أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: دراسة نقدية لقصة المدعي للقاص نزار ب. الزين أجراها جمال السائح-1،2

  1. #1
    الصورة الرمزية نزار ب. الزين أديب
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    الدولة : Anaheim,California,USA
    العمر : 92
    المشاركات : 1,930
    المواضيع : 270
    الردود : 1930
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي دراسة نقدية لقصة المدعي للقاص نزار ب. الزين أجراها جمال السائح-1،2

    دراسة نقدية لقصة : المُدَّعي

    للقاص و الروائي الأستاذ : نزار ب. الزين


    أجرى الدراسة الأديب و الناقد :

    جمال السائح


    (الحلقة الاولى)

    أولا : نص الاقصوصة


    المُدَّعي

    أقصوصة بقلم : نزار ب. الزين*





    *************
    بلغ عوني في تحصيله العلمي المرحلة الثانوية ، و رغم نجاحه المتواصل ، لا زال يعاني من الخجل الشديد ، يرتبك إذا تكلم و يشتعل وجهه و يتصبب عرقا إذا سُؤل ، و خاصة إذا كان المدرس هو السائل ؛ حتى أصبح محل سخرية زملائه و تندر مدرسيه .
    عانى عوني الكثير من حالة ضعفه هذه ، ثم بدأ يقاومها بالتبجح و الإدعاء سعيا وراء بعض الإحترام لشخصيته المهزوزة ، فوالده غني و صديق شخصي لوزير المعارف ، و عمه صديق مدير مدرسته هذه ( من الروح للروح ) ، أما والدته فهي صديقة أثيرة لزوجة رئيس الجمهورية .
    و إذ لمس تغيرا في تعامل الزملاء ، طوَّر تبجحاته و إدعاءاته ، كان آخرها أن إبن عمته الطبيب أحضر له معظم أسئلة الإمتحانات الوشيكة !
    ثم بدؤوا يتوسلون له و يتوددون للحصول عليها ...
    و ذات يوم إستدعاه الأستاذ راشد ، مدرس اللغة الأجنبية إلى غرفته ..
    عندما خرج من الغرفة كان مطأطئَ الرأس ، و علامات أصابع طويلة ملأت خديه ، أما راحتا يديه فكانتا متورمتين .
    سأله أحد زملائه علامَ عوقب ؟ ، تصنع التجلد ثم أجابه بصوت نصفه بكاء : << أحدهم دسَّ عني فريَّة ، إتهمني بأنني أبيع الأسئلة لزملائي ، و لكن صبراً سيكون طرد الأستاذ راشد من جهاز التعليم كله على يدي ، قريبا جدا ستسمع خبر تسريحه !..
    ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
    ثانيا : الدراسة
    الاستاذ نزار الزين ، اسم لامع في عالم الادب ، خاصة في عالم القصة والرواية .
    في قصته هذه المدعي سنقف على عدة محاور :
    منها الحدث
    ومنها الشخصيات
    ومنها الدلالات التي استخدمها الكاتب لايصال فحوى مقاله
    بعدها سنحاول ان نشتمل على لغة الخطاب التي ابتدرها الاستاذ الكاتب لإشباع قصته بمجمل الصيغ والاساليب التي لها ان تمسك بمفاصل الحدث حين تصالبه مع الشخصيات وتقاطع السلوكيات بمفروضية تكاد ان تلامس فينا شعاع الفهم بعد استفحال العقدة خصوصا في نهاية القصة ليطلع علينا الكاتب بحوار بامكانه ان يحرك مساعي التواصل مع الحكاية ولاكثر من المدة الزمنية التي كان انتهى عندها او اتكأ عليها ..
    ــــــــــــــــــــــ
    الشخصيات الواردة في القصة بشكل مباشر وغير مباشر
    المدرس
    المدرسون
    زملاء عوني
    والد عوني
    وزير المعارف
    عم عوني
    مدير مدرسة عوني
    والدة عوني
    زوجة رئيس الجمهورية
    ابن عمة عوني ، طبيب
    استاذ اللغة الاجنبية راشد
    احد الزملاء

