أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 20

الموضوع: غِنَاءُ الأشْيَـاء

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي غِنَاءُ الأشْيَـاء

    غِنَاءُ الأشْيَـاء

    شعر: حسين علي محمد
    ................................

    حين تُغنِّينَ مساءْ
    عيناكِ تُشعانِ بضوْءٍ لا يخفتُ في الظلماءْ
    أنفاسُكِ تحملُني لربيعِ النشوةِ
    فوقَ جوادِ الزَّمنِ العدَّاءْ
    هلْ تجهلُ بوحي عيناكِ ..
    أيا وردةَ أيامي البيضاءْ ؟
    لمْ يكَدِ العامُ يُتِمُّ الدورهْ
    هلْ تُبصِرُني عيناكِ الآنَ وحيداً في الصحراءْ ؟
    هأنذَا أجلسُ وحْدي ..
    أنتظرُ الأشجارَ تعودُ مُحمَّلةً بالأثمارِ ..
    تُغنِّينَ ..
    فيمْتلئُ الصَّوْتُ بعطْرِ اللهفةِ واللألاءْ
    أتكسَّرُ في الشُّطْآنِ شظَايَا
    أفتحُ أسْفارَكِ للريحِ لتكتُبَ ما شاءتْ فيها:
    شعْري وشْمٌ فوْقَ جبينِكِ ..
    هذا القلْبُ يُدمْدِمُ
    يا للرِّيحِ الفظَّةِ والأنْواءْ
    تُلقي برمالِ الفضَّةِ
    فوقَ القدمِ البيْضاءْ
    أذكُرُ كيفَ تلاقيْنا ذات صباحٍ
    ردَّدْنا أكذبَ ما قالَ الشعراءْ !
    كُنا لمْ نسمعْ بعدُ عن العاصفةِ الهوْجاءْ
    تحتَ سمائكِ لا أسمعُ
    غيرَ ترانيمِ الحبِّ
    إضاءاتِ الشوقِ
    حنينِ النَّايِ ..
    وميضِ البرْقِ
    غِناءِ الأشياءْ !

    ديرب نجم 27/2/1982م

  2. #2
    في ذمة الله
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    المشاركات : 3,415
    المواضيع : 107
    الردود : 3415
    المعدل اليومي : 0.50

    افتراضي

    يخجل القلم ، أمام عظيم هذا البوح
    ففي محراب الكلمة ، أجدني صامته .

    لا فوض فوك
    مبدع وشاعر
    د . حسين علي محمد

  3. #3
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Nov 2005
    العمر : 43
    المشاركات : 65
    المواضيع : 6
    الردود : 65
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    طبعا الدكتور حسين على محمد ليس بحاجة لتعريف

    وهو ايضا من أهم كتاب شعر الأطفال

    وبالتالى القصيدة لا تحتاج الى تعليق , فهى رائعة

    تحياتى

  4. #4
    الصورة الرمزية زاهية شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2004
    المشاركات : 10,345
    المواضيع : 575
    الردود : 10345
    المعدل اليومي : 1.42

    افتراضي

    حين تُغنِّينَ مساءْ
    عيناكِ تُشعانِ بضوْءٍ لا يخفتُ في الظلماءْ
    أنفاسُكِ تحملُني لربيعِ النشوةِ
    فوقَ جوادِ الزَّمنِ العدَّاءْ
    هلْ تجهلُ بوحي عيناكِ ..
    أيا وردةَ أيامي البيضاءْ ؟

    ماشاء الله
    تبارك الرحمن
    دمت للحرف ضياءً
    أختك
    بنت البحر
    حسبي اللهُ ونعم الوكيل

  5. #5

  6. #6
    الصورة الرمزية د. سمير العمري المؤسس
    مدير عام الملتقى
    رئيس رابطة الواحة الثقافية

    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    الدولة : هنا بينكم
    العمر : 59
    المشاركات : 41,182
    المواضيع : 1126
    الردود : 41182
    المعدل اليومي : 5.27

    افتراضي

    أخي د. حسين:

    أجد حرفك رائع المعاني قوي الديباجة رائع الشعور ، بحثت عن الشعر فلم أجده.

