أحدث المشاركات
صفحة 1 من 6 123456 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 53

الموضوع: جدتي والطائر ( قصة بقلم / مجدي محمود جعفر )

  1. #1
    قاص
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 598
    المواضيع : 65
    الردود : 598
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي جدتي والطائر ( قصة بقلم / مجدي محمود جعفر )

    جـدتي والطائـر
    بقلم / مجدي محمود جعفر
    في البراح الواسع أمام الدار ، تجلس الجدة ، فاردة ساقيها لشمس الصباح وبجوارها راديو العائلة العتيق ، لا يتحول مؤشره عن إذاعة القرآن الكريم ، ومسبحة في يدها لا تمل من فر حباتها ومصحف متآكل غلافه ، مفتوح أمامها لا تقلب صفحاته أبداً ، وكتاكيت صغار تتقافز حولها ، ودجاجات تنقر في الأرض ، ونساء عجائز يأتين ، واحدة تلو أخرى ، يتحلقن حول الجدة ويثرثرن ؛ تنشغل عنهن بالنظر إلى النخلة العالية ، ولحفيدها طالع النخلة. " تزر " عينيها ، وتسلط بقايا الشوف فيهما عليه ، وهو يتسلق بخفة قرد ، ورشاقة أرنب ".
    تُسمِّ الله وهى ترى العجائز "يبربشن " بأعينهن ، التي تساقطت أهدابها وتستعيذ برب الناس ، من عيونهن الضيقة – التي خبا ضوؤها ، ومن الوسواس الخناس ، الذى يوسوس في صدورهن.
    .. ينتقى الولد – بلحات – وينزل بخفة ويجرى في اتجاه الجدة ، يدس في يديها البلح ، تمسك البلح ، تقلبه في يديها وتقرب بلحة من عينيها ، تتشممها بأنفها تمتعض وهى تذوقها بطرف لسانها ، وتجرب أخرى ، وثالثة .. البلح كله يابس وعطن ، تتنهد ، وتتمتم بكلمات غير مفهومة ، وتتحسر على أيام الجد.
    مساحة الظل بجوار الحائط تنكمش ، تسند الجدة جذعها للجدار ، وتسحب ساقيها ، تنظر لشمس الضحى العالية ، والعجائز حولها ، يثرثرن ، ويشكين عقوق الأبناء ، وإهمال زوجاتهم لهن .. تنشغل عنهن بالنظر إلى النخلة العالية ، الولد الصغير "يخمش" بأسنانه البلح "الصيص" ويبكى – جدتي :
    - أنا جوعان !!
    يمصمص العجائز شفاههن ، ويلوين بوزهن ، وتتلاقى عيونهن في استنكار ، تسترق السمع ، تُمنى نفسها بأن تسمع وقع أقدام أولادها وزوجاتهم في الدار.
    - صرير باب حجرته في الفجر – كان يجعلهم ينتفضون في مضاجعهم ، وكركرة ماء وضوءه ، ودقات عصاته على الأرض. فور أن ينزل عن سريره ، ويضع قدميه فى " الشبشب "تدب الحياة في الدار ، الفطور كان في البكور ، والشمس كانت تطلع في دارنا مع الفجر ، كان الخير في كل بقعة في الدار ، اللبن " يتسرسب " من ضرع البقرة في الزريبة يملأ الدلو الكبير ، والبيض من تحت الدجاج يملاً "السبت الخوص" ، أسراب الأوز والبط والدجاج.
    يطرق الولد بيده على صدره :
    - أنا جوعان يا جدتي !!
    تهدهده الجدة ، وتقول في نفسها :
    كانت الواحدة منهن تفز من فراشها مع أول طرقة على الباب !
    ولكن .. يوم أن غاب ، غابت الشمس ، ما عادت تطلع مع الفجر من دارنا ، وما عاد الفطور في البكور .. كل شيء ينحسر ، وينسحب ببطء، الأرض تنكمش وتضيع قيراطاً وراء قيراط ، قسموا عرق الرجل وتعبه – وباعوه بأبخس الأثمان ، تحول عرق السنين إلى قمصان نوم للنسوان ، وعطر ، وأساور " تشخلل " في أياديهن ، كل امرأة في حجرتها ثلاجة ، وتلفزيون ، وغسالة ، ومكنسة.
    خلت الزريبة ، وخلت الصوامع ، وركب الغرباء الأرض.
    يصرخ الولد :
    - أنا جوعان .. جوعان يا جدتي
