أحدث المشاركات

نسجل دخولنا بذكر الله والصلاة على رسول الله» بقلم عوض بديوي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» بكاء على الاطلال» بقلم أحمد بن محمد عطية » آخر مشاركة: أحمد بن محمد عطية »»»»» مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»»

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 11

الموضوع: الامتناع عن الجهر بالحق في ميزان الإسلام

  1. #1
    شاعر ومفكر
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Apr 2003
    الدولة : ألمانيا
    العمر : 77
    المشاركات : 254
    المواضيع : 79
    الردود : 254
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي الامتناع عن الجهر بالحق في ميزان الإسلام

    الامتناع عن الجهر بالحق في ميزان الإسلام

    الخوف ممّا لا ينبغي الخوف منه، والطمع فيما لا ينبغي الطمع فيه، هما في مقدّمة أسباب قصورنا عن أداء واجب الجهر بالحق كما ينبغي.

    ومن شروط الجهر بالحق معرفته بطبيعة الحال، وبالتالي فمن الأسباب الموضوعية لعدم الجهر بالحق في بعض المجالات أو من جانب بعض الأفراد الجهل به. ولكن عندما يكون الحق مجهولا بالنسبة إلى العامّة في قضية من القضايا أو مكان من الأمكنة، هل يسقط عنهم واجب تحصيل المعرفة لإدارك الحق؟.. ألا تسري هنا القاعدة الشرعية المتفق عليها أنّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب؟.. ثمّ إنّ العارفين بالحقّ في تلك القضية أو ذلك المكان، ألا يحملون في حالة جهل العامّة بالحق واجبا أكبر للتعريف به، أي للجهر به حتّى تعمّ المعرفة به وتتسع قاعدة العمل من أجل إحقاقه؟..
    إنّ الجهل بالحق هنا قد يكون عذرا مؤقتا للجاهل حتى يعلم بالتعلّم، ولكنّه في الوقت نفسه سبب تحمّل إثم أكبر من جانب العالم بالحقّ الذي لا يبيّنه وقد أصبحت الحاجة ماسّة غليه.
    ويسري هذا على الأمور الصغيرة والكبيرة على السواء، ولكنّ واقع المسلمين اليوم هو أنّهم لا يواجهون قضية عدم قول الحقّ في صغائر الأمور والمسائل الجانبية، فهذه تجد –بحمد الله- من يتولّى بيانها على مختلف المستويات، بل ربّما وجدت من الاهتمام الكبير والزائد أحيانا ما يكاد يحجب عن الأنظار وجود قضايا أكبر بكثير تحتاج إلى قول الحقّ فيها ولا تجد من يقوله إلاّ نادرا.
    المسلمون يواجهون قضايا مصيرية جذرية، تتعلّق بوجودهم الإسلامي من حيث الأساس، بحياتهم وفق ما يريد الإسلام، وحكمهم على ما جاء به الإسلام، وهنا ننطلق من اعتبار قول الحقّ معروفا للعلماء على جميع الأحوال، ولغالبية عامّة المسلمين على وجه الترجيح، فالشرط الموضوعي متوفّر في الأصل للجهر بالحق، وهنا نسأل: لماذا لا نجهر بالحق دائما؟.. لماذا نشهد قصورا كبيرا على هذا الصعيد الاساسي بصورة خاصة؟.. ولا سيما من جانب الفئة الأعلم من سواها بهذا الحق، والأقدر من سواها على التأثير بفضل نعمة الله عليها بالعلم والمعرفة وبالمكانة أحيانا. أليس من المفروض أن يكون هؤلاء في موضع القدوة الحسنة؟.. هل يجوز أن يكونوا كذلك في "حجم" ما يعلمون وعلى غير ذلك في القيام بما يقتضيه هذا العلم منهم من واجب؟..

