مشاهدة النسخة كاملة : تناقضات الحداثة العربية ( منقول )
عطية العمري
14-11-2005, 09:22 AM
تناقضات الحداثة العربيـة
د. كريم الوائلي
إنَّ مصطلح الحداثة بالغ الغرابة عند الغربيين، إذ يبدو عند رينيه ويليك مصطلحاً قديماً فارغاً [1]، أو هو مصطلح مطاط كما يرى روجر فاولر [2]، وقد تعددت الآراء حول طبيعته، بحيث دفعت مالكوم برادبري إلى تأكيد أن «هذه التسمية تحتوي على الكثير من ظلال المعنى الذي لا تنجح في استخدامه بصورة دقيقة »[3].
ولقد تأثر تحديد هذا المصطلح بتصورات مفكري التنوير الذين يؤكدون على العقلانية العلمانية والتقدم المادي والديمقراطية، كما قد اسهم في تأسيس أصوله مفكرون تميزوا بتمردهم على الأسس التقليدية، وجعلوا كثيراً من اليقينيات محط تساؤل، مثل التصورات الدينية والاجتماعية والأخلاقية، ولعل أبرز هؤلاء : فردريك نيتشه، وكارل ماركس، وسيجموند فرويد ـ ولذا فإن الحداثة تنطوي على قدر كبير من الاختلاف الجذري مع الأسس التقليدية للثقافة والفن في الغرب[4].
وتعبر الحداثة الغربية عن الفوضى الحضارية والفكرية التي عمت الحياة والتي جاءت بها الحرب العالمية الأولى [5]، كما أنها تعكس صورة القوى الاجتماعية التي كونتها، بمعنى أنها جزء من «عالم يتجدد بسرعة، عالم التمدن والتقدم الصناعي والتكنولوجي » ولذلك فإن المبدعين والرسامين قد «عكسوا في بياناتهم ومعارضهم ما بين 1909 - 1914 أهمية القوى والأشكال المستمدة من العالم المحكوم بالآلة والتكنولوجيا »[6] ، وفي ضوء هذا فإن الحداثة ليست وليدة قطر بعينه، وإنما هي حركة « عالمية ولدتها قوى مختلفة بلغت ذراها في دول مختلفة وأزمان مختلفة، كان مكوثها في بعض الأقطار طويلا وفي بعضها الآخر مؤقتا، في بعض الأقطار أساءت الحداثة إلى تراثها الموروث كالتراث الرومانسي والفكتوري والواقعي والانطباعي ، وفي أقطار عدت نفسها تطوراً لذلك التراث»[7] .
وتميزت الحداثة الغربية بخصوصيتها الزمانية والمكانية من ناحية، وبطبيعة التيارات الفكرية والفنية التي تشتمل عليها، من ناحية ثانية، إذ تبدأ الحداثة ـ زمانيا ـ في أواخر القرن التاسع عشر، وتبلغ ذروتها في الربع الأول من القرن العشرين، وتمتد مكانيا من روسيا إلى الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية، وتضم مذاهب مختلفة في الفن والأدب كالمستقبلية والتصويرية والانطباعية والسريالية، ومن الملاحظ أن هذه المذاهب استخدمت مصطلحات أخرى غير مصطلح الحداثة تدل على إبداعها، فلقد استخدم إليوت مصطلح الصورية Imagism، وآثر أبولينيز مصطلح الشعر المحسوس أو المجسد concrete poetry، في حين تبنى آخرون السريالية والتكعيبية [8]، وقد دفع هذا التمايز والتفاوت باحثا ـ صالح جواد الطعمة ـ إلى القول : إن الحداثة « ليست أحادية اللغة، وليست أحادية الأصل، وليست مرتبطة بمرحلة زمنية واحدة، بل متعددة اللغات، ومتعددة الأصول، ونتاج مراحل زمنية متداخلة »[9] .
وتثير الحداثة معضلات ماهيتها وتاريخيتها على السواء، فهي ليست مصطلحاً خاصاً بالنقد والأدب، ولكنها تشير إلى صيغ عديدة دالة على الحضارة والتقدم، فهي ابتداء، تدل على التغاير مع الأنماط السابقة، وتتمرد على خصائصها وسماتها، بمعنى أنها ليست « مفهوماً سوسيولوجياً، أو مفهوماً سياسياً، أو مفهوما تاريخيا يحصر المعنى وإنما هي صيغة مميزة للحضارة تعارض صيغة التقليد، أي أنها تعارض جميع الثقافات الأخرى السابقة أو التقليدية »[10]، وقد قاد هذا إلى توصيفات مرافقة لتحديد دلالتها مثل : الحداثة الأولية : Proto - Modernism والحداثة البدائية : Pala - Modernism والحداثة الجديدة: New - Modernism وما بعد الحداثة : Post - Modernism .
أما الدارسون العرب فإنهم يتفاوتون ـ أيضا ـ في تحديدهم لماهية الحداثة ووظيفتها، إذ لها خصوصيتها من الناحية اللغوية من ناحية، وصعوبة تحديد دلالتها الاصطلاحية من ناحية ثانية، فهي من الناحية اللغوية تستدعي معارضها أو نقيضها، إذ لا يقال : « حدث ... إلا مع قدم » «والحديث نقيض القدم »[11]، بمعنى أن دلالة معارضها لا تغيب، وإن فاعلية نقيضها تسهم في تحديد ماهيتها، أما من الناحية الاصطلاحية فهي من الألفاظ المشوهة عند منذر عياشي،[12] في حين تبدو عند الروائي عبد الرحمن منيف من «أكثر المصطلحات خلافية بسبب عدم تحدد معناه بدقة وعدم معرفة أسباب وظروف نشأته وبسبب عزله عن سياقه التاريخي وطغيان إحدى دلالاته الجزئية على المفهوم »[13] ويرى أدونيس أن الكلام عنها « يكاد يكون لغوا »[14] ويذهب حمادي صمود إلى أن تحديد دلالتها أمر عسير، لأنها ما تزال غير محددة في أوربا، وإذا حددت فإنها تخضع للمواقع المختلفة، والانتماءات المتباينة للكتاب والتزاماتهم [15].
وقد أحدث تعريب مصطلحي Modernity وModernism إرباكا لدى القاري العربي، إذ يبدوان مصطلحاً واحداً فتم تعريبهما بكلمة واحدة « الحداثة »، وميز آخرون بين الحداثة Modernity والحداثوية والحداثانية Modernism لأن المصطلح الأول لا يتقيد باشتراطات مذهبية أو مفهومية في أدب أمة معينة، أما الثاني فإنه يدل على حركة أدبية ونقدية معينة لها سياقاتها التاريخية والمعرفية والفنية في الأدب الغربي [16].
ويختلط مفهوم الحداثة بدلالة مصطلحات أخرى كالمعاصرة والتجديد، ويبدو عباس محمود العقاد أبرز من عني بدلالة الحداثة والمعاصرة في أوائل القرن العشرين، ويرفض ما توهمه الشعراء الاحيائيون من أن الحداثة تعني وصف المخترعات الحديثة في أشعارهم وآدابهم، ذلك أن الوصف فعل عقلي يسقط فيه الشاعر رؤاه الذهنية على سطح الأشياء الكائنة في الخارج ،ويتبنى العقاد التعبير عن تجربة انفعالية متخلقة في أعماق الشاعر، ولذلك تتحقق الحداثة « عندما يشعر الشاعر أن له شيئا يقوله، ويستحق هذا الشيء أن يقال ،وإن الشاعر الذي يصف الطائرة ليس بالضرورة شاعرا عصريا، والذي يصف الجمل ليس شاعرا قديما »[17].
ويحدد عز الدين إسماعيل موقفه في ضوء نـزعة وسطية تتجاوز نمطين متعارضين ومتباعدين : النظرة السطحية لمعنى العصرية التي يتحدث فيها الشاعر « عن مبتكرات عصره ومخترعاته، ظنا منه أنه بذلك يمثل عصره »[18] أو « الدعوة المغالية التي تدعو إلى العصرية المطلقة والتي توشك أن تنفصل نهائيا عن التراث »[19]،ويخلص من ذلك إلى أنه «ليس المجدد في الشعر إذن هو من عرف الطيارة والصاروخ وكتب عنهما، فهذه في الحقيقة محاولة عصرية ساذجة، فالشاعر قد يكون مجددا حتى عندما يتحدث عن الناقة والجمل »[20].
وتمايز خالدة سعيد بين الحداثة والتجديد لشمولية الأولى وخصوصية الثاني، لأن التجديد أحد مظاهر الحداثة ،بمعنى أن الجديد « هو إنتاج المختلف المتغير ... الجديد نجده في عصور مختلفة، لكنه لا يشير إلى الحداثة دائما »[21] إن الاختلاف والتباين تحدد أن ماهية الجديد لتعبيره عن واقع مختلف متجدد، ولاستخدامه معايير تغاير الماضي ولا تنفيه أو تلغيه، أما الحداثة فإنها تتضمن الجدة وتتجاوزها في آن ولذلك فهي ترتبط «بالانـزياح المتسارع في المعارف وأنماط الإنتاج والعلاقات على نحو يستتبع صراعا مع المعتقدات ... ومع القيم التي تفرزها أنماط الإنتاج والعلاقات السائدة»[22]وبقدر ما يؤكد هذا العلاقة الوثيقة بين الحداثة والتطور فإنه يشير إلى ارتباط التغير بأنماط إنتاجه وعلاقاته بها، بحيث يتبدى العلاقة الجدلية بين المعرفة والبنية التحتية في ضوء تجلياتها الماركسية المعروفة، إذ ليست الحداثة مقترنة بمظاهر شكلية كالوزن والقافية، أو قصيدة النثر، أو أنظمة القص والسرد، وإنما تتجاوز ذلك إلى « ثورة فكرية »، بمعنى أنها «لا تنفصل عن ظهور الأفكار والنـزوعات التاريخية التطورية وتقدم المناهج التحليلية التجريبية، وهي تتبلور في اتجاه تعريف جديد للإنسان عبر تحديد جديد لعلاقته بالكون . إنها إعادة نظر شاملة في منظومة المفهومات والنظام المعرفي، أو ما يكون صورة العالم في وعي الإنسان، ومن ثم يمكن أن يقال إنها إعادة نظر في المراجع والأدوات والقيم والمعايير »[23].
يتبع
عطية العمري
14-11-2005, 09:24 AM
ويصدق هذا الوصف على الحضارة الغربية لأنه من المستبعد أن يكون المجتمع العربي قد شهد كل هذه التغيرات من أنساقه المعرفية المتطورة وثوراته الفكرية الهائلة، ولكن خالدة سعيد تصر على تطبيق ذلك على المجتمع العربي وإبداعاته الفنية، وترى إن الحداثة لا تولد فجأة، ولكنها تتناسل بسبب تراكم معرفي، وتنطلق من مرحلة إلى أخرى، على الرغم من تعارض المرحلية مع خروقات الحداثيين، إذن فالحداثة حركة فكرية شاملة انطلقت مع الرواد الأوائل مثل جبران خليل جبران وطه حسين، إذ يمثل فكرهما« قطيعة مع المرجعية الدينية والتراثية، كمعيار ومصدر وحيد للحقيقة، وأقام مرجعين بديلين : العقل والواقع التاريخي، وكلاهما إنساني، ومن ثم تطوري، فالحقيقة عند رائد كجبران أو طه حسين لا تلتمس بالنقل، بل تلتمس بالتأمل والاستبصار عند جبران، وبالبحث المنهجي العقلاني عند طه حسين »[24].
ولم يقتصر دور الباحثين العرب على تمايز دلالة الحداثة عن مصطلحات مرافقة أو مصاحبة، ولكنهم أسهموا أيضا في تحديد ماهية الحداثة وسماتها الداخلية، فلقد بحث كمال أبو ديب عن معيار علمي منضبط يحدد للحداثة خصائصها، ويحاول التوصل إليه في ضوء ثلاثة مكونات :
1ـ اتساع نطاقها : إذ يشمل مفهوم الحداثة الآداب والفنون ويتجاوزهما إلى التكنولوجيا كصناعة السيارات، وهي عامة بحيث تشتمل على أية حداثة، معاصرة أو قديمة، عربية أو أعجمية.
2 ـ مفهوم مطلق للحداثة يتجاوز السياقات التاريخية والاجتماعية، فهي ظاهرة لا تاريخية، وأن مكوناتها « لا زمنية » .
3 ـ وعي ماهية الحداثة في ضوء إدراك نقيضها « اللاحداثة، ويتكئ أبو ديب على منجزات رومان ياكبسون انطلاقا من تصور أساسي تقوم عليه اللغة مكون من بعدين : الرسالة والترميز، وتتحدد في أنها تركز على النظام في الرسالة، أما الحداثة «فإنها تنـزع إلى نقل محور الفاعلية الإبداعية من مستوى الرسالة إلى مستوى الترميز »[25] ويضرب أبو ديب مثلا على ذلك العلاقات الخلاقة بين الحد والحد، والجد واللعب، والسيف والكتب، في بيت أبي تمام :
السيـف أصـدق أنبـاء مـن الكـتب فـي حـده الحـد بـين الجـد واللعـب
إن أبا ديب يتبنى مفهوماً مطلقاً للحداثة وفقاً لمفاهيم الفكر الغربي، وتأسيسا على مفاهيم ياكبسون اللغوية، مما دفع الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي إلى القول إن هذا « قفز فوق المشكلات، وهروب من الأسئلة الحقيقية التفصيلية التي من شأنها أن تصيب معرفتنا بعدم التوازن »[26]،وهذا يعني أن حجازي يرفض المفهومات القبْلية المنسوخة من الآخر، ويدعو إلى استقراء إبداعنا الحديث وتحليله لمعرفة ما فيه من حداثة، حتى لا نفرض عليه مفهوماً للحداثة، وليس فرضا لمفهوم وافد عليه، مما يبعث على تحريفه مما قد لا يستقيم مع منطق تطوره.
إن ما يدعو إليه كما أبو ديب حداثة ذات منحى عالمي، وتعود في مرجعيتها الأساسية إلى المركزية الغربية، بمعنى أنها تتضمن خصوصيتين زمانية وأيديولوجية، وكلتاهما كائنتان في الغرب، وبحسب سياقاته التاريخية والاجتماعية، وأن تطبيقها في واقع آخر مغاير سيقود حتما إلى اغتراب حقيقي، ومن ثم تفقد فاعليتها، إن هذه الحداثة تنتظم في إطار المرجعية المعرفية الغربية بتاريخها وثقافتها الخاصة، بمعنى أنها تمثل الطرف الفاعل في المعادلة، في حين تمثل الثقافة العربية الطرف المنفعل الذي يتلقى الأصول وينسخها، ثم يشكل في ضوئها حداثة عربية .
وإذا كان كمال أبو ديب يدعو إلى حداثة تصدر عن الآخر فإن محمد عابد الجابري يريد أن تنطلق الحداثة« من الانتظام النقدي في الثقافة العربية نفسها وذلك بهدف تحريك التغيير فيها من الداخل »[27]، وإذا كان أبو ديب يدعو إلى حداثة مطلقة كلية وعالمية فإن الجابري يتبنى حداثة تاريخية وزمنية بمعنى الدعوة إلى حداثات تختلف من وقت لآخر ومن مكان لآخر[28]، وما دامت الحداثة كذلك فإنها تخضع ـ شأنها شأن الظواهر التاريخية ـ للظروف التي ترسمها « لصيرورة على خط التطور »[29].
ولا يختلف شكري عيّاد عن الجابري في تأكيده « إن الحداثة مفهوم تاريخي متغير»[30]، بمعنى أنها تتحدد في ضوء السياقات التاريخية والاجتماعية، ولذلك فهناك حداثة عربية في القرن الثاني الهجري، وهناك حداثة أوربية معاصرة، وهي ـ بحسب عياد ـ «حداثة قوم مختلفين لهم تطورهم وظروفهم ومتغيرات واقعهم »[31].