    تتسلل العجائز واحدة تلو أخرى ، وتقرأ الجدة في عيونهن – التي تشبه مؤخرات الحمائم ، الشماتة ، الشمس توسطت السماء ، وانحسر الظل عن الجدار ، تنهض الجدة ، متكئة على كتف الولد ، وتسير به إلى الدار والصمت يحط إلا من صوت بومة لعينة تنعق في الزريبة وغراب أسود ، احتل عش الحمام ، يسيل من منقاره ، مح البيض وزلاله ، ينقبض قلب الجدة.
    طائر غريب يحوم ، تتوقف ، تنظر للطائر ، يحلق في صحن الدار حول المصباح المطفأ المتدلي من السقف ، ووضع الذباب عليه البيض فامتلأ عن آخره ، بل واستراح الذباب على الحبل الذى يحمل المصباح – وعلى المروحة المثبتة على الجدار ، ينتظر الفقس ، الطائر صغير في حجم عقلة الإصبع ، استغفرت الجدة ، واستعاذت ، ومضت إلى غرفتها دست يدها ببطء فى " السيالة " أخرجت بصعوبة مفتاحاً كبيراً ، والصبي يرقص قلبه فرحاً وعيناه تبصان ليد الجدة وهى تدخل المفتاح في كالون الدولاب بالحائط ، ومُمنياً نفسه ، بقطعة حلوى ، أو بيضة مسلوقة ، وقطعة خبز ، قبل أن تدير المفتاح أحست بضلفة الدولاب " تزيق " ، شدت الضلفة برفق ، أحست بانعدام المقاومة ، وكانت حركة الضلفة النصف دائرية وسرعتها أقوى من قوة شد الجدة .. تفزع الجدة ، ويقع قلبها في رجليها ، فالدولاب خال – لا علب الحلوى ، ولا المربى ولا أقماع سكر النبات ، ولا أرغفة الخبز الطرية ، وبضع مئات من الجنيهات – هي كل ما تملك – بعض حقها في الميراث – الذى أخذته بصعوبة وباقي ميراثها توزع على الأولاد في حياتها غصباً 0حتى الكفن الذى اشترته منذ زمن بعيد ، واحتفظت به في الدولاب ، مطوي نظيف معطر ، اختفى !!
    تضيق ما بين حاجبيها فتنتفخ كرمشات الجلد كبالونات صغيرة ، ويتلاحم خطا الحاجبين بشعرهما الأبيض المتناثر.
    يجرى الصبي إلى حجرة أبيه ، يطرق الباب بعنف ، يصرخ :
    - جدتي ، جدتي سُرقت ، الحقوا جدتي ؟!
    تتثاءب أمه ، ويأتيه صوتها وهى تتقلب على السرير ، تعنفه وتنهره ، يجرى إلى غرفة عمه ، تزجره زوجة عمه ، بوجه أصفر ، يرمح إلى جدته ، يحوطها بذراعية الصغيرين وقلبه يدق بعنف ، تفترش الجدة الأرض ، والعرق يرشح من مسام جسمها التي اتسعت على الجلد ، فالمسام صارت كثقوب إبر الخياطة ، يمسح الولد بكم جلبابه حبات العرق التي تجمعت في ثنيات الجلد على الجبهة ، وأسفل العينين ، وعلى الخدين ، سيول من ماء العين ومن عرق الجسم المالح ، تتجمع في قنوات حفرها الزمن على الوجه وأسفل الرقبة ، يعلو صدرها ويهبط وتفتح فمها الخالي من الأسنان مع طاقتيّ أنفها لإدخال الهواء ، يبكى الولد ، جدتي ، جدتي ، بصعوبة – تمتد يدها المعروقة – تتخلل شعره ، يشعر بارتعاشة يدها ، وبعروقها النافرة ، وفيما يعدو فأر على سقف الغرفة ، ترى من فتحة الباب الموارب ، الطائر الغريب ، يحوم حول المصباح ، ومع كل دائرة يكبر ويكبر ، وقد صار بحجم الفأر ، الذى يعدو ، ويقرض في " غاب " السقف.
    يبحلق الولد في عيني الجدة المفتوحين ، يمرر يده أمام عينيها ، لا يرمشان ، يبكى ، جدتي – هل ترينني ؟! .. تحاول الجدة أن تزدرد ريقها ، لكن الريق قد جف ، فتبتلع الهواء " فتزأط ".
    ويشعر الولد بأن عينيها قد انفلتتا من محجريهما ، فيجرى إلى "القلة" ويكب الماء على وجهها وعلى شفتيها ، تخرج لسانها برأس رفيع أبيض جاف يلتقط قطرات ماء ، ترطب الحلق الجاف .. وبينما تُدخل قطة سوداء رأسها النافذة ، تروح عيناها للطائر الغريب الذى يكبر .. ويكبر ويصير بحجم القطة.