    أعترف بأنني مرهق ببعض مرض عافاك الله فهلا تكرمت أخي فأوضحت تفعيلة هذه المشاركة؟؟



    تحياتي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  7. #7
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    الأخ الدكتور سمير العمري:
    شفاك الله، وعافاك:
    يُمكنك أن تقرأ النص الكامل لديواني «غناء الأشياء»،
    ويمكنك أن تقرأ دراسة مفصلة عن الديوان نفسه، بعنوان:
    عندما تغنّي الأشياء
    دراسة تحليلية لديوان «غناء الأشياء»
    للشاعر الكبير الأستاذ الدكتور حسين علي محمد
    بقلم: أ.د. خليل أبو ذياب


    مع تحياتي وموداتي.

    تم تعديل الرد لمخالفته شروط النشر في رابطة الواحة

  8. #8
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    عند ما تغنّي الأشياء
    دراسة تحليلية لديوان «غناء الأشياء»
    للشاعر الكبير الأستاذ الدكتور حسين علي محمد( )

    بقلم: أ.د. خليل أبو ذياب

    (1)
    "الناس أعداء ما جهلوا"؛ حتى إذا علموا حققوا ضربا من المصالحة الفكرية بينهم وبين ما كانوا يجهلونه ويعادونه! ذلك أنه يقع بين أيدينا كثير من كنوز المعرفة وإفرازات المواهب والعبقريات المبدعة، ولكنها تظلّ خافية علينا، ضنينة بالكشف والتجلي عن بعض مكنوناتها ومضامينها ما دمنا لم نكسر حاجز الإعراض عنها، ونتقحم عوالمها الفكرية والفنية الفسيحة!
    ولعل من نافلة القول التأكيد على أن جزءا قليلا أو كثيرا من تلك الإفرازات ربما لا يساوي ثمن الورق والحبر الذي سوِّد به .. غير أن جزءا آخر يبقى جديرا بالعناية والاهتمام وجديرا بالقراءة والمدارسة لما يشتمل عليه من معارف وفكر وثقافة وإبداع! وهذا الجزء مهما كان مقداره قمين أن يغيّر كثيرا أو قليلا من مواقف الآخرين التي يسودها الإعراض والانصراف ليحققوا لأنفسهم تلك المصالحة الفكرية التي أشرنا إليها آنفا!
    جاءت هذه التقدمة من وحي اطلاعي على عدة إصدارات نشط لإخراجها عدد ـ ثلّة من الأدباء المبدعين تحت اسم «أصوات معاصرة» شملت الإبداع الأدبي شعرا ونثراً، كما شملت جانبا من الدراسات الأدبية والفنية .. وكان وراء هذا كله الشاعر الكبير والأديب المبدع والأستاذ الجامعي الدكتور حسين علي محمد الذي جمع لفيفا من الأصدقاء الأدباء المبدعين الذين امتازوا بالنشاط الفذ والمتابعة الجيدة والبحث الدقيق وبذلوا من الجهد الكبير المضني حتى أسهمت إسهاما فاعلا وضخما في استمرارية إصدار هذه السلسلة، وإظهار هذه الأصوات المبدعة لتأخذ مكانها اللائق بها في عالم الإبداع والفن والأدب والثقافة!
    ولعلي أعترف اليوم بما خامرني من إعراض بادئ الأمر عما وقعت عليه يدي، وزوّدني به الصديق الفاضل الأديب الدكتور حسين علي محمد من إصدارات وإبداعات هذه الأصوات المعاصرة لأكثر من سبب قد لا يكون منها شيء وجيها أو له حظّ من الوجاهة والتبرير .. ولكن هذا ما حدث .. ولعل أبرزها كثرة المشاغل وقلة أوقات الفراغ وكثرة الأعباء البحثية والدراسية فضلا عن قضية المعاصرة ونشأة هؤلاء الأدباء وحداثتهم وجهل الناس بهم أو عدم شيوع أسمائهم وانتشارها بين الناس وغير ذلك .. من خلال مقولة أبي عمرو بن العلاء، وفي غيبة مقولة ابن قتيبة ونظرته النقدية وما يسودها من حيدة وموضوعية رافضا فكرة تقديس القديم لقدمه ورفض الجديد لجدته وحداثته مقررا مقياس الجودة والإبداع في كل منهما؛ فلا يقبل القديم لقدمه، ولا يرفض الجديد لجدته، بل يقبل من هذا ومن ذاك الجيد البديع!