    ـــــــــــ

    شيء عظيم ان تتكتل كل هذه المفردات من عناوين لافراد مع صفاتهم العملية في مسار من الحركة والتفعيل تحتكره قصة قصيرة او حتى اقصوصة وبشكلها المطواع والمألوف ..
    ـــــــ
    عوني طالب مجتهد ، بلغ المرحلته الثانوية بعد نجاحات متواصلة ، لكنه يعاني من الخجل رغم بلوغه مثل هذه المرحلة ، فاصبح محل سخرية زملائه وتندر مدرسيه !
    ...............................
    هنا تناقضات عدة ، يحملها مجتمعنا ، بكل تراكيبه الصغيرة والكبيرة ، المثقفة والتي هي في طور التثقيف ؛ كما الدول لدينا فيها الدول المتقدمة
    و الدول التي هي في طور النمو و الدول النامية .
    لم تشفع كل النجاحات المتواصلة لعوني في درء السخرية من زملائه ،
    بل تعدت الى تندر اساتذته عليه في المدرسة ، لانه كان يعاني من الخجل الشديد ، و يرتبك اذا تكلم ، و يشتعل وجهه ويتصبب عرقا اذا سئل خاصة من قبل المدرس !
    .............................

    هذه الاعراض تكاد تكون طبيعية في سلك المدرسة ، لا بد وان تجد انواع عدة من التلاميذ يكونون محط انظار كل من حولهم ، فثمة اشقياء وثمة شجعان وثمة طيبون أو سيؤون ، و مجتهدون أو كسالى ؛ و ثمة اخرون ربما يتملكهم الخجل لابسط الاشياء حتى يكادوا يتصببون عرقا .
    ..............................
    لكن ما الذي يجعل من عوني او مثل عوني أن يصبح كذلك ،راينا في كثير من الحالات التي عشناها ، و في مراحل مختلفة من الفترة الدراسية كثيرين من اصناف الطلبة ، فيهم نظراء لعون ، لكن ربما بعد ان يكون قد اعتاد الطلاب سلوكياتهم ، يصبحون وبحكم الضرورة المتوالية امرا متعارفا عليه ، سيما في الصف او الفصل الذي يحضرون فيه للدرس .
    ............................
    من مثل هذه النماذج عوني .
    عوني لم يلق الفرصة لكي يعبر عن وحيه الداخلي وبكل حرية لانه كان مكبلا باغلال الخجل والاحباط النفسي وضعف في الشخصية .
    اما اسباب ذلك ، فلم يتطرق لها الاستاذ الكاتب ، لكنه يقدم لنا صورة عامة عنه ، و لنا ان نتخيل وضعه وتراكيب تصاويره اليومية .
    ............................
    عوني يمثل دولة من دول العالم الثالث
    ـــــــــــــــــــــــــ ـــ
    دولة تحاول ان تنمو اوهي نامية ، تحاول ان تخط طريقها وسط الصخب و الضجيج ، وسط عالم لا يرحم ، و حتى عالم الدول التي هي في طور التقدم
    هو الاخر عالم لا يرحم .
    ..............................
    لكن تلك الدولة لا تثق بكل امكانياتها ، و لا تتردد في مد يد الحاجة الى غيرها من البلدان ، مع انها صارت تمتلك ما تمتلك ، و ربما احتاجت اليها تلك الدول الاخرى .
    العقدة تكمن في انها لا تثق بطاقاتها ،و لا ترتهن نفسها بقدراتها ، و لا تعتمد على المحفزات التي لديها ، بل لا تكتفي بما عندها ، و ان كان ثمة ضرورة الى التواصل مع اخريات ، حتى لو كانت متقدمة ؛ و هذا جزء لا يتجزأ من اصول الحياة و الترابط الحضاري و العلمي و الثقافي والاقتصادي عموما .