    "التقية".. وتبرير الخوف

    لقد مرّ بنا حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في فصل سابق:

    (لا يمنعنّ رجلا هيبةُ الناس أن يقول الحقّ إذا علمه) وفي رواية (أو شهده أو سمعه) –عن ابي سعيد الخدري، خرّجه الألباني بطرق متتابعة في، سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 168-
    وكثيرا ما نذكر كلمة "قول الحقّ" فنقرنها بالقول "لا نخاف فيه لومة لائم"، مشيرين إلى هذا المعنى الوارد في آيات قرآنية وأحاديث نبوية..
    وفي الحديث أيضا:
    (إنّ الله عزّ وجلّ يسأل العبد يوم القيامة فيقول مالك إذا رأيت المنكر فلم تنكره؟..-قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- فيلقّى حجته فيقول: يارب!.. خفتُ الناس ورجوتُك) –رواه البيهقي في شعب الإيمان، وهو في "مشكاة المصابيح" للتبريزي بتخريج الألباني تحت رقم 5153-
    هذه الأحاديث وكثير سواها تبيّن أنّ السبب الأول في الامتناع عن الجهر بالحق هو "الخوف من الناس".. وممّا يحزّ في النفس ألما، أنّ "الخوف" أصبح مبرِّرا، وكأنّه الصفة المرغوبة لدى المسلم، بينما هو في هذه الأحاديث وسواها "سبب منهيّ عنه".
    والأشدّ من ذلك خطرا على الأمّة ومستقبلها، أنّ الذين يقع عليهم واجب الجهر بالحق أكثر من سواهم، لعلمهم به أو لموقعهم منه، يوجدون لأنفسهم المبررات، ثمّ لا يكتفون بذلك بل يعلنون تلك المبرّرات وكأنّها ممّا يرضى به الإسلام، فيربّون العامّة على ما ارتضوه لأنفسهم من السكوت على الباطل، وربّما تأييد الباطل في بعض الأحيان أو أكثرها. وعلى رأس تلك المبرّرات ما يعرفه العلماء باسم "التقية".. أن يتقي المرء ظلم الظالم فيدفعه عن نفسه فلا يجهر بالحق في وجهه، فهل "التقية" هي الأساس في موقف الإسلام في هذه القضية أم الاستثناء؟..
    وبتعبير أوضح: إذا كان العالم يريد بهذه "التقية" أن يدفع الأذى عن نفسه، أو ماله، أو أهله، أليس يعني ذلك أنّه يقدّم هذه "الضرورات" على الضرورة الأكبر وهي "الدين".. والدينُ هو أوّل ما يتوجّب حفظه كما تقول الأصول الشرعية الإسلامية؟..
    ولربّما يقبل الإسلام بالتقية في مواضع محدودة، وحالات استثنائية، ومن بعض المسلمين وليس منهم جميعا، ولا سيما من علمائهم، وكلّ هذا مشروط بالاّ يترتّب على "التقية" ضرر أكبر بالدين، دين الفرد نفسه، ودين المجتمع ككل، ولكن لا يجوز بحال من الأحوال، ولا لأيّ فريق من الناس، أن تصبح "التقية" ستارا مبرّرا للركون غلى الظالمين، فربّ العالمين يقول:
    ((ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثمّ لا تُنصرون)) –الآية 113 من سورة هود-

    شواهد ونماذج تاريخية

    لقد فهم الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه التقية فهما آخر، يوم رفض الإقرار بتبنّي الدولة الإسلامية لعقيدة خلق القرآن، فجاءه من جاءه من العلماء بأحاديث التقية وهو يُعذّب، فقال: "فكيف تصنعون بحديث خبّاب أن كان قبلكم يُنشر أحدُهم بالمنشار ثمّ لا يصدّه ذلك عن دينه؟.." ويحاول علماء من العلماء تليين موقفه تجاه الحاكم فيقول لهم ما ينبغي أن يقال اليوم لكثيرين: "إذا أجاب العالم تقية والجاهل يجهل، متى يتبيّن الحق؟"- عن ترجمة الإمام أحمد بن حنبل في "تاريخ الأغسلام" للحافظ الذهبي-
    إي والله.. متى؟.. نسألها للعالمين بالحقّ الذين لا يجهرون به، ولعلّّهم لا يحملون بذلك إثم كتمان الحق فحسب، بل ومعه إثم استمرارِ جهل الجاهلين به.