    ومهما يكن فقد غالبت النفس، وعاديت الهوى ، وتقحمت طرفا من تلك الإبداعات في مختلف فروع الأدب: الشعر والقصة والرواية والمسرحية والدراسات الأدبية .. وبالفعل وجدتها تذخر بكنوز ثمينة من الإبداع، وتتجسد فيها مواهب فذة رائعة جديرة بالتقدير، قمينة بالقراءة والدرس والبحث .. وكان أن تطورت العلاقة بيني وبين تلك الإبداعات وهؤلاء المبدعين إلى مجموعة كبيرة من الدراسات التحليلية لكثير منها في الشعر والقصة القصيرة والرواية والمسرحية صدر بعضها والآخر في طريقه إلى الصدور.. وربما كان ديوان "غناء الأشياء" للشاعر الكبير الصديق العزيز الدكتور حسين علي محمد من أهم تلك الدواوين التي وقعت عليها .. ولعلي لا أكون مغاليا ولا مجازفا إذا زعمت أن هذا الديوان ينطوي على شاعرية مفلقة وعبقرية مبدعة، ويضعنا أمام شاعر يمتلك الموهبة والقدرة الفائقة على الإبداع ترقى به إلى مستوى الصفوة من شعراء العصر ـ أو شعراء هذه المرحلة!
    وقد حرص الشاعر في هذا الديوان على التعبير عن كثير من القضايا والموضوعات التي شغلته وفجرت طاقاته الإبداعية سواء منها ما يتصل بذات الشاعر ونفسيته وأحاسيسه ومشاعره ووجداناته، وما يتصل بالآخر: الوطن أو الأمة أو الإنسان الذي يعيش ويتفاعل معه!
    وإذا تأملنا الديوان ألفينا الشاعر يطرح فيه تجربة نفسية مريرة عاشها مع الحبيبة؛ فقد حملت قصائده تجربة حب وعشق مريرة وحزن بالغ كابده وجسدته قصائده تجسيدا كبيرا .. وهذا ما جعل ظاهرة الحزن تتجسد في الديوان بشكل لافت ومثير .. وربما كشف الإهداء الذي صدّر به الديوان ووجهه إلى الحبيبة الغائبة "فاطمة" سواء أكان هذا اسمها الحقيقي أو رمزا لها خصوصا وأن كثيرا من قصائده عرضت لها وذكرتها وحملت أصداءها ( انظر مثلا ق/7)؛ تلك الحبيبة التي أعطاها من قلبه وروحه وإحساسه وعاطفته كل شيء، ولم يحظ منها بأي شيء فيما وراء الوهم والمرارة والعذاب والحزن لينشرها في قصائده لها وعنها ..
    ومن هنا كان طابع الحزن هو الشائع والمسيطر على أجواء الديوان، بل لعله لم يكد يدع فسحة لغيره ليترك أثرا ما حتى بين سطور بعض قصائده المتناثرة؛ ولعل ما ظهر من ذلك كان ضربا من الادّعاء أو الوهم الذي خامر نفس الشاعر حينا من الدهر لم يلبث أن كرّ عائدا إلى ما تغلغل في أعماق نفسه وروحه من أحاسيس الحزن واللوعة والمرارة الكاوية .. ومن هنا يمكننا أن نتجاوز هذه الحقيقة مؤقتا أو للحظة لنقرر تلك الثنائية التي يقوم عليها الديوان وهي ثنائية الحزن والفرح، أو ثنائية الواقع والحلم التي كرّسها في كل قصائده بلا استثناء .. بعبارة أخرى دارت قصائد الديوان حول محورين رئيسين هما محور الفرح والسعادة أو الحلم، ومحور الحزن والمرارة والألم أو الواقع! وسنحاول هنا تحرّي بعض المظاهر التي تمحورت حول هذين المحورين وتساقطت في جوانب من قصائد الديوان ..
    فأما محور السعادة أو الفرح / الحلم فربما كانت أولى قصائد الديوان خير ما يمثله ويكشف عن بعض مظاهره والتي جعل عنوانها "غناء الأشياء"، وهو ذاته العنوان الذي اختاره ليكون عنوانا للديوان .. ولعل هذه القصيدة تعطينا انطباعا ظاهرا باقتدار الشاعر على أن يجعل كل الأشياء في الوجود تغني معه في لحظات الفرح والسعادة ، أو قل لحظات الحلم بالفرح والسعادة التي تخلقها الحبيبة بعينيها وأنفاسها، عندما تصبح وردة أيامه البيضاء، وعندما تنعكس آثارها على كل شيء لتشيع فيها البهجة والسعادة والحياة ، ولتعيد تشكيل كيانه المتشظّي : (ص5)
    حين تغنين مساء
    عيناك تشعّان بضوء لا يخفت في الظلماء
    أنفاسك تحملني لربيع النشوة
    فوق جواد الزمن العـــدّاء
    هل تجهل بوحي عينا ك أيا ورد ة أيامي البيضاء ؟!
    ويقول في قصيدة " حلم " (ص9) مكرسا ظاهرة السعادة والفرح التي تخلقها الحبيبة في لحظة حضورها :
    تجيئين ...
    تأتي العصافير
    يشتعل اللحن في الشفة العاشقهْ !
    أغنّي سنابلَك / البحرَ تمنحني ما أريد
    تَهِلّين في خطوة واثقهْ
    هكذا يغدو كل شيء في الوجود عندما تأتي الحبيبة وتفي بوعدها، يغنّي ويحتضن الحياة بكل الشوق والحب والرغبة في لحظة الحب والصفاء والوصال ..
    وانظر إليه يجسد أمله في لقاء الحبيبة الغائبة دون أن يخفي ما يمكن أن يحدث له عند غيابها، وما يمكن أن يثور في نفسه ويعصف بها من مخاوف الهجر والصد والحرمان والعذاب حيث يقول متشبثا بوعودها له : (43)

