أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: هل الإشباع غاية الإنسان المسلم في هذه الحياة ؟

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد سوالمة قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    الدولة : رفح
    العمر : 69
    المشاركات : 488
    المواضيع : 188
    الردود : 488
    المعدل اليومي : 0.06

    افتراضي هل الإشباع غاية الإنسان المسلم في هذه الحياة ؟

    ان كل أفعال الإنسان لها دوافع فطرية وإن لم يدرك الكثيرون ذلك ، فكل فعل يكون نتاج دافع فطري ويتحرك الإنسان مدفوعاً بهذا الدافع الفطري ويستجيب له ويشبعه ، وهذا الدافع الفطري إما أن يكون حاجة عضوية أو غريزة .

    فالسعي للحصول على المال هو دافع فطري للتملك وهو مظهر من مظاهر غريزة البقاء ، وكذلك الشجاعة والجُبن والكرم والبخل وحب السيادة ...

    والميل الجنسي وحب الأبناء والآباء وإغاثة الملهوف .... هي مظاهر من مظاهر غريزة النوع .

    والتقديس سواء أكان تقديس الخالق عند المؤمنين بالله أم تقديس الأشخاص عند غيرهم هو مظهر من غريزة التدين..
    وهكذا ...


    والإسلام العظيم بأحكامه الربانية شرع لنا المعالجات الدقيقة التي تكفل للإنسان إشباع غرائزه وحاجاته العضوية بنظام دقيق يضمن الهناء للإنسانية جمعاء .

    والإنسان يسعى في حياته الدنيا هذه لإشباع حاجاته العضوية وغرائزه ، لأنه إن لم يشبع حاجاته العضوية يموت وإذا لم يشبع غرائزه يعيش بقلق واضطراب .

    وبعد هذه المقدمة البسيطة عن الإنسان ، يكون هنا سؤال وهو : هل الإشباع غاية الإنسان المسلم في هذه الحياة ؟
    أي هل المال أو النساء أو النجاح في التعليم أو التفوق في مجال من المجالات أو ما شاكل ذلك هي غاية المسلم في الحياة ليتخذ حيالها إجراء الحياة أو الموت ويرهن حياته لها ولا يقدّم عليها شيئاً ؟

    أقول : الحمد لله حمداً لا نهاية له على نعمة الإسلام العظيم

    : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [ الذاريات الآية 56] ، فما هي العبادة المقصودة هنا ؟ أهي ترك الأهل والمال والعمل والانصراف إلى الصلاة والصوم فقط ؟؟!
    إن العبادة تعني الطاعة ، فسيدنا إبراهيم عليه السلام يقول لأبيه آزر )يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً) (مريم:44) مع أن أباه وقومه كانوا يعبدون الأصنام ( إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً ) [ مريم الآية 42] ، )وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ ، إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ ، قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِين ) )الشعراء :69-71( .
    ويقول النبي : " تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم " .
    وكذلك قصة عدي بن حاتم الطائي مع الرسول حيث روى الإمام أحمد والترمذي وابن جرير
    " ... فدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي عنق عدي صليب من فضة وهو يقرأ هذه الآية (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) قال: فقلت إنهم لم يعبدوهم فقال: بلى إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم. " .
    فالعبادة هي الطاعة مع الخضوع والتذلل ، وتكون بأن يؤمن الإنسان و يسيّر أعماله كلها حسب أوامر الله ونواهيه في جميع شؤون حياته ، فالإسلام دينٌ كامل متكامل منزه عن النقص .
    : )الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (الملك:2)، فهذه الآية الكريمة تشرح أن العبادة هي حسن العمل ، وحسن العمل أن يكون العمل حسب أمر الله ، وأن يكون خالصاً لله في الأعمال التي تتوقف صحتها على النية .

    فطاعة الله طاعة مطلقة ، طاعة غير مقيدة لا بمنفعة ولا بعقل ، طاعة مع الخضوع له والتسليم الظاهر والباطن هي العبادة المقصودة في قوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) .


    فحكمة الله من خلق الإنسان هي العبادة أي أن الغاية التي يريدها الله أن نتتج من خلقه للإنسان هي العبادة والإنسان بحاجاته العضوية وغرائزه موضوع الابتلاء أي الاختبار في هذه الفترة الزمنية أي الحياة الدنيا
    : )اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (الحديد:20)

    وإذا سيّر الإنسان المسلم حياته أي أشبع حاجاته العضوية وغرائزه حسب النظام الذي أنزله الله تعالى لتنظيم علاقة الإنسان بخالقه وذلك في جانب العقائد والعبادات ، وعلاقة الإنسان بنفسه وذلك في جانب المطعومات والملبوسات والأخلاق ، وعلاقة الإنسان بغيره من بني الإنسان وذلك في جانب المعاملات والعقوبات ، فإنه يكون قد عبد الله واستحق الأجر إن شاء الله ورُحِمَ من النار بإذن الله وعاش حياة طيبة ، أما إن خالف هذا النظام الرباني فقد عصى الله وفعل الشر واستحق العذاب من الله تعالى والعقوبة والشقاء في الدنيا .

