إنكسار عربي!
******************
(1)
أكتبُ لكِ يا صديقة بدمعي
بحبرٍ مخضبٍ من دمي
بقطعةٍ من فؤادي ألقيتها
الليلةَ في هذا البلد.
أكتبُ ومساحة حزني
أكبر من صدي صوتي
أطول من أيام عمري
وإلى غير الله لا أبتهل السند.
ماذا يفعل رجلٌ مثلي هنا؟
يأتي على جسده
عبق سوق عكاظ
يحمل أزهاراً باليد
يقطفها من حدائق الأندلس
ويتحفها بقصائد الفرزدق وجرير
يحمل شيئاً قليلاً
من أخلاق العرب.
ماذا يفعل رجلٌ مثلي هنا؟
يحاور المرأة بكل معنى الحضارة
يعزف لها الحب
كما تعزف الأنامل على أوتار القيثارة
يحمل لها قلبه بكفه
يحمل لها كل ما كتب.
ماذا يفعل رجلٌ يأتي من خلف
غبار الحادي عشر من سبتمبر
ويتكلم بلسانٍ عربي
وقلبٍ عربي
وأخلاق رجلٍ عربي
وحياء رجلٍ عربي
ما أنا هنا يا صديقة
إلا عصفورٌ ينقر في الخشب.
ما انا إلا تعبٌ تعبَ من التعب.
********************
(2)
لأن الحبَ هنا فراشٌ دافىءٌ
ورقصٌ ولعب.
لأن صوتي تاهَ
كلما تكلمتُ بما في قلبي
وضاع, وتاه بين الصخب
لأن صلاة أمي ودعائها يلازماني
فقد قررت أن لا أدخل هذا المستنقع
قررت أن لا أدخل
قررت لهذا السبب!
**************
(3)
طقسٌ هنا باردٌ كالجليد.
والناس قدت قلوبها يا صديقة
من الصخرِ بل من الحديد.
الناس هنا لا يعرفوني
لا يفهموني
لا يكترثون للجديد.
الناس هنا لست أنا منهم
هم ليسوا مثلي
هم ليسوا منا
نحن العرب!
***************
(4)
أهذه الحضارة التي أحياها؟
حضارة تسير كالألة بلا توقف
بالليل والنهار
حضارة تعامل المرأة
كالجريدة والبضاعة
في السوق بلغة التجار
حضارة بلا معنى
ولا دين ولا روح
حضارة من زجاج
ترتقب زلزالاً
ترتقب إنهياراً
حضارة تتحرك كالدمى
وترقص كاللعب!
****************
(5)
لو كنت أجد وطناً
في بلادي هناك
بديلاً عن هذا العفن؟
لما كنت هنا أنا
لكن العربي يا صديقة أينما ذهب
بلا وطن
حتى الوطن
ما عاد يتسع لأبناء الوطن
حتى من إستخلفناهم على الوطن
نسوا في قاموس السياسة
شباب الوطن
تركهوهم يحملون متاعهم
وأحزانهم ويصارعون المحن
تركهوهم في العاصفة لوحدهم
كالطيورتهاجر في السحاب
تفتش عن ذواتها
تبحث عن أعشاشٍٍ لها
في بلاد الثلج والضباب
لكن يا صديقة..
سأرجع
سأرجع
سأرجع
لأن وجه أمي هناك
وجه امي هناك
وجه أمي
هو وجه الوطن.
************************
خليل الحلبي
ألمانيا
8-12-2002
3:30فجراً