  9. #9
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    (2)
    وقلت غد ا تشرقين
    وفي خطوك البرق
    في صدرك الشوق .. علم اليقين
    وخلف جدا ر التوجس أ رقب وعدك: " هل تحضرين ؟ "
    وهل يرحل الليل في سُترة المتنكّر ..
    يطفو على السطح رعبُ الجنون ؟!
    تَهِلّين كوكبَ عمري
    فيسطع في داخل الكهف نور
    وصدري يقفز
    يبزغ في الظلمات الضياءُ الحنون
    هذا في حالة الحضور والوصل؛ وأما في حالة الغياب والهجر والحرمان، فعلى الرغم مما قد يبد و من تساوٍ وتناظر بينهما في نظر الشاعر المسكون بهاجس الفراق والعذاب والبعد إلاّ أن لكل حالة منهما آثارها الخاصة المرهقة لنفسه وروحه كما يقول: (43)
    تغيبين كوكبَ عمري
    فيهمس بالحب قلب تعذّ ب
    يُغرَس نصلُـك في الصدر!
    هكذا عندما تغيب الحبيبة وترحل إلى المجهول ينحسر كل شيء ويندلق فوق أديم الصحراء الملتهب لتبعثره الرياح الهوجاء والأنواء الفظة:
    أفتح أسفارك للريح لتكتب ما شاءت فيها ..
    شعري وشم فوق جبينك
    هذا القلب يدمدم
    يا للريح الفظة والأنواء
    تلقي برمال الفضة فوق القد م البيضاء ! (5)
    هكذا لا يلبث الشاعر المسكون بالحزن والألم الذي تفجره الحبيبة الغائبة أن يرتدّ من عالم السعادة / الحلم إلى دنيا الواقع بكل آلامه وأحزانه التي تمزق نفسه دون أن يحظى من رحلته الحالمة بأكثر من قبض الريح برغم كل ما يغمر وجوده من آثارها وأصدائها:
    تحت سمائك لا أسمع غير ترانيم الحب ..
    إ ضاءا ت الشوق ..
    حنين الناي ..
    وميض البرق ..
    غناء الأشياء
    وهكذا لم يخلص محور السعادة / الحلم للشاعر ليغني للأشياء، أو لتغنيه الأشياء المنتشرة من حوله فيتعانق مع محور الحزن، بل يلتحم به التحاما عجيبا مذهلا حيث ينازعه بقوة وعنف ليؤكد ما فطر عليه الشاعر وما كتب عليه في حب هذه الحبيبة الغائبة من حزن وألم ومرارة وعذاب، فيتحول الربيع بكل مباهجه وروعته وجماله الآسر الخلاب ليغدو خريفا مكفهرّ الوجه كالحا شديد الوطأة على النفس يفجأ الشاعر ويهبط عليه بغتة فيضمحل الحلم ، وتتبخر السعادة ويغيض نبعها الثر ليحل محلها الواقع الكئيب بكل عذاباته ومراراته، وبكل السدود التي أقامها بينه وبين الحبيبة الغائبة : (9)
    أهذا الخريف الثقيل أتى بغتـةً
    وظلُّـك يحلم .. يملأ سلّته بالوعود
    يجفّ الرحيق
    ويتّسع الجرح
    تُطْـفَــأُ في الدم ورد ة بوحك
    إ ني أرى بيننا غابةً من سد ودْ!
    وهكذا كانت تتجاور في نفسه الصور المتقابلة التي تتردد بين قطبي الفرح والحزن وإن كانت أصوات الحزن تعلو وتسود بضجيجها لتغمر الفضاء وتنشر الألم في نفسه فلا يقوى على البوح بما كان يمتلئ قلبه ونفسه به من أحاسيس الفرح والسعادة على نحو ما نجد في قوله من قصيدة الرائعة "أوراق العمر الضائع": (61)
    حين أتاني طيف شجيرتها يطلب واحة عمري
