آمال المصري
08-10-2025, 10:26 PM
هُوَ هناك.. بَعِيدٌ كَظِلِّ المَسَاءِ عَلَى الحَائِطِ، لَا يُدْفِئُ وَلَا يَخْتَفِي، يَمُرُّ بَيْنَ الفِكْرَةِ وَالذِّكْرَى كَعَابِرٍ خَجُولٍ لَا يَتْرُكُ أَثَرًا سِوَى أَنِينِ الصَّمْتِ.
كَانَتْ تَنْظُرُ إِلَى الفِنْجَانِ كَمَا لَوْ أَنَّهَا تُحَدِّقُ فِي وَجْهِ الغِيَابِ، فَتَرَى مَلَامِحَهُ فِي بُقْعَةٍ بَاهِتَةٍ مِنَ البُنِّ، نِصْفُهَا انْتِظَارٌ وَنِصْفُهَا خَيْبَةٌ.
لَمْ يَعُدْ بَيْنَهُمَا صِرَاعٌ وَلَا حَنِينٌ، بَلْ هُدْنَةٌ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ؛ هُدْنَةٌ تَصْنَعُهَا امْرَأَةٌ أَرْهَقَهَا السُّؤَالُ وَعَلَّمَتْ نَفْسَهَا أَنْ تَكُونَ الكَتِفَ وَالظِّلَّ وَالسَّكِينَةَ فِي آنٍ وَاحِدٍ.
مَا عَادَتْ تَتَّكِئُ عَلَى غِيَابِهِ، بَلْ صَارَتْ تَتَّكِئُ عَلَى نَفْسِهَا، وَتَصُبُّ مِنْ صَبْرِهَا قَهْوَةً تُعِيدُهَا إِلَى الحَيَاةِ كُلَّ صَبَاحٍ.
كَانَ الغِيَابُ فِي فِنْجَانِهَا أَهْدَأَ مِنَ الكَلَامِ، لَا وُجُوعَ فِيهِ وَلَا رَجَاءَ، فَقَطْ سُكُونٌ يُشْبِهُ اعْتِرَافًا مُتَأَخِّرًا بِأَنَّ العُمْرَ عَلَّمَهَا كَيْفَ تَسْنِدُ قَلْبَهَا إِلَى نَفْسِهَا.
لَمْ تَعُدْ تَبْحَثُ عَنْ دِفْءٍ يَأْتِي مِنَ الخَارِجِ، وَلَا عَنْ كَتِفٍ تَضَعُ عَلَيْهِ تَعَبَهَا.
صَارَ ظِلُّهُ مَاضِيًا يَتَنَفَّسُ فِي ذَاكِرَةِ البُنِّ، وَتَضْحَكُ حِينَ تَرَاهُ، كَأَنَّهَا تَرَاهُ آخِرَ مَرَّةٍ.
تَتَذَكَّرُ أَنَّهُ كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَطَنًا، وَأَنَّهَا كَانَتْ تُشْبِهُ الغَيْمَ حِينَ تُحِبُّ، تَهْطُلُ دِفْئًا وَتَغْفِرُ حَتَّى العَوَاصِفَ.
وَلَكِنَّ الفُصُولَ خَانَتْ وَعْدَهَا، وَالدِّفْءُ الَّذِي لَمْ يُصَنْ، انْطَفَأَ كَعُودِ ثِقَابٍ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ.
وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ تَلْعَنَهُ؛ بَلْ تَرَكْتَهُ هُنَاكَ، فِي الرُّكْنِ البَعِيدِ مِنَ الحَنِينِ، كَصَفْحَةٍ طُوِيَتْ بِلَا دَمْعَةٍ.
اليَوْمَ، حِينَ تَصُبُّ قَهْوَتَهَا، لَا تَنْتَظِرُ أَحَدًا.
