أغنية ياسمين
فليم
نجوى نجار
بقلم
زياد جيوسي
أمسية جميلة في القصبة رئة رام الله الثقافية، العرض الأول للفليم بحضور متميز، عادة بمثل هذه الأفلام القصيرة حضور الجمهور يعتمد على العلاقات العامة للقائمين بالعمل، لكن المرة وجدت حضورا جيدا خارج إطار هذا التصور..
لم أكن اشعر وأنا متوجه للصالة أنني سأحظى بمشاهدة عمل متميز، فقد اعتدت ومنذ فترة أن أجد أمامي فكرة مكررة بجهد ضعيف لا تحمل افكار جديدة ولا فكرة متميزة، بحيث كانت قليلة جدا الأفلام التي شدتني وتركت أثرها في نفسي..
فليم أغنية الياسمين من هذه الأفلام التي تترك أثرا ما بالنفس بعد الخروج من صالة العرض، فقد استطاعت نجوى نجار أن توظف خلال عشرين دقيقة مجمل من القضايا التي تحتاج إلى المتابعة والمناقشة، كل منها لا يكفيه ساعات طوال من حوار ونقاش وبحث.
لقد تمكنت مخرجة الفليم والتي فوجئت بقدرتها، من أن تعالج كم من القضايا بإشارات ولمحات عبر تسلسل درامي بوقت قصير، ومع هذا فقد خلا الفليم من الحشو الغير مبرر، مكتفية بالإشارة من خلال الرمز المفهوم لكل فكرة تم طرحها.
قصة الفليم بسيطة تقوم على قصة حب بين زياد وياسمين التي يصر والدها على تزويجها لشخص آخر بدعوى انه أعطى كلمة لصديقه والد العريس، لكن تمكنت المخرجة من التعبير عن عدة قضايا بتشويق وبدون ملل.
اختارت نجوى مدينة أريحا للتصوير بجمال أريحا وعراقتها التاريخية كأقدم مدينة بالعالم، للعلم أيضا أن أريحا لا يقسمها جدار الضم ولا يمزق سكانها رغم حصارها من الاحتلال، من هنا كان الاختيار موفقا فقد دمجت فكرة الجدار الذي ينمو كل يوم ويتمدد كغول أسطوري أو أفعى ضخمة تتمدد على أرضنا، مع جدار العادات والتقاليد التي تستلب حقوق المرأة، والتعامل معها كشيء لا روح ولا إحساس فيه بحيث تفقد حريتها وخياراتها بمجرد أن الأب أعطى كلمة، والأم لا تمتلك حول ولا قوة.
كانت الإشارات للجدار واضحة خلال الفليم من خلال العوائق التي برزت بشكل كتل إسمنتية يتسلل زياد من خلالها ولكنها في نهاية الفليم تصور لنا الجدار مكتملا شاهقا يقسم الأرض ويفصل بين المحبين فلا يمتلكوا إلا الصراخ وكل في عالم يفصله جدار الاسمنت أو لنقل جدار العادات التي تجذرت بمجتمعنا بدل من تخف حدتها مع تغير الظروف وتغير العالم.
بطل الفليم يفشل في الزواج من حبيبته رغم مزاياه الجيدة، هو صاحب مشتل للزهور بنفسية جمال الزهور ورقتها، يعتمد على نفسه بالإنتاج والتوزيع، مهذب بالتعامل و صادق في حبه بعيدا عن العبث من فتاة أخرى، ابن لشهيد روى الوطن بدمه ولكن لا يمتلك من الآخرين إلا أن يترحموا على والده ويذكروه بالخير، وهو يقول: الناس تعرف والدي ولكنها لا تعرفني أنا..
حتى رفيق والده واستخدام كلمة رفيق هنا إشارة لليسارية من رفيق دربه، والذي وعد زياد بالوقوف بجانبه، يتخلى عنه بلحظة احتياجه لمساعدته بالزواج من حبيبته، ففي اللحظة التي يتجه إليه يجد الحي مغلق بمقهاه ومتاجره والطريق إليه مغلقة بالعقبات التي مثلت الجدارين الاجتماعي والاستيطاني، فيهرب الجميع للمسجد بمسيرة واحدة صامتة وكأنها مشهد جنازة وهي حقيقة تمثل عملية الانكفاء على الذات واللجوء للدين كهرب من واقع أكثر منه إيمان وفهم لحقيقة الدين وعظمته، وهذا ما نلمسه عادة بالمجتمعات بعد الهزائم..إما اللجوء الغير واعي للدين أو الانفلاش، فنجد اليساري غير المؤمن أصلا بجانب والد ياسمين، الذي ينسى أن ما يقوم به مخالف للدين وأنه عملية وأد للأنثى بكل ما تحمله قسوة المعنى بجانب ثرثاري المقاهي الذين لا يجيدون سوى انتقاص جهود الآخرين والتقليل من شأنهم والثرثرة وإضاعة الوقت بدون عمل، كما استهزئوا بعمل زياد بالمشتل.
فكان المشهد يمثل عملية انكفاء وتقوقع غير واعية على الذات، جمع كل سكان الحي الذين سيذهبون بعد الصلاة لزفاف ياسمين وهم يعلمون أو لا يدركون أنهم يرتكبون إثما بذلك، ولا يتبقى سوى الأطفال يلعبون غير عابئين بما يرونه أمامهم من مشاهد وعقبات الجدار وكأنهم أمل التغيير بالمستقبل.
و زياد الذي يطل عليهم بألم من النافذة وينطلق لملاقاة ياسمين، ولكن الجدار يكون قد ارتفع وأصبح شاهقا ولا تجدي معه الضربات القاصرة الفردية فهدم الجدار الإسمنتي والجدار الذي نبت بأعماقنا لا تكفيه جهود فردية ولا تترك عليه سوى خدوش، فينادي على ياسمين بعد أن أنهكه التعب وارتمى أرضا ببنطاله الأسود الذي مثل القاعدة المظلمة وقميصه الأبيض الذي مثل الأمل إلا أن يصرخ ويقول: غنيلي ياسمين..
بغض النظر عن المناقشات التي تلت الفليم، وبعيدا عن عدم إدراك البعض للمعاني والدلالات التي حملتها رموز العرض، إلا أني وجدت العرض كان جيدا جدا بالفكرة وأسلوب التناول وإسقاط المعاني وتناول الرموز، زاد بقوة التأثير الأغنية الشجية للمطربة الجزائرية سعاد مافي، ولعل باختيار الخلفية الغنائية لمطربة جزائرية تحمل أيضا دلالات على واقع مشترك وتاريخ متشابه.
نهاية..قد تكون هناك بعض من الهنات البسيطة والتي لا يخلو منها عمل، لكن الفليم من وجهة نظري كان ناجحا حقيقة ويدفعني لأن أقول لنجوى نجار إن قرأت ما كتبته يوما...اشد على يديك..
رام الله – فلسطين
24\11\20054