    عوني هو الاخر ، مع ما لديه من علمية و اجتهاد و قدرة و طاقة ؛ فهو لا يثق بنفسه ، يعبر عن حاجته الى الاخرين ، و الى التواصل معهم و بشكل تلقائي وعادي للغاية ،لكنه يعجز ؛ مثلما تعجز بعض البلدان النامية
    عن الاعراب عن قدراتها الواثقة ، و كافة مواهبها التي لها ان تطلقها في اجواء يمكن لها هي وحدها ان تفرض مساحاتها وانوائها .
    لكننا سنرى الى عوني ، كيف سيبدي عجزه بصورة شاملة و كيف سيظهر تردده و عدم ثقته بنفسه ، حين فقدانه لابسط مقومات التواصل ، و سنشعر معه كيف يعلن عن احتياجه الى كل من حوله من الاصدقاء والمدرسين و سنرى كيف سيعبر عن غضبه بصورة سلبية ، لا تتوافق او تتلاءم مع مستواه العلمي و نشاطه التحريري و ليس الشفوي ؛ و باعتباره خجل للغاية
    يصيبه الاضطراب والحياء لابسط كلام يقال له او سؤال يطرح عليه ، فكيف لو طالبوه بابتدارهم بمثله ؟
    هنا تتزامن مشكلة الوعي باساليب الحضارة ، و بمشكلة التضامن مع حقائق هي جزء من المسلمات ، فضلا عن توافر شك لا مبرر له بمختلف الطاقات و الابداعات الحاصلة في داخل الانسان ، و انها لا تحتاج الا الى امتحان بسيط
    كي تعبر عن ثقلها وكيفية انبساط كثافاتها الممسوحة في عقليات الاخرين ،
    من قبل ان تكشف عن ماهياتها امام داخلية نفس الانسان الحامل لها ، حتى ان النص سيكشف لنا وفيما بعد عن طاقة هائلة في نفسية عوني ، كان احرى به ان يفيد منها ايجابيا ، بدل ان يسلط ضوءها في الاتجاه المشوش
    والذي ليس له ان يحصد من ورائه ، سوى متبّلات حاقدة على الهاضمة الانسانية ليس الا ؛ ليس بوسعها ان تتضامن مع عصارات الغدد المتوافرة في داخل معدته ، الا بعد ان يتكايس معها ، و لكن بشكل مقلوب ، لانه ليس معنونا لغايتها .
    الا انه شرع بترك الغاية و امتسح بالاسلوب ، كي يدعه يسيطر عليه
    لينقلب لديه غاية مغياة و بنفسه ، مع انه ما كان الا طريقة او اسلوبا غير صحيح ؛ فكيف لو اعتبره كينونة عوني المنطوية عليه اساسا انه غايته الجديدة ؟ فبدل ان تظل غايته الحميدة اجتهادا في سبيل نيل افضل الفرص المستقبلية ، و نشاطا المع من اجل صيد علمي اكبر ، و حصاد فكري وثقافي و على كل الاصعدة المنهجية ، و في مختلف المستويات التي كان يتوفر عليها عوني نفسه ، من دون ان يكلف نفسه ثمن المواجهة ، او يمتحن ذاته في القدرة على الوقوف ثابتا وبرسوخ ، كي يعدها تالية لكل مشاقه التي كان ابتذلها و لما يزاول السعي وراءها ، حتى نجده يلهو باشياء تثير ترف الاخرين من حوله ، ليصبح جذب انظارهم و الاستحواذ على اعجابهم بنفس عوني .
    غرض مهم ، و هدف سامي ، يتمثل في داخلية عوني ؛ بعدما كان هدفه الاسمى التحصل وطي سني الدراسة باقل كلفة ، لانه يعي ما يقرأ و ما يقوله اساتذته في الصف ؛ لذا كان من المتفوقين ، فبدلا من ان يستثمر نبوغه في سبيل ارشد ، نراه يضطر وبصورة تفاعلية الى ان ينغمس وبالرغم منه
    وبفعل سلوكيات الطلبة من حوله - فضلا عن طبيعة تعامل مدرسيه معه -