    كي يستلقي من غربته الموحشة القحلة فوق ضفاف الصيف
    قلت: ابتعدي عني
    لا أقدر أن أحميك!
    أبصر فوق الرأس أسنّة أعدائي
    ورماحك تلمع في أيديهم
    طيفك مذبوح في فاتحة الوعدْ!
    وإذا كانت هذه مرحلة البداية مع تلك الحبيبة وما كان يسود موقفه هذا من حذر سالب وترقب مشوب بالقلق والخوف والإحساس بالخطر والعجز عن المقاومة، فإنه سرعان ما تجاوز هذه المرحلة وانطلق يجوب تجربة الحب معها مبتدئا مرحلة الحب والعشق بكل أحلامه :
    لم تسمعني أذناك، وشدّتني عيناك اللؤلؤتان
    وألقتني للبحر الغامض
    كان النور الورديّ الهادئ في الظلمات يضيء مغارة روحي
    يتفتح وردا فوق صخور الشطآن ، فأبحرت وقلبي
    هاأنذا روح يستجلي حضرتك، وصوتك يهمس للبحر
    أحاول أن استكشف سرّ غموض الطيفْ!
    ولكن سرعان ما تتكشف له الحقيقة وتتبين له أبعاد هذا الحب الذي لن يجني منه غير المرارة والألم والحزن فيجأر من أعماق نفسه وروحه :
    لماذا ترتعد الأحلام وتخنق صفحتك البيضاء ...
    لماذا انقلب القارب في رمل الصحراء ؟
    لماذا ترتسم الآهة في الأفق ؟
    أغوص إلى أعماق الرمل فأبصر فوق العنق السيف
    ورؤوس السدنة تقتحم جدائل ضوئك تزهو ...
    وهكذا رأينا الشاعر يتأرجح فوق أنشوطة مزدوجة شطر منها يموج بالسعادة والفرح والهناءة / الحلم، وشطر آخر يفعم بالأسى ويفيض بالحزن والألم والمرارة ، وإن كانت أنشوطة الحزن والمرارة والألم، أو أنشوطة الواقع هي الأعمق أثرا في نفسه ووجدانه وشعوره لسيطرتها المطلقة عليه ونشرت آثارها القاتمة في جوانب قصائده ولم تكد تخلو منها قصيدة ..
    وربما كانت هذه القصيدة الأخيرة التي اقتطعنا منها جزءا كبيرا من أهم ـ إن لم تكن أهم قصيدة في الديوان جسدت تيار الحزن المتجذر في أعماق الشاعر عبر الرموز التي حشدها فيها والتي تجسد هذه الظاهرة تجسيدا بالغا، حيث نجده يلتقط فيها ورقة ضائعة من أوراق المتنبي ـ وأوراق المتنبي الضائعة الزاخرة بالحزن والمرارة والألم كثيرة ومفجعة ـ؛ وقد وفق الشاعر في اختيار تلك الورقة الضائعة من أوراق المتنبي والتي ترصد طرفا من حياته في ظل كافور الإخشيدي بعد فراقه سيف الدولة ومغادرته فردوسه المفقود لسبب أو لآخر .. ويقوم الشاعر من خلال هذه الورقة الضائعة من أوراق المتنبي بعملية إسقاط بالغة تجسد حزنه ومعاناته البالغة؛ وهو يفتتح هذه الورقة بشيء كثير من الرفض والإنكار لما يستقطبه من الحزن برغم امتلائه بالفرح والسعادة عبر "دوامات الغيم الأخضر"؛ ويبدو أن ذلك لما كان يتوقعه من انحسار وشيك لهذه الخضرة التي يمتلئ بها الغيم لتستحيل مطرا حارقا .. ومع ذلك فهو لا يستطيع أن ينسى أو يتناسى أحاسيس الفرح التي بذرها كافور في نفسه وهو يمنّيه بتحقيق بعض أحلامه ـ أو قل حلم حياته بعد أن فقد فردوسه في بلاط سيف الدولة بإقطاعه ولاية أو إقليما من مملكته يمارس فيها وجوده النفسي الحقيقي ويحقق ذاته المنهزمة أو المتمزقة والتي ضاعت في زحمة الحياة قرابة نصف قرن من الزمان .. يقول : (61)