تَقْرَأُ فِي وَجْه الفِنْجَانِ مَا يَلِيقُ بِهَا وَحْدَهَا: امْرَأَةٌ نَضَجَتْ مِنْ كَثْرَةِ الوَجَعِ، فَصَارَتْ تُضِيءُ مِنْ دَاخِلِهَا.
امْرَأَةٌ إِذَا عَبَرَ الغِيَابُ مِنْ أَمَامِهَا، تَبْتَسِمُ لَهُ، وَتَقُولُ:
"لَمْ تَعُدْ تُؤْذيني.. أَنَا الضَّوْءُ."
لَمْ تَكُنْ تَحْتَاجُ إِلَى ضَجِيجٍ لِتُثْبِتَ أَنَّهَا مَا زَالَتْ حَيَّةً؛ كَانَ الصَّمْتُ حَوْلَهَا كَجِدَارٍ مِنْ طُمَأْنِينَةٍ، تَسْمَعُ مِنْ خِلَالِهِ خَفْقَ قَلْبِهَا كَأَنَّهُ حِوَارٌ بَيْنَ الرُّوحِ وَنُورِهَا.
فِي العُزْلَةِ وَجَدَتِ اللُّغَةَ الَّتِي لَمْ يُمْنَحْهَا أَحَدٌ يَوْمًا: لُغَةَ الرِّضَا.
هُنَاكَ، فِي هُدُوءٍ يُشْبِهُ صَلَاةَ المَسَاءِ، أَدْرَكَتْ أَنَّ الغِيَابَ لَيْسَ نِهَايَةً، بَلْ مِسَاحَةٌ تَتَجَلَّى فِيهَا الحَقِيقَةُ.
الحَقِيقَةُ الَّتِي تَقُولُ: إِنَّ المَرْأَةَ لَا تُكْمِلُهَا يَدٌ تُسْنِدُهَا، بَلْ رُوحٌ تَعْرِفُ كَيْفَ تَضُمُّ نَفْسَهَا حِينَ يَبْرُدُ العَالَمُ.
تَبْتَسِمُ، وَتَهْمِسُ فِي سِرِّهَا وَهِيَ تَحْتَسِي آخِرَ رَشْفَةٍ مِنَ القَهْوَةِ:
"لَمْ أَخْسَرْ أَحَدًا.. لَقَدْ رَبِحْتُنِي."
كَانَتْ تَنْظُرُ إِلَى الفِنْجَانِ كَمَا لَوْ أَنَّهَا تُحَدِّقُ فِي وَجْهِ الغِيَابِ، فَتَرَى مَلَامِحَهُ فِي بُقْعَةٍ بَاهِتَةٍ مِنَ البُنِّ، نِصْفُهَا انْتِظَارٌ وَنِصْفُهَا خَيْبَةٌ.
لَمْ يَعُدْ بَيْنَهُمَا صِرَاعٌ وَلَا حَنِينٌ، بَلْ هُدْنَةٌ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ؛ هُدْنَةٌ تَصْنَعُهَا امْرَأَةٌ أَرْهَقَهَا السُّؤَالُ وَعَلَّمَتْ نَفْسَهَا أَنْ تَكُونَ الكَتِفَ وَالظِّلَّ وَالسَّكِينَةَ فِي آنٍ وَاحِدٍ.
مَا عَادَتْ تَتَّكِئُ عَلَى غِيَابِهِ، بَلْ صَارَتْ تَتَّكِئُ عَلَى نَفْسِهَا، وَتَصُبُّ مِنْ صَبْرِهَا قَهْوَةً تُعِيدُهَا إِلَى الحَيَاةِ كُلَّ صَبَاحٍ.
كَانَ الغِيَابُ فِي فِنْجَانِهَا أَهْدَأَ مِنَ الكَلَامِ، لَا وُجُوعَ فِيهِ وَلَا رَجَاءَ، فَقَطْ سُكُونٌ يُشْبِهُ اعْتِرَافًا مُتَأَخِّرًا بِأَنَّ العُمْرَ عَلَّمَهَا كَيْفَ تَسْنِدُ قَلْبَهَا إِلَى نَفْسِهَا.
