ابن الدين علي
22-09-2025, 01:08 AM
شتاء هذا العام قاسٍ جدًا، كلّ آوى إلى مخبئه إلا ذاك الذي يسير هائمًا حافيًا مهلهل الملابس؛ عمره لا يُعدّ إلا ببضع سنوات. يسقط إثر انزلاقة على الصقيع ثم يتناهض ليسقط من جديد... ينفخ في راحتيه بين الحين والآخر.
بقيت أتابع المشهد خلف زجاج النافذة وهو يعبر شارعًا طويلًا مبيّضًا بثلوج ما زالت تعمّر الأرض.
صادف في طريقه شيئًا مرميًا على الجانب... انحنى عليه ليلتقطه، قضم منه قطعة لاكها، لكنه سرعان ما بصقها. سار خطوات ثم عاد إليه وتناوله ثانية، لاكه؛ هذه المرة احتفظ به في فمه. ذكرني بأولئك المضربين عن الطعام وصراعهم مع حراسهم الذين يدفعون الطعام في أفواههم دفعًا ليحرموهم من الموت الذي بات آخر ملاذ لهم.
بقيت عيناي تقتفي آثاره فضولًا مني لمعرفة إلى أين كان يتجه، لأن في الأفق لا منازل. الشارع طويل طويل لا نهاية له، خلا من كل شيء إلا من شجيرات ذات أغصان عارية متشابكة كثعابين في موسم التكاثر، ترتجف على وقع زمهرير ريح لافحة.
أحكمت غلق النافذة التي كان يتسرب منها برد شديد، وفي اللحظة التي هممت فيها بالاستدارة لمتابعة فيلم لم يكتمل مشهده بعد، شدّ انتباهي شخص يسارع الخطى وراء ذلك الولد ـ قامته أطول وجثته أضخم. ظننته سيأخذ بيده لكنه تجاوزه سالكًا نفس الاتجاه. لم ينجُ هو الآخر من الانزلاق ولا من النفخ في اليدين، يسير حيث لا أدري.
لما اختفيا وسط البياض الناصع عدت إلى أريكتي أتابع الفيلم. ما كان يزعج متعتي في التفرج هو الصفحات الإشهارية التي تتخلله، فتحملتها على مضض لأستمتع بجمال المناظر من شواطئ وغابات وفتيات حِسان وورود وطيور... مناظر أغرتني لدرجة خطر لي أن أشد إليها الرحال الصيف المقبل.
هذا الفيلم استحوذ على إعجابي لأن بطله كان فعلًا بطلا: يستجيب للمظلوم إذا استجداه؛ يرحم الصغار ويعطف عليهم؛ يوقّر الكبار ويأخذ بأيديهم؛ يحارب الظالمين. في كل مرة النصر حليفه، لم يُهزم قط...
أروع مشهد سلبني كان الأخير: إذ تمكن البطل من فك أسر خطيبته التي اختطفها أعداؤه بعد أن قضى عليهم واحدًا تلو الآخر.
أطفأت التلفاز، تمددت على فراشي وغطست في نوم عميق.
وأنت، ما الذي ستفعله بعد أن أنهيت القراءة؟ غير أن تغمض عينيك كأنك لم تر شيئًا؟
ستبتلع النص كما ابتلع الولد ما وجده على الرصيف، ولن تتقيأه... ستمضي كأن شيئًا لم يكن
بقيت أتابع المشهد خلف زجاج النافذة وهو يعبر شارعًا طويلًا مبيّضًا بثلوج ما زالت تعمّر الأرض.
صادف في طريقه شيئًا مرميًا على الجانب... انحنى عليه ليلتقطه، قضم منه قطعة لاكها، لكنه سرعان ما بصقها. سار خطوات ثم عاد إليه وتناوله ثانية، لاكه؛ هذه المرة احتفظ به في فمه. ذكرني بأولئك المضربين عن الطعام وصراعهم مع حراسهم الذين يدفعون الطعام في أفواههم دفعًا ليحرموهم من الموت الذي بات آخر ملاذ لهم.
بقيت عيناي تقتفي آثاره فضولًا مني لمعرفة إلى أين كان يتجه، لأن في الأفق لا منازل. الشارع طويل طويل لا نهاية له، خلا من كل شيء إلا من شجيرات ذات أغصان عارية متشابكة كثعابين في موسم التكاثر، ترتجف على وقع زمهرير ريح لافحة.
أحكمت غلق النافذة التي كان يتسرب منها برد شديد، وفي اللحظة التي هممت فيها بالاستدارة لمتابعة فيلم لم يكتمل مشهده بعد، شدّ انتباهي شخص يسارع الخطى وراء ذلك الولد ـ قامته أطول وجثته أضخم. ظننته سيأخذ بيده لكنه تجاوزه سالكًا نفس الاتجاه. لم ينجُ هو الآخر من الانزلاق ولا من النفخ في اليدين، يسير حيث لا أدري.
لما اختفيا وسط البياض الناصع عدت إلى أريكتي أتابع الفيلم. ما كان يزعج متعتي في التفرج هو الصفحات الإشهارية التي تتخلله، فتحملتها على مضض لأستمتع بجمال المناظر من شواطئ وغابات وفتيات حِسان وورود وطيور... مناظر أغرتني لدرجة خطر لي أن أشد إليها الرحال الصيف المقبل.
هذا الفيلم استحوذ على إعجابي لأن بطله كان فعلًا بطلا: يستجيب للمظلوم إذا استجداه؛ يرحم الصغار ويعطف عليهم؛ يوقّر الكبار ويأخذ بأيديهم؛ يحارب الظالمين. في كل مرة النصر حليفه، لم يُهزم قط...
أروع مشهد سلبني كان الأخير: إذ تمكن البطل من فك أسر خطيبته التي اختطفها أعداؤه بعد أن قضى عليهم واحدًا تلو الآخر.
أطفأت التلفاز، تمددت على فراشي وغطست في نوم عميق.
وأنت، ما الذي ستفعله بعد أن أنهيت القراءة؟ غير أن تغمض عينيك كأنك لم تر شيئًا؟
ستبتلع النص كما ابتلع الولد ما وجده على الرصيف، ولن تتقيأه... ستمضي كأن شيئًا لم يكن