    يصب الولد الماء على يديه ، وينثره على رأسها ، ويدلك بيده المبللة بالماء فروة رأسها ، يشعر بسخونة رأسها ، فيبكي.
    عيناها تدوران في الغرفة ، يقعان على عصا الجد المثبتة على الجدار وجلبابه الصوفي ، وطاقيته والشال ، ويبدو في الصورة المتربة بشاربه المفتول وعينيه الباسمتين ، تبتسم ، فيطرب الولد لابتسامتها – صارت له فترة يأتيني في المنام ، شهراً ، أو يزيد ، لم يخلف موعداً ولم يتخل أبداً عن ابتسامته ، وضحكته الحلوة ، يأتيني أجمل مما كان عليه يوم العرس ، شاباً عفياً ، عليه ثوب أخضر ، يفتح لي ذراعية ، باتساع المدى.
    يهز الصبي الجدة ، التي تعلقت عيناها بصورة الجد ، وتلاقت ابتسامتهما ، جدتي ، جدتي ، يفزعه صمتها ، ويعكر صفوه نباح الكلب المتواصل خارج الدار ، يشب على قدميه ، ويمد ذراعه ، وبأطراف أنامله :
    يزحزح عصا الجد ، ويقبض عليها ، ويهم خارجاً للكلب ، تستوقفه الجدة بنظرة عين وإشارة إصبع ، يضع العصا بجوارها ، ويخرج باحثاً عن حجر ، وفيما كان الكلب رافعاً ساقيه الخلفيتين ويبول على الجدار ، كان الحجر مُسدداً إلى رأسه ، ليقفز إلى النافذة ، رافعاً عقيرته بالنباح والعويل ، وكلما صوب إليه الصبي حجراً ، علا النباح والعويل .. الطائر يحوم ، ويحوم ، ويكبر ، ويكبر ، ويصير بحجم الكلب الذى يعوي خارج الدار.
    تتحسس الجدة عصا الجد ، وتبتسم ، تشير إلى الجلباب ، والطاقية ، والشال ، يهرع الصبي ، يأتيها بها ، تتحسسها ، تتشممها ، تغمض عينيها ، تنسال الدموع ، تبتسم ، تحاول أن تنزع جلبابها ، يعاونها الصبي ، تحشر جسمها في جلبابه الصوفي " الكشمير " وتلم شعرها الأبيض وتحبك الطاقية ، تثني الشال ، وتبسطه ، وتطويه ، وتلفه حول رأسها ، وبينما الحمار " يتمرغ " في الفضاء خارج الدار وينهق كان الطائر يكبر ويكبر ، ويصير بحجم الحمار الذي يفزع نهيقه الصبي ، تتحسس العصا ، تقبض عليها ، يد على الجدار ، ويد على العصا ، تنهض ، وتخطو خطوات ، يفرح الصبي بجدته ، ويضحك ، يلف حولها ويصفق بيديه ، يصفر ، يدور حول نفسه ، ويرقص ، سارت إلى حجرة ابنها الكبير المغلقة ، وطرقت الباب بالعصا بعنف ، وجلاً فتح الباب بلباس النوم ، ليندهش .. أمي !! .. أزاحته ، ودفعت الباب ، لتباغت بالكفن ، نصفه ستارة على الشباك ونصفه الآخر ملاءة السرير تتمدد عليه زوجة الابن ، انكمشت في الركن القصي على السرير بجوار الحائط ورفعت ركبتيها إلى ذقنها وشدت القميص على قدر ما تستطيع لتستر ما يمكن ستره ، وبينما تسير إلى السرير انكمشت الزوجة ، تحسست الجدة الملاءة / الكفن ، رائحة العرق وأثار الحب والليل ، نظرت إلى المرأة المنكمشة والمنكوشة الشعر والنصف عارية ، أغمضت الجدة عينيها ، استجمعت لعابها ، وفى لحظة بصقت عليها ، مرة ، ومرتين ، واستدارت إلى ابنها الواقف بلباس النوم مأخوذاً ومذهولاً ، وفجأة – ترفع العصا ، وتهوي بها على أم رأسه ، ليصرخ ، صرخة مدوية ، فيفزع أخوه وزوجته في الحجرة المجاورة ، ويجريان إلى مصدر الصوت ، فتعقد الدهشة لسانهما وتسير الجدة بثقة ، وتخطو بثبات ، وبينما زوجة الكبير تمسح بصاق الجدة وتقول لزوجة الصغير :
    - كبرت وعلقها خرب ..
    كانت الجدة ، ترى الطائر الغريب ، يحوم حول المصباح ، وأصبح بحجم الفيل ، وجلست الجدة ، تنظر للطائر الذي يكبر ويكبر وينبت له جناحان ، وفيما كانت الجدة مشدودة إلى الطائر كان الصبي يضع في حجرها علب المربى والحلاوة وأكياس السكر النبات !!

