قرأت هذا الموضوع في أحد المنتديات للأخ الفاضل السهل الممتنع فأحببت أن أنقله ولاأدري ماهورأيكم به
أختكم
بنت البحر
قراءة في فلسفة الحب عند الشيخ علي الطنطاوي
إعداد .. أحمد علي آل مريع !!
القراءة في كتيب عدد صفحاته [ 41 ] صفحة من الحجم المتوسط
ولأن حقوق الطبع للمؤلف ، وحفظا لحقوقه سنورد بعض ما جاء في تلك القراءة .. بشيء من الإيجاز !!
الحب في شباب الطنطاوي !
يأخذ [ الحب ] في أعمال الطنطاوي طابعا فلسفيا عميقا ، قد لا يستطيع القارئ أن يقف على أبعاده ومراميه ، أو أن يفقه جوانبه المختلفة من خلال نظرة واحدة ، أو قراءة عابرة لنتاجه الذي فلسف فيه هذه العاطفة المتجذرة في نفوس البشر التي ينعتها بقوله :
" الحب عالم من العواطف ، ودنيا من الشعور ، فيها كل عجيب وغريب "
رؤية متباينة تباين السنين التي عاشها ، ومختلفة اختلاف الطيف واختلاف المدن والبلدان التي مر بها ، أو حط فيها في رحلته الطويلة .
وإني لأكاد أجزم بأن الطنطاوي كان في صباه عاشقا قد برحه الوجد ، أو هكذا ظهر لي في كثير من أعماله ، التي لا تزال
آثار الصبا عليها بادية جلية ، وإن احتفظت باتزان الشيوخ وأخلاق العلماء وحشمة العربي .
ولا يرى الطنطاوي حرجا في التصريح بالحب أو الكتابة فيه كما هو الشأن عند بعض المتأخرين . ويرى أنه من التزمت الشديد أن ننهى الناس عن التعبير عن عواطفهم ، أو أن نحول بينهم وبين جوانحهم بحجة واهية لا تقوم على أساس معلوم من الدين وبخاصة وأن هذا السنن قد رسمه علماء أجلاء من قضاة وأصوليين وفقهاء ، جاءت لهمن من الأبيات في الحب المُرقّصات المُطربات . وما كان التحفظ ليحول بينهم وبين نقل مشاعرهم إلى الناس في أسلوب بديع لا يخلو من الحشمة والجلال والوقار .
وقد أخذ الشيخ على عاتقه أن يبين ذلك ، وأن يمحو ما هو شائع في عصره نتيجة ما يروج بعضهم : من أن الدين قد حظر على المشاعر والعواطف ، وأنه قد حرم حتى مجرد الإحساس بالحب فكيف بالكتابة فيه وإذاعة لواعجه !!
يقول :
" قال لي شيخ من المشايخ المتزمتين وقد سقط إليه عدد من [ الرسالة ] فيه مقال لي في [ الحب ] : ما لك و [ الحب ] وأنت شيخ وأنت قاض ، وليس يليق بالشيوخ والقضاة أن يتكلموا في [ الحب ] وأن يعرضوا للغزل ؟ ! ..
فضحكت وقلت له : أما قمت مرة في السحر ، فأحسست نسيم الليل الناعس ، وسكونه الناطق ، وجماله الفاتن ، فشعرت بعاطفة لا عهد لك بمثلها ، ولا طاقة لك على وصفها ؟ ! أما سمعت مرة في صفاء الليل نغمة عذبة من مغن حاذق قد خرجت من قلبه ، فهزت منك وتر القلب ، ومست حبة الفؤاد ؟ ! أما قرأت قصة من قصص الحب أو خبرا من أخبار البطولة ، فأحسست بمثل النار تمشي في أعصابك ، وبمثل جناح الطير يخفق في صدرك ؟ ! أما رأيت في الحياة مشاهد البؤس ؟ ! أما أبصرت في الكون روائع الجمال ؟ !