بقي أن أشير إلى أن سلمى الخضراء الجيوسي تجعل الحداثة قرينة علاقة البناء الفني بالزمن، فهي لا تعد الشاعر حداثيا لأنه يبدع قصيدة النثر فحسب، وإنما تعده حداثيا «لأن موقفه من العالم ورؤيته للحياة تتكئ على وعي بضياع الإنسان الحديث في عصر الآلة »[32]، ويقرن محمد بنيس الحداثة بإمكانية الصيغ التعبيرية للنص في استيعاب حركة الواقع [33]، ويؤكد أن الأدب العربي قد حقق شيئا في مجال الحداثة، ولكن العقل العربي «على مستوى التنظير فاشل في تحديد مصطلح الحداثة وعاجز عن متابعة التقدم المنجز في الإبداع الفني »[34].
مفهوم الحداثة عند أدونيس :
ويعد أدونيس « علي أحمد سعيد » أبرز من تكلم عن الحداثة، فهي هاجسه الأكبر في الإبداع والتنظير، ويتأسس مفهوم الحداثة لديه في ضوء المغايرة والاختلاف، والمعاصرة والتجريب، ويميز أدونيس ـ ابتداء ـ بين المغايرة الشكلية والجوهرية، فالمغايرة الشكلية مقصودة لذاتها، ولا تعني شيئا مضافا، إذ لا تتجاوز الفعل الذي يقوم على إنتاج النقيض، بمعنى أن الإبداع يناقض الذي سلفه لمجرد المغايرة [35]، ويصدق هذا على الإبداع وغيره، فالخوارج ـ كما يرى أحد الباحثين ـ ليسوا محدثين على الرغم من اختلافهم وتغايرهم عن معاصريهم[36]، أما المغايرة الجوهرية الحداثية فن الإبداع فيها يتغاير « من حيث التجربة وأشكال التعبير »[37] ، ومن ثم فهو مختلف عما سبقه، وليس مؤتلفا معه .
يتبع
عطية العمري
14-11-2005, 09:25 AM
وفي ضوء هذا تسهم المغايرة الجوهرية في تحديد ماهية الحداثة وخصائصها، وهي تعني ـ عند أدونيس ـ التغاير مع الماضي العربي والآخر الغربي في آن، وقد أكد ذلك بقولـه : « تقتضي الحداثة قطعا مع التأسلف والتمغرب »[38]غير أن القطع مع الماضي ليس مطلقا، فلقد انتج الماضي أنماطا معرفية آنية وفقا لأنساق اجتماعية وتغيرات تاريخية معينة، فهي تعبر عن مرحلة ينتهي تأثيرها بمجرد انتهائها، وتختفي قيمها بزوال مسببها . كما قد انتج الماضي قيما إنسانية وأنماطا معرفية فاعلة ومتجددة، ولا ريب أن الأنماط المعرفية في الحالة الأولى تقيد تفكير الإنسان وتعيقه في صنع حاضره ومستقبله بفاعلية[39]، وهذا يعني أن أدونيس لا يخرج على كل قيم الماضي وإنما يتمرد على « النظام السائد »[40] في كل أنظمة المعارف والثقافة والفكر التي تمثل الماضي بمفهومه السلبي، ويتحدد موقفه في ضرورة تهديمها تماما، ولذا فالكتابة الإبداعية الحداثية هي التي « تمارس تهديما شاملا للنظام السائد وعلاقاته ـ أعني نظام الأفكار»[41] ، ومن ثم فلا «لا تنشأ الحداثة مصالحة، وإنما تنشأ هجوما . تنشأ إذن، خرق ثقافي جذري وشامل، لما هو سائد »[42].
وفي الوقت الذي يسعى فيه إلى تهديم النظام السائد يعمد إلى بناء « طرق معرفية لم توْلف، وتطرح قيما لم تؤلف »[43]ومن ثم فالحداثة لا تفارق الرفض والتمرد لأن الرفض خروج على النظام المعرفي السائد والتمرد تجاوز أو خرق له وتقديم بديل عنه.
وتسهم المغايرة مع الآخر في تجلية ماهية الحداثة عند أدونيس، فالحداثة العربية ليست نسخا وتقليدا للآخر وليست « مقاييس الحداثة في الغرب مقاييس للحداثة خارج الغرب »[44]بمعنى أن المماثلة بكل أشكالها وأنماطها إنما هي استلاب كامل للإنسان العربي، لأنه، والحالة هذه، يحركه الشعور بالنقص إزاء التراث لعدم إمكانية تجاوزه، وإزاء الآخر في عدم قدرة مجاراته، وفي كلتا الحالتين يوسم الشعر بالتخلف لأنه في حالة محاكاة الشعر العربي القديم يعيد الشاعر « إنتاج الوهم الأسطوري ـ التراثي » وفي حالة مماثلة الآخر الغربي « يعيد إنتاج شعر ذلك الآخر »[45].
وفي ضوء هذا تعني المغايرة تجاوز المحاكاة والتقليد، لأننا في هذه الحالة إنما نعيد «إنتاج العلاقات نفسها، علاقة نظرة الشاعر بالعالم والأشياء، وعلاقة لغته بها، وبنية تعبيره الخاصة التي تعطي لهذه العلاقات تشكيلا خاصا »[46].
أما المعاصرة فقد تدل على التزامن، وهو تحديد شكلي باقتران الحداثة بالزمن، ومن ثم تتجه العناية إلى زمانية الشاعر وليس إلى بنية النص، ويعي أدونيس ذلك تماما، لأن الحداثة ليست عصرية بزمنيتها وإنما الحداثة « خصيصة تكمن في بنيته ذاتها »[47]،ولم يقتصر الأمر على مجرد تجاوز الفهم الشكلي للمعاصرة وإنما ضرورة تجاوز المضامين العصرية إلى استحداث مضامين مختلفة، بمعنى تجاوز وصف إنجازات العصر وقضاياه، لأن الوصف ـ كما سبق أن أشرنا ـ يرتكز إلى رؤية تتكئ على مقاربات تقليدية، تماما كما فعل الشعراء الاحيائيون، ويضم إليهم أدونيس « بعض الشعراء باسم بعض النظرات المذهبية الأيديولوجية»[48].
وإذا كانت المغايرة والمعاصرة يحددان للحداثة جانبا مهما من خصائصها وسماتها فإن التجريب يتمم للحداثة بنيتها العميقة، على الرغم من اتساقه بالانفتاح وعدم التحدد، ويشير أدونيس ـ بتشاؤم ـ إلى تجريب قصيدة النثر، إذ ترتكز قصيدة النثر على بناء داخلي يشتمل على مكونات الحداثة وفي ضرورة الفهم والتجاوز معا، ولذلك ينسجم هذا مع مقولات أدونيس عن الحداثة، وما يصدق عليها يصدق على قصيدة النثر أيضا، وان الحداثة تؤكد بإطلاق على أولية التعبير بمعنى أن « كيفية القول أكثر أهمية من الشيء المقول، وإن شعرية القصيدة أو فنيتها هي في بنيتها لا في وظيفتها »[49]، وبذلك يتم التأكيد على النص في ماهيته وفي بنائه الداخلي، ونسيجه اللغوي ومن ثم تقود الحداثة ـ وقصيدة النثر منها ـ إلى « تغيير في نظام الأشياء، وفي نظام النظر إليها » .
مفهوم الحداثة عند جابر عصفور :
ويمكن تأمل مفهوم « الحداثة » عند جابر عصفور في ضوء ثلاثة مكونات :
أولها: دور الأنا الفاعلة في تحديد ماهية الأنا من ناحية، والوعي الضدي وأثره في تدعيم المكونات البنائية للحداثة .
ثانيها: المدى الجغرافي للحداثة ( المدينة )
ثالثها: كون الحداثة وجها آخر للتحديث .
وتنبثق الحداثة من اللحظة التي « تتمرد فيها الأنا الفاعلة للوعي على طرائقها المعتادة في الإدراك، سواء أكان إدراك نفسها من حيث هي حضور متعين فاعل في الوجود، أو إدراك علاقتها بمواقعها، من حيث هي حضور مستقل في الوجود »[50] ، أي أن هناك ذاتا فاعلة واعية تعي نفسها أولا، وواقعها ثانيا، غير أن هذه الوعي المركب للذات والواقع لا يكفي لتحديد الحداثة أو نشوئها، وإنما لا بد من التمرد على طرائق الإدراك المعتادة، إن هذا الوعي يضاد وعيا قائما، ولذلك أطلق على وعي الذات نفسها وواقعها، وكيفيات تمردها: الوعي الضدي، وهو وعي لا يستسلم لليقين والذات العارفة لكل شيء، وإنما يستبدل « بالمطلق النسبي، وباليقين الشك »[51].
ويتحدد المدى الجغرافي للحداثة بالمدينة، التي يتضمن وجودها التحديث بالضرورة، سواء أكانت هذه المدينة ذات طبيعة صناعية أم « المدينة الكوزموبوليتية » التي تعيش عصر ما بعد الصناعة[52]وتتميز هذه المدينة بأنها « النقيض للقرية والبادية، بما فيها من تصنيع يتجاوز الآلات اليدوية، وبما فيها من أنظمة معرفية تتجاوز عوالم الخرافة والسحر ... فهي مدينة ترعاها مؤسسات السلطة وتوجهها مصالح الطبقات الحاكمة والأجهزة الأيدلوجية للدولة، وتثير الشغب فيها مجموعات الهامشيين والمقهورين والمقموعين »[53].
ولم تكن هذه التصورات سائرة في خط متصاعد ،ولكنها أخذت في التشظي والانكسار في التطبيق على الشعر العربي الحديث، لقد كانت المدينة على المستوى النظري مدينة العلم والتطور التقني، وإنها تناقض مجتمعي القرية والبادية، ولكنها على المستوى التطبيقي ـ حيث يستشهد بنصوص شعرية عربية ـ تصبح المدينة « ليست مدينة « ما بعد الصناعة الغربية » التي يتمرد فيها المبدعون على معايير التقدم والتطور والآلة »[54] وإنما « هي المدينة التي تتصارع فيها الكلمة والرقم، والتي تنقسم ما بين ماضيها وحاضرها، والتي تعرف نعمة الجامعة وبركة المسجد، وآلة المصنع وزنـزانة المعتقل »[55].
يتبع
عطية العمري
14-11-2005, 09:26 AM
ويلاحظ الناقد العربي أن هناك فجوة واضحة بين التصورات التي يصدر عنها وطبيعة النص الشعري المبدع الذي يحلله ويفككه ويعيد صياغة تفكيكه، ولذلك فإن هذه التصورات تتميز بقدر من الانشطار فهي تميل مرة إلى حلم الحداثة التي نراه متحققا في الغرب، وتخضع تصوراتها النظرية للحداثة لمعيارية هذا الحلم، ومرة تصف ما يبدعه الشاعر العربي وتحلل منجزاته، ثم تجاور بين المكونين، على الرغم من أنهما لا يتطابقان تماما، إن لم يكونا متعارضين.
وإذا كان ما سلف يحدد للحداثة مكونات بنيتها الداخلية ومداها الجغرافي فإن الحداثة ليست معلقة في فراغ فهي قرينة التحديث، ويتحدد التحديث « بتغيير أدوات الإنتاج المادية في المجتمع وتثوير علاقاته »[56]وتتحدد الحداثة في الفكر والإبداع بحيث يكونان « وجهين لعملة واحدة لا ينفصل طرفاها في علاقتهما الجدلية »[57]، ويحدد جابر عصفور هنا معيارا أو قانونا يحكم العلاقة بين المكونين : التحديث / الحداثة، ويتحدد هذا القانون بالترابط اللازم بين التغيير الكائن في أدوات الإنتاج والتغيرات الإبداعية في المعرفة والفنون، ويصل الأمر حدا أن تكون «لحظة الحداثة قرينة لحظة التحديث . قد لا تتطابق اللحظتان تماما . ولكن ما بينهما من علاقة متعددة الأبعاد تجعل من انبثاق إحدى اللحظتين علة، أو بشارة، أو علاقة على انبثاق الثانية ..... إن المجتمع في الخليج والجزيرة قد وصل إلى مشارف هذه اللحظة، وإن عنف الاستجابة المضادة إلى الحداثة، والنبرة الهجومية عليها، يرتبطان بالشعور بهذه اللحظة المزدوجة، والخوف من أن يصل التناقض بين طرفيها إلى ما يهدد المجتمع »[58].
إن المعيار الذي تتطابق فيه الحداثة والتحديث يصدق فعلا على الحداثة الغربية، غير أن تطبيقه وتعميمه على الوطن العربي، وبخاصة في الخليج والجزيرة العربية ليس دقيقا تماما، لأن المجتمعات العربية الأكثر تقدما من مجتمعات الخليج والجزيرة لم يحدث فيها هذا التغيير الهائل في أدوات الإنتاج وعلاقاتها التقنية، بحيث يبعث على حضور مقابلها، أعني الحداثة، وإنما يتفاعل المجتمع العربي بطريقة استهلاكية مع بعض مظاهر التحديث، ومن ثم فإن الإبداع المعرفي والفني ـ وفقا لهذا المعيار ـالذي يقترن بهذه الطريقة الاستهلاكية سيكون حتما متوافقا مع الطبيعة الاستهلاكية من ناحية، ومختلفا كيفا عما يحدث في الغرب من ناحية ثانية .
إن التحديث ـ في تصوري ـ له دلالتان : دلالة إنتاجية داخلية وعميقة، وهذا يحدث في الغرب، ودلالة استهلاكية خارجية وسطحية، في الوطن العربي بعامة، وفي الخليج والجزيرة بخاصة، وليس بالضرورة أن يستمتع كل غربي بثمار ما ينتجه هو من تقنية، ولكنه في الحقيقة، صانع لها، ومؤثر فيها، ومؤثرة فيه، ومن ثم تغير من رؤيته وسلوكه وأنماط أفعاله، وقد يتفيأ الإنسان العربي بالمظاهر الاستهلاكية للتقنية، ولكن علاقته بها سطحية وخارجية، ولذلك فإنها لا تغير تماما من سلوكه ورؤيته وأنماط أفعاله، بمعنى أن البنية التحتية العميقة لمنظومات الإنسان العربي ثابتة وباقية ولم تعرف تفاوتا وتغايرا عميقين .
إن الإنسان الغربي يَخلق ويعيش في مناخ إنتاج الحاسوب والانترنيت والتقنية المتطورة، أما الإنسان العربي ـ وبخاصة في الخليج والجزيرة ـ فإنه لا يخلق هذه التقنيات المتطورة ولا يعيش مناخها، ولا يتفاعل معها، إلا بمقدار، على الرغم من استيراده لها، واستخدامه إياها كل يوم. ومن الطريف في هذا السياق الإشارة إلى أن الدكتور صلاح فضل في أثناء حديثه عن مآزق الحداثة العربية يؤكد أن يرى « الحداثة الشعرية العربية سبقت حركة مجتمعاتها بآماد طويلة تفصلها عنها في بعض المناطق سنوات ضوئية كما حدث في الجزيرة العربية »[59].
وفي ضوء هذا فإن لحظة الحداثة قرينة لحظة التحديث صحيحة في المجتمع الغربي أما في المجتمع العربي فإن المواطن العربي، والخليجي بخاصة، لا يعيش لحظة النتاج التحديث، ومن ثم فإن لحظة الحداثة لا تتولد منها بالضرورة، ولو كان هذا صحيحا فأين آثار ذلك على المستويات التالية :
إن الإنتاج المعرفي والفني، في مجمله، إنتاج تبريري استهلاكي، يعيد تقديس وانتاج ما تم إنتاجه، ويدور جله في حلقة مفرغة، يتحرك في ضوء القديم، ولا يشارف الآتي، وما عدا استثناءات قليلة، فإن الإنتاج المعرفي الحداثي ضعيف التأثير في الحياة العربية .
تربع الأنظمة القمعية/ العسكرتارية ـ القبلية والطائفية والدكتاتورية ـ على الوطن العربي بأسره ،وهي أنظمة تتميز بمنظوماتها المتماثلة، وتهدف إلى الحفاظ على وجودها، وتلبية رغبات الآخر.