  2. #2

  3. #3
    الصورة الرمزية سحر الليالي أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : الحبيبة كــويت
    العمر : 38
    المشاركات : 10,147
    المواضيع : 309
    الردود : 10147
    المعدل اليومي : 1.50

    افتراضي

    أخي مجدي :

    بحق قصة رائعة !!

    قللمي يعجز عن وصف روعة ما قرأته

    إعذرني وتقبل الصمت ردا للهذه الرائعة

    لك خالص تقديري وبإنتظار قلمك دوما

  4. #4
    الصورة الرمزية علي المعشي شاعر
    تاريخ التسجيل : Oct 2005
    المشاركات : 444
    المواضيع : 16
    الردود : 444
    المعدل اليومي : 0.07

    افتراضي

    القاص والناقد الكبير.. مجدي محمود جعفر
    للواحة أن تختال وتزهو بمقدم قامة أدبية فارعة كقامتكم الشامخة..
    فمرحبا بكم في القلوب قبل الصفحات يا طيب النفحات ..
    وعسى أن تروق لكم صفحاتنا لتنثروا فيها در إبداعاتكم التي قرأت للتو
    شيئا منها فكان مختلفا بحق، ووجدت للقصة هنا مذاقا آخر.. وإن كنت لا أجيد الغوص في أعماقها ولكن حسبي أنها راقت لي وعشت تفاصيلها بوجداني..
    ولعلي أترك الرأي الفني لمن هم أقدر مني عليه وهو كثر هنا ولله الحمد، وإنما جئت مرحبا محتفيا..
    شكرا لك سيدي والشكر موصول لأختنا الفاضلة التي كانت سببا في إطلالتك البهية.
    تحياتي وودي.

  5. #5
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Nov 2005
    المشاركات : 472
    المواضيع : 19
    الردود : 472
    المعدل اليومي : 0.07

    افتراضي

    سرد موفق لقد استطعت أن تدخل بتقاصيل صغيرة جدا وجسدت لنا وقائع أشبه ماتكون مشاهد ماثلة أمامنا ....دام فلمك مبدعا وأهلا وسهلا بك في واحة الخير والعطاء...................تقديري لك

  6. #6
    في ذمة الله
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    المشاركات : 3,415
    المواضيع : 107
    الردود : 3415
    المعدل اليومي : 0.50

    افتراضي

    رحم الله جدتي .
    عايشت حروفك ، فتمثلت أمامي بضعفها وقوتها ، بحنوها وقسوتها .

    لله درك من كاتب لقد أعدت لي سنين جميلة ، لم أكن أعيي وقتها مدى روعتها ، حتى أخذتني الأيام ووجدتني دوماً أتذكرها فأبتسم تارة وأضحك أخرى .

