الفوز الساحق لحماس وانهيار مشروع التسوية
دقت انتفاضة الأقصى المباركة مسمار الوداع في نعش التسوية ، وعصفت رياح المقاومة بكل أوراق العبث التفاوضي المنهزم .. وترنحت سياسة التعايش السلمي ترنحا مريعا ؛ لتسقط بضربة الإسلام القاضية التي أنهت جدلية الممكن السياسي في مصطلح الواقعية السياسية . وتجذُّر المفهوم الأصولي للصراع " أن الصراع على الأرض صراع وجود لا يحتمل عملية اندماج ثنائية ؛ فسقطت بذلك المقولة الوهمية ( ارض لشعبين متعايشين جنبا إلى جنب.. وانتهت المراهنة الشعبية على الخطاب السياسي المفلس الذي انفردت به سلطة اوسلو منذ بداية التسعينات حتى نهايتها، حين أدخلت القضية الفلسطينية في سوق البورصة السياسية لتحصل على أخس قيمة ربحية في معادلة المتاجرة بمقدرات القضية ومستحقاتها فكان التنازل المريع والضرائب الباهظة التي فرضتها سياسة التفريط في اوسلو وغيرها ، مما جعل الشارع الفلسطيني الذي كان يتأمل خيرا في اجتهادات التسوية ينقص على عقبيه ، ويضرب كفا على كف ، معلنا انه طعن من ظهره وغُرر به .
لكن الواقع الفلسطيني الذي فرضته سياسة الحدث اليومي الذي يمس الوجود الفلسطيني - لا الشكلية السياسية الوهمية- وتسارع الحدث على الأرض بعفوية فرضتها الطبيعة الحتمية للصراع ، عجلت في فرض المتغيرات الجذرية وقلب الموازين في لعبة التمثيل السياسي، وهذا ما كشفته انتخابات المرحلة الرابعة في فلسطين المحتلة التي ضمت كبرى المدن الفلسطينية( وهذه المدن تمثل- للمرحلة الحالية -قراءة من نوع خاص فقد ارتبطت هذه المدن برباط الانتفاضة الثانية ؛ حيث أنها شكلت زخما ومعقلا للمقاومين؛وبهذا تميزت عن القرى التي كادت أن تنعزل انعزالا كليا في هذه الانتفاضة دون أن تدخل في المعمعان والعريكة ، ومن نحو أخر تمثل - هذه المدن- رقعا سكانية واسعة تتلاشى فيها المظاهر القبلية والشخصانية في التمثيل الانتخابي لتحل محل ذلك كله الرؤية السياسية والطرح الفصائلي للمنظمات السياسية على حقيقتها ؛ ومن هنا ؛ فان فوز فصيل دون آخر له ما يعنيه في دلالات المرحلة واستشرافات المستقبل السياسي .
ومن هنا فإن قراءتنا لانتخابات المرحلة الرابعة الني تسبق انتخابات المجلس التشريعي لن تكون كأي قراءة سابقة رافقت حدثا شبيها بهذه الانتخابات ؛ لأن ثمة عوامل أخرى _كانت _ قد حسمت نتائج الانتخابات السابقة في القرى الصغيرة والبلدات ولا داعي لذكرها هنا .
لذا فإننا سننطلق في توصيفنا لما حدث بربطه بالتصور السياسي الممكن لطبيعة الصراع، والرؤية السياسية المشكلة للواقع السياسي على المستويين: الإقليمي والعالمي ، ومن خلال هذا المربع نستطيع أن نقف على النقاط التالية:
أولا:- كشفت هذه الانتخابات الحجم الحقيقي الذي تمثله السلطة وبرنامجها السياسي الداعي إلى التهدئة والرجوع إلى مربع المفاوضات؛ حيث أن 13% من أصوات الناخبين أعطيت لهذا الخيار في مدينة تعتبر الأكثر سكانا والأعرق في تاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني بل إن نسبة ليست بعيدة عن هذه النسبة حصلت عليها السلطة في معقل قرارها السياسي في البيرة ورام الله ؛حيث أنها لم تستطع حسم نتيجة الانتخابات لصالحها رغم تحالفها مع تيارات وفصائل متعددة ضد تيار واحد وهو تيار الإصلاح والتغيير ، وهذا يعني أن السلطة تحكم شعبا مخالفا لسياساتها ،وأنها لا تمثله في قراءته السياسية ، ولا تنطق باسمه في احتياجاته الخدماتية .
