تسمع طرقاً على الباب ، فتنطلق سعياً لكي ترى القادم ، فهي تنتظر زوجها الذي خرج في باكورة صباح اليوم وهو يمُنيها بأكلة سمك طازج سوف يُؤتيه إليها .
فتفتح الباب وتراه أمامها يحمل غمراً ثقيلاً ينوء عن حمله ، فتساعده لكي يصلن به حتى باب المطبخ ، فيلقينه في الحوض فيمتلئ عن آخره ببياض وبوري ومياس يكاد أن يتطاير ويسقط على الأرض من شدة شوقه لماء البحر ، فتتراقص الست فتحية طربا وسعادة ، وتعانق زوجها سيد وتشكره ، وتُعدَّ معه مجموعة أصناف سوف تقوم بطهوها من أجلِه وأجل الأولاد ، الذين سيسعدون لهذا الطيب من الطعام . فيتركها قرير العين راض لرضائها ، ويمضي إلى فراشه لينام ، بعد أن يأخذ عليها عهداً ألا توقظه حتى ينتهي إعداد الطعام ، ويرجوها بأن لا تجعل الأولاد يوقظونه بضجيجهم إذا حضروا بعد الدراسة بالذات .
وتظل الست فتحية أمام سمكها تنتقي منه ما يناسب أصناف طعامها .
وتبدأ بتنظيف ما يستحق القلي ، وفجأة يدمى إصبعها شئ صلب ببطن إحدى السمكات ، فتخرجه وتنظر إليه في اندهاش : ماذا أري قطعة زجاج ببطن السمكة ! أم يكون فص ألماظ أو لولي ؟!!
فتضعه من فورها لتغسله تحت صنبور المياه فيزداد بريقاً أمام عينيها فتصيح : إنه وربي قطعة زجاج ، فأنا أعرف قدري ، فمن أين يأتيني هذا الماس ! نعم إنه قطعة زجاج .
وفجأة يهتز من حولها المكان ، وتكاد تسقط بعض الأشياء ، فترتعد ما هذا زلزال ؟ ولم تكد تكمل مقولتها حتى جاءها صوت جهوري ، لا تدري من أمامها أو من خلفها ، لكنها سمعته يناديها باسمها يا ست فتحية وكرر النداء حتى إستجابت ولبت النداء وهي ترتعد خوفاً ، فخرج صوتها متقطع الأنفاس نعم أنا فتحية ، تأمرني بشيء ؟ فيعود المكان لنفس اهتزازه وهو يحمل صدى الصوت الغامض المرعب : أنا خادم فص الخاتم الزجاج ، أ أمريني ألبي طلبك في الحال . فتحتار وتتساءل أي فص وأي خاتم هذا ؟ فيجيبها الصوت في الحال : فص الخاتم الزجاجي الذي قمتِ بتنظيفه الآن … يا ست فتحية ، أ أمريني فلكِ عندي طلبين اطلبي ما تشائين فسوف يجاب .
تبحث عن من يسعفها بالإجابة ، فتحاول الاستغاثة بزوجها سيد فلا تجد صدى لصوتها ، فتندهش هل لهذا الحد غرق زوجها في النوم . وأمام إلحاح هذا الخادم لفص الخاتم بالإجابة لا تجد إلا أن تقول له بصوت تحاول أن يخرج منها متماسك لتنهي هذا الرعب القاتل ، فتتسارع ألفاظها وتتسابق حروفها : أريد أن أبدو صغيرة عشرين عاماً عن سني هذا ، وأريد أن لا يبدو سني مهما تقدم بي العمر ؛ أتعرف هذا ؟
وكأن الخادم كان هو الآخر في عجلة من أمره فيجيبها بنفس سرعتها : أمرك مطاع يا ست الحُسن والجمال … ها ها ها يا ست فتحية انظري خلفك بالمرأة . وما تكاد تنظر في المرأة حتى كاد أن يغشى عليها .
وإلى حلقة قادمة لتكملة القصة .
مع خالص أمنياتي أن تنال الإعجاب .