    وما كان ابن حنبل بدعا بين العلماء الأتقياء، وليس من عالم من علماء اليوم من يجهل قصة الإمام مالك رضي الله عنه، إذ روى عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم قوله: (ليس على مستكره طلاق) فقال الناس: وليس على مستكره بيعة، فطالبه الحاكم بالامتناع عن رواية الحديث فرفض رغم ما يُروى عمّا واجهه من إهانة وتعذيب.. رفض كتمان قول الحقّ في حديث واحد من أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولم يعتذر لنفسه أو لسواه بالتقية –القصة مشهورة في مصادرها التاريخية، وترجمة الإمام مالك متوفرة في كتاب "مالك" لمحمد أبي زهرة-

    ويوم يكون بين العلماء أمثال سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير، يكون بين شباب الإسلام أمثال حطيط الزيات..

    وهل يوجد من ينكر أنّ الفضل الحقيقي من بعد الله في حفظ الإسلام كان لمالك بن أنس الذي امتُحن وسُجن، وأبي حنيفة الذي امتُحن وسجن، والشافعي، وابن حنبل، وابن تيمية، وابن القيّم الجوزية، والعز بن عبد السام، وجميعهم ممّ، امتحنوا وابتُلوا، فما أخذوا بتقية وهو في موضعهم من القدوة، ولا قبلوا بسكوت عن الحق وقد عاهدوا الله ونبيّه على قول الحقّ؟..

    الفارق الحقيقي بين هؤلاء وبين من يوجدون لأنفسهم المبررات والأعذار هو قول العزّ بن عبد السلام رحمه الله وغفر له، يوم سئل كيف واجه الحاكم وموكبه فأمره ونهاه فقال: "لقد تمثلت عظمة الله في قلبي فصار السلطان كالقطّ" –"عظماؤنا في التاريخ" لميطفى السباعي-

    وليست المبرّرات والأعذار التي تقعد بصاحبها عن قول الحق بل وتجعله في كثير من الأحيان يقول الباطل أو يبرّر للباطل ما يفعل، إلاّ حقيقة أنّ في قلوبهم عظمة السلطان أوّلا، فلم تعد ترى عظمة الله عزّ وجلّ.

    هل "الضعف" مبرّر؟..

    ومن المبرّرات التي يراد بها ستر "الخوف" القول بالضعف.. نحن ضعفاء اليوم فكيف نواجه جبروت الحاكم وبطشه ومخابراته وسجنه؟.. ألا يقدّم الظالمون يوما بعد يوم الدليل على أنّهم لا يتورّعون عن البطش بمن يعارض بكلمة الحق؟..

    بلى.. فلننتظر حتى يصبح الظالم عادلا من تلقاء نفسه..

    بلى.. فلننتظر حتى يواجهنا الحقّ يوم القيامة بقول الله عزّ وجلّ:

    ((إذ تبرّأ الذين اتُّبعوا من الذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب. وقال الذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّة فنتبرّأ منهم كما تبرّؤوا منّا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار)) –الآيتان 166 و167 من سورة البقرة-

    ((وإذ يتحاجّون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنّا كنّا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنّا نصيبا من النار. قال الذين استكبروا إنّا كلّ فيها إنّ الله قد حكم بين العباد)) –الآيتان 47 و48 من سورة غافر-

    ((وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنّا كنّا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنّا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواءٌ علينا أجزِعنا أم صبرنا ما لنا من محيص))-الآية 21 من سورة إبراهيم-

    اللهم لا تجعلنا من أهل النار.
    اللهم لا قول ولا تبرير بعد قولك هذا في كتابك العزيز.

    بين الطاعة والمعصية

    وشرّ المبرّرات التي يلجأ إليها من يخافون الحاكم الظالم فلا يكتفون بعدم الجهر بالحقّ في وجه ظلمه، وإنّما يدفعون العامّة إلى التسليم بظلمه.. شرّ تلك المبرّرات قولهم إنّ له حقّ الطاعة عليهم.. بالبيعة له!..