    ق : )فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه ُ) (الزلزلة:8-7)
    و : )وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طـه:124) والذكر هنا بمعنى أوامر الله وليس التسبيح فقط.
    قال ابن كثير في تفسيره : وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي أَيْ خَالَفَ أَمْرِي وَمَا أَنْزَلْته عَلَى رَسُولِي أَعْرَضَ عَنْهُ وَتَنَاسَاهُ وَأَخَذَ مِنْ غَيْره هُدَاهُ )فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَة ضَنْكًا( أَيْ ضَنْك فِي الدُّنْيَا فَلَا طُمَأْنِينَة لَهُ وَلَا اِنْشِرَاح لِصَدْرِهِ بَلْ صَدْره ضَيِّق حَرَج لِضَلَالِهِ وَإِنْ تَنَعَّمَ ظَاهِره وَلَبِسَ مَا شَاءَ وَأَكَلَ مَا شَاءَ وَسَكَنَ حَيْثُ شَاءَ فَإِنَّ قَلْبه مَا لَمْ يَخْلُص إِلَى الْيَقِين وَالْهُدَى فَهُوَ فِي قَلَق وَحِيرَة وَشَكّ فَلَا يَزَال فِي رِيبَة يَتَرَدَّد فَهَذَا مِنْ ضَنْك الْمَعِيشَة .ا.هـ

    وقال القرطبي : أَيْ دِينِي , وَتِلَاوَة كِتَابِي , وَالْعَمَل بِمَا فِيهِ .ا.هـ

    فالله سبحانه وتعالى لم يخلق الإنسان عبثاً ، وتعالى الله عن ذلك )أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون:115) ، )أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) (القيامة:36) .

    وهذا التشريع أي التنظيم هو لله سبحانه وتعالى وليس للبشر وحتى سيدنا محمد إنما هو مبلغ عن ربه بقوله وفعله وتقريره ، وليس بمشرّع بمعنى أن يشرع من عنده .

    :)قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) (فصلت:6) و : )قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (الكهف:110)
    و : )..... قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (يونس:15)
    و : )وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم:3-4)

    وإتباع هذا الهدى يكون بالتسليم ، كونه فقط تشريع من الله )فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65) ، أما العقيدة فتُؤخذ بعد التفكّر،وتُبنى على العقل كوجوب وجود الخالق المدبر يُتوصل إليه بالعقل ، وكون القرآن كلام الله وليس كلام بشر يُتوصل إليه بالعقل ، وكون محمد رسول من الله يتوصل إليه بالعقل كذلك )أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) (الغاشية:17-20 ) ، ويؤمن المسلم بالجنة والنار والملائكة مع أنها غيب لكونها وردت بدليل نقلي قطعي الثبوت قطعي الدلالة ، وهنا الدليل وهو من القرآن الذي ثبت بالعقل أنه كلام الله تعالى المنزه عن التحريف والنقص وما شابه ذلك .

    وهذا التنظيم الذي هو من العليم الخبير ، الأصل أن يسير المسلم بحسبه وهو مطمئنٌ به وله ، ولا يرى المسلم أن هذه الحياة الدنيا غاية لأنها فترة وستمر عليه بأي حال ، ثم تبدأ الحياة التي لا تنتهي فهي إما رضوان من الله وإما غضب منه والعياذ بالله

    وللحياة الآخرة مقاييس مختلفة ، ففي الجنة لا تعَب ولا نصَب ولا تكليف ولا خوف ولا حزن ويكفي قول الله تعالى :) ... فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الأعراف: من الآية35) ، فلا خوف من المستقبل ولا حزن على ماض ورضوان من الله أكبر.

    فالدنيا وما فيها عبارة عن وسيلة عند المسلم يبتغي منها الوصول إلى رضوان الله تعالى ، وإشباع الحاجات العضوية والغرائز إنما هي متطلبات يلبيها ولكن حسب أمر الله فقط .
    : )وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص:77) ، ولا يقدم المسلم الدنيا على الآخرة لأن الدنيا زائلة والآخرة باقية والمعصية تبقى واللذة تزول ، فإنه إن جعل الدنيا مركز تنبهه ومحور حياته فقد هلك وحق عليه قول رسول الله : " الدنيا جيفة طلابها كلاب " ، وقال : " من أصبح وهمه الدنيا فليس من الله في شيء " ، وقال أيضاً صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : " من أصبح وهمه غير الله فليس من الله في شيء " رواه الحاكم .

