تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : من إعجاز البيان العالي النادر



خالد أبو اسماعيل
16-02-2025, 10:10 PM
قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ (1) ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ (2) وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنِ ٱللَّغۡوِ مُعۡرِضُونَ (3) وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِلزَّكَوٰةِ فَٰعِلُونَ (4) وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ (5) إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ (7) وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِأَمَٰنَٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَٰعُونَ (8) وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِمۡ يُحَافِظُونَ (9)
لاحظ ترتيب كلمتي(خاشعون)و(يحافظون).
ترتيب المعاني له دلالة معنوية مثل ترتيب الكلمات والجملتان بينهما شبه في الصياغة :
الذين هم في صلاتهم خاشعون
الذين هم على صلواتهم يحافظون
فلما قال(قد أفلح المؤمنون)لم يبدأ بجملة بل استمر في نفس الجملة وقال(الذين هم في صلاتهم خاشعون)فالاسم الموصول(الذين)صفة للمؤمنين ويستمر في نفس الجملة فيعطف صفة على صفة للمؤمنين فهذه جملة واحدة من الآية الأولى الى الآية .
تسع آيات هي جملة واحدة وهذا من البيان العالي النادر .
ولست بحاجة لأن يوضح لك هذا أحد بل اقرأ وتذوق فاذا قرأت وتذوقت ستجد أن الصفات المعطوفة على بعضها تنساب عبر أذنك فتصل الى نفسك وفؤادك وعقلك كأنها جدول رقراق أو طريق معبد على أحسن مايكون تسير فيه السيارة ولاتهتز .
والاهتزاز الذي تدركه بذائقتك في مثل هذا الأسلوب دليل على خلل في الكلام لأن الجملة إذا طالت يصعب ظبط سبكها وصياغتها من جهة النغم أو الصوت وهذا هو معنى الاهتزاز أي أن أذنك تدرك أن في السبك خلل .
إن الكلام يصافح الأسماع قبل العقول والقلوب فاذا ارتاحت له الأذن تلقفه القلب والعقل بأريحية وبحب وباهتمام .
فاذا أدركت الأذن أن في الكلام خلل في الصوت أو النغم وجد الكلام أبواب الفؤاد موصدة مغلقة ووجد العقل غير مهتم به .
تستطيع أن تدرك ذلك في الشعر أيضا أولست قد تقرأ قصيدة فتقرأ المطلع أو أول الأبيات ثم لاتواصل قراءة القصيدة . لماذا ؟
إذا كنت شاعرا فأنت تعرف ذلك .
أولست تجمل المطلع بالتصريع؟
فهل التصريع اهتمام منك بالمعنى أم باللفظ ونغم اللفظ ؟
إن اهتمامك بتصريع المطلع لدليل على أنك تدرك ماقلته لك بالفطرة وقد أدركته بالفطرةلأن الله سبحانه وتعالى جعلك كذلك لأنه(علم القرآن - خلق الإنسان - علمه البيان)فقد خلقك لتتعلم القرآن وتدرك أنه كلام الله ومادام كذلك فلابد أن يعطيك الوسيلة التي تساعدك على القيام بهذه المهمة .
فطرة تذوق البيان هي الوسيلة لذلك وهي التي جعلتك تصرع المطلع لكي يصافح شعرك أذن القارئ قبل فؤاده وعقله كما قلت لك .
وستدرك بها أن هذه الآيات هي من البيان العالي النادر انظر الى تلاؤم الصفات المعطوفة على بعضها إنه تلاؤم لايكون في كلام الناس كأن كل صفة آخذة بيد الصفة التي قبلها وتمد يدها للصفة التي بعدها فحصل ترابط عجيب صار به هذا الكلام معجزا أعجز قدرات البشر وقهر أطماعهم في أن يقولو مثله منذ أن نزل القرآن الى اليوم .
ثم انظر وأعتقد أنك لاحظت بسمعك قبل عقلك أن هناك وقفة في وسط الكلام بعد الآية الخامسة وكانت آيتين ورغم ذلك فالتلاؤم والترابط كماهو وهذا صعب جدا أن يجيد مثله كاتب أو شاعر لابد أن يحصل شيء في النغم يدركه القارئ بأذنه . شيء عجيب .
ثم انظر الى الإعجاز .
كيف جملت وحسنت هذه الوقفة نغم السبك لأن الجمل هي الذين هم والذين هم والذين هم ... تتكرر .
فكأنها احتاجت الى فاصل نغمي في المنتصف كي لايؤدي التكرار الى ملل الأذن .
إعجاز هذا مثل إعجاز أنك تقرأ كل يوم سورة الفاتحة سبع عشرة مرة من عشرات السنين ولم تشعر يوما أن الملل يتسرب اليك من تكرار قراءتها بينما تمل من الأغنية بعد تكرار سماعها وتحتاج الى ألا تسمعها وقتا حتى يعود لك استمتاعك بسماعها .
لاحظ أن سورة الفاتحة هي أول سورة في القرآن الكريم .
ألا يذكرك هذا بشيء ؟
المطلع
هذا مثل ذاك لكن لله المثل الأعلى .
والله أعلم

خالد أبو اسماعيل
16-02-2025, 10:34 PM
قد حاول أعداء القرآن جيلا بعد جيل أن يجدوا فيه نقصا فلم يجدوا الا الكمال الذي ليس بعده كمال مما يدل على أن قائل القرآن قد أحصى كل شيء يتعلق بصنعة لفظه ومعناه ولذلك في أول القرآن بعد الفاتحة قال الله سبحانه وتعالى(ألم-ذلك الكتاب...)ذلك مبتدأ والكتاب خبر أي ذلك الكتاب الذي ليس مثله كتاب.

خالد أبو اسماعيل
16-02-2025, 10:44 PM
ذلك الكتاب لاريب ....