    يقرّون في غير حضرته أو في كلام غير مباشر عنه، بأنّه لا يحكم بالإسلام، ولا ينصح للأمّة، فهم بذلك يقولون بطاعة من قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه:

    (ما من عبد استرعاه الله رعيّة فلم يحطها بنصيحة إلاّ لم يجد رائحة الجنّة) –عن أبي هريرة، رواه البخاري بهذا اللفظ، وهو في "اللؤلؤ والمرجان" تحت رقم 1200-

    إنّه لا تجوز طاعة هؤلاء في أمر واحد من الأمور التي ينحرفون فيها عن الحكم بما أنزل الله، فكيف بأصل وجودهم على غير الإسلام والحكم بالإسلام؟..

    ولقد وجّه أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه وأرضاه كلامه إلى عامّة الناس عند تولّيه الخلافة إذ خطب فقال: "أيّها الناس قد وُلّيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن صدفتُ (أسأت) فقوّموني" إلى أن قال: "أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم" –عن كتاب " تاريخ الخلفاء" للسيوطي-
    لا طاعة.. رغم البيعة الإسلامية الصحيحة التي سبقت، فأين البيعة الإسلامية الصحيحة هذه الأيام؟.. وكيف يأتي من يقول إنّ حكام هذه الايام لا تجوز معصيتهم لأنّ وصولهم إلى الحكم كان بطريقة مقبولة(!) على وجه من وجوه الاجتهاات الفقهية!..
    ألا إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
    (لا طاعة في معصية الله إنّما الطاعة في المعروف) –عن عليّ بن ابي طالب كرم الله وجهه، رواه مسلم بهذا اللفظ، ورواه البخاري وغيره، وخرّجه الألباني تحت رقم 179 و180و181 في سلسلة الأحاديث الصحيحة-
    (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحبّ وكره، ما لم يُؤمر بمعصية، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)-عن عبد الله بن عمر، رواه البخاري بهذا اللفظ وهو في "اللؤلؤ والمرجان" تحت رقم 1205-
    (سيليكم أمراء بعدي، يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فمن أدرك ذلك منكم، فلا طاعة لمن عصى الله)-عن عبد الله بن الصامت، رواه الحاكم، وخرجه الألباني تحت رقم 590 في سلسلة الأحاديث الصحيحة-
    ألا إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد عمّم كل التعميم، وفصّل كلّ التفصيل في هذه الأحاديث وسواها، ولا يُقبل في هذا الموضوع –ولا سواه- كلام يخالف كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلم، الواضح الصريح المفصّل.

    وإنّنا لنجد هذه الأيام سائر أصناف الطاعة، رغم توفّر سائر الأسباب التي تستدعي عدم الطاعة، من قيام الحكام بالمنكرات.. بينما الطاعة في المعروف، ومن أمْرِهم بالمعاصي.. بينما لا طاعة في معصية، ومن ارتكابهم المعاصي بأنفسهم.. بينما لا طاعة لمن عصى الله.
    والسكوت وحده لا يكفي من جانب من مقامه مقام الجهر بالحق، وإن أراد بالسكوت تجنّب أذى دنيوي، فكأنّما أصبح الأصل في الإسلام هو السكوت عن نزول الأذى بسائر المسلمين بحكمهم بغير ما أنزل الله، بل وبمحاربة الإسلام في أرضه، واضطهاد العامّة والخاصّة، طالما أنّ ذلك، كلّه أو بعضه، لا يمسّ "الساكت" نفسه مسّاً مباشرا، أو كأنّما أصبحت الفتنة بالتعذيب أو القتل أكبر في نفوس الساكتين عن الحقّ من الفتنة التي يُفتن بها المسلمون اليوم في دينهم على كلّ صعيد من جانب معظم الحكام.
    ولا يقولنّ قائل: إنّ هذه الأحاديث تعني السكوت والامتناع عن الطاعة فحسب، فالقضية هي قضية انحراف الحاكم عن الحكم بما أمر الله، وذاك ممّا يجب تغييره، ولا يتغيّر بمجرّد السكوت وعدم الطاعة، وهذا ما فهمه العلماء الذين قال الله تعالى فيهم: ((إنّما يخشى اللهَ من عباده العلماء))- من الآية 28 من سورة فاطر- وفهمه كذلك عامّة المسلمين كالأعرابي الذي قال لعمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "لو رأينا فيك اعوجاجا لقوّمناه بحدّ سيوفنا". فإذا جاء أحدَنا حاكمٌ أو عالم بكلام يخالف هذا الفهم الإسلامي، نقول للحاكم أو العالم، إنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ما زاد على أن أجاب الأعرابي مقرّا بقوله وواصفا حال الأمّة المسلمة الراشدة:"الحمد لله الذي جعل في أمّة محمّد من يقوّم اعوجاج عمر بسيفه" –القصة مشهورة في تراجم عمر، ومنقوله هنا عن "عبقرية عمر" لعباس محمود العقاد-