قمع المثقفين والتنويريين بالترهيب الذي يصل حد الاعتقال والتعذيب والاختفاء والإعدام، وبالترغيب في وظائف إدارية يتحول فيها المثقف إلى منتج يعيد إنتاج ثقافة السلطة ويبرر أفعالها.
اقتصاد استهلاكي مترف يتأسس لا على احتياجات تنموية اقتصادية / اجتماعية، وإنما على تبديد ثروات الشعوب في الترف والبذخ والتسليح [60].
مآزق الحداثة العربية
أولا : حداثة انفصام :
إن الإبداع الحداثي ليس وجودا معلقا في فراغ، وإنما هو لبنة في بناء أشمل يتشكل ويتفاعل مع أنظمة معرفية متشابكة، ونتاج سياقات تاريخية واجتماعية معينة، وهذا يصدق على الحداثة العربية في التراث وعلى الحداثة المعاصرة في الغرب .
وتتكئ الحداثة في التراث العربي على أصول نظرية ومعرفية وفنية، وتتفاعل مع واقع بالغ الحركة والتغير والصيرورة، فهي جزء من بناء حداثي أوسع إذ تتأسس «على الصراع بين النظام القائم على السلفية والرغبة العاملة لتغيير هذا النظام »[61]، وتشتمل على تيارين ـ كما يحدد ذلك أدونيس : سياسي ـ فكري، وفني، ويتمثل الأول سياسيا في الحركات المناهضة للسلطة ـ الخوارج والزنج والقرامطة ـ وفكريا بالتصورات الاعتزالية والعقلانية الإلحادية والتصوف، ويهدف التيار السياسي /الفكري إلى نظام يوحد بين الناس، حاكمين ومحكومين، ويساوي بينهم اقتصاديا وسياسيا، ولا يمايز بينهم في جنس أو لون[62]. أما التيار الفني فلقد ابطل القديم وتجاوزه، وتحول فيه الإبداع إلى جهد إنساني يمارس فيه الإنسان « عملية خلق العالم»[63].
إن هذين التيارين لهما وجود حقيقي في الواقع الاجتماعي، وتمثله معارضة حقيقية قوية في زمن سلطة قمعية، ولهذه المعارضة ثقافتها المضادة المعززة بالقوة أحيانا، بمعنى أن الحداثة العربية في القرنين الثالث والرابع الهجريين لها أساسها الفكري والسياسي، ولها قاعدة اجتماعية واسعة تؤمن وتدافع عنها إلى حد استخدام القوة والعنف .
أما الحداثة الغربية فإنها وليدة تطور لتحولات وتبدلات سريعة من التقدم الصناعي والفني، أي أن التحولات الكائنة في أنظمة الحياة والواقع تعود بشكل أو بآخر لأحداث تغير في طبيعة الأدب وأنظمته وبنائه اللغوي، وهذا يعني أن الحداثة في الغرب تعبر عن أوجه التحول السريع التي حدثت في الواقع وسياقاته التاريخية، فالحداثة، والحالة هذه، «ابنة التقنية، وهي حركة تاريخية شاملة وليست مدرسة أو مذهبا أدبيا، وهي فن مديني لازمت فن القرن العشرين »[64]، وتنعكس آثارها على الأدب، ولذلك اتسمت القصائد بنأيها عن الخطابية والثرثرة والعفوية والطبع، وتميزت «بالاختزال والجسدية والشهوية والصناعة »[65].
وإذا كانت الحداثتان العربية في الماضي والغربية المعاصرة في الحاضر تعبران عن واقع اجتماعي معين، وتتفاعلان مع طبيعة السياقات التاريخية الخاصة فإن الحداثة العربية المعاصرة تعاني من أزمة انفصام حقيقي، ذلك أن الحداثيين العرب المعاصرين تعاملوا مع المنجزات الحداثية الغربية بوصفها لبنة مستقلة عن سياقاتها التاريخية والاجتماعية، ومنفصلة عن منظوماتها المعرفية، ولقد فطن إلى هذا أدونيس الذي أكد خطأ فهم العربي لحداثة الغرب، لأنه لم ينظر إليها في ضوء ارتباطها «العضوي بالحضارة الغربية بأسسها العقلانية» إن نظرة الحداثيين العرب قد اقتصرت على منجزات الإبداع الأدبي والفني «بوصفها أبنية وتوصيفات شكلية » دون وعي « الأسس النظرية والعقلانية الكامنة وراءها، ومن هنا غابت ... دلالتها العميقة في الكتابة والحياة على السواء »[66]، ولذلك فإن تأثر الحداثيين العرب سيقود حتما إلى فهم شكلي، لا يعي من الحداثة إلى جوانبها السطحية، أما البنية العميقة فلقد كانت غائبة أو مغيبة .
يتبع
عطية العمري
14-11-2005, 09:27 AM
ثانيا : حداثة اغتراب :
وإذا كانت الحداثة العربية المعاصرة فهمت حداثة الآخر فهما سطحيا وشكليا، فإنها في الوقت نفسه مغتربة عن الواقع الاجتماعي العربي ومتعالية عليه، فلقد قدم الحداثيون العرب نصوصا تعكس واقعا مختلفا ومتغايرا، إذ كيف يتسنى وجود حداثة للشعر العربي ولا وجود لحداثة في العلم أو في المجتمع أو في الاقتصاد، ترى هل كان الأدب العربي الحديث يعبر حقا في إنجازاته الحداثية عن الفكر العربي والواقع العربي والمشكلات العربية، أم انه يعبر عن الآخر، إن الآخر ـ كما يقول أدونيس ـ « يقيم في عمق أعماقنا، فجميع ما نتداوله اليوم فكريا وحياتيا، يجيئنا من هذا الغرب، أما فيما يتصل بالناحية الحياتية فليس عندنا ما نحسن به حياتنا إلا ما نأخذه من الغرب، وكما أننا نعيش بوسائل ابتكرها الغرب، فإننا نفكر بـ » لغة « الغرب : نظريات، ومفهومات، ومناهج تفكير، ومذاهب أدبية ... الخ، ابتكرها هي أيضا، الغرب . الرأسمالية، الاشتراكية، الديموقراطية، الجمهورية، الليبرالية، الحرية، الماركسية، الشيوعية، القومية ...الخ / المنطق، الديالكتيك، العقلانية ... الخ / الواقعية، الرومانطيقية، الرمزية، السوريالية »[67].
وإذا كانت الحداثة الغربية تعكس « معارضة جدلية ثلاثية الأبعاد : معارضة للتراث، ومعارضة للثقافة البرجوازية بمبادئها العقلانية والنفعية، وتصورها لفكرة التقدم »[68]فإن الحداثة العربية المعاصرة لم تشهد هذا كله ،ويصر أنصارها على أن هناك تطورا وتغيرا في الشعر العربي يضارع شعر الحداثة الأوربية ويماثله، على الرغم من أن المجتمع العربي لم يشهد تحولات تماثل التحولات الكائنة في الغرب « فليس في المجتمع العربي حداثة علمية . وحداثة التغيرات الثورية الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية، هامشية لم تلامس البنى العميقة، لكن مع ذلك، وتلك هي المفارقة، هناك حداثة شعرية عربية، وتبدو هذه المفارقة كبيرة حين نلاحظ أن الحداثة الشعرية في المجتمع العربي تكاد تضارع في بعض وجوهها الحداثة الشعرية الغربية، ومن الطريف في هذا الصدد أن حداثة العلم متقدمة على حداثة الشعر، بينما نرى، على العكس ،أن حداثة الشعر في المجتمع العربي متقدمة على الحداثة العلمية ـ الثورية »[69].
ولا تعاني الحداثة العربية المعاصرة من انفصامها عن الواقع فحسب، وإنما تعاني من عدم التحامها عضويا بالبناء المعرفي للثقافة العربية، فهي لا تنمو بعافية في الواقع ولا تنبع من ذوات قلقة، فالحداثي العربي يعيش ـ كما يقول أدونيس « بعقل الآخر وأدواته وتذوقه »[70]، لأن النظام المعرفي للثقافة العربية يحجم الحداثة ويحد من حريتها وتلقائيتها، إن الحداثة « حركة تقوم على قول ما لم يقل في هذا المجتمع على رؤية عوالم متحررة من جميع العوائق النظرية والعملية، في حرية تخيل كاملة، وحرية تعبير كاملة، ويتعذر ذلك دون تجاوز النظام المعرفي السائد »[71]، وهذا صعب إن لم يكن مستحيلا في ظل الواقع الراهن، ولذا فإن الحداثة السائدة تمثل تهجينا في واقع مغترب، فهي«حداثة مهربة » كما يقول أدونيس « لأننا عندما نتكلم عليها إنما نتكلم على الآخر، متوهمين أن الآخر هو الذات»[72].
إن هذه التصورات تدفعنا إلى القول إن نظام العلاقات الذي تم إرساؤه في الماضي هو نفسه نظام العلاقات الذي نتفاعل معه، ولا يزال يؤثر في ذهنيتنا وأنماط أفعالنا، وهذا يعني خلو حاضرنا من خصوصية حقيقية تميزه، فنحن إزاء خيارين، إما ارتماء في نظام علاقات الماضي، أو تمرد كلي عليه، دون بديل ينبع من خصوصيتنا، بمعنى ارتماء في نظام علاقات الآخر الغربي.
وفي ضوء هذا فإن الحداثة العربية تبدو متأثرة إلى حد كبير بإنجازات الحداثة الغربية، الأمر الذي يبعث على القول إن هناك تبعية إبداعية تتزامن مع التبعية العامة التي تعيشها الأمة سياسيا واقتصاديا وثقافيا، لدرجة دفعت باحثا إلى القول إن الحداثة العربية«كالصدى لأصوات بعيدة سواء كانت العلاقة بين الصدى ومصدره مباشرة أو غير مباشرة »[73] أو هي ليست« سوى صورة كاريكاتيرية من حداثة الغرب »[74]، كما يؤكد ذلك فاضل العزاوي، ومن الغريب أن أحد الباحثين يعد هذا صحيحا، ويرى أن «استيراد الحداثة في الحياة والأدب أمر مشروع، وهو شبيه باستيراد وسائل الصناعة ووسائل الدفاع والمدارس الأدبية »[75]!! .
ثالثا : حداثة صفوة :
إن الحداثة العربية تعاني من أزمة انفصام حقيقي مع الآخر من ناحية، ومع السياقات التاريخية من ناحية ثانية، وهي في الوقت نفسه حداثة مجموعة من المثقفين، أو الانتلنجسيا بالمفهوم الغربي، يتحاورون ويتناقشون بعيدا عن الشارع العربي، بمعنى أنهم لا يعبرون عنه ولا يؤثرون فيه، ويرى محمد عابد الجابري أن هذه الصفوة « فئة قليلة جدا، وغير مؤثرة التأثير الكافي في واقعنا الثقافي . إن الكتاب الذي يصدر بيننا ويؤلفه واحد منا نتداوله فيما بيننا نحن فقط، ولا يوزع منه إلا حوالي ستة آلاف نسخة فقط في شعب يزيد على مائة وخمسون مليونا »[76].
إن الذين يؤثرون في الواقع الاجتماعي أولئك السلفيون الذين يصوغون الحاضر في ضوء نمطية الماضي ومثاليته وثبات آلياته وأفكاره، وهذا يعني أنهم يعيدون إنتاج الماضي في الحاضر، واجترار لكل أشكاله المألوفة ، ومن ثم لا يمثل ما يقدمونه إضافة معرفية جديدة ،وإنما إنتاج ما تم إنتاجه، شرحا، أو تلخيصا، إن لم يكن تشويها . إن المثال الذي يسعى إليه هؤلاء لا يتحقق وجوده في الحاضر والمستقبل بفعل الجهد الإنساني، وإنما هو قار في الماضي، ومن ثم فإن التقدم عند هؤلاء ليس في « السير نحو المستقبل وإنما هو في العودة إلى الماضي . مثلها الأعلى نظريا هو الإيمان المطلق بكمال الماضي، وهو عمليا الخضوع للمؤسسات السياسية أو الدينية أو الاجتماعية التي تمثله»[77].
إن هناك تطابقا في الرؤية والسلوك بين جماهير الأمة والمؤثرين فيها من أصحاب النـزعات الماضوية والسلفية، وهذا يعني أن التغير الذي نراه على هذه الجماهير إنما هو تغير شكلي وسطحي، ولأن جمهورنا ـ كما يقول أدونيس ـ « لم يبدأ حتى الآن ثورته العقلية »[78]،إذن ليس المعول عليه ارتداء البدلة الإفرنجية وركوب السيارة والطائرة، ولا حتى استخدام الحاسوب والانترنيت ـ وإنما المعول عليه هو الفعل الذي تؤديه هذه الجماهير حقا، فهل تجد الجماهير ـ في زمن الإحباط ـ وجودها الذهني والمعرفي في تلك النمطية الثابتة في الماضي، أو أنها تتبنى مفاهيم الحداثيين، الفئة القليلة، التي تتحاور وتتناقش في معضلات ومشكلات لا تفهمها هذه الجماهير، ولا تعيرها اهتماما، تلك إذن هي المعضلة.
يتبع
عطية العمري
14-11-2005, 09:28 AM
تساؤلات أخيرة
بقيت بعض التساؤلات تثار حول الشعر العرب الحديث بوصفه معبرا عن الحداثة العربية المعاصرة:
لماذا بقيت قصائد الحداثيين غارقة في الغنائية، وإذا كانت الغنائية تعبير مفرط عن الذات، وتلك سمة شائعة في أدبنا الحديث، فهل الحداثة تكريس وتأكيد لهذه الغنائية، أم تجاوز لها ؟ إن هذا تعميق لدور الشفاهية ودورها في الإبداع، على الرغم من أن منظري الحداثة يؤكدون ضرورة نفيها وتجاوزها .
لماذا ظل الوعي بالعالم والمجتمع والإنسان لدى أغلب شعراء الحداثة على ما هو عليه، ما عدا اختلافات بسيطة، إذ لا يزال الحداثيون يعيدون إنتاج القيم القديمة ذاتها، ولا يتجاوزون التغيرات الشكلية، فهم محافظون على « حدود قيم الريف الذي خرجوا منه والقبيلة التي ينتمون إليها .ولا يهم هنا إذا ما تغيرت الأسماء فقد يتخذ الريف شكل المدينة، وقد تستبدل القبيلة بالدولة أو الحزب، أو أي شيء آخر، المهم هو أن الموقف هو الموقف القديم ذاته والعواطف هي العواطف المبتذلة ذاتها »[79].
لماذا يرتبط أغلب شعراء الحداثة العربية بالسلطات القمعية، يدافعون عنها، ويعيدون إنتاج ثقافتها، فلقد شهدت مرحلة ما بعد 67 وأغلب أدباؤها حداثيون «أدباء يؤثرون العبودية الوديعة يخدمون السلطة وينالون مقابل هذه الخدمة الامتيازات والمكافآت . وهؤلاء يخضعون في نتاجهم لمباديء لا يحددها الفن، وإنما تحددها السلطة، وهي مبادئ خاضعة للتغير تبعا لتغير السلطة »[80]، ولذلك ليس غريبا « ان نرى شعراء وكتابا عربا، ترتبط أسماؤهم بالحداثة العربية يمجدون الدكتاتوريات وأنظمة القمع والحروب باسم الغيرة الوطنية والقومية، أو يقفون مع الجلادين مشاركينهم الفتك بشعوب بأكملها، أو يسكبون عواطفهم الساذجة المبتذلة الهشة على الورق وبكائياتهم وصيغهم الجاهزة عن كل شيء من تمجيد القوة العسكرية وحتى البكاء على الذات»[81].
وأخيرا :هل يمكنني القول :
إن ما نعيشه اليوم يمثل إرهاصات الحداثة .... و ان الحداثة العربية لما تأت بعد .
د. كريم الوائلي (جامعة صنعاء - اليمـن)
karim_waili@yahoo.com
---------------------------------------
هوامـش
[1] ينظر : صالح جواد الطعمة، الشاعر العربي المعاصر ومفهومه النظري للحداثة، مجلة فصول، العدد : 4 1984، ص 13 .
