وانتهت القصيدة,ساد صمت غريب بين الحاضرين قطعه بعد قليل صوت تصفيق ليدين اثنتين فى آخر القاعة الرحبة, وسرعان ما سرت عدوى التصفيق إلى باقى الجالسين, مرت دقائق لم يستطع احصائها وصوت دوى التصفيق يتعالى كأنه نغم, كان يفكر خلاله لماذا انتظروا وقتاً لكى يدركوا؟ وهل بالفعل أدركوا معانيه أم أن عدوى التصفيق المجامل أصابتهم فحسب؟ أرسل نظره إلى آخر القاعة بحثاً عن صاحب اليدين اللتين بادرتا بإيقاظ الناس ليحيوه أو يجاملوه ولم تصل عيناه للهدف, كان ينظر للحاضرين وأمام عينيه صورته هو, ببذلته القديمة الطراز الكالحة اللون وربطة عنقه المدلاة بإهمال على قميصه الأبيض الوحيد الذى فتح زره الأعلى كما اعتاد دوماً, أذهله استمرار التصفيق وشعر برغبة قوية فى الهرب من أمامهم
ورغبة أقوى فى الصراخ فيهم ليكفوا, هل فهموا حقاً كلماته التى كان ينطقها بصوته القوى على بساطتها ووضع فيها جزءاً من روحه, فأسكتهم بها عن همسهم ولغطهم المعتاد وتحولوا إلى عيون متعلقة بشفتيه, هل فهموا حقاً؟ هل أدركوا كيف بدأت رحلة زهرة العباد وكيف تبدأ دوماً؟ تلك التى عاشت تنظر للشمس فى ابتهال, ترنو إليها بكل كيانها وتكره التصاقها بطين الأرض, تحلق بخيال وريقاتها الصفراء إلى السموات البعيدة ويبدو ساقها كما لو كان راقصاً على أنغام الريح
دعينى أقترب يا مولاتى العظيمة
انزعينى من سجنى
حررينى
كى أراوغ تلك الريح
وأسرق لحظات الحرية
حررينى
كى ألمس السماء
واطبع على جبين الغد
قبلة وردية
هل أحس المصفقون بسجنى؟ أم أحسوا بسجونهم؟ أم يتخيلوننى ممثلاً ينحنى فى ختام العرض المسرحى كى يستمع لارتطام أكفهم؟هل ينتظرون أن انحنى وأوزع قبلاتى السجينة عليهم؟ أظنهم محقون, وهل تجيد زهرة العباد غير الانحناء
انزعينى يا مولاتى من أرضى
دعينى ألتقى أشعتك الذهبية
أعانقها
هناك
كم أذلنى الانتظار المهين
وكم أضنانى بحث سقيم
عن الحرية
ما زالت الأكف تتلاقى فى عنف, كأن القوم يدقون بها على أبواب سجونهم, إنه يرى الآن حقلاً كبيراً من زهور العباد