    نقول له: إنّ القضية ليست قضية مبررات، ليست قضية "تقية" ولا قضية "ضعف" ولا قضية "بيعة وطاعة".. إنّما هي قضية خوف، وربُّ العزّة يقول:
    ((أتخشونهم فالله أحقّ أن تخشوه إن كنتم مؤمنين))-من الآية 13 من سورة التوبة
    ((إلاّ الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشونِ))-من الآية 150 من سورة البقرة-
    ((إنّما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه فلا تخافوهم وخافونِ إن كنتم مؤمنين))-الآية 175 من سورة آل عمران-

    اللهم إنّا نسألك ألاّ تدع في قلوبنا مثقال ذرة خوف من سواك، ولا مثقال ذرّة طمع في غير رحمتك وجنّتك

  2. #2

  3. #3

  4. #4
    الصورة الرمزية د. سمير العمري المؤسس
    مدير عام الملتقى
    رئيس رابطة الواحة الثقافية

    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    الدولة : هنا بينكم
    العمر : 59
    المشاركات : 41,182
    المواضيع : 1126
    الردود : 41182
    المعدل اليومي : 5.28

    افتراضي

    إعجاب دائم لا متناهي بما يخط يراعك وبما ينضح فكرك أخي نبيل ...

    بحث راااااائع عن الحق والمنطق في هذا الأمر الذي أوصلنا لسوء المآل.

    نعم أخي الساكت عن الحق شيطان أخرس.

    ومن أظلم ممن كتم الشهادة عنده؟؟

    اللهم أ‘نا على قول الحق وخير الجهاد ... كلمة حق عند سلطان جائر ...

    تقبل تحياتي وشديد إعجابي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5

  6. #6
    الصورة الرمزية عدنان أحمد البحيصي شهيد العدوان على غزة 2008/12/27
    تاريخ التسجيل : Feb 2003
    الدولة : بلد الرباط (فلسطين)
    العمر : 41
    المشاركات : 6,717
    المواضيع : 686
    الردود : 6717
    المعدل اليومي : 0.87

    افتراضي

    اخي نبيل
    فكر واعي
    وأدب راقي
    أسعدني موضوعك
    وها أنا أسجل حضوري مرة أخرى
    وكذلك إعجابي



    ونسخة للتميز الفكري
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  7. #7
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Mar 2008
    العمر : 39
    المشاركات : 8
    المواضيع : 0
    الردود : 8
    المعدل اليومي : 0.00
    من مواضيعي

      افتراضي

      موضوع راقي جدا جزاك الله الجنة وبارك الله في قلمك ولسانك

    • #8
      شاعر ومفكر
      هيئة تحرير المجلة

      تاريخ التسجيل : Apr 2003
      الدولة : ألمانيا
      العمر : 77
      المشاركات : 254
      المواضيع : 79
      الردود : 254
      المعدل اليومي : 0.03