    الى ان يتحدى صلافة ذلك القهروت ..الذي عكفوا على ممارسته حياله
    ولكن بصورة اراد ومن خلالها ، ان يثبت لهم من يكون و ان هذا الطريد من قبل نظراتهم ، و المثير لريب تندراتهم و وحي استهاناتهم ؛ ما كان الا تلميذا ينطوي على قدرات هائلة و كفاءات واعية ، و ما قدروه حق قدره .
    اراد ان ينازلهم بنفس اسلحتهم ، لانه وجدهم اناسا لا يفقهون لغته و لا يفهمون مشكلته و حقيقة ازمته ، فلم نر في النص اي تمثيل و لا لأحد منهم
    بامكانه ان يحاول فهم عوني ، او ان يتقرب منه ، مثلما يمكن ان يتواجد دائما ؛ فلا يمكن ان تخلو من صالحين فلو خليت لقلبت ، و لكن النص لا يشير الى ذلك ، و لو انه اشار قرائنيا من دون ان ينبس به ، و اقصد نفس النص ؛ لكن ربما كان لها ان تحسب في الجهود التي ليس لها ان تثري غرور عوني ، او تعيد اليه نصاب الاصوليات في بناء شخصيته و ربما كان لها ان تتميز بصورة التأسي و التضامن و المشاطرة ليس الا .
    ومثل هذا ، هو ليس بالذي بامكانه ان يدفع عن عوني طائلة ما يراه امرا صار مؤذيا في كل وقائعه ، فكان بحاجة الى تدويخهم ،بعدما عجزت علميته عن ابهارهم .
    لكنا سنراه كيف يحاول ان يفتعل الكلام ، و يدعي ما يدعي من دون ان يخجل او يتواطأ مع حيائه ، فكيف كان يتملكه الخجل المفرط من قبل بينما سيثبت لنا النص ان بوسعه ان يعالج ازمته وبنفسه ؟
    يعني ان النص يثير فينا حالة من القلق ،و هي ان العلاج يبدأ من الفرد نفسه
    و من ثم تلحق به المسببات الخارجية ، فالانفتاح على الداخل هي اولى الصور المتراكبة ، و التي لها ان تتفعل داخل الشخص بفعل نفس دخيلته الذاتية و وعيه المشرق على كينونته الباطنية ؛ و من ثم لها ان تعكس شعاعها الغالب على محيطه الخارجي ، ليمتد في اوسع النطاقات و تشمل اصقاعا شاسعة من حوله ، و لها في وقتها ان تغيب على من تسول له نفسه ان لا يبصرها ، فهو ليس مسؤولا عمن لا يود رؤيتها ، لكن ما عليه الا ان يثبت جدارتها ، و التي لها ان تعكس جدارة صاحبها هو و بعينه ليس الا !
    لكن الثقة التي كانت تلزمه من قبل ،و لما سعى الى امتلاكها ، كان حقدا ضروسا يتمثل في داخله .
    لذا ، حينما اطلق لها كل المسوغات ، كانت قد تلوثت بدخان تلك العوادم البشرية ، و التي تراكم سخامها في داخليته ، بشكل لا يمكن ان يتغاضى عنه
    الا حينما يكون له ان يفعّل نفسا مرسوما و بعناية ، في كل دواخله المتراسمة دون تشظي متغالب ؛ فاراد ان يغالب بأسه المشروط بموافقة من حوله ، اراد ان يبصر رضى من حوله يشع في ابصارهم ، بينما لا يمكن ان يكون غرضا عقليا و لوحده طالما كان بوسعه ان يقتاد نفس صاحبه
    الى شفا جرف هاو !
    ..............................
    *جمال السائح
    مغترب من أصل عراقي - الموصل
    Almawed2003@yahoo.com
    www.postgasidas.com/members/jamalalsaieh
    **************************************
    دراسة نقدية
    لقصة : المُدَّعي
    للقاص و الروائي الأستاذ : نزار ب. الزين
    أجرى الدراسة : جمال السائح