[2] See : Fowler , roger ,modern critical terms , routiodge & kegan paul , london, 1987 ,p 152 .
[3] مالكوم برادبري، الحداثة، ترجمة مؤيد فوزي حسين ،مركز الإنماء الحضاري، حلب ،1995، 1/22 .
[4] See: Abrams , M.H, A Glossary Of Literary Terms , Holt Rinehart,1985 p 108 -109 وينظر : مالكوم برادبري، الحداثة ( مصدر سابق ) ومارشال بيرمان، حداثة التخلف، ترجمة فاضل جكتر ،دار كنعان للدراسات والنشر، دمشق، 1993، ص 40 .
[5] ينظر : مالكوم برادبري، الحداثة، 1/27 .
[6] نفسه، 1 / 59 .
[7] نفسه .
[8] جبرا إبراهيم جبرا، ندوة العدد « الحداثة في الشعر »، مجلة فصول العدد : 1 / 1982، ص 264.
[9] صالح جواد الطعمة، الشاعر العربي المعاصر ... ص 31 .
[10] ـ محمد برادة، اعتبارات نظرية لتحديد مفهوم الحداثة، م فصول ،ع 3 1984 ص 12 .
[11] ابن منظور، لسان العرب، دار صادر ،بيروت، د. ت، مادة : حدث .
[12] تقديمه لكتاب : مالكوم برادبري، الحداثة، 1 / 6 .
[13] ينظر : نبيل سلطان، فتنة السرد والنقد، دار الحوار، اللاذقية، 1994، ص 52 .
[14] أدونيس، النص القرآني وآفاق الكتابة، دار الآداب، بيروت، 1993، ص 91 .
[15] حمادي صمود، ندوة العدد، « الحداثة في الشعر» مجلة فصول، العدد : 1 / 1982، ص 265 . ويرجع بعض هذا الفهم إلى تحديد علاقة الحداثة بالأصالة التي لها دلالتان : فهي تعني العودة إلى الجذور التراثية، كما يفهما السلفيون العرب، وتعني الصلة الوثيقة بالذات، وما ينبع عنها، كما يفهمها الأوربيون والحداثيون العرب .
[16] لم يميز عدد من الباحثين بين المصطلحين في أثناء تعريبهما، ينظر على سبيل المثال : مالكوم برابردري، الحداثة، 1 /22، وما بعدها، وبيتر بروكر، الحاثة وما بعد الحداثة ،ترجمة عبد الوهاب علوب، ومراجعة جابر عصفور، المجمع الثقافي، أبو ظبي، 1995، واستخدم كاظم جهاد مصطلح الحداثوية ،ينظر تقديمه لكتاب : لوفيفر، ما الحداثة، ص 20 ـ 21، وينظر أيضا :حوار مع جابر عصفور، في مجلة القاهرة، العدد : 173، ص 231، وينظر :
Abrams , M.H, A Glossary Of Literary Terms , Holt Rinehart,1985 p 108
[17] SEMAH , DAVID ; FOUR EGYPTIAN LITERAY CRITICS ,P 6
إن هذا التصور العميق الذي أرساه العقاد تلقفه أدونيس وعمق فيه تصوراته في أثناء حديثه عن أوهام الحداثة، إذ ينفي أن يكون النص الذي يتناول إنجازات العصر وقضاياه حديثا، لأن الشاعر قد يتناول هذه المنجزات «برؤيا تقليدية، ومقاربة فنية تقليدية، كما فعل الزهاوي والرصافي وشوقي » فاتحة لنهايات القرن، دار العودة، بيروت، 1993، ص 316، وقارن هذه التصورات بما عرضه عز الدين إسماعيل الذي سيأتي الحديث عنه.
ومن الجدير بالذكر أن ابن قتيبة قد خلط في تراثنا النقدي بين الحداثة والمعاصرة، وجعل الثانية دالة على الأولى، ومتحدة بها، لأن التمايز لديه أصلا يقوم على أساس زماني، ينظر : ابن قتيبة، الشعر والشعراء، تحقيق محمد أحمد شاكر، دار المعارف، مصر، 1982، 1/ 63.
[18] عز الدين إسماعيل، الشعر العربي المعاصر، دار الفكر العربي، القاهرة، ص 10 .
[19] نفسه .
[20] نفسه، ص 13 .
[21] ـ خالدة سعيد، الملامح الفكرية للحداثة ،مجلة فصول ،ع 3 / 1984 ص 25 .
[22] ـ نفسه .
[23] ـ نفسه ص 26 .
[24] ـ نفسه ،ص 27
[25] كمال أبو ديب، ندوة العدد « الحداثة في الشعر »، مجلة فصول العدد : 1 / 1982، ص 261.
[26] أحمد عبد المعطي حجازي، ندوة العدد « الحداثة في الشعر »، مجلة فصول العدد : 1 / 1982، ص 263
[27] محمد عابد الجابري، التراث والحداثة، دراسات ومناقشات، مركز دراسات الوحدة ،بيروت ،1991، ص 16
[28] نفسه .
[29] نفسه .
[30] شكري عياد، ندوة العدد « الحداثة في الشعر »، مجلة فصول العدد : 1 / 1982، ص 262 .
[31] نفسه . وينظر : جابر عصفور، مجلة القاهرة الأعداد : 173 ـ 175، 1997 ص 231 .
[32] سلمى الخضراء الجيوسي، ندوة العدد « الحداثة في الشعر » مجلة فصول العدد : 1 / 1982 ص 262.
[33] محمد بنيس، ندوة العدد « الحداثة في الشعر » مجلة فصول العدد : 1 / 1982 ص 262 .
[34] نفسه، ص 263 .
[35] ينظر : أدونيس ،فاتحة لنهايات القرن،ص 314 .
[36] كمال أبو ديب، ندوة العدد « الحداثة في الشعر »، مجلة فصول العدد : 1 / 1982، ص 261.
[37] أدونيس زمن الشعر، دار العودة، بيروت، 1983، ص 147، وينظر : ص 42، 45، 46، وغيرها.
[38] أدونيس فاتحة لنهايات القرن، ص 315 .
[39] ينظر أدونيس زمن ا لشعر، ص 314، وما بعدها، ويرى محمد عابد الجابري : أن الحداثة « لا تعني رفض التراث ولا القطيعة مع الماضي بقدر ما تعني الارتفاع بطريقة التعامل مع التراث إلى مستوى ما نسميه «المعاصرة »، أعني مواكبة التقدم الحاصل على الصعيد العالمي »، التراث والحداثة، ص 15 ـ 16 .
[40] أدونيس، زمن الشعر، ص 315 .
[41] ينظر :نفسه، ص 296 .
[42] أدونيس، النص القرآني، ص 107 .
[43] نفسه، ص 115 .
[44] أدونيس، فاتحة لنهايات القرن ،ص 315 .
[45] نفسه .
[46] نفسه، ص 319 .
[47] نفسه، ص 314 .
[48] نفسه، ص 316 .
[49] أدونيس، زمن الشعر، ص 71، وينظر:فاتحة لنهايات القرن، ص 192 , 249، 250، 251، 252.
[50] جابر عصفور، هوامش على دفتر التنوير، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء ،بيروت، 1994 ص61.
[51] نفسه .وينظر : جابر عصفور، نظريات معاصرة، دار المدى، بيروت، 1998، ص 268 وما بعدها.
[52] نفسه، هوامش على دفتر التنوير، ص 63 .
[53] نفسه، ص 64 .
[54] نفسه .
[55] نفسه، ص 65 .
[56] نفسه، ص 62 .
[57] نفسه، ص 92 .
[58] نفسه، ص 99 .
[59] صلاح فضل، نبرات الخطاب الشعري، دار قباء، القاهرة، 1998، ص 146 .
[60] لا يخفى ان ترسانات الأسلحة الباهظة تضج بها دولنا العربية، وهي غالبا ما توجه نحو الداخل، وإن ثروات الشعوب في خدمة السلطة، لدرجة يختزل الوطن في أغلب الأحيان بشخص الحاكم، الذي يتحول إلى رمز أغلى من الوطن والأمة، ترى هل نعيش وهم الحداثة كما نعيش وهم التحديث، تما ما كما «ترى المرأة أحدث الأزياء الأوربية في جناح الحريم، وحيث يصبح الدكتاتور بطلا يقود إلى المستقبل السعيد » فاضل العزواي، بعيدا داخل الغابة ،ص 137 .
[61] ـ أدونيس، صدمة الحداثة، ص 10 .
[62] نفسه .
[63] نفسه .
[64] خليل موسى ،الحداثة في حركة الشعر العربي المعاصر، مطبعة الجمهورية، دمشق، 1991، ص 9.
[65] نفسه، ومن المفارقات اللافتة للنظر أن هذا الباحث قد قرن بطريقة تكاد تكون ميكانيكية بين الحداثة في الغرب وتطور الواقع بقوله : «ويستدعي تغير أنظمة الحياة تغيرا في أنظمة الأدب » ولكنه حين انتقل للتحدث عن الحداثة العربية أخذ يفصل بين الكيانين، إذ « لم تكن الحداثة في الحياة في العالم الثالث عموما وفي العالم العربي خصوصا نتيجة طبيعية لتحول المجتمع من خلال إنتاجية محدودة، وإنما هي نتيجة لتحول المجتمع الأوربي أولا، ولقرب الوطن العربي من المركز ثانيا » نفسه ص 11، ويؤسس الباحث على ذلك نتيجة تؤكد هذه المفارقة بقوله : « فجاءت الحداثة مقلوبة، ودخل العرب عصرها مستهلكين » نفسه .
[66] أدونيس، النص القرآني، ص 94 ـ 95 .
[67] أدونيس، صدمة الحداثة، ص 258 .
[68] صالح جواد الطعمة، الشاعر العربي المعاصر، ص 14 .
[69] أدونيس، فاتحة لنهايات القرن، ص 322 .
[70] أدونيس، النص القرآني ،ص 108 .
[71] نفسه، ص 108 ـ 109 .
[72] نفسه ،ص 110 .
[73] صالح جواد الطعمة، الشاعر العربي لمعاصر، ص 13 .
[74] فاضل العزاوي، بعيدا داخل الغابة، ص 13 .
[75] خليل موسى، الحداثة في حركة الشعر العربي المعاصر، ص 13 .
[76] محمد عابد الجابري، ندوة العدد « الحداثة في الشعر »، مجلة فصول العدد : 1 / 1982، ص 213 .
[77] أدونيس، زمن الشعر، ص 57 .
[78] نفسه .
[79] فاضل العزاوي، بعيدا داخل الغابة، ص 8 .
[80] أدونيس، زمن الشعر، ص 79 .
[81] فاضل العزاوي، بعيدا داخل الغابة، ص 20 .
زاهية
14-11-2005, 03:35 PM
سأقرأ هذا الموضوع وأعود بما يفتح الله به
علي إن شاء الله
جزاك الله الخير على طرحه
أختك
بنت البحر
عطية العمري
16-11-2005, 07:28 AM
بارك الله فيك أخت زاهية
وأنا بانتظار رأيك في الموضوع
خليل حلاوجي
16-11-2005, 07:55 AM
الموضوع من الاهمية بمكان
للدرجة التي سافرد من وقتي ... ساعات
لاقرأ ماكتبته ايها الاستاذ الفاضل
واخاف ان اصبح مثل الغذامي حزين
حين كتب كتابه
الأخير حكاية الحداثة
ووُصف بأنه حاخام الحداثة
وعبد الشيطان
في أحد خطب الجمعة في أحد المساجد.
عطية العمري
16-11-2005, 08:23 AM
أشكرك أخي خليل شكراً جزيلاً وأتمنى لك كل خير ، ولكن :
أولاً : لستُ أنا كاتب الموضوع إنما هو للدكتور كريم الوائلي من جامعة صنعاء ، وإنما أنا ناقل له ، فيجب أن يعزى الفضل لصاحبه .
ثانياً : هذا لا يعني أنني موافق على كل كلمة فيه ولكني وجدته موضوعاً جذاباً فرأيت أن يستفيد الآخرون مما فيه ، وأن يزودوني بأرائهم حوله لأستفيد أنا منه دون الوقوع في الزلل إن شاء الله .
ثالثاً : أنا واثق أن عناية الله ستحفظك من الوقوع في المحظور ما دامت النوايا سليمة .
رابعًا : ما دمتَ ستفرد لدراسته ساعات طويلة فأنا على أحر من الجمر لأسمع آراءك النيرة ومقترحاتك البناءة المفيدة
دمت بألف خير والسلام عليكم ورحمة الله .
أخوكم المحب عطية العمري
د.جمال مرسي
16-11-2005, 09:11 AM
أخي الفاضل عطية العمري
بارك الله بك و شكرا على النقل المميز
الحقيقة الموضوع يحتاج لقراءة أكثر من مرة و استيعابه من كل جوانبه
و لكن دعني هنا أقول أن الحداثيين ( في العالم العربي ) أنفسهم بدأوا يعودون للأصالة لما رأوا إعراض العامة و ربما الخاصة أيضا عما يكتبون .
الحداثة اراها شبيهة بالعولمة .. مع فوارق و لكني رأيث في كليهما شذوذ الفكر و جنوحه عن الصواب .و إن جادلت مهما جادلت فلهم حجتهم و أسيليبهم التي هي على باطل في معظمها فلله المشتكى .
و مما يؤسف له أن اعلامنا العربي أصبح يفرد صفحات و قنوات لكل مستغرب شاذ الفكر و ينكر و ينفي وجود السواد الأعظم من المبدعين الملتزمين بأصالتهم و تاريخهم .
سأظل إن شاء الله قريبا من هذا النقاش الذي سيشتد بكل تأكيد بعد عودة الأخوة بما يناسب ما قرؤوه
شكرا لك و دمت بخير و سعادة
أخوكم د. جمال
خليل حلاوجي
19-11-2005, 08:32 AM
جهد يشكر عليه الكاتب الفاضل عليه
وكان ةلي سؤال لم استشف في بحثه القيم اجابة له
هل الحداثة تفرض نفسها ام اننا نفرضها نظرا لواقعنا الحالى المحلى والعالمى الذى اصبح متبادلا ومقربا لبعضهم البعض نظرا لسهولة التقاء المعلومه وتطور الاعلام.
فاقول
في جميع قراءاتي لموضوعنا هذا , لم أعثر على اي باحث تطرق الى تناول متى بدأت المدرسة الحداثية بالعمل في وسطنا الثقافي
وكنت مثلكم اتساءل ... ولا .... مجيب
حتى اضطررت ان ابحث الامر ... شخصيا"
فوجدت
وقد أكون مخطئا"
ان الحداثة هي رد فعل مباشر على احتقانات الاستعمار الذي صحونا ذات يوم معه واذا بالارض المقدسة صارت سليبة ( قدسنـــــــــا )
واذا امراء المؤمنين قد صاروا عبيــــــــــــــــــــــ ــــــدا
واذا نحن مخدوعين بالعنتريات واللافتات والامنيات الهزيلــــــــــــــة
صحونا
واستفاق المثقفون
فمنهم من قضى نحبه غيضا"
ومنهم من ينتظر
ومنهم من هجر الارض الى بلاد الاغراب
فكان لابد للخطاب العربي من ان يتلمس بصمته ورؤيته في تلك الاحداث الجسيمة
فالذين هاجروا
وقفوا بين نارين
نار النكوص في بلادهم العربية
ونار التفوق المتسارع في الطروحات الفكرية التي يطرحها الغرب ويتأولها
والذين هم مصرون على البقاء فوق ترابنا الحزين
ايضا"
يتحرقون كيف يخاطبون منصتيهم
بعقلهم هم
ام بعقل ملؤه الامل يشحذ فيهم عصارة ومرارات الالم ...