      افتراضي

      أشكر أولا من عقّب على هذا الموضوع عند نشره عام 2003م، ومن رفعه وعقب عليه عام 2004م، ثم الآن أشكر تخصيصا الأخ الفاضل (ابن المستشار) الذي استخرج الموضوع بعد غيبته وعلق عليه..
      الشكر للجميع وأعتذر للجميع أيضا، فما زلت مقصرا في الإسهام بما أود لو استطعت الإسهام به، في هذا الملتقى المتميز بمن فيه وما فيه.. بل أقصر حتى في تسجيل الشكر والامتنان في الوقت المناسب عقب ما ينشر من تحية أو تعقيبات..
      والموضوع في الأصل موضوع طويل يشمل مقدمة، هي المنشورة أعلاه ببعض التعديل، وعدة فصول.. فأنتهز الفرصة لأضع هنا الفصل الأول.
      الجهر بالحق
      1- بين العلماء والحكام
      واجب الجهر بالحق واجب شامل في الأصل لكافة الجوانب التي تشملها الدعوة إلى الخير، بعد أن ضُيّع المعروف إلا قليلا وشاع المنكر شيوعا كبيرا. وفي مقدّمة تلك الجوانب القضايا الجليلة، فكلّما عظم شأن الأمر الذي يحتاج إلى بيان، عظمت مسؤولية التبيين وعدم الكتمان، فكيف يكون الحال مع الأمر الذي يقول الله تعالى فيه:
      (( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون)) –الآية 50 من سورية المائدة-
      وورد في الحديث عن ابن محجن قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (أخاف على أمّتي من بعدي ثلاثا، حيف الأئمّة، وإيمانا بالنجوم، وتكذيبا بالقدر) – حيف الأئمة: ظلمهم. رواه ابن عساكر-انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني رقم 1127 وصحيح الجامع الصغير بتخريج الألباني رقم 212-
      وعن زياد بين حذير قال: قال لي عمر: هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ قال قلت لا، قال: يهدمة زلّة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمّة المضلّين)– رواه الدارمي، في "مشكاة المصابيح" بتحقيق الألباني الذي قال فيه: وإسناده صحيح، الحديث رقم 269
      إنّ وصول الفساد إلى الحكام، كوصوله إلى العلماء، يعني وصوله إلى عامّة الناس، وإذا أزيل على صعيد الحكام، وعلى صعيد العلماء، بدأ الطريق إلى إزالة الفساد المنتشر بين عامّة الناس فصلح الناس.
      ولكن هل يعني ذلك أنّ قضية الجهر بالحق يمكن أن تنحصر ما بين الحكام والعلماء كما يتردّد في كثير من الأحيان؟..
      ينظر كثيرون اليوم في قول الله عزّ وجلّ:
      ((ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر))–مطلع الآية 104 من سورة آل عمران- فيقولون:
      ذاك واجب كفائي عظيم، لا يمكن أداؤه إلاّ اعتمادا على قوّة السلطان المسلم، فالأمر والنهي يتطلّبان أن يتولاهما السلطان بسلطته. وفي هذا تعطيل خطير للواجب الكفائي العظيم، وإلاّ:
      - إذا ظلم الحكام أنفسهم والناس بالجور، وظلم العلماء أنفسهم والحكام والناس بالسكوت أو بالتبعية للظلم، ألا يأثم آنذاك جميع المسلمين بعلمائهم وحكامهم وعامّتهم، في حالة عدم قيام أحد بأداء هذا "الواجب الكفائي العظيم" سواءٌ من العلماء، أو العامّة؟..
      - كيف يقوم حكم الإسلام بعد تعطيله، على فرض صحّة تعليق أداء هذا الواجب بوجوده، إذا انعدم العمل على الجهر بالحق في وجه حكم قائم على غير الإسلام، بغضّ النظر عن واجب التغيير العملي أيضا؟..
      - وسؤال ثالث: أليس العمل على التغيير بالقول أو الفعل أو كليهما معا، هو بالذات الجواب المفروض الآن باعتباره الواجب الذي لا يتم واجب وجود الحكم الإسلامي إلاّ به؟..
      بلى.. لا سيما إذا قبلنا بالافتراض النظري القائل إنّ الأمر والنهي معلّقان بوجود ذلك الحكم.. وهو افتراض غير مقبول.
      بين العامّة والحكام