    من أين يجيء الحزن وقلبي دوامات للغيم الأخضر ؟!
    تقتحم الغيمة أد غال النفس وتملؤها بالمطر الحارق
    وأ نا أ تغنّى بالوعد الطيب من كافور
    وبالنوق الممتلئة بالرغبة ؟!
    ويمضي الشاعر مع مخاوف المتنبي وهو يتهيّأ للرحلة عن كافور بعد أن امتلأت نفسه يأسا من تحقيق شيء من مطامعه وأحلامه إذ كيف يمكن أن يتحقق له الرحيل دون أن يفطن إليه كافور ويحبس أنفاسه في صدره فلا يبديها للآخرين فتكون أهازيج يرددونها في مجالسهم ويتغنون بها في حلهم وترحالهم وهي تفيض ذما وشتما وقدحا يبلغ حدّ الضرب بالسف وتمزيق الأعضاء :
    " هل أهرب ؟
    إن السيف يحاورني "
    ويأتيه الحلّ أو الجواب المناسب :
    ويعود الصوت شجيّــا .. وأغنّي كي يرضى "كافور"!
    ولكن هل يقوى المتنبي على مواصلة هذا المشوار ويحقق المصالحة بينه وبين كافور على الرغم مما عانى منه من آلام أحدثها في نفسه رحيله عن حلب ومفارقته سيف الدولة :
    وينهدّ الجسم .. وتصمت هذي الحنجرة الذهبية
    ما أقسى حلب الشهباء
    قد أ قصتني عن محبوبة قلبي كي تلقيني في كفّي كافور ..
    ومهما يكن ، فقد أبدع الشاعر الكبير في تلخيص هذه المرحلة من حياة المتنبي من خلال فكرة الحزن المتجذر في نفسه وروحه ، والمتحكمة في وجدانه وشعوره !
    وإذا كان المتنبي من خلال مرحلة من مراحل حياته يجسد ظاهرة الحزن والألم والمرارة التي رغب الشاعر في الاختفاء أو التخفّي وراءها أو التقنع بها ، فإنه فيما يبدو لنا كان يحس إحساسا عميقا أن حزنه عاديّ ومحدود ، ولم يكن بحجم حزنه مما جعله يبحث عن رمز آخر من رموز الحزن الخالدة يتخذه قناعا أو يسقط عليه كل أحزانه وآلامه ومرارته وعذاباته .. ومن أقدر على تحقيق هذه الغاية من "جلجامش" ـ الملك الخامس من سلالة الملوك السومريين ، كما تزعم الأساطير أن أمه كانت إحدى الإلاهات ، وكانت زوجة للإله لوكال باندا ، أو رئيس الكهنة في فولاب .. ومنه استمدّ الغناء ... هذا الملك الأسطوري أو نصف الإله ، ذلك الرمز السومري الخالد الذي عاش في النصف الثاني من القرن الثالث قبل الميلاد ، والذي يذكر أنه حكم 126 سنة تأتي أهميته من اقترانه بتجربة الحزن العميق الذي تعاني منه البشرية ، وتجربة الفجيعة من خلال ظاهرة الموت والفناء المحتوم عليهم في الدنيا .. كل ذلك من خلال حزنه البالغ وغير المحدود على صديقه " أنكيدو " الذي اختطفه الموت فجأة فرغب في أن يمارس تجربة إعادته إلى الحياة من جديد والقيام بثورة ضدّ الموت .. وقد انسرب حزنه على صديقه إلى إلياذة هوميروس من خلال حزن "أخيل" على صديقه "قطروخليس" .. كما أفاد منه شكسبير في مسرحية" الملك لير" في تجسيد حزن هذا الملك على ابنته " كورد يليا عند موتها ..
    ............
    (يتبع)