    (الحلقة الثانية)

    عالم زملاء عوني من التلاميذ ..
    ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
    أما هذا العالم ، فنعود اليه ،و هو لا يعرف الرحمة الا في حدود نسبية ؛ عالم طلبة في طور التعلم ، مع انهم لا يفوقون عوني علميا ، لاننا لم نلحظ مثل ذلك في النص ، و ما لحظناه مؤكدا هو تفوقه الثائر في دروسه كافة ، فهو احق ان نطلق عليه انسان وطالب مثابر .
    هو و لما يزل في طور التعلم و في طور النمو والتقدم ، كحال البلدان التي في حال التقدم او في طور التقدم و ليس بلدانا نامية ، او لا زالت تتحرك في بدء الطريق ، و انها تحرك بخطواتها الاولية ؛ و ان كان لنا ايضا ان نقرن زملاءه بالدول النامية ايضا ، لكنا فرضنا مثل هذا التأويل
    لانهم فعلا كانوا في طور التعلم و التنمية والتقدم .
    اما عوني ، و على الرغم من انه هو الاخر في طور التنمية والتقدم ، و ربما كان افضل منهم علانية ، لكنا فضلنا ان نقهره داخل تأويلات دالة على انه ينتمي الى اقفاص تلك الدول النامية .. و التي لا زالت تشق طريقها و في اوله ، لانه كان مغمورا بفعل تلك الممارسات الحادة
    والهجينة المتوجهة الى شخصه ، و من ثم كانت تمثل قدرة محطمة لكل جهوده ونبله وشراسته العلمية ، بينما المفروض ان يمتثل زملاؤه لقوته العلمية و يشيدون به ، حتى لو كان تلعثم وتردد؛ لكننا لا نشهد في النص ما يدل عليه ، لكننا نرى تكبرا منهم بفعل تلك السلوكيات المهينة التي كانوا يمارسونها حياله ، حالهم حال تلك الدول المتنامية يعني التي تشهد نموا و تقع ما بين الدول النامية او دول العالم الثالث من جهة ، و الدول المتقدمة و المتطورة من جهة اخرى ، و هي ما كانت الا بلدانا شبه متقدمة ، و ربما احتكرت فنون صناعاتها على نفسها او لا تفسر اسرارها الا بحضرة الدول العظمى ، بينما تستهين بمن وراءها من دول لا تزال تشق الطريق في مفاوز العمل والاستثمار .
    بينما المفروض ان تمتثل مثل هذه الدول.. الى التعاون مع دول العالم الثالث ، لانه ثمة رابط وانماط متجانسة يربط وتربط بينها ، قواعد وقواسم مشتركة، سيما وانها تختلف اختلافا قريبا من التمامية عن الدول المتقدمة ، تلك الدول الرأسمالية والمتطورة كثيرا .
    ..............................
    عالم مدرسي عوني من الاساتذة
    ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
    فعوني يحمل علمية محددة ، لكنه جدير بها ان تلمس اقطار التفوق لو قدر لها ان تستغل ، فان بوسع عوني ان ينفق عليها الكثير من عناياته ، كي يصل بها الى مرافيء مختبرية تتيح له ان يستغلها ويستثمرها بالتالي ، لتوفر له اخيرا اعمال تطلعاته وتحقيق رغباته ، حتى سيكون بوسعه ان يصل في يوم من الايام الى نفس منزلة اساتذته بل له ان يتفوق عليهم و يباريهم ربما ، و ينافسهم في كل علمياتهم وقدراتهم التدريسية ، كما من الممكن اليسير ان يسابقهم ليتركهم وراءه
    يعدون السنين ويسائلون الركبان عن منجزاته ليفوق كل ما وصلوا اليه من علمية ، و ربما اصبح طبيبا او مهندسا ، او وزيرا في ذات يوم ، او حتى عالما او كاتبا او محاميا او فنانا موهوبا او شخصية تعلو ولا يعلى عليها ؛ خلاصة الامر ، ان بوسعه ان يصبح ما يشاء ان يكونه لانه طالب مثابر ويصل الى مبتغاه بكل نجاح .
    فهو يمثل في حقيقة امره الدول النامية ، و التي بوسعها لو بذلت الجهد المناسب ان تصل الى اهداف بعيدة المنال عنها ، في نظر تلك الدول الكبرى والمتقدمة او حتى في نظر تلك الدول التي اصبحت في طور التقدم او شبه المتقدمة ، من التي كانت بالامس نامية و من ثم اصبحت شبه متطورة ، بعد ان كانت فعّلت لديها كل الامكانيات ، و جندت كل الطاقات ، و اعدت كل الكفاءات ؛ لكن ثوبا استكباريا صار يتلبسها ، ربما اكثر رداءة من ذلك الثوب الذي تلبسه نفس الدول المتقدمة ، و التي لو كان لها الحق في التبجح ،فما كان الحق لتبجح تلك الدول شبه المتقدمة
    وهي التي كانت والى الامس القريب تعاني الشتات في الفكر و العمالة و القدرة و التقدم اساسا ؛ لكنها و بفضل تحول كان طرأ عليها ، افادت منه شعوبها وحكوماتها ، خضعت الى سلسلة من التطويرات ، مع مناعة من جملة الاختزالات الزمنية التي كانت عصفت بها ، حتى وصلت الى مثل حالها في اليوم ، و هو حال اشبه بحال التلاميذ ممن يجدون في الشجاعة التي لديهم
    او الغرور والجرأة ما يفيدهم بالتفوق على علمية عوني ، رغم ان عوني وحسب ما توحي به الأقصوصة ، يفوقهم علمية وبوسعه ان يتميز بينهم ، لكنهم يكبحون تواصل علميته و تطوير قريحته الفكرية بشكل غير مباشر ، عمدي وغير عمدي ؛ لكن الاول مراده واضح ومبدأه واقع