      ونستطرد قليلا مع الواقع الراهن:
      أليس من المغالطات الرهيبة التي ننساق أو نُساق إليها في هذا المجال، الاعتقاد بسقوط واجب الجهر بالحق، كفائيا كان أم عينيا، لمجرّد الكلام عن بعض المنكرات دون أكبرها، ومن أكبر المنكرات الحكم بغير ما أنزل الله في بلد لا يشرك أهله بالله.. أو لمجرّد الحث على بعض المعروف دون أجلّ أموره، ومن أجلّ صوره وأجمعها لجوانبه إقرار كلمة الله حياة وحكما في الأرض والخلق؟..
      وقد يتساءل متسائل: ألا يكفي الإنكار في القلب؟..
      والسائل يستشهد غالبا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
      (من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) وفي رواية (وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردل) –رواه مسلم-
      ولا نسأل المتسائل: أرضيت أيها المؤمن بأضعف الإيمان؟..
      ولا نسأله ايضا: الفاء المتكررة في الحديث استئنافية، تحدّد درجة التغيير المأمور به درجة بعد درجة، فهل عجزت فعلا عن التغيير باليد، ثم بالقول، حتى وصلت إلى الاكتفاء بمجرّد الإنكار في القلب؟..
      ولا نخوض في الحديث عن حدّ الاستطاعة، ومسألة الاستكراه، بل نورد هنا نوعا من المنكر لا يكفي فيه مجرّد الإنكار في القلب، وهو في حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
      (من رأى سلطانا جائرا، مستحلاّ لحرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر بقول ولا فعل، كان حقا على الله أن يدخله مدخله) –في رواية للطبري وابن الأثير عن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما-
      أي مدخله من النار والعياذ بالله، فأين في الحديث ذكر إمكانية الاكتفاء بالإنكار في القلب في هذه الحالة؟.. أليس يذكر الحديث الأول المنكر بصفة عامة، ويخصّص هذا الحديث نوعا محدّدا من المنكر، فيخصص بالتالي الطريقة المفروضة للتغيير؟..
      أمّا مسألة من يغيّر، وكيف، ومتى.. فهي موضوع الحديث لاحقا إن شاء الله.
      التبعية للظالمين
      على أنّنا نجد في عصرنا هذا ما هو أبعد خطرا من قضية الإنكار في القلب تبريرا لعدم العمل على التغيير بالقول أو الفعل، إنّنا نعاصر قضية التبعية للظالمين قولا وفعلا، والتي يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيها:
      (سيكون أمراء فسقة جورة، فمن صدّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس منّي ولست منه، ولن يَرِدَ على الحوض)- رواه أحمد والنسائي والترمذي-
      أي لن تناله الشفاعة على الحوض، عندما تذلّ الأبصار والقلوب ويظهر شريط الأعمال مع النوايا يوم الساعة.
      ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
      (من أعان ظالما بباطل ليدحض به حقا فد برئ من ذمّة الله وذمّة رسوله)-رواه الطبراني والأصبهاني-
      والعجيب بعد ذلك أن يستمرّ كثير من العلماء، بمفهوم الاصطلاح المتعارف عليه، ومن العامّة بحكم الفساد المستشري، على إغفال حقيقة واجب الانتصار من الظلم أو التغافل عنها، وإغفال حقيقة أنه يسري بالذات في وقت الظلم.. وإلاّ فما معناه؟..
      كأنّما يريد هؤلاء لعامّة المسلمين أن يعيشوا حتى تحين آجالهم المحتومة في دوّامة، أو حلقة مفرغة، لا مخرج منها:
      - الحكم الإسلامي كما يريد الله عز وجلّ لا وجود له.. عموما
      - الحاكمون مسلمون.. لقولهم لا إله إلا الله وإقامة الصلاة..
      - لا يجوز إذن القيام عليهم بقول أو فعل
      - إذا قصّر العلماء فلا حرج على العامّة
      - ومن أراد الإنكار فليكتفِ بالإنكار في قلبه
      - ولتستمرّ إذن الأوضاع على حالها أو فلتزدْ سوءا