  10. #10
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    (3)
    من هنا غدا جلجامش رمزا متميزا للحزن الشديد بشكل عام ، كما غدا رمزا لحزن شاعرنا الكبير "شاعر الأشياء التي تغني" وهو يرسم طرفا من ملامحه على نحو ما جسدتها الأسطورة السومرية بكل أبعادها الثقافية والفكرية والفنية في محاولة يائسة أو شبه يائسة لتحريره من سجن الحزن ، وتخليصه من قيوده الثقيلة المرهقة ليعيش لحظة السعادة والحب التي يمكن أن تتهيّأ له إذا ما تخلص من أحزانه وقيوده عندما يستجيب لتوسلات الشاعر ونصائحه : ( 63 )
    هـلاّ أصغيتَ إليَّ قليلا يا جلجامش
    دع عيني محبوبتك الصخرية
    وحديث الفقد
    دع دمك الطافر بالرقة والعفو
    يكتب قصته
    غَنِّ اللحنَ الفاتنَ " أنكيدو "
    واركب مركبة النهر...
    ولكنه سرعان ما يكرّ راجعا ليجترّ أحزانه وآلامه التي فجرتها الحبيبة الغائبة في أعماقه ، ويرحل بحثا عنها في المجهول دون جدوى .. ولتتطاير شظايا نفسه في الفضاء العريض :
    أ ركض .. أبحث عن وجه في الظلماء أضاء
    وكان رغيفي وثريدي .. ظلّي .. قمري ..ثوبي .....
    أبصرتك بين الناس تطلّين
    وأعوامي الضائعة دوائر وهم
    تمتدّ بحجم الشفقين الأبيض والأسود
    تكبُر في العينين دوائرَ حزن تبتلع الأفق !
    وهكذا يعود الشاعر المحزون المسكون بهاجس الفقد والإحساس بالفشل في العثور على الحبيبة الضائعة .. حتى عندما جاءت الحبيبة ، كان حضورها تجذيرا للحزن والألم المستكنّ في أعماق نفسه ووجدانه :
    هاأنت تجيئين الليلة
    رأسي مشروخ .. والكلِم مُدىً
    ومقاطعه نيران تلتهم الأضلع ...
    مرّت أيام فجيعة عمر ضاع وأثمر شجر للحزن
    وهاأنذا أركب خيل الرغبة
    أبحث عن شمسك ....
    أ رأيت مبلغ الحزن الذي يعمر نفس الشاعر على الحبيبة الغائبة منذ عامين كاملين وهو لا يكف عن البحث عنها وانتظارها دون جدوى .. ودون أن يجرؤ على كنس نثار الأمل المتشتت في نفسه :
    أثقل قلبي هذا الحزن وباغتني :
    أين ذهبتِ ؟ فإني أقرأ أسفارك بين خرائب روحي
    أسأل عنك الحراس .. الأعوان .. الفرسان
    يتنازعني الخوف ، وتأكلني الأحزان
    ويحاورني الصمت بكل بيان .. (67)
    ويبدو أن الذي ضاعف من آلام الشاعر وأحزانه انصراف الحبيبة عنه مخلفة إياه يلعق جراح نفسه وروحه النازفة لا يملك غير العتاب الذي لم يجد فتيلا :
    كانت نرجستي تقرأ سفر الحب
    وتهرب من نبعي الدافق كالبركان
    رفضت أن تشرب من نبعيْ د معي
    حتى وقع الرجلُ الببغاء صريعا بين دفوق الماء
    ليشكو من حرمان !
    وبعد هذه الرحلة الخائبة أو التجربة الفاشلة تعود الحبيبة الضائعة عصفورا من نار يحطم كل الأسوار والقيود ، ويجتاز السدود تبوح بما تموج به أعماقها من حب .. ومع ذلك لا يكف عن إعلان مخاوفه من تقلباتها المنتظرة ، وتحولها عنه .. وهذا ما ردّه من جديد إلى "جلجامش" ليستعير حزنه الذي لا ينقطع على " أنكيدو" رامزا به إلى حزنه على الحبيبة الضائعة وغيابها الذي لا ينتظر له نهاية .. بل إنه لا يبصر غير الموت :
    لكني لا أبصر في الأفق الأسود غير الموت !
    ويرحل في حلم جديد مع هذه الحبيبة الغائبة "الخضراء" ـ رمز الأمل العائد ـ التي تقرر العودة إليه بعد كل هذا الغياب برغم تحذيره لها من مختلف الأخطار المحقة والمهلكة التي يمكن أن تواجهها في العودة ، وهي تأبى إلا العودة كائنة ما كانت الأخطار :
    يا خضراءُ ابتعدي عن " أنكيدو"
    هذا الوحش الكاسر
    يسعى خلف الكاسر "جلجامش " !
    يا خضراء ابتعدي عن مد ن يسكنها الغيظ ويحكمها السيف !
    تصرخ خضراء :
    الدار أمان
    مهما نظروا تحت الأقدام فلن يبصرنا أحد منهم !