    لان للفعل حين يقع اول مرة تأويل يضارع حركته الزمنية .
    لكن حين يكون لنفس الفعل ان يتكرر، فاي نفي للعمدية يمكن ان يتحقق لا يمكن المصادرة في حينها الا على عمدية مغياة ، حين يتكرر ويتلازم نص الفعل مع نيات معتزمة سخرية وتندرا ،
    هذا بوسعه ان يحتكر طاقاتهم و يوسع من مجال الاثراء المجاني من طرفهم ، في مقابل الاثراء العلمي الذي يشتمل عليه عوني ؛ يحاولون من خلال هذا الاثراء الظاهري في القدرات غير المسئولة لديهم ان ينافسوا قدرات عوني ، و يستثيرون فيه الكبرياء ، سيما المدرسين ، و الذين ليس لهم ان يرعووا حين يرون جهده وتفوقه في الدرس ، مما يمكن ان تشفع له عندهم لكن لا نشاهد ما يوعز بمثله ، بل هذا مما يسهم في تحفيز الطلبة على السخرية منه ، لانه حين يعكس المدرس نفسه مثل تلك الردود من الفعل ، فماذا سيكون حال المدرسة نفسها بمختلف شرائح طلابها ؟
    ..........................................
    هذا كله له ان يركم وعيا لا شعوريا في نفس عوني ، سيكون بوسعه ان يستثمره في المستقبل
    و هذا ما حصل لعوني بالفعل ، حيث اندفع وبعد ان وجد نفسه خالي الوفاض، و ان علميته و نبوغه ما عاد بوسعهما ان يشفعا له ، كي ينهيا ازمة نفسية كانت توعدت بتهديد طبيعة سلوكه المدرسي ، فضلا عن تجسيد حالات من التفاعل غير المحدود مع كل الصور المتناقضة من حوله
    والتي تواطأت على الحاق الضرر به وبصورة غير مباشرة .
    .........................................
    هنا عوني ، و بدلا من ان يدلل على عمق ستراتيجيته العلمية و فنه الذوقي و قدرته الباطنية
    و عقله الاخاذ ، استخدم لغة اخرى ،هي اقصر الطرق و اغذ الاساليب ؛ لان عوني كان يسبر غور من حوله و يختبر مفاعيلهم الذاتية و نفوسهم التي انطوت في الدخائلو سرائرهم التي استترت خلف مختلف الملامح البشرية ، حتى جعله يحاول منافستهم في وقاحتهم و لكن بشكل معكوس ، حاول معه ان يساجلهم بنفس اللغة التي تعاطوا بها معه ، حاول ان يسخر منهم
    كما سخروا منه بالامس ، بل يثأر لكرامته ، و حاول ان يخفف من الامه الماضية و يذيق اساتذته ومدرسيه شديد الارهاق في التدريس ؛ و لكن من دون ان يعمل الطلبة ما يفترض اعماله تجاه ما يقدمونه من خدمات ، فكان يحاول ان يطلع على الجميع باستهانة بالغة لقدراتهم ، و ان وعيه العلمي بمقدوره ان يتم استغلاله في وطر اخر ، هو انجع وسيلة من كل وسائلهم التي يرونها فهما اثمر من فهمه
    ...........................................
    فالجرأة التي استتر خلفها الطلبة في تعميم سياسة الاذلال لعوني ،او المغالبة التي تخفى وراءها المدرسون لكي يتندروا عليه ، ما كانت الا مواقعة داخل المدى ؛ لكنه حاول ان يقدم صواريخ عابرة للقارات ،يشهد الدول المتقدمة انه يملكها ، سواء علمت بقدراتها الكاملة او لا ، لكنه اراد ان يزرع الفزع في نفوس تلك القدرات الطامعة من جهة ، و من جهة اخرى اراد ان يثير كل المخاوف في ضمائر تلك القدرات النامية و التي ما كان لها اي حق في السخرية منه ، بل على العكس ، ربما كان ليصيبه العي في الكلام او الخوف من الحديث أو الخجل المريع ، لكنه بوسعه ان ينهض متى شاء ، و متى ما تخلص من نظرته الدونية الى نفسه و القى ثوب الضعف من على جسده ، بعيدا عنه والى الابد كي يتخلص منه ، فكان سبيله الى النفاذ في هذا المجتمع مغالبا في كل تجاربه ؛ اراد القفز من على قواعد برمجية كان استلهمها طوال سني دراسته ، لكن وعيه الجاثم فوق صدره ، و المصادر ثقته فيه وبالكلية بعد ان تمكن منه الخصوم و اذاقوه ويلات تركت في نفسه تجسيدا لكل العيوبة ؛ وقتها ، كان همه ان يركب الموج كيفما شاءت الاقدار
    همه الوحيد ان ينهض بتلك النفس المأسورة و القدرة المنصهرة تحت وقع الضرب والكيل المبرح و المتواصل من دون ان يعي نوعية الخطة المصطفاة في مثل هذه الظروف و من دون ان يستغل موهبته العلمية ، لانه كان صعبا عليه ان يثبت علميته شفويا ، لانه يخاف الجواب و يرهب ادارة الكلام ، فكيف له ان يحقق تجربة تثبت عكس الادعاءات الحاصلة في صفه او حوله في المدرسة
    لانه كان ومن الظاهر متفوقا في امتحاناته واختباراته التحريرية فقط ، بينما كان لا يقوى على منازلة اكسل الكسالى في صفه ، في شرح اي موضوع او الاجابة عن اي سؤال يتعلق بأي مادة من المواد الدراسية .
    ............................................
    *جمال السائح
    مغترب من أصل عراقي - الموصل
    Almawed2003@yahoo.com
    [url]www.postgasidas.com/members/jamalalsaieh[/ur
    l]