لَمْ تَعُدْ تَبْحَثُ عَنْ دِفْءٍ يَأْتِي مِنَ الخَارِجِ، وَلَا عَنْ كَتِفٍ تَضَعُ عَلَيْهِ تَعَبَهَا.
صَارَ ظِلُّهُ مَاضِيًا يَتَنَفَّسُ فِي ذَاكِرَةِ البُنِّ، وَتَضْحَكُ حِينَ تَرَاهُ، كَأَنَّهَا تَرَاهُ آخِرَ مَرَّةٍ.
تَتَذَكَّرُ أَنَّهُ كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَطَنًا، وَأَنَّهَا كَانَتْ تُشْبِهُ الغَيْمَ حِينَ تُحِبُّ، تَهْطُلُ دِفْئًا وَتَغْفِرُ حَتَّى العَوَاصِفَ.
وَلَكِنَّ الفُصُولَ خَانَتْ وَعْدَهَا، وَالدِّفْءُ الَّذِي لَمْ يُصَنْ، انْطَفَأَ كَعُودِ ثِقَابٍ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ.
وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ تَلْعَنَهُ؛ بَلْ تَرَكْتَهُ هُنَاكَ، فِي الرُّكْنِ البَعِيدِ مِنَ الحَنِينِ، كَصَفْحَةٍ طُوِيَتْ بِلَا دَمْعَةٍ.
اليَوْمَ، حِينَ تَصُبُّ قَهْوَتَهَا، لَا تَنْتَظِرُ أَحَدًا.
تَقْرَأُ فِي وَجْه الفِنْجَانِ مَا يَلِيقُ بِهَا وَحْدَهَا: امْرَأَةٌ نَضَجَتْ مِنْ كَثْرَةِ الوَجَعِ، فَصَارَتْ تُضِيءُ مِنْ دَاخِلِهَا.
امْرَأَةٌ إِذَا عَبَرَ الغِيَابُ مِنْ أَمَامِهَا، تَبْتَسِمُ لَهُ، وَتَقُولُ:
"لَمْ تَعُدْ تُؤْذيني.. أَنَا الضَّوْءُ."
لَمْ تَكُنْ تَحْتَاجُ إِلَى ضَجِيجٍ لِتُثْبِتَ أَنَّهَا مَا زَالَتْ حَيَّةً؛ كَانَ الصَّمْتُ حَوْلَهَا كَجِدَارٍ مِنْ طُمَأْنِينَةٍ، تَسْمَعُ مِنْ خِلَالِهِ خَفْقَ قَلْبِهَا كَأَنَّهُ حِوَارٌ بَيْنَ الرُّوحِ وَنُورِهَا.
فِي العُزْلَةِ وَجَدَتِ اللُّغَةَ الَّتِي لَمْ يُمْنَحْهَا أَحَدٌ يَوْمًا: لُغَةَ الرِّضَا.
هُنَاكَ، فِي هُدُوءٍ يُشْبِهُ صَلَاةَ المَسَاءِ، أَدْرَكَتْ أَنَّ الغِيَابَ لَيْسَ نِهَايَةً، بَلْ مِسَاحَةٌ تَتَجَلَّى فِيهَا الحَقِيقَةُ.
الحَقِيقَةُ الَّتِي تَقُولُ: إِنَّ المَرْأَةَ لَا تُكْمِلُهَا يَدٌ تُسْنِدُهَا، بَلْ رُوحٌ تَعْرِفُ كَيْفَ تَضُمُّ نَفْسَهَا حِينَ يَبْرُدُ العَالَمُ.
تَبْتَسِمُ، وَتَهْمِسُ فِي سِرِّهَا وَهِيَ تَحْتَسِي آخِرَ رَشْفَةٍ مِنَ القَهْوَةِ:
"لَمْ أَخْسَرْ أَحَدًا.. لَقَدْ رَبِحْتُنِي."