    وتكون النهاية : موجة من الفرح والسعادة والأمل تنتشر في أعماقه عند ما :
    تدخل في حضني قريرة عين وتنام
    فتعاودني الأحلام !
    هكذا يرتد العاشق المحروم من جديد إلى فضاء الحلم الذي يحطم الأسوار والسدود ليأتي بالحبيبة الضائعة ليحقق لنفسه السعادة والفرح في جوارها ؛ تلك الحبيبة التي أشاعت في حياته الدفء ونشرت الأمل وفجرت مشاعره التي أخذت تتدفق تدفقا يفوق نوافير الدم في ميدان التحرير بصنعاء وسيول زبيد وغيل الشلالة كما يقول : (ق/ 7)
    هكذا يبدو الشاعر في حالة من حالات التشبث بالحياة ورصد وجهها المشرق وما توحي به من سعادة وهناءة وفرح عندما يتسامى الإنسان على آلامها ويستخف بأحزانها ويتجاوزها.. عندئذ تكون أحاسيسه ومشاعره ووجداناته أشدّ تدفقا من تلك الشلالات والنافورات وسيول زبيد ، ولن تكون هذه المفردات على تدفقها الشديد والهائل واشتهارها بذلك معادلا موضوعيا ومكافئا فنيا لتدفق مشاعره وأحاسيسه التي فجرتها الحبيبة في تلك اللحظة من الحب والوصل !
    ولكن هل نستطيع أن نخمن القصيدة التي سجل فيها الشاعر لحظة البداية لذلك العشق والهوى الذي طرقه أو قل اجتاحه وخامر نفسه ووجدانه وخالط مشاعره وهي مقطوعته الرشيقة "امتحان" ــ ربما ــ (ق 14) حيث يقول :
    أربع وردات يملأن جرار الماء
    أوثقن الشاطئ في استحياء
    لم يستطع السير
    ظلّ سعيد ا يتغزل في الفتنة
    ( نائمةً كانت )
    من يجعلها تستيقظ كي تشعل فيّ الوجعَ الغائب ؟!
    وتتواصل مسيرة الحلم اللانهائية ، أو التي تبدو لانهائية برغم أنها دائما محكومة بالموت أو الفناء أو الخواء والنهاية الموئسة ؛ وهذا ما يكرس ظاهرة الحرمان في نفس الشاعر ويجعله يرصد تلك الحبيبة وقد أضاءت أفق حياته ، وأشاعت فيها البهجة والفرح والنور، وحققت له ما عجز عن تحقيقه في عالم الواقع ؛ وكأني به يستعيد حكاية شاعرنا الأوسي القديم " قيس بن الخطيم " الذي تعذّب أقسى العذاب بحب صاحبته واكتوى بحرمانه من وصلها في عالم الواقع حتى وجد الخلاص من كل ذلك العذاب والحرمان عبر الحلم الوردي الذي حقق له كل ما يريد وفوق ما يريد من وصل وحب وسعادة وهناء ولذيذ اللقاء فقال :
    ما تمنعي يَقْظَى فقد تُؤتينَــه في ا لنوم غيرَ مُصَرّد مكذوب
    هكذا كانت صاحبة شاعرنا المعاصر التي حرمته من حبها وصدت عنه صدودا مزريا وهجرته ولوّعته ؛ فما كان مكنه إلاّ أن استدعاها والتقاها في روضة من رياض الأحلام ليرتوي من رضابها العذب ، ويمتع نفسه بما حرمته منه في عالم الواقع النكد : (ق/4)
    تجيئين .. تأتي العصافير
    يشتعل اللحن في الشفة العاشقهْ
    أغنّي سنابلَك / البحرَ تمنحني ما أ ريد
    تَهِلّين في خطوة واثقهْ !
    ...............
    (يتبع)

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. غناء القبرات
    بواسطة مصطفى بطحيش في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 01-01-2011, 08:38 PM
  2. أأكل أم غناء ؟
    بواسطة محمد الحامدي في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 04-07-2007, 06:56 PM
  3. يا واحةً غناء
    بواسطة عبد الفتاح الأسودي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 25
    آخر مشاركة: 05-11-2006, 03:48 PM
  4. العلاقة بين غناء بوسي سمير وهرمون التستوسترون الملعون !!!
    بواسطة محمد شعبان الموجي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-12-2004, 01:16 AM
  5. من غناء المرأة الفلسطينية لطفلها
    بواسطة ربيحة علان في المنتدى النَادِى التَّرْبَوِي الاجْتِمَاعِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 30-10-2004, 07:53 PM