من الذي يصف لذاذاتك وآلامك ، وبؤسك ونعمائك ؟ ! لن يصورها اللغويون ولا الفقهاء ولا المحدثون !! كل أولئك يعيشون مع الجسم والعقل محبوسين في معقلهما .. لا يسرحون في فضاء الأحلام ، ولا يوغلون في أودية القلب ، ولا يلجون في عالم النفس ، فمن هم أهل القلوب ؟ ! إنهم الشعراء يا سيدي !! وذلك هو الشعر !
ومن أين عرفت أن العلماء قد ترفعوا عنه والكتب مملوءة بالجيد من أشعارهم في الحب والغزل ووصف النساء ؟ !!
ويقول في موضع آخر :
" من حرم الكلام في الحب ؟
ما في الحب شيء ولا على المحبين من سبيل !! إنما السبيل على من ينسى في الحب دينه ، أو يضيع خلقه ، أو يهدم رجولته ، أو يشتري بلذة لحظة في الدنيا عذاب ألف سنة في جهنم .. "
والطنطاوي نفسه يعترف بأنه قد تحدث عن الحب فلم يبلغ ما في نفسه ، ولم يوفه حقه ، لأن اللغة نفسها عاجزة عنه ، قاصرة دونه ، يقول في صدر إحدى فتاويه المنشورة في جريدة الشرق الأوسط :
" أنا أقول من قديم : إن لغات البشر قاصرة عن التعبير عن المشاعر والعواطف ، بل أنها تعجز – أحيانا – عن تصوير بعض مشاهد الطبيعة .. لذلك أطلقنا هذه الكلمة الواحدة ذات الحرفين : الحاء : التي تمثل الحنان ، والباء : التي تبدو الشفتان عند النطق بهما كأنهما متهيئتان لقبلة .. كلمة واحدة نطلقها على ألوان متعددة ، هي إلى الاختلاف أقرب منها إلى الائتلاف .. ولن ألج في متاهات الكلام عن الحب .. فلي فيه مقالات وقصص تملأ عشرات من الصفحات منشورة فيما طبع من كتبي وفيما لم ينشر من كتاباتي "
والحق أن ما يقال عن لفظة [ الحب ] في العربية ينسحب على لفظتي [ amour ] الفرنسية ، و [ lovi ] الإنجليزية .. وهذه ملاحظة ذكية من الطنطاوي ، واستشعار عميق ، بما وراء الحروف من المعاني الدافئة ، هذا الإحساس ستجاوز حدود اللغة القومية ليشمل اللغة الإنسانية بعامة . وكأني بالشيخ يؤكد – ضمنا – إحدى عبقريات ابن جني التي أودعها كتابه الخصائص ، ولا سيما في البابين اللذين عنونهما على طريقته العجيبة في انتقاء مصطلحاته وهما [ باب إمساس الألفاظ أشباه المعاني ] و [ باب تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني ] وهي عبقرية فذة حيث فطن إلى دراسة اللغة من حيث هي : ظاهرة إنسانية حية ، ونتيجة حتمية لمقدمات من حاجات الإنسان ورغباته وميوله ، بغض النظر عن أصل اللغة وجغرافية انتشارها .
وإذا كانت معاناة الأدباء وآلامهم تسهم بشكل واضح في رسم ظلال قاتمة خلف التجربة الإبداعية وخلق فلسفة ذات ابعاد مأسوية ، فإن شفافية نفس على الطنطاوي ، وحسه المرهف يريان الكون لحمة واحدة مبنية على الحب والتضحية ، تجمعه أواصر القربى وتوحد بين عناصره وشائج الألفة ..
يقول :
" لولا الحب ما التف الغصن على الغصن في الغابة النائية ، ولا عطفت الظبية على الطلا في الكناس البعيد ، ولا حنا الجبل على الجبل في الوادي المنعزل ، ولا أمد الينبوع الجدول الساعي نحو البحر ، ولولا الحب ما بكى الغمام لجدب الأرض ، ولا ضحكت الأرض بزهر الربيع .. ولا كانت الحياة "
يتبع