و كانت الأمسية ، و أخلفت حرة الوعد كرهاً ، فكان اعتذار و عذر في رسالة لم تصل زمن اللقاء .
بسم الله الرحمن الرحيم
السادة الأفاضل أصحاب النظم و النثر
سلام و رحمة أدعو بهما لكم من السلام الرحيم
أما بعد هما :
فهو اعتذار عن عدم الحضور زمن الكلمة المزجاة ، و أسفٌ لفواتِ الرجيع . لكنها الضعضعةُ من خذلانٍ – لا خذلنا الله و إياكم يوم الصحف المنشّرة - ؛ إنها الحمى .
و الحق أنها جاءتْ كما جاءتْ مُعِذبُتُه في غيهبِ الغسقِ ، لكنها لم تكن الكوكبَ الدريَ ، بل أنفاساً ثقالاً بغربة وحنين تطرقُ الصدرَ حتى إذا فُتِّحَتْ لها الأبوابُ ألقتْ ما فيها و تخلتْ ، و مع كل زائرة طارقة يتعاظم الثقل و يزيد .
و إني لأعجب من أمرها فقد كنت أظنها أهون و أيسر من أن تحملني على هودج ساءت حاله صاعدة بي و هابطة ما بين السماء و الرمث . بل كنت أظنها جميلة بهية و قد نعتها حبيبي الزوج يوم زارته قائلاً : جاءتني في أجمل صورة و أبهى حلة . بعد أن سألته : كيف جاءتكَ ؟ أخطأتُ في السؤال و أتقنَ الجواب . و يا لعقول النساء ؛ أمازلتُ أشعرُ بوخز الغيرة منها ؟ لا ، بل هي من يسقيني ألوان اللهيب الآن حقداً و حسدًا ؛ فأنا في التأنيث حقيقة حقيقة و هي فيه مجاز لا غير .
ثم إذا هي جاءتْ حملتْ معها شوكتها ؛ في كل رأسِ حديدةٍ سنانٌ ، يغرزُ فيك هذا لهيباً و يغرُز فيك هذا رجفةَ مقرورٍ في خيمة ، فما يجدي التدثُر بدثارٍ و لا دثارين ، ثم تغرزُ فيك الثالثة لتحلبَ العرقَ منك غزيراً فلا تدري نبعه من المصب .
و ما بين هذا و ذاك توهمتُ القاضية ، بل فيها طمعتُ ، و غروراً ظننتُ أن الزاد يحملني و مطيتي سفراً برزخياً إلى الرفيق الأعلى ، ففرحتُ ، وقلتُ : يا رب إليك يا رب إليك ، فكان .
لكنها كانت موتة صغرى بين براثن الألم ، و من عجبٍ أرى خيالات الفرح يكسوها زاهي الألوان تتراقص هنا و هناك ، و أشباح السرور تمنحني بعضها ، و وجوه ضاحكة لا ملامح لها غير البسمة ، أفرّتْ الحمى و تركتني ؟ و أدق بسؤالي المسمار الأول في نعش الأوهام ! هو الفرّ و ها هو الكرّ ؛ فما أن تتراجع أجفاني عن العناق حتى تذوب فرحتي و تذوي أحلامي الضاحكة ، و تنتبه كل الأوجاع لتستقر من جديد بين أضلعي ، و تسرع حرقة لتذيب باقي خافقي ، لأعلم أن ما أنا فيه حمى مفؤود لا حمى مرض .