فكان ماكان
وولدت
الحداثة بمنطوقها ... العربي
تبغي معالجة التقهقر الذي اشربت مفاصل هامة من الفضاء الثقافي للناطقين بالضاد جراءه
التقهقر
الذي صار الشغل الشاغل للمخلصين لانفسهم واوطانهم وقضايا مصيرهم
\
\
\
والله تعالى اعلم واحكم بالصواب
دمت لي خير منصت
ودمت لك اجدى مجيب .... ياصديقي
ولي عودة لمناقشة كتاب
جورج بلانديي هو أحد كبار المفكّرين الاجتماعيين الفرنسيين، الذين اختصوا برؤية عميقة حول قضايا التخلّف والتنمية والعالم الثالث. وقد أصدر المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون بتونس ترجمة لكتابه «متحضرون على ما يقال»،
حيث يتعمّق بلانديي في مفهوم الحداثة وأشكالها ومضامينها المختلفة
محبتي
عطية العمري
19-11-2005, 08:42 AM
شكراً جزيلاً أخي خليل على مشاركتك القيمة المثرية
وأنا بانتظار الدراسة التي أشرت إليها
كما أنني سأحاول البحث عما تساءلت عنه وهو مصدر الحداثة وجذورها الأولى وبداياتها في الوطن العربي
وإن وجدتُ شيئاً سأقوم بعرضه تعميماً للفائدة
دمت بألف خير
د.إسلام المازني
21-01-2006, 03:08 PM
بارك الله فيكم أحبتي
لنثري الفكرة بعد الروائع التي وضعها أخي عطية
وأظن هناك بعض إجابات قد تفيد ما تفضل أخي خليل بتسليط الضوء عليه
هنا يتحدث أنور الجندي :
الحداثة :
ليست دعوة مرحلية من دعوات التغريب في مجال الأدب ، ومن حيث تدخل في إطار السريالية والوجودية أو مذاهب الكلاسيكية والرومانسية والواقعية ، وإنما هي شيء أكبر من ذلك : إنها ثورة على الثوابت الإسلامية الأساسية عن طريقٍ خافت الضوء هو ( الشعر ) حتى لا تحدث ضجيجاً أو صياحاً يفسد عليها هدفها الذي تسير فيه حتى تصــــل إلى غايتها الخطيرة . وهي تقصد أساساً إلى محاربة القيم الإسلامية وإزاحة فكرة الأصول الثابتة ، بهدف تغليب طوابع التطور المطلق ، والتغيير المتوالى الذى لا يعترف أساســـــاً بالضوابط والحدود .
ويرمي إلى فتح الطريق أمام حرية الإباحية ، وتمجيد العلاقة الجنسية ، والجرأة على أعلى القيم التي جاءت بها الأديان ، وذلك بتحطيم هذه الضوابط والحدود .
فهي عند فحص كتابات الداعين لها ، وتعمق كتاباتهم ( وخاصة مانشر من أبحـــــاث مؤتمرهم الذي جمعت أبحاثه لتكشف عن أبعاد هذا المخطط الخطير ) يتبين أن وراء هــذه الدعوة خطة رسمت بدقة وذكاء ومكر في نفس الوقت ، قام عليها الحاقدون على كل شيء طيب كريم في دنيا الإسلام والعرب ، وقد تعاقدت مطامحهم إلى توجيه ضــــربة للصـــحـوة الإسلامية عن غير الطريق الذي يتوقع منه الضربات ، بل عن طريق مدخل ضيق قــــــد لا يلتفت إليه الكثيرون وهو ( الشعر ) .
وقد جاءت حركة الشعر الحر - شعر التفعيلة - وغيرها منذ ظهورها مقدمة ومدخلاً لهذا العمل الخطير ، قام على رأس هذه المؤامرة شاب علوي ، خدعه النصراني ( أنطون سعادة ) زعيم الحزب القومي السوري ، وليحمل لواء الدعوة إلى ما أسماه ( فينــــــيقيا ) وتلقفته الجهات التي استثمرته لخطة عمل بعيدة المدى ( علي أحمد سعيد - أدونيــــس ) وقد أتاحت له تلك الجهات أن يحصل على الدكتوراه في الأدب العربي من معهد الدراســات الشرقية في الجامعة اليسوعية في بيروت ، برسالة عنوانها ( الثابت والمتحول : دراســـة في الاتباع والإبداع عند العرب ) حاول فيها أن يهدم صرح العربية الشامخ ، ويثـــــــبت أن أصحابه غير مبتكرين أو مبتدعين ، ويبرهن على أنهم لم يقدموا شيئاً للإنســـــــانية ، وفي وضع ( أيدلوجية ) دعوته إلى الحداثة التي خُدع بها عدد من الشباب العربي الذي عجــزت خلفياتهم عن أن تحميهم من السقوط في هذا المستنقع .
دعاة الحداثة :
دعاة الحداثة كانوا كما يقول ( الدكتور حمد عبد العظيم سعود ) من أقليات بعضها ربما كان متهماً في دينه ، وبعضها كان لا يحظى من الأغلبية بنظرة ارتيــــــــاح مطلقة ، أو أن هناك غالباً شيئاً عالقاً بالنفوس .
ففي سورية كان ( علي أحمد سعيد ) الذي زين له أنطون ســـــعادة أن يغيـــر اســــمه إلى ( أدونيس) منتمياً إلى الحزب القومي السوري ، وهو حزب أعلن عداوته للإسلام والعروبة معاً ، إذ دعا إلى فينقة سورية ، ثم تحـــــــول أدونيـــــس بعد ذلك إلى مذهب اللا منتمي ، وأدونيس هو القائل : إن السبب فى العداء الذى يكنه العرب للإبداع - كل إبــــداع - هو أن الثقافة العربية بشكلها الموروث هي ثقافة ذات معنى ديني ) ويعــــرف الأستاذ ولسون في كتابه ( اللا منتمي ) هذا المصطلح بقوله :
( لا صلاح لهذا العــــالم المليء بالمتناقضات إلا بالثورة والغضب وعدم الانتماء إلى أية قيمة أخلاقية من القيـــــــــم الموروثة ؛ بل لا بد من مواجهة العالم بكل مشاعر الحقد والكراهية ) ويقول محمـــــــد الماغوط من زملاء أدونيس "على اللا منتمي أن يحس باللا جـــــــــدوى ؛ لأن هذا الوجــــود بلا موقف ، ولا دليل ، ولا مســـتقر ، ولا مرشد . فليس للا منتمي موقف إلا الإحســــــــــاس بالســأم ، ويتمني الموت والأنانية الفردية ورفض كل المعطيات الخارجية " .
وفي لبنان كان هناك ( سعيد عقل ) الذي بايعه بعض النقاد والشعراء بإمارة الشعر ، وهو الذي خرج بعدها ليعلن أن اللغة العربية لا تفي بالتعبير عن المشاعر ، ولا بــــد من استبدالها باللغات ( اللهجات ) العامية وأن هناك مشكلة في كتابتها ، فليست كل أحرفهـــا منطوقة ، وبعض كلماتها ينقصها أحرف ، ولهذا كتب ديوانه ( يارا ) بلغة عربـــــــية في أحرف لا تينية وهو رجل ( حراس الأرز ) الذين جعلوا شعارهم قتل الغرباء ( أي قــــــتل المسلمين ) .
وفي مصر كان الدكتور لويس عـــــوض ، وهو رجل كان يكرر في كل مناسبة أنه ليـــــس قومياً ، وأنه علماني ، وقد لعب هذا الرجـــــل دوراً خطيراً في الحياة الثقافية في مصر في الخمسينيات من هذا القرن العشرين ، حين كانت وسائل الإعلام كلها موجهة وتحت الرقابة الصارمة ، وكان هو المستشار الثقافي لجريدة الأهرام .
وقد قام لويس عوض - بروح متعصبة - دون أي شاعر عمودي يبتغي طريقــه إلى وسائل الإعلام والنشر من إذاعة أو صحافة أو أي وسيلة أخرى إلى الجماهير ، كما يقول الدكتور طاهر أحمد مكي في كتابه "الشعر العربي المعاصر - دوافعه ومداخل لقراءته " : ( وأفسح المجال واسعاً عريضاً لكل من يكتب الشعر الحر ، وإذا نشر قصـــــــــيدة عمودية لشاعر عمودي مثل كامل الشناوي "مثلاً" نشرها موزعة الجمل على نحو يوحي بأنها من الشعر الحر ، وفي ظل هذه الحركة تحول شبان كثيرون لا يزالون شاردين في عالم الشعر - وكان يمكن أن يصبحوا شعراء عموديين ممتازين - إلى شعراء يكتبون كلاماً تافهــــاً في الشكل الجديد ، وأصبحوا كما يقول الشاعر أدونيس وهو ليس متهماً في شهادته هذه ؛ لأنه من دعاة الشعر الحر المتحمسين له "في الشعر الجديد اختلاط وفوضى وغرور تافه وشبـه أمية ، ومن الشعراء الجدد من يجهل حتى أبسط ما يتطلب الشعر من إدراك لأسرار اللغــــة والسيطرة عليها ، ومن لا يعرف من فن الشعر غير ترتيب التفاعيل في سياق مــــــــا ، إن الشعر الجديد مليء بالحواة والمهرجين " .
كان هناك بدر شاكر السياب ، وعبد الوهاب البياتي ، وهما من أخلص دعاة الماركسية نشر السياب قصائده وكلها صيحات إنكار وحيره بل وثورة على الله ( جل في علاه ) .
هذا أمر ، أما الأمر الآخر الذي يهدف إليه هذا التيار فقد كان واضحاً في تلك الرغبة المحمومة في إظهار الأحتقار للتراث الإسلامي العربي والزراية على الشعراء العرب القدامى المجددين ، ونعتهم بالصنعة والتكسب ، وإعلاء التراث اليوناني والروماني على ما فيه من وثنية .
ويسخر أدونيس من حادثة الإسراء في قصيدة ( السماء الثامنة ) .
ومعين بسيسو الماركسي يهزأ بالتراث وأعلام التاريخ ، ومن طريقة الإسناد في الحديث النبوي الشريف ويؤلف مقطوعة ساخرة ( حدثني وراق الكوفة / عن خمار البصرة / عن قاضٍ في بغداد عن سايس خيل السلطان / عن جاريةٍ / عن أحد الخصيان ) إلخ .. والحق أن الشعر الحر مترع بالدعوة إلى الإباحية على نحو لم يشهده الشعر العربي ، إلا عند بعض الشعراء الشواذ أو المنبوذين . والعجيب أن دعاة هذا اللون العجيب قد قفزوا في كثير من البلاد العربية إلى حيث التحكم في وسائل الإعلام ، حتى إنك تكاد تراهم يسيطرون سيطرة كاملة على هذه الوسائل في بعض بلدان العرب ، وفي هذا الجو الإرهابي أصبحت ترى شعراء عموديين يكتبون قصائدهم ، أو يعيدون كتابتها بعد تسطيرها وتبييضها وتقطيعها - إرضاء لهم وتقية - وقد ترجم كثير من تلك القصائد ؛ ليس لجودتها وإنما أولاً لسهولة ترجمتها لمستشرق شاذ ، أو لدوافع سياسية وعلل دينية .
ونحن نرجح أنها حركة مقصودة أريد بها طعن اللغة العربية ؛ لغة القرآن والإسلام وعمادها ؛ توطئة للإجهاز عليها . وستبقى العربية والشعر العمودي ، وسيبقى من فوقها القرآن والإسلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، ولن يصمد هذا المسمى بالشعر الحر طويلاً لأنه لا يعلق بالذاكرة ، أو يفرط في الرمزية المطرقة الجامحة والغموض والتلفيق ).
وإذا ذهبنا نستعرض الدعاة إلى الحداثة نجدهم جميعاً من متعصبي الأديان الذين دأبوا على محاربة الإسلام واللغة العربية ، واتخذوا شعار الحداثة ستاراً ينفثون من تحته سمومهم ، ويظهر ذلك واضحاً في كتاب غالي شكري ( شعرنا الحديث إلى أين ؟ ) ومنهم أدونيس .
والماركسيون أكبر أعداء الإسلام : بدر شاكر السياب والبياتي ودنقل ، وشعراء المجون ، وكان القس ( يوسف الخال ) قد رسم الخطة لهؤلاء وساقهم إليها وهو مبشر نصراني يقول : ( خاسر من يبيع ثلاثة ويشري واحداً ) . يقصد بالثلاثة عقيدة التثليث النصرانية والواحد هو عقيدة الإسلام .
ومنهم أمير اسكندر ( نصراني ماركسي ) وجبرا إبراهيم ، وأسعد رزق ، ولويس عوض ، وخليل حاوي وتوفيق الصايغ ، وشوقي ابن سقا ، وميشال طراد ، وميشال سليمان ، وسعيد عقل ، وموريس عواد ، وكلهم نصارى ، ويقول الدكتور طاهر التونسي بعد هذا العرض : إنه حتى عندما انتسب إلى مدرستهم بعض من تسمى بالإسلام استعمل التعبيرات النصرانية ، ويبدو ذلك واضحاً في شعر بدر السياب الذي يدعي أن المسيح صلب وقد كذب وكذب أساتذته النصارى واليهود فما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ، ويذكر عن آدم وحواء القصة كلها كما روتها التوراة لا كما رواها القرآن .
وقد أشار لويس عوض إلى أن صلاح عبد الصبور يقرأ الإنجيل بحماسة ، وأنه دخل دائرة الخلاص المسيحية . ونجد التركيز على التراث النصراني والمصطلحات النصرانية في شعره ، وله قصيدة ( حكاية قديمة ) عن المسيح وصلبه ، ونظم بعض أبيات من ( نشيد الإنشاد ) ونجد ذلك في معين بسيسو ونزار قباني :
( مصلوبة الشفتين ، الصليب الذهبي ) وعبد الوهاب البياتي ( في صليب الألم ) وأمـــــــل دنقل : ( العهد الآتى ) .
أيدلوجية الحداثة
أجمع الباحثون على أن ( الحداثة العربية ) هي ثورة متمردة على كل نظام وقاعدة وقانون ، وأنها ترمي إلى هدم الضوابط والحدود والقيم والقواعد التي قدمها المنهج الرباني إفساحاً للمنهج البشري : القائم على التحول الدائم ، ويرى بعضهم أنها ثورة اجتماعية هدامة ، تتخفى وراء نصوص الشعر والأدب لتحجب غايتها وحركتها ، ولذلك فإن دعاة الحداثة يهاجمون الثوابت التي قدمها الدين الحق في عنف شديد ، ويصفونها بالجمود والمحافظة والتحكمات . وقد وصفها الأستاذ محمد عبد الله مليباري بأنها باطنية جديدة تحاول غزو مبادئنا وقيمنا ؛ بدءاً من الشعر وانتهاء بالعقيدة الإسلامية ، وأن المسألة ليست أن يكون الشعر عمودياً أو غير عمودي ، أو تفعيلياً أو نثرياً ، ولكنها أكبر من ذلك ، إنها محاولة هدم في :
1- قضايا العصر : السياسية والإجتماعية والاقتصادية ، وما يتصل بها من تحرير وحرية وعدالة .
2- وقضايا العصر التعليمية والعلمية والفنية ، وما يترتب عليها من مشكلات .
3- وقضايا العصر الأدبية والفنية ، وما تستحدثه من أجناس ومدارس واتجاهات .
ويمكن القول إن هذه المؤامرة قد وضعت قواعدها على أساس حركة الزندقة القديمة ، وجماعة المجّان الذين كان على قيادتهم ( الشاعر أبو نواس ) الذي كان حاقداً علــــى الإسلام ، والذي جندته قوى الباطنية والمجوسية والقرامطة ليهدم عن طريق الشعر جميع مقومات الثبات الإسلامي في البيئة العباسية ، وقد أعانه على ذلك مجموعة من الزنادقة والشعوبيين الذين تركوا تراثاً مسموماً استطاع المستشرقون إحياءه عن طريق شعوبي جديد يحمل في أعماقه جميع أحقاد المجوسية والباطنية .