    خالص التحايا لجدتنا ، ولقلم صاغ من درر الذكريات جميلها .

    الشكر الجزيل أستاذنا ـ مجدي محمود جعفر

  7. #7
    الصورة الرمزية د. سلطان الحريري أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2003
    الدولة : الكويت
    العمر : 58
    المشاركات : 2,954
    المواضيع : 132
    الردود : 2954
    المعدل اليومي : 0.39

    افتراضي

    الأديب الحبيب مجدي محمود جعفر:
    قرأت قصتك قبل الآن ، ولكنني لم أكتف بقراءة واحدة أو اثنتين ؛ لأنني أود الارتواء من معين أدب أراه في القمة ، ولأنني أود الغوص في أعماق قصتك ، وأعود بعدها معقبا.
    ووجدتني أتذكر أمرا كنت أحرص عليه في محاضراتي مع طلابي ، وهو يتجسد في أن بعض القصص تعرض صورا صادقة من الحياة، على الرغم من أنها تصور حياة بشعة قاسية تشمئز منها النفوس ، وهي تخلف في نفس القارئ شيئا من ذلك كله ، نظرا لما تتسم به من الأمانة في العرض والدقة في التصوير، ومثل هذا الصدق نفتقده في تلك القصص التي يحاول كتّابها أن يتملقوا أذواق القراء، وأن يحققوا رغباتهم ومطالبهم، وذلك بأن يقدموا لهم قصصا ناعمة هنيئة ، تشيع البهجة في جوانبها، لكي يجدوا في قراءتها مخدرا ينسيهم همومهم ومتاعبهم في الحياة.
    فالموضوع ليس كل شيء في القصة ؛ إذ الموضوعات ملقاة على قارعة الطريق ، يلتقطها الكاتب المبتدئ والكاتب الذي استحصدت ملكته ، وإنما المهم طريقة الكاتب في علاج موضوعه وتجليته.
    وقصتك هذه اتسمت بالحيوية ، لما فيها من فكر عميق ، وهذه سمة واضحة فيها، فقد شعرت في أثناء قراءتها أنني أمام مفكر عميق التفكير، فضلا عن أنه قصصي بارع، ولذا فقد احتجت في أثناء قراءتها إلى شيء من التركيز والتأمل ، لأغوص في مراميها العميقة، فقد كانت فكرة القصة مطروقة ، ولكن طريقة معالجتها جعلتها تبدو وكأنها جديدة ، ففي رسم شخصية الجدة ما يبهر ، نتيجة لمقدرة كاتبها ، وما ذلك إلا لأن القارئ يحتاج إلى أن يقدم له كاتب القصة شخصية حية نابضة بالحياة ، وإلى مراقبة مشكلات الحياة التي تنقلها تلك الشخصية ، وقد كنت بارعا في رسم معالم شخصية الجدة ، رغم أنها لم تتكلم ولكن كل وصف لحركاتها وتنقلاتها وتفكيرها نقل لنا عالما نعيشه حقيقة ماثلة ، وكأنني بك تمسك بآلة تصوير من نوع فاخر تظهر الصورة بابعادها كلها ، وما ذلك إلا لتعمقك إلى قرار تجربتك القصصية ، ولمقدرتك على استغلال جميع أدوات الصناعة القصصية لتصوير تجربة كاملة ونابضة بالحياة، وبهذا فهي عصارة عقلية فذة، استطاعت أن تعي خلاصة تجربة الجدة الإنسانية ، وقدمتها لنا في ثوب بديع.
    وأراني مشدودا إلى مبدأ التداعي الذي ألمحه في تصويرك لما كانت تفكر به الجده ، واستغلالك للتداعيات النفسية ، من مثل رؤية الجد ، وعصا الجد ، والطائر الذي كان يكبر كلما قاربت الجدة نهياتها ، وأجدها في العلاقة المميزة بين الجده وحفيدها ، وفي الإسقاطات التي توحي بالنهاية ، من مثل الكفن الذي صنعت منه زوجة الابن ستائرها ووووو
    وكان للنهاية الرائعة المفتوحة دور في إبراز قوة القصة ، وفي احترام ذوق القارئ الذي له أن يعي ما الذي يجري دون أن نكشف له اللثام عنه.
    ومما أثار إعجابي أنني أمام كاتب محايد يحاول أن ينحي نفسه جانبا عن الحوار ، وذلك ليترك لشخصياته أن تمثل حوادث القصة بحرية وانطلاق أمام ناظري القارئ ، ولذلك لم نجد كاتبنا يقحم نفسه بتعليق أو بتعقيب ، بل آثر أن يدع الشخصية تتكلم عن نفسها وتبث عواطفها من خلال أسلوب التداعي النفسي الذي أشرت إليه سابقا ، ومما لا شك فيه أن هذه الوسيلة أوثق صلة بالحياة ، وأصدق تعبيرا عن النفس الإنسانية.
    أخي الحبيب : لو أردت الحديث عن قصتك بكل تفاصيلها الفنية لما وسعتني الصفحات ، ولكنني أحببت أن أشارك بقراءة متواضعة لها ، لعلها تضع النقاط على الحروف ، وتساهم في شكر كاتب مبدع نعتز بوجوده بيننا.
    فأهلا بك في واحتك التي تسعد بأمثالك ، وإلى اللقاء في قصة أخرى ، وحرف جديد يخطه يراعك .
    وإلى ذلك الحين : لك مني خالص الود والتثقدير ، ودم مبدعا.

