كان للشاعر مع شعره جلسات يخلو فيها معه يبثه ما قد يعتذر عن سماعه أقرب قريب له،وجلسة اليوم واحدة من تلك الجلسات غير أنها تحمل في طياتها شكاية شعر وجد حاله مهدرا مسكوبا بآلامه يجري به شاعره خلف سراب .والقصيدة تنقل شكاية الشعر فقط دون أن تتعرض لرد الشاعر فكانت الشكاية عتابا ممزوجا بشيء من الألم الذي سيعتذر عنه الشعر لشاعره في نهاية القصيدة.
هنا تتجلى حرقة الشعر على شاعره وألم الشعر الذي كتب له أن يكسى ثوب الحداد في روعة بهائه ،وعباءة الشيخوخة في ريعان صباه ولو قدر لهذا الشعر أن يعانق الحياة فسوف يروي قطعة من مأساة قديمة .وما هذه القصيدة إلا صرخة صاخبة في وجه صانعها الذي اختار لنفسه ما أدرك بعده البديل ،ولكن بعد فوات الأوان وانقضاء ما قد كان وكنت أتمنى لو أن الشعر أعطى شاعره شيئا من أمل مرجو يعيش على بريق سرابه حتى الخروج من هذا السجن الذي يسمونه حرية وذلك الموت الذي يسمونه حياة
جلسة نادمت فيها الأدبا خاطب الشعر بها عهد الصبا ملني الليل فناجاني القصيدْ وتغنى لحن ماض غُيّبا نائيا خلف محطات الأملْ كلما شاكيته الوجد خبا واسترد النفس حينا قائلا كيف خرت الحب يوما مذهبا أيها الشاعر قد طال العذابْ هل يرد النوح حلما ذهبا لاتؤمل ضاع مفتاح الحياة وذرت معلمه ريح الصبا جمل اليوم بأحلام الغدِ ربما تألف أحلام الهبا لاترجّ العمر ما فات بهِ كيف يحيا هالك قد حجبا عش ولا عيش وأمل لاأملْ وارض بالشوك فللورد إبا عاين البدر ولكن دونه خنجر الموت وبتار النبا ياسجينا في ثرى أيامه تصرخ الدهر وقد عز الجوابْ كل طرف سابح في نسره ماله في نملة الوادي طِلابْ لا تسل عنك سلت أسماعهم شاطر الصبر إذا شئت العذابْ قيمة الدنيا بأشباح تموجْ عسكرتْ في ساحها جند السرابْ يوم أردتْ تبرها في تربها شاب في مفرقها غر الشبابْ كم نسيج من خيال واهمٍ حلق الفكر به فوق الغمامْ تائها في زيه مستمطرا بسمة الأنس وقد شف اللثامْ ها هي الأقدار مدت يدها تسدل الستر على حلم المنامْ خاب منك السعي يا هذا فعدْ وارو عين الفكر من ريا المدامْ دربك القاسي رماد خادعٌ حتم المشي على حر الضرامْ أيها الشادي ولا سمع يعي لغة الحب ولا معنى الهيامْ سر بعيدا نادِ في غاباتها خاطب الوحش وسل صوت البغامْ وانقش الشعر على دوح الفلا ربما ناحت به ثكلى الحمامْ لا تعد كلا فما أحلى السمرْ بين سرب الطير أو جمع النعامْ سوف تروي شعرك الدنيا أسىً مكفهر الوجه مسلوب البهاءْ دكدك الحزن بنيات الفرحْ في حشاه فاستجابت للبكاءْ يالشدو غره رقص النسيمْ إذ تثنى بين أحضان العراءْ وانتشى الطير على رناته سكرة العمر على راح البقاءْ فيضه الساري سنا قدسية أدرك الخائف في درك الشقاءْ ليت شعري هل درى غرّيده أي خطب حوّل العرس عزاءْ واحتسى السمَّ صبا أيامه فجرتْ في دمعة الورد الدماءْ شاعري عذرا على نجوى العتابْ طالما ناجى القصيد الشعراءْ ما عتابي فيك إلا دمعة سُكبت فوق جبين الكبرياءْ فوداعا إن تبادلنا النوى أو تلاقينا فما أحلى اللقاءْ