئية على جلدي، بإحساس تيار صاعق، نبض له قلبي، وتعرقت مسامي، وتفتحت. دفء يتسلل عبر جسدي. كانت لحظة حقيقية، واضحة، كأنها تعيدني إلى وعيي بالكامل. عندها فقط... أدركت أنني كنت غائبًا لفترة طويلة، غارقًا في فراغ لم أكن أعيه.
نظرت إلي بعينيها البريئتين، وقالت:
"أما زلت لا تتذكرني؟"
نظراتها تسحبني إليها، تبتلعني، تفتح لي بابًا إلى عالمها بكل تفاصيله: صوره، ذكرياته، عواطفه، وإحساساته. كل شيء ينبض بالحياة أمامي، كأنني غارق فيه، وكأنني جزء منه.
مع كل نظرة، كانت قوقعة النسيان تتصدع، تتشقق طبقات اللاوعي، حتى وجدت نفسي هناك... كنت أراها بين تلك الذكريات... ممسكة بيدي في مساء بعيد، بعطر يملأ هواء اللحظة، وضحكة تتردد في زوايا الماضي، كلمات تهمس باسمي وسط ضباب الذكرى. كنت هنا معها، لم أكن أبحث عن ذكريات مفقودة، بل كنت أبحث عنها... أراها، وأتذكر.
وها أنا الآن... أدركت أنني لم أكن يومًا وحيدًا.
اقتربت مني أكثر، همست باسمي بحنان قديم، وقالت:
"لقد عدت أخيرًا."