صديق الحلو

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صديق الحلو

رواية مراسم العتمة ل إبراهيم الروسي... تعدد ذاكرات الوجع.
صديق الحلو.
رواية مراسم العتمة لابراهيم الروسي أهداها إلى مودة الطاهر. بحجم الوجع الذي يملأ ذاكرته. واقتبس من مكسيم جوركي :اني اقدس الأستياء الذي يشعر به الإنسان تجاه نفسه والذي يدفعه إلى الأفضل دوما. في عتمة سحيقة . هنا إبراهيم الروسي خطا مرحلة متقدمة من الحكي ثرية وموحية. لعب مع المألوف وطرق دروب التجريب دون هياب. استعان بالمجاز والرموز والدلالة فاخرج رواية تعبر عن الراهن وعن جيله بتدفق حميم. في طريقه للتمرد. التميز والخصوصية. ولج إبراهيم الروسي مشاعر غير متوفره ودروب غير مطروقة. ولع إبراهيم الروسي الواضح بالسوداناوية. وهل مازال الجيل الجديد مليئا بالخيبة. والتناثر. بعد الثورة الظافرة في ديسمبر. لا أحب التشاؤم ولكن بطلنا بصوت الراوي السارد في رواية تحشتد بالعناوين. عتمة سحيقة مابعدها عتمة. وعتمة وافرة. مع ذاكرة للوجع الأليم. وهناك رعد الذاكرة واطلال ذكريات رغم العمر الغض والإهاب الطريء. غثيان الذاكرة وانتعاش الذاكرة. ذكريات مهجورة ياللهول. روح تتمزق. رائحة الخمر. مرسي الذاكرة يا للشجن. سقوط الأحلام يا للاسي. وأخيرا الطريق إلى الضفة الأخرى....
رجل مهدور ومهزوم وتحاصره عتمة سحيقة يتوسد خيبته ويهش بعقلة الندم أينما ذهب.رغم أن حياته اوهن من بيت العنكبوت. الدلالات الدينية وإيمان عميق ورغم ذلك تتملكه الحيرة ويخشى غضب السماء. ثلاثون عاما من الإحباط والأسى. حيث تلاشى الأمل. حتى بعد تخرجه من الجامعة حصد السراب وفكر في الهجرة. رغم كرهه الاغتراب. عاد إلى القرية. حيث الجذور. ترك الحبيبة عبير التي تركت فوضى في قلبه المفجوع ابدا. ومازالت ترفرف في خاطره كالنسمة. عمل في متجر والده بالقرية ولكنه شارد الذهن ويخطيء في الحساب. وولج العتمة والمشي فيها مكسور الجناح دون تحليق. وشعر باالكل بلهاء...
وقال إبراهيم الروسي في مراسي العتمة مايريد. أجاد وساعد المتلقي الحصيف في فهم مايريد. تنويعات السرد وتجلياته. وذاك الادهاش.
حكايات المهمشين الصغيرة والمسحوقين. ملح الأرض. والأمل المجهض. ذلك ماتعمل عليه الرواية الحديثة التي استوعب تكنيكها إبراهيم الروسي فكتب لنا رواية ضاجة بالحياة والحب وجعلنا نتأثر بحياة أبطاله وبطريقته المعبرة عن خلجات النفس الإنسانية ومايمور فيها من خير وشر. هناك شيء من الفلسفة والشجاعة في طرق المسكوت عنه حيث قدم لنا الروسي عاطفة جياشة واطلعنا على عوالم جديدة َ. بسرد مشبع بالجماليات. رواية طازجة ودسمة تملؤنا بالمتعة الحقيقية وهذا اساس الرواية المتينة التي تخلخل الحواس وتملؤك بالدفق الشجي بشكل باهر ومتميز.
وقع من جبال الأحلام فاصيب بارتجاج في العقل ويأتي السؤال هل ضنك الحياة التي يعيشها الناس هو امتحان من الله بسبب أعمالهم السيئة. تقربوا إلى الله ولم يتحسن شيء في حياتهم.
حياة مملة ما أن يبلغ أحدهم سن البلوغ حتى يفكر في الزواج لينجب أطفالا يعيشون في مستنقعات البؤس ويتركهم لقمة سائغة للمعاناة. وشعر بأن مايربطة بالله نهر يابس. وصار يجلس وحيدا يرعى غنم ابليس. هل يمكن أن يخرج من اساه ليدخل دورة الحياة العادية من جديد.
رواية مراسم العتمة لابراهيم الروسي بوتقة من الجمال الفائق والحسن البديع. كشف الأزمنة القديمة بخيال دافق وحس مبدع ممتليء بالجمال. علاقة الابن والأب والعشيقة. اليأس والأمل والاسيان.
رواية كدراما معاشة. فيها كثير من الإشارات الموحية والدلالات المعبرة. اتوقع لابراهيم الروسي مستقبل مشرق في مجال الرواية وتجاوز. وذلك لسرده الجاذب. امسك الروسي بأحداثة وتعابيره وولج اقانيم متعددة للتشويق في واقع وجودي عبر عن سودان الإنقاذ وتلك الترهات ونتائج الدكتاتورية البغيضة بأسلوبها البئيس والبوليسي في تحطيم الشباب وتهميشهم. وتلك الجرائم البشعة المرتكبة وخضم الزيف الهائج. مشاهد كثيرة في رواية مراسم العتمة كشفت بصدق تلك العوالم التي عشناها جميعا. إبراهيم الروسي ذكر ويشتغل على التجريب وابتداع تقنيات مغامرة ولديه قدرة على الابهار والإبداع والتجديد.
يعرف إبراهيم الروسي كيف يختار عناوينه. عناوين جاذبة وهذه الذاكرة المشحونة بالتوهان وعدم التحقق. كأنه يرثى حالنا ونفسه. على القاريء أن يملأ الفجوات. بعد أن مهد لنا المؤلف واعطانا الخطوط العريضة. وإبراهيم الروسي مهجس بالإبداع ووفي. كتب لنا رواية بذاكرات عديدة. متجاوزا تراكم التجارب. غامر وكسب الرهان. اذهلنا جميعا بهذا الحكي الرائع في سرد روائي بديع. استطاع أن يتغلب على مصاعب الحياة وابتذالها وشوقنا لعوالمه الزاهيه وتلك الهواجس والحرمان. متعة جمالية اتاحها لنا خيال معتق. كل تلك التذكارات يشدنا إبراهيم الروسي أن لا ننسى ماحصل. وان نظل تتذكره دائما لنأخذ منه العبر. وحتما سننتصر ونعبر.