المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عصا و أرجوز



مصراوى
16-04-2003, 11:56 AM
لحظة الميلاد تركت البرودة تسرى فى روحه للأبد ، يولد الأطفال إلى أحضان أمهاتهم ، وولد هو إلى أحضان الأوحال ، ذات فجر وجده شيخ مسجد ملفوفا وسط خرقة بالية على جانب زقاق مظلم .
حمله الشيخ المشفق بقلب رحيم إلى امرأته فغُذى من لبنها ، اجتهد الشيخ فى البحث والتمحيص عله يعرف للآثمة به خبرا ، ولكن باءت جهوده بخيبة يائسة .
نشأ مجهول النسب ، يتحرك بين الناس جسدا من رحم الفسق والفجور .
منذ أدرك حقيقة أمره ترسب الحقد على الدنيا فى قلبه ، حقد على الشيخ وامرأته وبنيه ، ولم يغفر له أنه كان سببا لاستمراره مدنسا أبدا فى هذه الحياة .
كان يخالط أقرانه وهو يحقد عليهم طهر أنسابهم ، ولكن يخفى ما بنفسه متذللا بينهم مظهرا التلطف وبداخله حية رقطاء .
عانق سن الشباب المبكر ولم تكن له صنعة يتكسب منها فقد جمع إلى دناءة أصله خمولا فى همته مجللا بغباء .
ذات يوم مر ببضعة نفر من الشباب يلهون بقرد صغير متضاحكين ، أخذ يقلد حركات القرد تقليدا ماهرا حتى كاد يغشى على القوم من الضحك ، بعد أن جففوا دموع ضحكهم ألقى إليه أحدهم قرشا ، وقع القرش من نفسه موقعا ، وأحس بنفسه موهبة تستحق العرض رغبة فى رضا السادة والمال .
جمع خرقا مهملة ذات ألوان متعددة فصنع منها ثوبا فجا زينه بذيل طويل ، ووجد عصا مهملة فلفها بباقى الخرق لتتجانس مع زيه العجيب .
غشى مجالس الشباب المتهتك التافه وعرف بينهم بالأرجوز ، كان يرقص لهم رقصا مائعا متسولا الضحكات ، ويتلاعب بالعصا بين يديه بأقبح مغزى الإشارات ، فيطرب له التافهون ويلقون إليه ببعض الفتات
وكان بالقرية أهل علم وصلاح ، وكدأب المتهتكين و أصحاب الضلال كان يطيب لهم قذف الصالحين والخوض فيهم ، فلعب الأرجوز على الوتر ، ومضى يغنى لهم تافه القول راميا الصالحين بالنقائص وهم منها براء
وصلت أغانيه إلى مسامع الصالحين وعلية القوم فغضوا الطرف عنها وعنه ،إستحقارا لشأنه
وصيانة لأعراضهم من دنسه .
غره صمت الصالحين فتمادى وجمع حوله مزيدا من أصحاب الغفلة وفارغى العقول .
شكى بعضهم لعمدة القرية فلم يلقى للأمر بالا ، حيث كان الأرجوز مضحك أطفاله وتركه سادارا فى الغى والضلال
أحس الأرجوز من نفسه قوة فمضى وعصاه القذرة بيده يتعرض للرائح والغادى مشيرا للصالحين والصالحات بها بأفجر الحركات
ذات يوم كان العمدة سائرا محاطا بالمهابة والاحترام فى سوق مزدحم فرآه الأرجوز وغاظه ما يلقاه من احترام ، أستغل الزحام وأندس بين الناس وتحين فرصة ونخس مؤخرة العمدة
بعصاه ، ذهل العمدة وأدار بصره بين الناس ، فوجدهم يكادون ينفجرون من مغالبة الضحك
كاد يسال ثم أحجم فالسؤال اعتراف و تثبيت للكارثة بعقل الناس ، مضى لا يلوى على شئ وقد سقطت مهابته بين الناس ، وأصبحت غفلته مضربا للأمثال .

بندر الصاعدي
16-04-2003, 01:27 PM
أخي مصراوي :
وانسيابية القصة بما بها من مؤاثّراتٍ تستقطب القارئ إليها بتمعن ليحلل ما خلف السطور فيستقي عدّة مغازي ..
تُرى بعد ما فعلهُ الأرجوز وتغاضي العمدة من هو العمدةُ بين الناس .
شكراً أن أمتعتنا أخي ,, لك تحياتي وتقديري .
دمت بخير .
في أمان الله .

معاذ الديري
17-04-2003, 07:21 AM
بداية جميلة ولكنها لم تكن نهاية متوقعة او منصفة على الاقل في نظري.

يعجبني اسلوب سردك الذي لا يترك القارئ الا بنهاية القصة.

لا تبخل علينا كثيرا.

مصراوى
17-04-2003, 09:05 AM
أخى الكريم بندر الصاعدى
شكر الله لك هذا التقدير
وألعمدة بين الناس هو من تمسك بدينه وأخلاقه الصالحة
تقبل خالص تحياتى وتقديرى

مصراوى
17-04-2003, 09:08 AM
أخى الكريم عاقد الحاجبين
شكرا لمرورك
طبعا لابد أن تكون النهاية غير منصفة
وهذا واقع
دلنى أخى على نهاية واحدة منصفة فى هذا الزمان
نسأل الله لنا وللأمة صلاحا وتوفيقا
تقبل خالص تحياتى وتقديرى

د. سمير العمري
23-04-2003, 10:52 PM
أخي الحبيب مصراوي:

اسمح لي بداية أن أرحب بعودتك السعيدة إلى قلوبنا والتي انتظرناها على الدوام واعذر تأخري لظروف ....

ثم دعني أشيد بجمال السرد ووضوح الفكرة وإن كنت أظن أنك ستنتهي بالأرجوز إلى منصب العمدة في مثل هذا الزمان الذي كثر به أمثاله وطغت بهم سفاهتهم وجنحت بهم دناءتهم إلى أن تسلقوا ظهور كل الأخيار دون أن ينهرهم أبي أو يردهم كمي

ولكن لي سؤال قد يكون محوراً مهماً للنقاش ....

هل الرحم هو ما يحدد الطهر من الدنس والسموق من الدناءة والصلاح من الفساد؟؟
ما ذنب طفل أخطأ والداه وأحسن أمه وأباه (شيخ القرية وزوجه) تربيته؟؟

تحياتي وتقديري

براءة الجودي
05-06-2013, 11:17 PM
قصة جميلة حقًّا من واقع يتكرر على مدى العصور
عامله الشيخ وعائلته بلطف ولربما وضح له طريق الحق من الباطل وعلمه ورباه كأبنائه لكن الهداية بيد الله وهذا الفتى فيه نزغ فاختار طريق الانتقام ممن ليس لهم ذنب لكنه كان صاحب تفكير خاطئ
ونشأ على هذا الأسلوب المتلون , الطهر والدنس لانعلقه على النسب , لربما كان والديه من عائلة نبيلة واقترفوا خطأ مثلا نسب عائلته يبقى مجهولا وحتى إن كان من عائلة لاتنتمي لقبيلة معروفة
وحتى إن كان عبدا فنسب العائلة ليس له شأن في ذنب الشخص الذي يقترفه
تقديري