أحدث المشاركات
مشاهدة تغذيات RSS

صديق الحلو

مقال أدبي

تقييم هذا المقال
وشيبان تبكي فتاها القتيل (10 فبراير 2012)

عبد الله علي إبرهيم

منذ تعرفت على "القاموس العربي العربي" على الكمبيوتر زدت طولاً في معانيه وعرضا. فما فتحته حتى ساقنى إلى دروب المعاجم العربية الجيدة أنهل منها وأعل. وأكثر ما ألقى من هذه المعاجم بمثابة "تمر هبوب". فأجد نفسي أسرح في مضمار القواميس وربما نسيت غرضي الأصلي منه ورحت أتفرس بظمأ في الكلمات والعبارات والأشعار. فأنك مثل من يرتع في رياض الجنة.

مر بي منذ أيام بيت من الشعر في رثاء أحد الثوار وهو الخارجي المعروف بالوليد بن طريف الشيباني. أنشدت الرثائية أخته المعروفة ب "الخارجية" أي التي انتمت إلى حركة الخوارج في زمن الرشيد أمير المؤمنين العباسي. واسمها ليلي بنت طريف التغلبية. فبعث الرشيد من قتل مطرفاً. فنعته:

أيا شجر الخابور مالك مورقا كأنك لم تجزعْ على ابن طريفِ

فحملت على قتلة أخيها. وشاعرات الخوارج صميمات معروفات. ولبست الدرع والجوشن. فرآها القاتل وقال دعوها ثم خرج اليها فضرب بالرمح قطاة فرسها ثم قال: اغربي غرّب الله عينيك.

لا أعرف من يواتيه الرثاء مثل النساء. فاختارت ليلي التغليبية أن تعظم الفقد بالاحتجاج على شجر الخابور. والخابور نهر بالعراق. فقد رأت من ذلك الشجر لؤماً ليئماً. فلم "يحت" أوراقه وظل على وسامته بينما انعقد الموت لمطرف فتى الفتيان وضوء القبيلة ذي النفس الخارجية السمحة الغاضبة.

صرت خلال جولاتي المزاجية لمعاجم الكمبيوتر أتوقف عند مثل بيت التغلبية فأنشغل به. ومرات أتسلى بمثل بيت التغلبية ف"أقوقله" على الشبكة لكي استفيد من مادتها فأتسمر عندها. ومن أبدع ما أطلعت عليه في باب "شجر الخابور" لليلى بنت طريف قصيدة معاصرة لشاعر عراقي هو كاظم جواد غلوم. وبدا أنه سقم الموت والبكاء معاً في عراق الموت الفاتح على مصراعيه. ورأى في رثاء ليلى التغلبية لأخيها مطرف إسرافاً. وعاب عليها أنها صبت جام غضبها على شجر الخابور لأنها لم تنثر حفيفها نحو الجهات الأربعة حزناً على مطرف. فقال كاظم إنه من فرط موت العراق صار الحزن عاهة. فنحن نقتل أبناءنا واحداً واحداً مما عطل الرثاء فصار علقماً. فدعه يمر. قال كاظم للمرأة الخارجية ليلي:

أيا امرأةً نائحة :
لماذا تريدين ألاّ يضوع الشجرْ
ويورق مثل الضحى
أخوك الوليد مضى وانقضى
فانزعي الحزنَ
لاتحتمي بالسواد
دعي البابَ مشرَعةً
كي تجيء الخزامى إليكِ
وتنشر عطرَ اللقاء الحميم
لماذا الحِداد ؟
لماذا الرثاء ؟
فأشجارنا حملتْ كرَزا
فاقعَ اللون ذا حمرةٍ تشتهيها الدماء
**** ****
أكان وعيدكَ أن تتوارى
وأنت الذي كنتَ تنشد :
أيَّ فتىً قد نسوه بعيداً هنا
وأيَّ ربيعٍ تولّى
وأبقيتَ فينا جرادَ الخريف
فيا ليتنا نفتديكَ بألفٍ من الملأِ الصِّيدِ
نبقى نقَتِّل أبناءنا واحدا واحدا
وشيبان تبكي فتاها القتيل الغريب

فتاها القتيل، فتاها القتيل.

نهر الخابور بمحافظة الحسكة بسوريا

أرسل "مقال أدبي" إلى Digg أرسل "مقال أدبي" إلى del.icio.us أرسل "مقال أدبي" إلى StumbleUpon أرسل "مقال أدبي" إلى Google

الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد إضافة/ تعديل الكلمات الدلالية
التصانيف
غير مصنف

التعليقات