ثانيا:- بدا واضحا أن الناخب الفلسطيني جعل عامل الاختيار في ورقة الانتخاب للمشروع الوطني، وكان البرنامج السياسي الذي قدمته الفصائل هو عامل الترجيح في عملية الترشيح ، ومن هنا ؛ فإن حصول حماس على هذه النسبة الخيالية الساحقة من الأصوات تدلل على أن الشعب ينحاز بكليته للمشروع المقاوم ، ولا مجال للحديث عن ثنائية الطرح للواقع الفلسطيني، وإذا أرادت السلطة أن تنحاز للخيار الشعبي؛ فإن عليها أن تعود لخيار المقاومة ، فإنه خيار الشعب ، وتعلن إعلانا رسميا أن المشروع التفاوضي السلمي قد فشل فشلا نهائيا ذريعا ؛ فلا مجال للعودة لمشروع لا يصادق عليه الشعب
ثالثا :- أفرزت هذه الانتخابات مدى التفتت الذي يعيشه حزب السلطة –فتح- المبني–أصلا - على المصلحة والذاتية ، فقد تزامنت هذه الانتخابات مع انتخابات البرايمرز " لإبراز ممثلي حركة فتح " هذه الانتخابات التي جرت في حالة من الفوضوية واللا انضباط ،وأفرزت واقعا من التناقضات المريعة التي تعيشها الحركة ، في هيكليتها وطروحاتها ومشروعها السياسي وتمثيلها الحقيقي في واقع الحياة السياسية الفلسطينية ؛ ولا أدل على ذلك من حالة البلطجة التي رافقت عملية الاختيار (باحتلال مقرات وسرقة أوراق وصدور بيانات وشتائم ............الخ) ، وهذا يعني أن حركة فتح التي تزعم أنها تمثل الشريحة الأوسع في واقع الحزبية الفلسطينية ، هي في حقيقة الأمر حركة غير مؤهلة سياسيا لقيادة المشروع الوطني الفلسطيني، وأنها حركة غير مسئولة ؛ فالحركة التي تتناقض مع ذاتها ولا تستطيع أن تحمي جسمها الداخلي من شروخات الانقسام والفوضوية لا يمكن أن تكون حامية للمشروع الوطني المتكامل. ومن هنا ، لا يجوز لهذه الحركة أن تنفرد بخيارات الشعب الفلسطيني لتنوب عنه في المحافل الدولية والقرارات السياسية الرسمية .
رابعا :- إن هذا الفوز الساحق لحماس يعطيها مصداقية كاملة وتفويضا قانونيا لتدخل اللعبة السياسية من أوسع أبوابها مسقطة بذلك كافة التحفظات الأمريكية والإسرائيلية والأوروبية؛ فإذا كانت الانتخابات هي لعبة الديمقراطية التي تتغنى بها أمريكيا وأوروبا ؛فإن التعاطي مع نتائج هذه الانتخابات هو الدليل الوحيد على صدق النوايا لدى هؤلاء كلهم ،هذا من نحو ، ومن نحو آخر فإن وصول حماس إلى المجلس التشريعي بنفس الزخم الذي وصلت فيه إلى البلديات يعني انقلاب الصورة السياسية وتغير الممثل السياسي للقضية الفلسطينية ولا داعي للتمسك بالمقولة القديمة " أن المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للقضية الفلسطينية" إلا إذا قررت حماس أن تدخل في إطار منظمة التحرير الفلسطينية ، فتصبح حزب الأغلبية فيها وتفرض أجندتها السياسية ومن هنا، فإن خيار المنظمة سيصبح خيار المقاومة الذي فرضته حماس على المرحلة السياسية القادمة وهنا فقط تصبح المرجعية السياسية التي تمثلها المنظمة وتشكلها سياسة الأغلبية الإسلامي و هي المرجعية السياسية الوحيدة التي يمكن للشعب كله أن ينحاز لها بعد أن تكون مرحلة الحل السلمي قد ذرت أوراقها أدراج الرياح وأصبحت شيئا منسيا ليبدأ التاريخ تسجيل مرحلة جديدة ومغايرة من مراحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي .
وأخيرا فان نسبة 13% التي حصلت عليها فتح أو 73% التي حصلت عليها حماس في مناطق كانت مثار جدل لحجم التمثيل النسبي لكلتا النسبتين يطرح تساؤلا كبيرا يحسم ذلك الجدل وهو ببساطة هل نسبت ال13% التي تمثلها فتح في نابلس هي نسبة المؤطرين (أعضاء الحركة )وهذا يعني أن الحركة تفتقر لأي شعبية خارج نطاق إطارها التنظيمي أم أن هذه النسبة تضم الأعضاء والمؤيدين معا وبذلك تبرز القوة الحقيقية لهذه الحركة أمام خصمها الذي استخفت به ففاقها بما يزيد عن 70% من التأييد والقوة
رمضان عمر
رئيس رابطة أدباء بيت المقدس

نابلس