    إن الله تعالى خلق الكون والإنسان والحياة ، وخلق الزمان والمكان ، وبعث الرسل والأنبياء وكانوا جميعاً قضيتهم واحدة ، عاشوا لأجلها ، وقاسوا في سبيلها ، وجعلوها قضية القضايا ، قدموها على النفس وعلى الأهل وعلى الأموال وعلى هذه الحياة الدنيا بأسرها .
    اتخذوها قضية القضايا ، ومحور الكون وأساس الفكر ، اتخذوها القضية المصيرية لأن الله تعالى هو الذي جعلها كذلك ، فاتخذوا حيالها موقف الحياة أو الموت . إنها قضية التوحيد ، عبادة الله وحده بلا شريك له .

    : )لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (الأعراف:59) ، و : )وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ) (الأعراف:65)
    وقال : )وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (الأعراف:73) وقال : )وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (العنكبوت:36)
    وقال : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (النحل:36 (

    فواجبٌ على المسلم الذي ارتضى الله رباً والإسلام ديناً ومحمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم نبياً ورسولاً ، أن يتخذ هذه القضية أساس حياته ومركز تنبهه ، يعيش لها ، يضحي من أجلها وذلك طلباً لرضوان الله تعالى ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به " ، فالإسلام هو الذي ينظم إشباعاتنا وبالتالي هو الذي يحدد أولوياتنا ، أما نحن فلا نقدم عمل على عمل بناءً على الهوى إنما بناءً على أمر الله سبحانه وتعالى وهنا تتجلى العبودية ، : )وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (الأحزاب:36) ، و : )قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162)


    ولنا هنا وقفة مع آية من آيات سورة التوبة وهي قوله تعالى : )قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة:24)

    وفي هذه الآية تهديدٌ بالعقاب من الله لمن يجعل الدنيا بأناسها وأموالها وأعمالها مقدمة على أمر الله ورسوله ويتقاعس عن العمل للإسلام بسبب الأموال والأولاد والأزواج والإخوان والعشيرة والتجارة والمساكن مجتمعة ، والمقصود بحب الله ورسوله في الآية هو الإسلام أي طاعة الله ورسوله ، قال البيضاوي : المحبة إرادة الطاعة ، قال الزجاج : ومحبة الإنسان لله ورسوله طاعته لهما ورضاه بما أمر الله سبحانه به وأتى به رسول الله .

    قال ابن كثير في تفسيره : ثُمَّ أَمَرَ تَعَالَى رَسُوله أَنْ يَتَوَعَّد مَنْ آثَرَ أَهْله وَقَرَابَته وَعَشِيرَته عَلَى اللَّه وَرَسُوله وَجِهَاد فِي سَبِيله فَقَالَ " وَتِجَارَة تَخْشَوْنَ كَسَادهَا وَمَسَاكِن تَرْضَوْنَهَا " أَيْ تُحِبُّونَهَا لِطِيبِهَا وَحُسْنهَا أَيْ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء " أَحَبّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّه وَرَسُوله وَجِهَاد فِي سَبِيله فَتَرَبَّصُوا " أَيْ فَانْتَظِرُوا مَاذَا يَحِلّ بِكُمْ مِنْ عِقَابه وَنَكَاله بِكُمْ . وَلِهَذَا قَالَ " حَتَّى يَأْتِي اللَّه بِأَمْرِهِ وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْفَاسِقِينَ " وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا قُتَيْبَة بْن سَعِيد حَدَّثَنَا اِبْن لَهِيعَة عَنْ زُهْرَة بْن مَعْبَد عَنْ جَدّه قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه وَهُوَ آخِذ بِيَدِ عُمَر بْن الْخَطَّاب فَقَالَ : وَاَللَّه يَا رَسُول اللَّه لَأَنْتَ أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ كُلّ شَيْء إِلَّا مِنْ نَفْسِي فَقَالَ رَسُول اللَّه " لَا يُؤْمِن أَحَدكُمْ حَتَّى أَكُون أَحَبّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسه " فَقَالَ عُمَر : فَأَنْتَ الْآن وَاَللَّه أَحَبّ إلَيَّ مِنْ نَفْسِي فَقَالَ رَسُول اللَّه " الْآن يَا عُمَر " اِنْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيّ فَرَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْن سُلَيْمَان عَنْ اِبْن وَهْب عَنْ حَيْوَة بْن شُرَيْح عَنْ أَبِي عُقَيْل زُهْرَة بْن مَعْبَد أَنَّهُ سَمِعَ جَدّه عَبْد اللَّه بْن هِشَام عَنْ النَّبِيّ بِهَذَا وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيح عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِن أَحَدكُمْ حَتَّى أَكُون أَحَبّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِده وَوَلَده وَالنَّاس أَجْمَعِينَ " .ا.هـ

    فكيف للمسلم بعد هذه الآية أن يقدّم أمر الدنيا على طاعة الله ورسوله ؟ وهل طاعة الله ورسوله ضد حب الإنسان للأموال والأزواج ؟
    بالقطع لا ، بل الإسلام أعطانا المعالجات الصحيحة لإشباع دوافع حب المال والنساء والأولاد ، ولكن أن يجعل الإنسان حب المال وحب النساء والأولاد غاية يقدمها على طاعة الله ورسوله فهذا فعل يستحق صاحبه العقاب من الله تعالى .