  8. #8
    الصورة الرمزية عادل العاني مشرف عام
    شاعر

    تاريخ التسجيل : Jun 2005
    المشاركات : 7,783
    المواضيع : 246
    الردود : 7783
    المعدل اليومي : 1.13

    افتراضي

    الأخ الأديب مجدي

    مرحبا بكم أولا في واحة الأدب ,

    وأنت حتما ستشكل عنصرا فعالا مؤثرا في بناء صرحها الأدبي.

    قصة جميلة ورائعة وتقييم الأستاذ سلطان شمل كل أوجهها.

    بعض الهنات النحوية والإملائية وردت وحبذا لو مر عليها قلمك مرة ثانية.

    وأنت القادر حتما على تشذيبها , وعلى سبيل المثال :

    "تُسمِّ الله وهى ترى العجائز "يبربشن " بأعينهن"

    الفعل تسمّي لم أجد ما يبرر جزمه ليكون تسمِّ , وعادة في مثل هذه الصياغات
    يفضل أن تستعمل " تبسمل " أو أن تكون العبارة صريحة " تقرأ بسم الله "

    وآمل أن أعيد قراءتها بتمعن أكثر .

    تقبل خالص تحياتي وتقديري

  9. #9

  10. #10
    أديب وناقد
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    الدولة : بعلبك
    المشاركات : 1,043
    المواضيع : 80
    الردود : 1043
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    الأخ العزيز مجدي محمود جعفر
    اهتمامك بالتفاصيل الدقيقة و غوصك إلى أعماق الشخصية يبشر بروائي فذّ
    لديك ميل واضح إلى نقد الواقع الاجتماعي بأسلوب واقعي أيضا تتناثر على حوافه بعض اللقطات الخيالية التي سرعان ما تختفي لمصلحة اللحظة الراهنة .
    هل جربت الترميز والانطلاق من الواقع إلى فضاءات أخرى ؟
    أرجو ذلك لأنك ستكمل دائرة الإبداع التي ترقص على محيطها ببراعة .
    دمت في خير و عطاء

صفحة 1 من 6 123456 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. أم دغش ( قصة قصيرة بقلم / مجدي محمود جعفر )
    بواسطة مجدي محمود جعفر في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 55
    آخر مشاركة: 04-04-2019, 09:23 PM
  2. الثور ( قصة قصيرة بقلم / مجدي محمود جعفر )
    بواسطة مجدي محمود جعفر في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 34
    آخر مشاركة: 15-08-2016, 05:10 PM
  3. د ( حسين علي محمد وأحلام البنت الحلوة ( رؤية نقدية بقلم / مجدي محمود جعفر )
    بواسطة مجدي محمود جعفر في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 27-05-2007, 12:15 PM
  4. محمد عبد الله الهادي يقيم حلقة ذكر على شرف الفقيدة ( رؤية نقدية بقلم مجدي محمود جعفر
    بواسطة مجدي محمود جعفر في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 05-08-2006, 12:18 PM