وقد وضع أدونيس نظرية الحداثة على جملة أصول :
1- نظرية التطوير المطلق التي نقلها من فكر هيجل في دعوته إلى إلغاء الثوابت ، وهي نقيض نظرية أرسطو . وقد اصطنعتها القوى الصهيونية والماسونية لإحياء الفكر التلمودي وخلق نظرية تقول بأنه ليس هناك شيء ثابت أصلاً ، وأن كل شيء متطور ، وذلك لهدم ثبات الأديان والأخلاق والقيم . ويرون أن الإنسان هو محور العالم .
2- إحياء الوثنيات القديمة ، فقد كشفت رسالة أدونيس عن تقديره الوافر لفكر أبي نواس واهتمامه بفكر الملاحدة وأصحاب نظرية وحدة الوجود والحلول والاتحاد وإعادة إحيائها من جديد وهي الخطة التي وضع قواعدها المستشرق لويس ماسنيون .
3- تحطيم عمود اللغة العربية ، وهدف تحطيم الفصحى لغة القرآن هدف قديم وقد شارك فيه منذ بدأت حركة التعريب والغزو الثقافي ( ويلكوكس - لطفي السيد - سلامة موسى ، سعيد عقل - إلخ ) أملاً من هؤلاء الدعاة بأن تحطيم اللغة العربية سيحولها إلى المتحف ويفسح الطريق أمام تفرق الوحدة القرآنية الإسلامية الجامعة .
4- تحطيم عمود الشعر وذلك إيماناً منهم بأن عمود الشعر هو القاعدة الأساسية للأدب والبيان العربي بعد القرآن والسنة ، ومن هنا جاءت الحملة على الخليل بن أحمد وعلى كل الشعراء الملتزمين للنظم العربي الأصيل .
5- مهاجمة منهج الثبات والقيم ، وإطلاق اسم السلفية عليه ، والسلفية هنا تعني المعتقد الديني ، فالحداثة ترى أن الأفكار الباطنية والصوفية تحول من الثبات الديني بل تعتبر هذا التحول منطلقاً تاريخياً للحداثة العربية .
6- تغليب مفاهيم السريالية ( النظرة التي لا يحكمها العقل ) أو ما يسمى فوق الواقع ، وقوامها احتقار التراكيب العقلية والروابط المنطقية المعروفة والقواعد الأخلاقية والجمالية المالوفة والاعتماد على اللا شعور واللا معقول ، والرؤى والأحلام والحالات النفسية المرضية ، ولا سيما حالات التحلل النفسي ، ويعنون بالرغبات الجامحة .
7- تغليب طوابع الجنس والإباحة استمداداً من مفهوم الإغريق وعبادة الجسد وإباحيات الوجودية التي دعا إليها سارتر ، ونظرية التحليل النفسي الذي يعتمد الجنس التي دعا إليها فرويد ، ونظرية العلوم الاجتماعية التي دعا إليها دوركايم ؛ وفتح أبواب المجون والجنس والإباحة والتحلل الاجتماعي .
8- على أن يدور ذلك كله في إطار ( التاريخانية ) وهي الحتمية التاريخية لماركس فالمنهج الماركسي التاريخي هو الأساس الأيدلوجي للحداثة .
وقد عمد أدونيس - في سبيل صياغة هذه النظرية التي قدمها له شيخ المنظرين القس يوسف الخال - إلى استقطاب خيوط من التاريخ لتكون أدلة واضحة وأضواء كاشفة على الطريق ، وذلك بالاعتماد أساساً على الفكر الباطني الفلسفي والاهتمام برموزه ومحاولة ربط الخطوات بتطور الشعر الحديث وبالمرحلة الأخيرة منه ( قصيدة النثر وشعر التفعيلة ) واختيار الحاقدين الجدد على نسق الحاقدين القدامى : أبي نواس ومهيار الديلمي واعتماد الحركات التمردية الهدامة للمختار الثقفي والقرامطة . وقد خطا دعاة ( الحداثة ) خطوة متقدمة على مفهوم العصرية من ناحية والشعر الحر من ناحية أخرى .
فالشعر الحر تقليد لشعر ( والت ويتمان ) أما شعر الحداثة فهو متابعة للشاعر الصليبي توماس اليوت ، ويرى دعاة الحداثة أن الشعر الحر هو التيار ( السلفي ) الجديد بالنسبة لشعر الحداثة .
أما توماس إليوت فهو زعيم هذه المدرسة في الغرب ، خليفة دانتي الذي يحمل الحقد الصليبي الأعمى . يقول الدكتور عبد الله الطيب : لقد حذف اليوت في منظومته ( الأرض المقفرة ) اللفظ الدال على العرب واستبدله بكنيسة ماغنس ، وردد أشياء من التوراة والإنجيل . ويرجع هذا إلى الشعور الصليبي الموروث الصادر عن تعصب ديني أو عنصري إذ لا يخفى أن ظلال جزيرة العرب لا تخلو من معنى ظلال سيوف محمد وصلاح الدين والإسلام والجهاد .
فهو يرجع إلى الشعور الصليبي الموروث والتعصب الديني أو العنصري ومرده الزهو والغرور والاعتداء بالانتماء إلى حضارة اليونان والرومان .
ولا ريب أن كتمانه سرقة المعلومات وشعر العرب عن طريق مستشرقي الهند وفرنسا وحذفه اسم العرب وأسماء من أشاروا إليهم ، كل هذا يؤكد الشك في أصالة إليوت في منظومته ( الأرض المقفرة ) ويؤكد فساد وجهة الذين تابعوه من دعاة الشعر الحر والحداثة .
د.إسلام المازني
21-01-2006, 03:10 PM
الحشاشية هي الجذور
ويحاول أدونيس ودعاة الحداثة أن يردوا فكرتهم إلى القديم ؛ وهم صادقون في ارتباطهم بالحشاشين والباطنية والمجوسية المتنامية في القرامطة ، ويتحدثون عن جذورهم في أبي نواس وأبي تمام والرازي وابن الرواندي ، على أساس أن الخاصية الرئيسية التي تميز هذا النتاج هي إذابة التقليد والمحاكاة ورفض النسج على منوال الأقدمين . ويركز أدونيس في كتابه ( الثابت والمتحول ) على الحركة القرمطية .
الحداثة وخلفياتها الأيدلوجية
تهدف الحداثة إلى تجاوز القواعد الأساسية للإسلام : قواعد الثوابت هي بمثابة الضوابط والحدود التي تحفظ شخصية الفرد والوجود الاجتماعي ، وهي تحاول أن تخدع الناس بأن هولاء الرواد والرموز السابقين قد حطموا هذا القيد وتجاوزوه ، وأن هذه المحاولة هي التي مكنتهم من الإبداع وهم يدعون بأن الحداثة هي الثورة الدافعة لتجاوز التاخر والجمود والارتقاء إلى منطلق العصر .
وترد ذلك كله إلى ( التاريخانية ) " الماركسية " كمدخل للحداثة ، وترى أن هؤلاء الرواد يركزون على ( فكر التجاوز ) وأنه مصدر الإبداع ، وأن هذا التجاوز لا يتوقف فهو في حركة دائمة .
هذا هو مفهوم ( الثابت والمتحول ) وهذا يرمي إلى زعزعة فكرة النموذج أو الأصل ، أي أن الكمال لم يعد موجوداً خارج التاريخ ، وأصبح الكمال - بمعنى آخر - كامنًا في حركة الإبداع المستمرة .
هذه المحاولة كاذبة ومضللة ومحكوم عليها بالسقوط لأنها لا تقوم على أساس من الفطرة أو العلم أو الحق أو المنطق ، وإنما هي نوع من التمويه الكاذب والخداع المضلل ، لأن كل هؤلاء الذين اعتمد عليهم مفهوم الحداثة من رموز قديمة قد سقطوا فعلاً وداستهم الأقدام ، ولم يدخلوا التاريخ إلا في باب الشعوبيين والباطنيين وأعداء الإنسانية ، ولقد هزموا فكرياً في عصرهم وذهب كل ما قالوه من أكاذيب وادعاءات ، حتى جاء الاستشراق والغزو الفكري ليعيدهم إلى الحياة مرة أخرى .
وهي محاولة محكوم عليها بالانتهاء والدمار ، كالمحاولات الأخرى التي سبقتها ، ولن تجدي هؤلاء الدعاة الجدد نفعاً لأنها لا تقوم عندهم من منطلق أمين أو من منطلق غيرة على هذه الأمة أو رغبة في السمو بها ولكن من منطلق حقد وكراهية وهزيمة والمهزوم يعمل دائماً على كسب المهزومين إلى صفة ليحس بأنه ليس منبوذاً ، ولقد كان دعاة الشعوبية والباطنية مهزومين منعزلين ، شأنهم شأن أبي نواس وبشار في القديم حيث كان يتحاشاهم الناس ، وإذا كان قد أتيح لهم عن طريق " أحد غلمان التعريب والشعوبية " أن يذيع لهم فكرهم على هذا النطاق الواسع فإنها ليست إلا صيحة مضللة قد أغمدت الأقلام الإسلامية فيها خناجرها .
إن ( دعاة الحداثة ) هؤلاء إنما يدعون إلى توهين السلطة المطلقة - وهي الدين - والنيل من السيد الأعظم ( الله تبارك وتعالى ، علا وجل عن كلماتهم المسمومة ) ولن يتحقق يوماً أن تغلب الفئة الباطلة على النظام الرباني القائم في حكمه وقواعده وأي أصل من أصوله مهما تجمع لهذا دعاة الشعوبية والباطنية . ويرمي أدونيس إلى إلغاء كل قديم باعتبار أنه لاشيء في الوجود اسمه قديم ويهدف من ذلك الغاء فهمنا للقرآن الكريم وأنه كلام الله القديم .
والحرية عند الحداثيين هي التحلل من كل قيد ديني أو اجتماعي أو نظامي أو قانوني . وهم عندما يسمون الحداثة ( الثورة المتجهة لتجاوز السلفية ) يقصدون تجاوز قيم الدين والأخلاق ، وحين يدعون إلى حرية اللغة يقصدون الخروج باللغة عن سياقها ومضمونها وتحررها من إطارها التاريخي والبلاغي المرتبط بالبيان العربي والقرآن الكريم .
ويؤرخ أدونيس للحداثة بالدعوات التي خرجت على الإسلام ( المختار الثقفي والزنج والقرامطة ) ، ويرى أنها قامت بالتحرر من الثبات ، وكذلك دعوات الزنادقة ( في الشعر ) من الثبات ، والإباحية ودعاة وحدة الوجود والحلول والاشراق .
وبالجملة فإن الحداثة ( أيدلوجية مناهضة ) للإسلام الدين الحق والأخلاق وهي تقوم على الغموض في فهم النص ، وتفسيره تفسيراً مختلفاً ( لأن الشاعر ليس مطلوباً منه أن يفهم ما يكتبه ) ودعواهم الباطلة أنهم يتشبهون بتعابير القرآن متناسين أن لمفسر القرآن شروطاً لا بد أن تتوفر فيه .
وهم حين ينكرون العمودية في الشعر أو ينكرون التقييد بالوزن والقافية إنما ينطلقون من مفهوم الحداثة القائم على التمرد والثورة على كل قيد عقدي أو فني " كما تمرد أبو نواس وصوفية وحدة الوجود والحلاج ونظرية الحاكم بأمر الله " .
وقد استعمل الحداثيون نفس الألفاظ التي استعملها الباطنية سواء في الغرب ( نيتشه وفرويد ) أو في الشرق ( الباطنية والحلوليين ) .
ويرد أدونيس مفاهيمه إلى أصولها :
( السريالية قادتني إلى الصوفية وتأثرت بها أولاً ولكني اكتشفت أنها موجودة بشكل طبيعي في التصوف العربي ( يقصد التصوف الفلسفي ) وتأثرت بالماركسية ونيتشه من حيث القول بفكرة التجاوز والتخطي وتأثرت أيضا بأبي تمام وأبي نواس من حيث فهــــم اللغة ، ولم تكن تورة المختار الثقفى والثورات القرمطية وثورة الزنج إلا توكيداً للقاعدة الماديــة ( الأرض - الاقتصاد - علاقات الإنتاج ) ومن هنا نعرف أن حداثة أدونيس هي تلفيق من فكر الباطنية والملاحدة والإباحينن في الشرق والغرب وأنها تستهدف ( ثوابت الإسلام ) والإيمان بالغيب وتقوم على أسس ثلاثة :
1- عدم الانتماء لأي قيم أو منهج .
2- التمرد على كل الثوابت وفي مقدمتها الدين والأخلاق .
3- استعمال قواعد اللغة استعمالاً مغلوطاً .
4- بناء الصور الشعرية على أنقاض الأساطير القديمة .
مصطلح المطلق
وأخطر ما يركز عليه دعاة الباطنية الحديثة ( الحداثة ) هو ما يســمونه ( المطلق ) وهو الله تبارك وتعالى . وما من واحد من هؤلاء إلا وله في هذا المجال شعر رديء مليء بالإلحاد والفجور والله تبارك وتعالى أعلى وأجل عما يقولون . وهذا يكشف عن أن الهدف الحقيقي هو الثورة على العقيدة والألوهية والجذور الأصيلة للتكوين الاجتماعي وعلى كل ماهو متعارف ومقعد ومنظم ومتقن حتى القواعد اللغوية .
ومهاجمة النص المقدس عملية واضحة وأساسية في دعوتهم :
يقول كمال أبو ديب : ( من الدال جداً على أن النص المقدس في جميع الثقافات التي نعرفها هو نص قديم فليس هناك من نص مقدس حديث والحــــداثة بهذا المعنى هي ظاهــــــــرة اللا قداسة ) .
وهو يقصد بالنص المقدس القرآن والأحاديث النبوية وكل كتاب ديني تقدسه الأديان ، ويقول : ( لأنه لا سبيل لأن يكون الأدب حديثاً إلا إذا رفض كل نص مقدس وأصبح نقيضاً لكل ما هو مقدس حتى العبادة ) .
فالدعوة إلى تدمير القداسة . هي هدف أساسي في دعوة الحداثة ، وهي لاتقف عند ذلك بل تدعو إلى مقارفة الخطيئة بدعوى رفض كل قيد على الحرية الإنسانية ، ومن دعواهم إلغاء الخطيئة وبكارة الإنسان وإحراق التراث . وإلغاء الخطيئة يعني أنه لا خطيئة في الحيـــــاة ( الزنى ، الربا ، السرقة ، العقوق .. إلخ ) فيقولون : كلمة الخطيئة : يجب أن تشطب من قواميس اللغات .
والدعوة إلى العصيان المعلن قاعدة أخرى ، متمثلين بقول ( أبي نواس ) :
فإن قالوا حرامٌ قل حرامٌ .. ولكن اللذاذة في الحرامِ .
وقد أعلن أدونيس في كتابه ( الثابت والمتحول ) أنه يرمي إلى تحول يزلزل القيم الموروثة من دينية واجتماعية وأخلاقية ، تحول في الثقافة التي يبثها الإسلام بقيمه الدينية ، ونحن نقول له هيهات فقد كان غيرك من الزنادقة أقدر ، والمعروف أن الأب بولس نويا اليسوعي هو الذي قدم منهجه ووصفه بأنه ( شاعر التحول المستمر ) .
وقد ركز على عبارة أدونيس ( نفسي تجردت من الماضي وقيمه كلها بما فيها القيم الدينية والخلقية ) . وعلق الأب بولس على ذلك فقال : " لقد انتهيت إلى نتيجة هي أن الرؤيا الدينية هي السبيل الأصلي في تغلب المنحى الثبوتي على المنحى التحولي في الشعر ، إن النظام الشامل الذي خلفه الدين ( يقصد الإسلام ) ، كان هو العامل الأساسي الذي جعل المجتمع العربي في القرون الثلاثة الأولى يفضل القديم على الحديث بحيث إنه وضع القديم في مجال الكمال واعتبر كل جديد خروجاً على المثال الكامل " .
وهكذا نرى كيف تتضافر قوى كثيرة على تأييد هذا المذهب وتشوه صفحات التاريخ الإسلامي ، وترى أن ثلة من الزنادقة ظهروا في القرن الثالث وداستهم الأقدام ، كانوا عوامل تجديد وحداثة كاذبة بدعوى أنهم تجاوزوا الثوابت واجترؤوا على الحقائق الإسلامية .