    : )إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (التغابن:15) ، وكيف ذلك ؟ يكون ذلك عندما يقدم الإنسان مصلحة أولاده – كما يراها هو – وحبه لماله على أمر الله فتكون الأموال والأولاد فتنة له عن طريق الحق .

    : )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المنافقون:9)، فمن يقدم الدنيا على العمل لإيجاد التوحيد في معترك الحياة فقد استحق عقاب الله العظيم الجبار .


    ويتعذر الناس بأعذار مثل الخوف على الرزق ، والخوف على الحياة ، والخوف من السجن أو الاستهزاء من الناس ، والتي قد يلاقوها أثناء قيامهم بما جعله الله أولوية في هذا الكون .

    وكيف يتعذرون أمام الآيات قطعية الدلالة في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
    : )وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذريات:56-58) فالله هو الرزاق وهذا أمر عقدي في الإسلام لا يحتمل الشك أبداً . ولكن فهم معنى أن الله هو الرزاق قد يختلط على كثيرين ، فيظنون أن ذهابهم للعمل هو سبب الرزق أو يظن الموظفون أن المدير هو سبب الرزق لأنهم نظروا فرءوا أنهم إذا لم يذهبوا إلى العمل لا يأخذون مرتباً .
    والحقيقة أن تلك الأشياء ومثلها هي حالات لتحصيل الرزق وليست هي أسباب الرزق أو سبب الرزق ، لأن المشاهد المحسوس أن هذه الحالات قد تحصل ويحصل فيها الرزق وقد تحصل ولا يحصل فيها الرزق ، فهي حالات وليست أسباباً لأن السبب ينتج المسبب حتماً من دون تخلف .
    والمشاهد المحسوس أيضاً أنه قد يحصل الرزق بدون أي سعي أو جهد . وقد يشتغل الموظف طوال الشهر ثم يُحجز على معاشه لسداد دين أو ضريبة أو نفقة أو قد يضيع المرتب وما شاكل ذلك . وقد يذهب العامل للعمل ولا يعمل ، وقد يعمل ويكسب ، وقد يعمل ولا يكسب ، وقد يأتي الشخص خبر وهو جالس أن قريبه فلان في بلد بعيد قد توفي وأنه من ورثته أو وارثه الوحيد ، أو قد يجد مالاً تحت بيته أو على شكل هدية أو لقطة .

    فهذه مجرد حالات لتحصيل الرزق لأن الرزّاق هو الله ، وهذا ثابت في كثير من النصوص القطعية ، على وجه الحقيقة لا على وجه المجاز . فالله تعالى يقول )وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ)(المائدة: من الآية88) )اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُم)(الروم: من الآية40)
    ) إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)(آل عمران: من الآية37) )اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ)(الرعد: من الآية26) )وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (هود:6)
    يتبع ان شاء الله
    [motr]من اراد الله به خيرا فقهه في الدين[/motr]

  2. #2
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    الدولة : (بيتنا بطحاء مكه)
    المشاركات : 1,808
    المواضيع : 128
    الردود : 1808
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    الفاضل الباسل المناضل الفاتح

    جزاك الله الخير كله

    وكثر الله من أمثالك

    أدامك الله على التقى والصلاح ونبراساً يعلو به الحق

    في انتظار التكملة ولي عودة

المواضيع المتشابهه

  1. الإشباع
    بواسطة خشان محمد خشان في المنتدى العرُوضُ وَالقَافِيَةُ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 02-11-2016, 12:11 AM
  2. أما الذي يخيف الإنسان فهو الإنسان
    بواسطة هشام النجار في المنتدى النَادِى التَّرْبَوِي الاجْتِمَاعِي
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 30-08-2016, 10:23 PM
  3. حق المسلم على المسلم
    بواسطة مصطفى امين سلامه في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-05-2011, 10:50 AM
  4. حق المسلم على المسلم
    بواسطة رقية عثمانية في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-02-2010, 07:22 PM
  5. حرمة المسلم على المسلم
    بواسطة بابيه أمال في المنتدى المَكْتَبَةُ الدِّينِيَّةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 16-12-2007, 04:58 PM