بسـم الله الرحمـن الرحيـم
رسالةٌ إليـكِ
تحيـة قطفتُها من قلبي
حرة: يا أغنيةَ الزنبـق،
كنتُ جالسةً إلى الشوق، كما تعرفين، أحدّثُه عن أحبابٍ لي رحلوا، فما ارتضى عني رحيلاً ..ارتعشتْ أناملي وهي ترتعد بوحاً، تهفو إلى أن تنحتَ على جدرانِ الأوراق حروفاً، أو شكلاً لايشبه وجهَ الشوق، ولكن الشوقَ كان أنانيا، أبى أن يحرّر شواطئي، أراد أن يحتلّ قائمة الزمن، فانهملتْ كل المسافاتِ بين يديّ مغمىً عليها، وأصبحَ القريبُ بعيداً والبعيدُ أبعدَ...ولم أكن أدري أنكِ، يا أغنيةَ الزنبـق، ترسمين أنتِ الأخرى على جدران الصمت ملامحَ حزنٍ، ألحّ على اختلاس النظر إليكِ..وإليَّ..
حرة الغالية، تجدين بأدراجِ الروح نجمتيْن وضعتُهما لكِ خفيةً، وزهرَ رمّانٍ، أتعلمين متى؟ حينَ كنتِ تقفلينَ درجَ الحزن، وظننتِ أنكِ حرمتِه حريتَه، ولكنكِ فتحتِ له خاصرةَ الريح ..ولولا أنّ القلمَ وضع لكِ بجيبِ الحزن وردة، فخارت قواه واستسلمَ، لَتَمَكّنَ منكِ، ولَمَا استطعتِ سجنه بأدراج الروح، ولكنكِ أخطأتِ المكانَ أختاه، سجنتِه حيثُ منبع الحنان وأنهارالحبّ المصفى، حيث خزائن الورد والحرف، حيث سجون الآلام والذكرى، أتعلمين ما الذي سيفعله؟ سيفكّ وثاقَ الجراح والأشجان لتعدو هنا وهناك، وتدمّر حدائق الورد التي خبّأْتِها للشتاء القادم، وسيطفئ شموع الأمل التي حرسها الصباح من دموع العاشقين، وسيعيد للذكرياتِ ماءَ وجهها، وسيُعتِقُها من قيودها..وأراه نجح في ذلك، فهاهي حباتُ المطر تسافرُ بروحكِ بلا شراع، وهاهو حزنكِ الليلة يترقرقُ عذباً، يبلّل أوراقي فتبتلّ معه أوراقُ القلب..
حرة، أكتب لكِ الآن بماء الشؤون، ولاأدري كيف أُخرِجُكِ من أرضِ حزنك..هل أقطفُ لكِ الشمسَ على مهلٍ، كي لاتنفرطَ خيوطُها فنخسرَ الوهج؟؟ أم أمشط لكِ الريحَ كي يهدأَ غيظُها؟؟؟ أمْ أزرع حروفي التعبة ببستانِ الياسمين لتنبتَ، من أجلكِ، عُشَّ سنابل؟؟؟ أمْ أجمع كلّ باقات الملح المزروعة بالأصداف، لأوزعها على النوارس قبل رحيلها؟؟ أمِ أقدّم لكِ الربيعَ راقصاً على كتفيكِ، ليرتِّبَ فصولَ العطر بأدراجك؟؟؟أمْ أُعْتِقُ لكِ الشمسَ من غروبها كي تسعدَ بشروقكِ أنتِ؟؟؟ أمْ أنقش على أطلال الأحباب اسمكِ كي ترعوي الذكرى ولاتعود..أمْ أصعدُ جبالَ العذاب لأقنِعها بالانهيار؟؟؟ فماعدتُ أقوى على حزنكِ.. وماعدتُ أحتملُ دبيبَ الليل في خطوك، ولاإحراقَكِ لسفائن الشمع القادمة من بلادِ القمر، وهي تهمس للأصداف عن زمننا الجميل الذي طرّزناه معاً، ووشيّنا به بساطَ القلم والذاكرة والفؤاد..معاً حرة، أجل، معاً نخبّئُ الصمتَ، نخبّئُه حتى تنضجَ لغتُهُ وتصبحَ عطراً، معاً نعيد كتابةَ تاريخِ الحلم بماء القلب، نحمي خِدْرَ الفجر من هجمات الليل المفاجئة، و قدْ ينضب الغيابُ أو قدْ يزهرُ حقولَ قمـح وحنطة..
حرة، يانسمةَ البحر الحانية.. يا أغنيةَ الزنبـق، هذا مساؤنا يُكمِلُ رصفَ نجومه بالمرآة، ويبحث معنا عن القمر الغائب، وهو يرقبُ بابتسامةٍ حبلى نبـاتَ الصبر الذي يكبر فيـنا..

لنجمعْ معاً جيشَ الأحلام، ولنهاجمْ وكرَ الأحزان معاً..معاً حرة، والزنبَقُ لغتُـنا وقلمنا ودرعنا وسلاحنا.. وسيكون الغدُ بإذن الله أجمــل، فهلْ تُهدينَ موكِبَ الصباحِ بسمــة؟؟ لأنه أقسمَ ألاّ يشرقَ إلاّ حين تبتسميـن...
..................