وهكذا كانت دعوة الحداثة : التحول هو المنطلق : وإن التجرد من كل الموروثات التي نمت مع نمو تاريخنا الإسلامي هو أساس المواجهة ، ومن العجيب أن أدونيس وثلته كانوا من المتجردين من موروثاتهم وأوساطهم وأسرهم وعقائدهم التي نشؤوا عليها وتنكروا لما غذتهم به أمهاتهم وآباؤهم من إيمان . وهكذا يدعو هؤلاء الخارجون على أمتهم ، يدعون الناس إلى خروج مثل خروجهم . إن هؤلاء ينكرون مفهوم الإسلام الجامع بين ( الثوابت والمتغيرات ) ويلجؤون إلى مفهوم الغرب الذي كان يؤمن بالثوابت وحدها ، وقد دفع هذا بعض المفكرين إلى تحطيم الثبات ، بالدعوة إلى ( التغيير المطلق ) ولكن هذه الدعوة لا تصلح في أفق الفكر الإسلامي لأنه لا حاجة له بها ، ( لما جاء الإسلام أرسى قواعد الثبات ونظم وسائل التحول والتغيير والتطور من داخل الثوابت الأساسية القائمة على الخلق والمسؤولية الفردية والإيمان بالبعث والجزاء ومن هنا وقف الإسلام أمام كل دعوة باطلة ترمي تحت اسم التحول إلى القضاء على الثوابت أو هزها أو النيل منها ) .
وتلك سنة الله في خلقه وناموسه في قيام الأمم والحضارات وتحولها وسقوطها . وكل الدعوات التي حاولت أن تنال من الثوابت الإسلامية ، كالبابية ، والبهائية ، والقاديانية والقرمطية فقد تحطمت لأنها مخالفة لمنهج الله وستذهب ( الحداثة ) وتدوسها الأقدام قبل أن يعرف دعاتها من أين أتتهم الجائحة ( فأتاهم الله من حيث لم يحتســـــــــبوا ) الحشر : 2 . مهما بلغ ارتفاع اسمهم فهو إلى انحسار ومهما انتشر فكرهم فهو إلى زوال .
ومقطع الرأي في ( الحداثة ) أنها
أولاً : ردة إلى طفولة البشرية وهجوم مستتر على الفصحى لغة القرآن بهدف تدمير منظومة البيان العربي التي عرفها العالم منذ أربعة عشر قرناً والمنسابة في جيمع كتابات العلماء والمؤرخين والفقهاء والتي تقوم على فقه اللغة والبيان والتحقيق التاريخي الذي استمده المسلمون من علم الحديث النبوي .
ثانياً : تهدف إلى تقويض المنزع الحقيقي للأدب العربي المرتبط بالقرآن الكــــــريم والســنة ، كما تنزع إلى إغراقنا في مذاهب تجريدية والرموز والدادائية والسريالية .
وقد وصفه الدكتور مصطفى بدوي بأن ( الفن الذي استجاب لما حل بأوروبا من اضطراب شامل وكان نتيجة لانعدام اليقين والتجديد المعلن ، إنه الفن الوحيد الذي يصلح لانهيار العقل ولما صارت المدنية إليه من دمار إبان الحرب العالمية الأولى ، إنه في المجون والترف : دارون وماركس وفرويد ، جاء بعد القضاء على الحقائق العامة المشتركة وعلى أفكارنا التقليدية عن العلية ، وبعد اندثار الآراء المتوارثة عن وحدة الشخصية الفردية فأين نحن العرب من هذه الأشياء ؟!
إن ( المودرنزم ) حركة أوروبية ليست مقصورة على دولة واحدة من دول الغرب ، وهي شديدة الصلة بتأريخ أوروبا السياسي ومرتبطة بفقدان الإيمان الديني وهي تطوير للرومانتيكية والرمزية والواقعية بل ظهر ما يسمى بما ( بعد المودرنزم ) .
وهذا يختلف تماماً عن طوابع الأدب العربي العميقة الصلة بالقيم الأساسية من الدين والأخلاق .
وإذا كانت هذه الدعوة المدعاة قد وجدت من بعض القوى ما يفتح لها الطريق ، فإن هذا البريق الهلامي سوف لا يثبت تحت ضوء الشمس ، وقد انهزم شعراء الحداثة في المواجهة ، وتراجعوا في أكثر من موقع ، وحاولوا أن يغيروا خططهم . وقالوا إن شعر الحداثة يقرأ ولا يلقى ، وعجز أصحاب الحداثة عن بيان ما في نفوسهم فادعوا أنهم طلاب غموض ، وقد رفضهم المثقفون ، واتهموهم وانقطعت الجسور بينهم وبين الأدب الأصيل .
إن هذه الدعوة وافدة وليست لها جذور ، وهي كالنبت الغريب الذي يوضع في الأرض فلا ينبت ، وقد رفض الجسم الإسلامي العضو الغريب في محاولات كثيرة سابقة ، وفي هذه المحاولة يرفض بحسم التغريب ويرفض ما وراءه من أهواء ومن أهداف ومطامح ، لم تعد خافية على أحد .
منار الإسلام
ربيع الأول 1406هـ
زاهية
21-01-2006, 04:23 PM
بارك الله فيكم جميعاً وهذا الموضوع من الأهمية بمكان وكنت قد قرأت بحثاً شاملاً قام به الدكتور حسام في مكانٍ آخر وكان بحثاً رائعاً سأحاول البحث عنه وضمه إلى هذه الدراسة أو افراده في مشاركة جديدة فنحن الآن بأمس الحاجة لمثل هذا البحث
أختكم
بنت البحر
سعيد أبو نعسة
21-01-2006, 11:23 PM
الأخ العزيز عطية العمري :
أشكرك على نقل هذه الدراسة الجادة وأشكر الزملاء الذين أدلوا بدلائهم حولها .
بعيدا عن نظرية المؤامرة ودور الحداثة و الحداثويين في محاولة هدم الموروث الثقافي و الديني الشريف فإنني أود التأكيد على ما يأتي :
- علينا أولا أن ننقد أنفسنا ونتبين مظاهر عجزنا و تخلفنا قبل أن نلوم الأعداء الأغراب منهم و الأعراب فنحن إبان الحكم العثماني مررنا بردّة أدبية فنية جعلتنا نطلق عليها ( عصر الانحطاط ) و الذي حدث أننا أفقنا فجأة على وقع طبول الحداثة التي استوردها لنا المهاجرون الأوائل ( رفاعة الطهطاوي و فارس الشدياق و أبناء اليازجي ) ومن بعدهم أطل علينا أعضاء الرابطة القلمية ( جبران و ميخائيل نعيمة و إيليا أبو ماضي و سواهم ) بتجاربهم الجديدة المنقولة عن الغرب وهكذا رغبنا في مسايرة التطور عبر الترجمة الحرفية للمذاهب الأدبية و النتاجات النابعة من بيئات غربية فقفزنا قفزة نوعية أحدثت شرخا و انفصاما حادا بين ما اعتدنا عليه من تراث الأجداد و ما وفد إلينا من نتاج الرواد ولم يعد بمقدورنا العودة إلى الوراء لهضم التجارب و المدارس رويدا رويدا فصرنا نلهث وراء التقليد بدعوى أنه تجديد فلا إلى الأصول عدنا و لا إلى الحديث انقدنا وما زلنا حتى اليوم و سنظل مستقبلا نجتر أنفسنا و هزائمنا لا لشيء إلا لأننا قفزنا في المجهول و لم نصعد سلم التطور درجة درجة و لم نبتدع مدارسنا الأدبية من واقعنا و تراثنا و عاداتنا و تقاليدنا بل استوردناها معلّبة جاهزة من جملة ما نستورد .
- الحداثة ببساطة هي ضد القديم وهي مطلوبة و ضرورية إن كان المقصود بها التجديد في الأدب و الشعر و كل مناحي الحياة فليس عيبا أن تتجدد الصور الشعرية و الموضوعات و الاستعارات و التشبيهات بما يتناسب و روح العصر و الواقع الراهن و ليس عيبا أن نجدد في شكل القصيدة طالما أن المضمون ملائم لعقيدتنا السمحاء و أخلاقنا العربية الأصيلة و عاداتنا و تقاليدنا .
- لقد استورد الغرب منا علومنا و ثقافتنا و فكرنا يوم كانت شمس العرب تطل على الغرب و فرح الغربيون كثيرا بذلك التجديد و التحديث و هضموه و بنوا عليه محافظين على ثقافتهم و عاداتهم و تقاليدهم و أنتجوا للعالم حضارة ماثلة للعيان و علينا اليوم أن نأخذ عنهم كل جديد و حديث و أن نطعّمه بثقافتنا و مبادئنا و مثلنا العليا و أن نساير الركب و التطور .
- الطبيعة تكره الفراغ و نحن بتخلفنا و انحطاطنا أوجدنا فراغا ملأه الغرب القوي بثقافته و فكره و عاداته و تقاليده و علينا بدل تشخيص المشخص و تحليل المحلل أن نتدارس الأمر و نتدارك الخطر و نعقد المؤتمرات الفكرية و الأدبية للنهوض بواقعنا و لاحتلال مركزنا بين الأمم .
- ربما كان الأدباء اللادينيون يتحملون مسؤولية كبيرة في تحميل الحداثة ما لا تحتمل و جعلها معول هدم للتراث و الدين و لكن الحداثة ليست مسؤولة عن هذه الجريمة بدليل أن هناك العشرات من شعراء الحداثة ( شعر التفعيلة و قصيدة النثر ) قد حافظوا على المضمون الديني و الأخلاقي و على المبادئ و المثل العليا و ناضلوا في سبيل القضايا العادلة وطنيا و قوميا و إنسانيا .
- هناك العديد من الشعراء الذين رفضوا قصيدة النثر و حافظوا على الشعر العمودي و مع ذلك جددوا في الأفكار و الصور بما يتلاءم و روح العصر فكانت أشعارهم في القمة السامقة و منهم : سعيد عقل وهدى ميقاتي و محمود نون و هم بذلك يعتبرون محدثين مجددين تماما كما اعتبر أبوتمام مجددا في عصره و زمانه .
الأدب ابن بيئته و بيئتنا تعاني اليوم التخلف والانحطاط والتغريب و التخبط و الاحتواء وسيظل الأدب يعاني ريثما نقف على أرجلنا و ننجح في المواجهة و نلتقط أنفاسنا ونشرع في التخطيط والبرمجة للحاضر و المستقبل ونخطو خطوات ثابتة نحو إثبات ذواتنا وبعدها سنجد أدبنا نابعا من ذاتنا مرآة لمجتمعنا و لسوف نكون محصنين ضد الاحتواء و الابتلاع و العولمة و غيرها مما سيستجد من مصطلحات .
دمتم جميعا في خير و عطاء .
خليل حلاوجي
23-01-2006, 08:03 AM
قبل أن أهضم كل الكلام الذي أورده استاذنا الفاضل _ المازني _ جعله الله لي أنا شخصيا" ذخرا" وخميرة لعصارة القيم الاصيلة ... ولي معه وقفات عديدة
وربما اعتراضات التلميذ على استاذه
وسأكتبها تفصيلا" لعل الله يشرح صدورنا لنصل الى توفيقه كي نرى الحق حقا" ... أجمعين
فلك مني استاذنا أعطر التحيات وأصدق الدعوات بان يجزيك ربي خير الجزاء
اقول
اولا"
كلام الاخ سعيد ابو نعيسة – رعاه الله –
أوافقه فيه كلمة كلمة وحرف حرف سوى أني أبغي ان اقول
أنه أعتبر مصطلح الانحطاط وقد حدد زمنه ابان الحكم العثماني
وهذا كلام لااجده منصفا
يقول
(( فنحن إبان الحكم العثماني مررنا بردّة أدبية فنية جعلتنا نطلق عليها ( عصر الانحطاط ((
وقبل تحديد الزمن أجدني ملزم بتحديد مضمون ( الانحطاط ) الذي اورده
أقول وبالله أستعين :
أورد الدكتوربكري شيخ امين في مقدمة كتابه ( مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني ) مايلي :
يخيل الينا انه ما من عصر من عصورنا الادبية اصابه من الظلم في الاحكام والاهمال في الدراسات ما اصاب هذا العصر وناله ، واكثر من هذا ، اعتقادنا الجازم ان هناك عملية خفية تهدف الى صرف الباحثين عن دراسة هذه الحقبة والاكتفاء بحكم سريع ظالم عليها
ثم هاهو يصف العلة بانه عصر وقف فيه الشعراء مدافعين ضد اعداء الامة ويقول
ويلوح لنا ان مادفع بعض الباحثين الى وصم العصر كله ب ( الانحطاط ) ليس مرده مافي الشعر والنثر من محسنات وزخرفات لفظية او غير لفظية ولا الى قلة مافيهما من معان وفكر وماء ورواء( ويضرب مثلين لتوضيح السبب
1\
لقلبي حبيب مليح ظريف .... بديع جميل رشيق لطيف
وبطريقة تبادل مفردات هذا البيت وتقديمها وتاخيرها يمكن صنع اربعين الفا" وثلاثمائة وعشرين بيتا" اكرر ( 4320 ) بيت وانتم خبراء بما تعني طريق التبادل
2\
بابلو بيكاسو
زعيم الرسامين المعاصرين السرياليين جاء بقطعة قماش بيضاء وقربها من ذنب حمار مربوط بعد صبغ ذنبه بالوان مختلفة واغراه بتحريك ذنبه وماهي الا دقائق حتى ارتسمت على القماش خطوط ... طبيعي لامعنى لها
جعل لها بيكاسو أطارا" ووقع في احدى وزاياها وسماها ( طحالب الصبايا )
في اليوم التالي اصطف النقاد يدرسونها ويستنبطون منها روائع الابداع والصحف تنقل اقوالهم ومن لغة الى لغة واخيرا" بيعت بثلاثمائة وخمسين الف جنيه انكليزي
يقول الدكتور بكري
هذان مثلان ان لم يكونا متطابقين فهما على الاقل متقاربان
أذ الاول يحمل في طواياه صورة من صور العبث في طريقة تبادل مفردات البيت الشعري والثاني عبث واستهزاء بالناس حيث نقاد الفن ينظرون بعيون غيرهم او يبصرون بآذانهم
العجيب
تشابه المثلان في المظهر واختلفا في الحكم
البيت المولد لاربعة الاف بيت ... انحطاط
وطحالب الصبايا ابداع بل ومعجزة العصر
هل هناك أخلاص أذن للحقيقة ؟
ثم يواصل الدكتور بكري القول
لسنا نقول ان ادب العصر المملوكي والعثماني أدب ازدهار انما نريد ان نكون منصفين عادلين نصف القوي بالقوة والضعيف بالضعف ونعطي كل ذي حق حقه
كذلك
فليس جميع الاقطار العربية والاسلامية كانت في هذين العصرين على حد سواء في مستوى التعبير والتفكير بل ان الحكم ليختلف من بلد لاخر ومن شاعر لاخر
انتهى كلامه ( أسعده الله )
وهنا اود التركيز سادتي على بضع نقاط
1\
ينبغي التفريق بين عصر انحطاط سياسي مرت به الامة
وبين ظهور شاعر يحمل قيم انحطاط
2\
من يشعر فيصور بدقة ماتبصره العيون ليس بالضرورة هو نفسه من يشعر ويركب ابيات شعره بحركات تراكيبية وتفكيكية ليخلق لنا اربعة الاف بيت من ذات الكلمات
فالمسافة بين التفكير والتعبير هي من يحدد قيمة وتألق حس الشاعر
فقد يكون مابينهما لشاعر يضع لنا في قصيدة واحدة مئات الابيات ولكنه يغفل انه باعد بين الفكر والشعر بعد المشرقين
وربما اختصر لنا احد المبدعين رؤية تصلح ان تكون شعارمرحلة وابياته لم تتجاوز في عددها اصابع اليد ...وهنا سأضع متن وشعار الواحة الثقافية المباركة وسيدها سمير ونجومه الزاهرات من شعراء الواحة وقد تبنوا ( الفكر قبل الشعر ) موضع الاجلال في الابداع أذن
3\
ينبغي التفريق بين تطرف شاعر ما في لحظة من لحظات شعوره وبين تمرد شاعر على المألوف طوال مسيرته الشعرية
وأيضا" التفريق بين الخروج عن الثوابت الادبية وبين الخروج عن المرجعية المقدسة
فلايمكن ان نصف شاعر بانه قد كفر ان هو خرج عن الضوابط الادبية ( كونها عرف ادبي فحسب) وبين شاعر آخر خرج عن مقررات وروح الشريعة وثوابتها وبدأ يصرخ بكفره صراحة"
فلا يؤخذ الاول بجريرة الثاني
والاول ربما اصبح مجدد في المدرسة الادبية له من يقرأ ما يكتب
والثاني ربما أصبح منبوذ من فضاء الثقافة العربية وأن وجد له من يقرأ له من شواذ ألآذان
4\
لاجل جلاء الصورة
وددت لو نتفق وبعيدا" عن متاهات المصطلحات المستوردة
أن نجعل من الواحة ومن فيها من رموز فكرية وشعرية
الصوت الجديد لنسميها ( الحداثة ) المصانة بثوابت الشرع
نؤسس
ونحرس
صرحا" لعل الحجيج من اصحاب الذائقة يصلون الينا
وسابسط في هذه النقطة مقترحاتي
أن قبلتم سادتي بالفكرة
وانا منتظركم على أحر من الجمر ... لأبدأ
د.إسلام المازني
23-01-2006, 02:01 PM
بارك الله فيكم
وتبيين حقيقة الطابور الخامس لا يعني أنه وحده الملوم بالطبع كما قال أخي الحبيب سعيد بارك الله فيه
وأشكر دخول أخي الحبيب خليل وتباحثه الجميل ....