  2. #2
    في ذمة الله
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    المشاركات : 3,415
    المواضيع : 107
    الردود : 3415
    المعدل اليومي : 0.50

    افتراضي

    مرور لجمال النقد والتفنيد
    ولي عودة للدراسة وذلك حباً وكرامة لجمال أعمالكم الأدبية ، وكذا للنقد ذاته .
    مع خالص إحترامي وتقديري أخي الفاضل ـ نزار بهاء الدين

  3. #3
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    المشاركات : 2,362
    المواضيع : 139
    الردود : 2362
    المعدل اليومي : 0.35

    افتراضي

    رووووعة استاذ nizar zain

    هكذا تعلمنا النقد

    و تحث الأعضاء على كيفية كتابة النقد دون خوف او خجل

    انا آخر من يعرف اللغة العربية بفصاحة مثلكم ولكنى لم اخف ولم اتردد فى كتابة ما فهمته من كتابات اخوانى الأدباء الآخرين ومن عرض طريقة النقد لدكتور حسين محمد ومجدى جعفر واحمد ناصر ، و اتمنى ان تمر على كتاباتهم وتتواصل معهم ايضا .. ليستفيد القراّء هنا

    لنرد الروح فى هذه الواحة الرائعة - واحة النثر نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    واتمنى ان ارى كل المتابعين والكتاب الآخرين والقرّاء يمرون على أهم دوحة بالواحة ... وخاصة القصص القصيرة الهادفة

    هكذا يسخر الأدب لخدمة المجتمعات ولرقى الأفراد وتعديل مواطن الخلل

    اجمل التحيا والأحترام ازجيها لحضرتك استاذ نيزار

    دمت موجها نافعا اينما حللت نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    الصورة الرمزية نزار ب. الزين أديب
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    الدولة : Anaheim,California,USA
    العمر : 92
    المشاركات : 1,930
    المواضيع : 270
    الردود : 1930
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    أختي الفاضلة نسيبة
    القصة الهادفة و النقد الهادف أحدهما يكمل الآخر ، لمصلحة و خير الأمة ؛
    أتمنى مثلك أن أرى الحياة تدب بهذا القسم و برابطة الواحة المتقدمة ؛
    شكرا لمرورك و تعقيبك الواعي .
    و دمت رائعة
    نزار ب. الزين

