قرأت هذا البحث للأستاذ المعلم الفاضل أحمد سعد الدين فأحببتُ نقله مع دعواتكم
التوبة وشروطها
د . سليمان بن إبراهيم بن عبد الله اللاحم
الأستاذ المشارك بكلية الشريعة وأصول الدين،
فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم
**
ملخص البحث
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آلـه وصحبه أجمعين.. وبعد:
فقد تضمن هذا البحث بيان فضل الله عز وجل على العباد في إيجابه سبحانه التوبة على نفسه تكرماً منه عز وجل وامتناناً، وأهمية التوبة، ووجوب المبادرة بها حال الحياة قبل الغرغرة وبلوغ الروح الحلقوم، وقبل طلوع الشمس من مغربها وغلق باب التوبة. والتحذير من الاستمرار على المعصية والتسويف بالتوبة وتأخيرها، لأن ذلك قد يكون من أسباب عدم التوبة أو عدم قبولها.
وذكر شروط التوبة وأنها تصح من كل ذنب إذا توفرت شروطها وانتفت موانعها، وتتلخص شروطها: بالإخلاص لله تعالى، والإقلاع عن المعصية، والندم على فعلها، والعزم على ألا يعود إليها، وأن تكون في وقتها قبل بلوغ الروح الحلقوم، وقبل طلوع الشمس من مغربها.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آلـه وصحبه أجمعين.
__________________
المقدمة :
الحمد لله الجواد الكريم البر الرؤوف الرحيم، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آلـه وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الله عز وجل خلق الإنسان وفطره على الإيمان ومنحه من السمع والبصر والعقل ما ميزه عن سائر الحيوان، ولم يجعله معصوماً عن الزلل والخطأ والعصيان، بل ابتلاه بما قد يوقعه في المخالفة والعصيان؛ من النفس الأمارة بالسوء والهوى ومكائد الشيطان، لهذا فتح لـه باب التوبة لتمحيص الذنوب والآثام، فقال عز وجل: ] قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا لـه من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون [ [الزمر: 53، 54]، وقال عز وجل: ] وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى [ [طه: 82]، يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار([1])، يوفق عبده للتوبة، ويقبلها منه كما قال عز وجل في سورة التوبـة: ]ثم تاب عليهم ليتوبوا [ [التوبة: 118]، أي: وفقهم للتوبة ليتوبوا، وقال عز وجل: ] وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات [ [الشورى: 25].
ويفرح عز وجل بتوبة عبده فرحاً أشد من فرح رجل ضلت عنه راحلته التي عليها طعامه وشرابه، فلما أيس منها نام تحت شجرة ينتظر الموت فبينما هو كذلك إذا هي واقفة بين يديه ولجامها في يده([2]).
بل إنه عز وجل وهو الخالق الملك المدبر المنعم المتفضل الذي لا يجب عليه شيء لخلقه أوجب على نفسه التوبة تفضلاً منه وكرماً وامتناناً، فقال عز وجل في سورة النساء: ] إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب [ [النساء: 17].
وإذا صدق العبد ربه بالتوبة والإنابة إليه سبحانه تاب عليه، بل وبدل سيئاته حسنات كما قال عز وجل: ] إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً [ [الفرقان: 70]، فلله الحمد والمنة على فضله وكرمه ولطفه ورحمته وجميل عفوه.
وسأتناول في هذا البحث: الكلام عن التوبة وشروطها، وممن تقبل؟ ومتى؟ وذلك من خلال الكلام على قولـه تعالى في سورة النساء: ] إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيما [ إلى قولـه: ] أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً [.
وسأتكلم أولاً عن تفسير هتين الآيتين وبيان مفرداتهما ومعناهما، ثم أتبع ذلك باستنباط ما فيهما من الفوائد والأحكام مع تفصيل القول في ذلك.
والله أسأل أن يرزقني الإخلاص في القول والعمل وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آلـه وصحبه أجمعين.
__________________
( قل هذه سبيلى أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى )
رب توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين
أحمد سعد الدين