وأكمل لإثراء الموضوع
أقول من منبرنا هذا :
الحقيقة أنه لابد من تحديد كل عوامل التدهور ومن ثم تحديد سياسات النهوض
ولإثراء المقال
أورد مبحثا خفيفا لأختنا قلم، وهي حاصلة دكتوراة في العقيدة، وتكتب معنا لكن ظروفها تمنعها ..
وهذا من مبحث تم بيننا على صفحة بالشابكة
الحداثة بين القالب والمضمون(1)
الحداثة مأخوذة من الحدوث , وهو كون الشيء بعد أن لكم يكن .
والشاعر الحداثي كما يصوره منظر الحداثة في العصر الحديث أدونيس
بأنه :" الذي يخوض معركة التحرر من القوالب السلفية التي تحاول بدورها
أن تشله وتعزله عن حركة التاريخ وعن التغيير , وتبقيه في عالم الثبات ,
إن هذه القوالب السلفية في الفكر والحياة معا , تتحول إلى دعائم مشتركة ,
تشارك بشكل أو آخر في الحيلولة دون تحقيق التحرر الكامل "
[ الأدب والحياة , د. ماهر حسن :82] .
إذا الحداثة هي حركة فكرية أدبية ترمي إلى التحرر والانطلاق من كل قيد
باسم التجديد ونبذ التقليد , تهدف الدين والأخلاق والقيم واللغة التي بها تفهم
هذه المعاني الخالدة .
أما الرمزية فهي تعد من أهم خصائص الفكر الحداثي وإن صح التعبير هي
الوسيلة التي يعتمد عليها في نشر مبادئه وتحقيق مراميه في ساحة الأدب
والفن , يمكن تعريفها بأنها محاولة استبطان الكلمات اللغوية ؛ حيث يعرف
الشاعر الحداثي ـ عندهم ـ بأنه الذي يفر من الواقع على نحو آخر , لا يقدر
على البوح بما في ذاته من آلام أو تجارب قاسية , وإنما ينشر حول ذاته
وأحاسيسه ضبابا وغموضا وموسيقى , يتعمد الابتعاد عن اللغة وعن دقتها
؛ لأنهم لا يعبرون وإنما يحاولون أن يبعثوا النشوة عن طريق الإيحاءات
الرمزية .
[الصراع بين القديم والحديث د. محمد الكتاني :446]
فالرمز عبارة عن وسيلة للإيحاء بالمراد دون أن يقطع بالدلالة عليه , إذا
هو نوع من أنواع التعبير الإيحائي النفسي , يجعل من الكلمة غطاء يخفي
خلفه معان مرادة إذا ما قورنت بالمعنى الصحيح أو المعروف في المعاجم
تكاد تسم تلك العلاقة بالبتر والانقطاع , "لقد قام المذهب الرمزي الذي
أراده بودلير على تغيير وظيفة اللغة الوضعية ؛ بإيجاد علاقات لغوية
جديدة , تشير إلى مواضع لم تعهدها من قبل"الاتجاهات الجديدة , عبد
الحميد جيدة .
وإذا ما أردنا التعرف على مفتاح شخصية هذا الأديب الذي ابتدأ هذا
الأسلوب في الأدب ؛ نجد أن حياته كانت صورة معبرة عن الحياة
الأوروبية بما تعج به من فساد خلقي وانحلال سلوكي مرضي نفسي , ثم
تبعه على نفس المنهج رامبو الذي أعلن بصراحة الدعوة إلى تحطيم
المعايير الأدبية في استخدام الألفاظ , وسار على إثره مالارميه وبول
فاليري ثم اليهودي عزرا باوند وتوماس إليوت وقد تأثرت بهم الموجات
الأولى من الحداثيين العرب مثل : السياب ونازك والبياني وحاوي
وأدونيس وغيرهم تأثرا كبيرا
[الحداثة في ميزان الإسلام, عوض القرني: 17ـ24]
لقد كانت المدارس الأولى للأدب العربي أمثال مدرسة الديوان ومدرسة
المهجر ومدرسة أبوللو بعد الاحتلال الأجنبي على الدول العربي تمثل
إرهاصا للفكر الحداثي الذي تبلورت اتجاهاته ومواضيعه على يد نازك
الملائكة وعبد الوهاب البياني وبدر شاكر وأحمد سعيد أدونيس
د.إسلام المازني
23-01-2006, 02:03 PM
ومن أهم خصائص اتجاه الأدب الحداثي :
ـ محاربة نظام الشعر التقليدي والتقييد بألفاظ اللغة العربية:
فهذا نزار قباني أحد شعراء الحداثة يعلن نقمته على اللغة العربية حيث
يسميها اللغة المتعجرفة , وتشتد نقمته على المجامع اللغوية التي لا تجيز
التخبط في المصطلحات الحديثة وإدخالها في اللغة العربية
[البيان:العدد27ـ96] .
ـ الرمز والغموض:
"فهم يسعون من خلال الغموض إلى إنشاء وإيجاد واقع فكري جديد منفصل
ومقطوع عن واقع الأمة الفكري وماضيها العلمي والعقلي والأدبي في
الشكل والمضمون , بالإضافة إلى أن غموضهم فيه من الرموز والوثنية
والإشارات الإلحادية ما يفك تلك الطلاسم وتلك الرموز أمام الباحث ويحدد
له وجهة أهلها وغايتهم في الحياة".[الحداثة في الميزان:43]
تقول نازك الملائكة:
أين أمشي مللت الدروب
وسئمت المروج والعدو الخفي اللجوج
لم يزل يقتفي خطواتي
فأين الهروب
فالعدو رمز للقدر والضياع رمز للعبثية وانتفاء الحكمة , هكذا تصور نازك
الملائكة لحظات عمرها ؟ ياله من شقاء ...
[الرائد في مدرسة الأدب الحديث / مصطفى الدباغ:191.]
أما عن أسباب نشوء الرمز وظهوره كسمة بارزة في الأدب الحداثي ,
فيقول محللو الأدب : إن استخدام الرمز يشيع عند صعوبة المواجهة ,
وحيث يعيش الشاعر في بيئة لا يمكن له مواجهتها بما يتصادم مع مبادئها
وأخلاقها ؛ فيلجأ إلى استخدام هذا الأسلوب حتى يتمكن من البوح بداخلة
مشاعره مع التحفظ على المجتمع الذي يعيش فيه
[الرمز والرمزية , سليمان الشطي:10] .
فحين ظهرت طبقة من الأدباء تمثل نسخا للغرب ومسخا للشرق , تعيش
بقلب أجنبي ينبض في عروق إسلامية ؛ لم تعد قادرة على كتمان ما يضج
بداخلها من تبعية وانسياق وراء حضارة الغرب وبريقه , فأخذت الرمز
وسيلة تبثه سمومها وتوجهه كضربات تريد به القضاء على الدين واللغة.
[انظر:البيان العدد:80/58]
ولعل كتابات نجيب محفوظ تعد أنموذجا لهذا الاتجاه الرمزي الملحد الذي
يعبر بدوره عن انحراف خطير في اعتقاده وقيمه , وبالأخص رواية أولاد
حارتنا والتي حازت إعجاب أعداء الإسلام فأثيب عليها بجائزة نوبل , كما
هو معلوم .
د.إسلام المازني
23-01-2006, 02:05 PM
تبني التيارات الغربية والقومية الملحدة
لقد صارت الحداثة بوقا لكل مارق أراد الخروج عن القيم والفضائل ,
فواكب هذا المذهب الأدبي الحديث الكثير من النظريات الفلسفية الإلحادية
, والتي كان أربابها من فلاسفة الغرب النصراني , فتبناه كل منافق وزنديق
بزعم مواكبة الحديث , والترفع عن القديم الموروث , فظهرت اتجاهات
فكرية إلحادية متعددة حملت طابع الإلحاد بوجه عام , وإن اختلفت أساليب
تقريرها لهذا المبدأ .
يقول منظر الحداثة أدونيس في رسالته المقدمة لدرجة الدكتوراة::" الثابت
والمتحول , التغيير لا الثبات , والاحتمال لا الحتمية , ذلك ما يسود عصرنا
, والشاعر الذي يعبر تعبيرا حقيقيا عن هذا العصر هو شاعر الانقطاع
عما هو سائد ومقبول , الشعر الذي يهدم كل حد , بل الذي يلغي معنى الحد
؛ بحيث لا يبقى أمامه غير حركة الإباد وتفجيرها في جميع الاتجاهات
[حركة الشعر الحديث:122]
فمثلا نجد الاتجاه الماركسي صريح عند السياب وأدونيس ,والوجودي عند
صلاح عبد الصبور , فالجدلية التي بني على أساسها النظام الماركسي ,
يعبر عنها أدونيس معلنا إلحاده وكفره , فيقول:
إنني لحظة المعجزات
لحظة الموت والحياة
[الحركات الفكرية الأدبية ـ أبا عوض أحمد الفارابي ـ387]
ولعلي إخواني القراء أكون قد أثقلت عليكم بهذا الكفر الممجوج والتبعية
المحتقرة , ولكن من المؤسف حقا أن يتأثر الكثير من أدباء الأمة بهذا
الغثاء وهذا الإلحاد .
بقي أن أؤكد على حقيقة مهمة ينبني على أساسها صدق المعيار الذي به يتم
تققيم هذا الاتجاه الأدبي في الفنون والآداب ذلكم هو الفرق بين القالب
والمضمون , إذ الكثير من أدبائنا في العصر الحديث يصيغون نتاجهم
الأدبي ما بين شعر ونثر بذات القالب الذي يستعمله الحداثييون ؛ فهل
يكون ما تقدم حكما شاملا لكلا النوعيين ؛ بحيث يصدق عليهما وصف
الحداثة , هنا لا بد من التفريق بين القالب والمضمون , فالقالب نقده وتقييمه
ليس من اختصاص نقاد المذاهب والأفكار والعقائد وإنما هو من اختصاص
أهل الأدب والشعر , أما المضمون فهو الذي يجدر الحكم عليه بأنه أحد
المذاهب الإلحادية الهدامة التي استهدفت أدب الأمة وقوام نتاجها من
الشعر والنثر , وإلى هذا أشار شاعرنا الكريم الدكتور عبد الرحمن
العشماوي , فقد نبه إلى أنه قد يكون الرجل حداثيا وليس له ميول أدبي
وإنما صح أن يطلق عليه ذلك لأنه يتبنى أفكار الحداثيين الإلحادية والتي
ترمي إلى التحلل من كل القيود والمعايير.
أما عن الرمزية التي عدها أهل الأدب من أهم مميزات الفكر الحداثي ,
فيمكن أن نضيف إليها تنبيها آخر , وهو كونها أداة استعملها الحداثييون
لهدم اللغة العربية لغة القرآن الكريم , ولا شك أن الحفاظ عليها حقيقته
إعمال للأمر بتدبر القرآن وحفظه والعمل به , إذ يفرق بين الإيجاز الذي
هو من أسس البلاغة والفصاحة , حتى أن بعض الأدباء عرف البلاغة
بأنها الدلالة على المعنى بأوجز لفظ وأبينه , يفرق بين هذا الأسلوب
المعهود في القرآن الكريم ولا أريد أن أطيل في هذا المجال بذكر آيات ورد
فيه هذا اللون حتى لا يطول بي المقام و إنما فقط أردت التنبيه , أقول يفرق
بين هذا الإيجاز وبين الغموض والإبهام وتبطين الكلمات بقصد الإغراب
والتمويه , إن هذا مما يفسد جمال اللغة ويهوي بالأدب والفنون بعيدا عن
المبتغى منه إذ الترقي بالقيم والأخلاق وتصحيح المفاهيم وتطييب
الأحاسيس هي أهم ما يرمي إليه فأين هذا من وساوس العفاريت
, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على
نبينا وآله وصحبه أجمعين
عبلة محمد زقزوق
23-01-2006, 04:35 PM
سلام الله ومحبته ـ كرام القوم وأهله
تحياتي أستاذي الفاضل ـ عطية العمري
والشكر على جميل هذا الموضوع الشيق ، والثري بعظيم الفكر من كل المشاركين .
فإذا كان هذا التحديث يمس لغتنا العربية ، لغة ديننا الحنيف ، وقرآننا الكريم كلغة . فإننا نحاربه بكل ما أوتينا من إيمان راسخ بكلمة الله وبلاغته فهو خير معلم ؛
نعم نحارب من جاء بالتحديث لتغريب لغتنا والعبث بها بحجة التطور اللغوي .
فالعلوم العربية والإسلامية منظومة واحدة تلتف قي جوهرها حول اللغة العربية ، لذا فإن المحافظة على هذه اللغة بنحوها وصرفها وبلاغتها هو الكفيل للحفاظ على هذه العلوم .
وحيث أن الثقافة الأكثر فاعلية اليوم لم تعد ثقافة الكتاب والصحيفة والفكرة ، بقدر ما أصبحت ثقافة الصورة والمعلومة أو الحاسوب وبنوك المعلومات فبنية المعرفة هي التي تخضع للتبدل والتحديث ، فكل شئ نقبله ونتفاعل معه ، إلا المساس بلغة الضاد وتغريبها ، وأسس ديننا من عقيدة سمحة ، ومن أسسس ونظم صاغها الله لنا في اللغة بكتابه الكريم القرآن الحكيم ؛ وبسنة نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم .
ولابد أن نعلم أن أول التنازلات تكون من خلال أول درجة .
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حُفاة عزلاً { كما بدأنا أول الخلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين } ألا وإن الناس يكسى يوم القيامة إبراهيم ألا إنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : يارب أصحابي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا ." صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم "
اللهم أكفينا شر أنفسنا ، وشر ما يأتينا من خارج ديننا كفتنة تشتت لغتنا وتغرب أصولنا .
عطية العمري
26-01-2006, 09:42 AM
الإخوة والأخوات الكرام
د . إسلام المازني
زاهية
سعيد أبو نعسة
خليل حلاوجي
عبلة محمد زقزوق
بارك اللـه فيكم جميعاً على اهتمامكم بالموضوع وعلى إضافاتكم القيمة وإثرائكم للموضوع من جوانب متعددة . فدمتم جميعاً بألف خير ولا حرمنا اللـه خيركم الجزيل
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir