ذات نقاء صدع السراج بالأمر وسرى الصوت الندي الآسر يهز الأفئدة ويستحوذ على الألباب ..أرسل القمر ضياءه ليبدد غلالة العتمةالجاثمة ويلمّ أطراف الدنيا ويغسل أحزانها ..يسربلها ثوب البراءة الموشى بالطهر والمزركش بالنقاء ..غمر نور القمر وجه الأرض فصدحت البلابل على الأفنان بصوت عذب يرسل النغم الطروب ليشرح النفوس ويملأ الصدور نشوة ..ليعانق خرير الماء المتدفق كالهمس الحنون ..الأنسام ترقّ في أفياءها ..تلثم الأزهار فيتضوع الجو أرجاً وعبيرا ..
سرى الصوت العذب الحنون ينبيء بعهد جديد وانسان جديد ..طرق الصوت كل الأرجاء ..كانت الدنيا آذان ترهف السمع لهذا النغم الشجي ..كل القلوب إنصاعت إلا الغلف منها أخذت تجوب الفضاء لتحجب نور الشمس عن الحقول المتعطشة للدفء ..تلك القلوب الموصدة برتاج الحقد تقبع خلف الظلام كالخفافيش ..تحيك الدسائس لتقوض النهار ..وعلى المدى تعاقبت الأمواج لتخنق الشاطيء المتباهي برماله الناعمة ..العواصف تترادف لتقتلع الأشجار ..تجتثها من أصولها ..بعض الأشجار صمدت بجذورها الذاهبة في الأعماق والبعض منها انحنى للريح ورحل معها الى الهاوية ..
ظلت الدنيا التي شع فيها النور غافية غافلة عن الأخطار المحدقة بها والخطوب المتفاقمة ..عن حقيقة ما حولها ..ردحاً من الزمن وهي في سبات عميق إلى أن أيقظتها حرارة شمس الضغينة المتضرمة .
استيقظت من غفوتها وانتبهت من غفلتها ..نهضت متكئة على سواعد الإيمان ..وأرتفعت على أنقاض الدسائس ..أماطت اللثام عن السادرين في غيهم ..عن المتربصين والمترصدين ..عن أولئك الذين يريدون لضوء السراج أن يخبو ..للنهار أن يسبل عينيه ..( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون )..
وبعد أن أميط اللثام عن وجه الحقيقة:
آن للهمم أن تعبر مسارب الآمال لتقوّض بنيان اليأس في الحنايا ..لتنتصر على الإنهزامية المتغلغلة في دواخلنا ..لتشيّد من الأشلاء والتمزق حائط التوحد ..
آن لنا أن نغادر مدن الألم المتخمة بالحزن حد الترهل ..أن نعبر من بوابتها التي يكتسي حراسها رداءة الفكر ويلتفعون ضبابية الرؤية ..
آن لنا أن نقول.. لا للركوع ..للخضوع ..للخنوع ..
آن لنا أن نقول لكل الدنيا ..( لن تركع أمة ..قائدها محمد )..
__________________