أبو حمزة الخطواني/بيت المقدس

بعد أكثر من سبع سنوات من الرفض، قبلت الحكومة المصرية بإملاءات أميركا، ووقَّعت على اتفاقية اقتصادية الأسبوع الماضي مع كل من أميركا والكيان اليهودي، تنص على إقامة منطقة تجارة حرة في القاهرة والإسكندرية وبور سعيد، تقوم بتصدير منتوجات من النسيج المصري الذي يُشترط احتواؤه على مكونات إسرائيلية بنسبة ما يقارب 12% من إجمالي الصادرات إلى الأسواق الأميركية بحيث تكون هذه الصادرات معفاة من الجمارك.

وسبق هذه الاتفاقية الاقتصادية قيام مصر بالإفراج عن الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام من دون مقابل يذكر، وموافقة الحكومة المصرية على نشر قوات مصرية في قطاع غزة بعد انسحاب إسرائيل من القطاع، وموافقتها على إعادة سفيرها في تل أبيب في المستقبل القريب، واستمرارها بالقيام بدور العرّاب الأميركي للضغط على الفلسطينيين لحملهم على الانصياع للمطالب اليهودية الأمنية.

وفور التوقيع على الاتفاقية صرَّح يهود أولمرت نائب شارون في القاهرة بأن هذه الاتفاقية مع مصر وهي أكبر دولة عربية ستفتح المجال أمام سائر الدول العربية للقيام بتوقيع اتفاقيات مشابهة مع الكيان اليهودي.

وشجَّعت هذه الاتفاقية كذلك حكومة البحرين على الانسلاخ من ارتباطها الإقليمي في مجلس التعاون الخليجي وتوقيع اتفاقية منطقة تجارة حرة مع الولايات المتحدة. وكانت حكومة الأردن قد سبقت الجميع بتوقيع اتفاقية مناطق التجارة الحرة مع الكيان اليهودي والولايات المتحدة قبل أكثر من سبع سنوات.

إن هذه الهرولة المصرية والعربية نحو تطبيع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الكيان اليهودي سوف تمنح هذا الكيان امتيازات جديدة في المنطقة، وأهمها جعله كياناً طبيعياً في منطقة هو غريب عنها ودخيل فيها. ومنح هذه التنازلات المجانية للكيان اليهودي سوف يُشجع هذا الكيان على التصلب في مواقفه الرافضة لتقديم أية تنازلات فيما يتعلق بالمناطق العربية المحتلة في فلسطين وسوريا ولبنان، إذ هو يحصل على كل ما يريد، ولا يحتاج لتقديم أية تنازلات مهما قلَّت للأطراف العربية المتهالكة على التفاوض مع اليهود. وحتى مثل هذه الاتفاقيات من ناحية اقتصادية فإنها لن تجلب الرخاء والتقدم على مصر والدول العربية التي وقَّعت عليها وذلك للأسباب التالية:

1- استمرار ارتباط اقتصاد هذه الدول الضعيفة بعجلة الاقتصاد الأميركي والإسرائيلي فيزيدها ضعفاً على ضعف.
2- قيام الحكومة الأميركية بإعفاء جميع صادرات دول العالم من المنسوجات إلى الأسواق الأميركية من الجمارك في بداية العام 2005م. وهذا معناه أن اتفاقية الكويز لا قيمة لها، وأن اتفاقية الأردن كذلك ستصبح بلا قيمة بعد هذا التاريخ، وإنه لن تجني أية فوائد من مثل هذه الاتفاقيات سوى إسرائيل.
3- سوف تضطر الحكومتان المصرية والأردنية أن تبحثا عن أسواق جديدة خارج السوق الأميركي حيث أنه لا يحتمل إستيعاب هذه الصادرات من المنسوجات من جميع دول العالم.
4- سوف تتحول مصر والأردن إلى وكلاء للبضائع الإسرائيلية في أسواق البلاد العربية والإسلامية بدلاً من الأسواق الأميركية وبهذه الطريقة سوف تنجح إسرائيل في تسويق منتجاتها إلى الأسواق العربية من خلال مصر والأردن.

إن ضيق الأفق لدى الرئيس حسني مبارك، وأنانيته، وانبطاحه للأميركيين، هو الذي جعله يوقع اتفاقية العار هذه، لأن الأميركيين هدَّدوه بأنه إن لم يوقعها فسوف لن يمكنوه من تمديد رئاسته لفترة رئاسية خامسة، ولن يمكنوا ابنه جمال من استلام الحكم من بعده، لذلك قام مبارك بتوقيع هذه الاتفاقية المذلة صاغراً.

وإن مثل هذه الاتفاقيات تأتي كثمرة من ثمار مشروع الإصلاح الأميركي. فعلى الأمة الإسلامية التنبه من خطورة الحكام الخونة كحسني مبارك وعبد الله الثاني وملك البحرين الذين وقَّعوا بكل وقاحة على اتفاقيات مهينة كهذه، وإن خطورتهم أصبحت أكبر من خطورة أميركا نفسها على الأمة الإسلامية، لذلك وجب في البداية العمل المركز على الإطاحة بهؤلاء الحكام قبل أي عمل آخر، لكي لا يستشري خطرهم الداهم على الأمة.