  5. #5
    الصورة الرمزية نزار ب. الزين أديب
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    الدولة : Anaheim,California,USA
    العمر : 92
    المشاركات : 1,930
    المواضيع : 270
    الردود : 1930
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبلة محمد زقزوق
    مرور لجمال النقد والتفنيد
    ولي عودة للدراسة وذلك حباً وكرامة لجمال أعمالكم الأدبية ، وكذا للنقد ذاته .
    مع خالص إحترامي وتقديري أخي الفاضل ـ نزار بهاء الدين
    ----------------------
    في انتظارك أختي عبلة
    و على الخير نلتقي
    نزار ب. الزين

  6. #6
    الصورة الرمزية د. محمد حسن السمان شاعر وناقد
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    المشاركات : 4,319
    المواضيع : 59
    الردود : 4319
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    سلام الـلـه عليكم
    الاخ الحبيب الغالي الاديب القاص نزار ب . الزين

    لاادري كيف فاتتني هذه القراءة الادبية الرائعة , وهذا النقد الحرفي ,
    لقصتك القصيرة بعنوان المدّعي , فلم اطلع عليها حتى اليوم , وانا
    من المتابعين لاعمالك القصصية , ويهمني جدا ان اقرأ رايا ادبيا
    ونقدا موضوعيا حولها .
    لقد قرأت قصة المدّعي , ورأيت ما فيها من مدلولات
    وادوات بمنظاري الخاص , ثم اطلعت على الدراسة الادبية والنقد
    الحرفي , التي قام بها الاديب الناقد جمال السايح , فوجدتني وكأنني
    امام مجهر الكتروني وفّر لي رؤيا وتفاصيل لم اكن قد رأيتها خلال
    قراءتي الشخصية , ورأيت كيف يمكن للجراح الاستاذ ان يمر بمبضعه
    بين التفاصيل , دون اذية او تغيير في هذه التفاصيل , ليعطي درسا في
    التشريح الاكاديمي , لقد زادني هذا الاديب الناقد استمتاعا في القصة .
    بارك الـلـه بك استاذنا الغالي , وبارك الـلـه بالناقد الاديب جمال السايح
    واشكر لك هذا النقل الموفق للدراسة الادبية .

    اخوكم
    السمان

  7. #7
    الصورة الرمزية نزار ب. الزين أديب
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    الدولة : Anaheim,California,USA
    العمر : 92
    المشاركات : 1,930
    المواضيع : 270
    الردود : 1930
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    و بارك الله بك د. محمد حسن السمان
    بارك الله بجهودك في تتبع و مناقشة نصوصي و نصوص الآخرين بهمة لا تعرف الكلل ..
    و بارك الله بحروفك الدافئة و ثنائك اللطيف
    و بارك الله بتواضعك الجم
    و دمت رائعا
    نزار ب. الزين

المواضيع المتشابهه

  1. تأملات نقدية في قصة عملية جراحية للقاص القدير حسام القاضي
    بواسطة د. مصطفى عراقي في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 28
    آخر مشاركة: 15-05-2014, 07:32 AM
  2. شراء جارية - قصة - نزار ب. الزين - مع دراسة للناقد المغربي محمد داني
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 02-06-2013, 01:27 PM
  3. درس خصوصي -تزار ب. الزين مع دراسة نقدية للأديب الناقد الأستاذ محمد داني
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-06-2008, 12:48 AM
  4. دراسة نقدية :- حول المجموعة القصصية الأولى " سنوات الجنون الأبدية "للقاص/سامح الشبة
    بواسطة سامح عبد البديع الشبة في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10-11-2006, 01:39 PM
  5. التقويم الميلادي خاطئ ( دراسة أجراها الشيخ كاظم )
    بواسطة أبو القاسم في المنتدى عُلُومٌ وَتِّقْنِيَةٌ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 25-11-2004, 04:19 PM