      ويأبى الله عزّ وجلّ أن تستمرّ هذه الأوضاع على حالها الرهيبة، وهو الذي يبيّن لنا المخرج من هذه الدوّامة المصطنعة وتلك الحلقة المفرغة المقصودة، فيقول تعالى في الآيات المنزّلة في مكة المكرّمة على طريق الإعداد لإقامة حكم الله في الأرض والخلق:
      ((والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون))-الآية 39 من سورة الشورى-
      ((ولِمنِ انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل))-الآية 41 من سورة الشورى-
      ((والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا))-مطلع الآية 69 من سورة العنكبوت-
      ولا نبالغ إذا قلنا، إنّ جلّ ما نزال من القصص القرآني في العهد المكيّ خاصة، كان فيه التعليم للمسلمين أن يواجهوا الظلم والظالمين بكلمة الحق، والجهاد الحق، إلى أن يقوم حكم الله الحق.. ثمّ تجب حمايته باستمرار الجهر بالحق وبغير ذلك من الوسائل.
      ومن أراد أن ينير الله قلبه فليقرأ سورة (هود) ولْيستخلص الدروس ليطبّقها، أو فليرجع –كأمثلة قليلة- إلى قصّة رجل ذكره الله تعالى في سورة (يس) وآخر ذكره تعالى في سورة (غافر) ولم يذكر اسميهما، وما كانا –حسب السياق القرآني من العلماء ولا الأنبياء- فلينظر القارئ كيف يجب الجهر بالحق في وجه الظلم والظالمين:
      ((وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتّبعوا المرسلين))-الآية 20 وتابع حتى 32 من سورة يس-
      ((وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه..))-مطلع الآية 28 وتابع إلى الآية 52 من سورة غافر-
      وهذا الطريق هو الطريق الذي يجب سلوكه في أداء الواجب الكفائي العظيم.
      أمّا أن نعلّق أداء الواجب بقيام حكم إسلامي وطيد الأركان، فذاك "الانتظار دون عمل" هو ما يريد أن يسوقنا إليه سوقا من يخشون قيام حكم إسلامي وطيد الأركان، بل ويحاربون ذلك سرّا وعلنا.
      لقد أرشد الله عزّ وجلّ إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند التمكين في الأرض فقال:
      ((الذين إن مكّناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور))-الآية 41 من سورة الحج-
      ولكن أرشد أيضا إلى أداء هذا الواجب قبل قيام الحكم الإسلامي والتمكين في الأرض فجعله جزءا من تكوين الفرد المسلم، والجماعة المسلمة القادرة على النهوض بأعباء الدعوة، فنقرأ في الآيات المنزلة في العهد المكيّ أيضا من وصية لقمان لابنه، تعليما للعصبة الأولى ولنا من بعدها، فردا فردا، بل وتعليما لها ولنا كيف تجب تنشئة الأجيال التالية على أداء هذا الواجب فردا فردا، فيقول عزّ وجلّ في وصية لقمان لابنه:
      ((يا بني أَقِمِ الصلاة وأْمُرْ بالمعروف وانْهَ عن المنكر واصبر على ما أصابك إنّ ذلك من عزم الأمور))- الآية 17 من سورة لقمان-
      وعندما نتعلّم من القرآن العظيم كيف نمارس هذا الواجب في واقع حياتنا، في مواجهة الظلم والظالمين، بكلمة الحق والجهاد الحق، كجزء من تكوين أنفسنا على الإسلام، وكيف نربّي أبناءنا وبناتنا على الإسلام، وعلى ممارسة هذا الواجب من الواجبات الإسلامية كسواه في مواجهة الظلم والظالمين، يومذاك نكون فعلا على الطريق التي سار عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصحبه الكرام لإقامة الحياة الإسلامية والحكم الإسلامي، كما يريد الله عزّ وجل، ونكون –إن أخلصنا النيّة وصبرنا- ممّن يأذن الله لهم بإحدى الحسنيين ورضوان من الله أكبر.

    • #9

    • #10
      شاعر ومفكر
      هيئة تحرير المجلة

      تاريخ التسجيل : Apr 2003
      الدولة : ألمانيا
      العمر : 77
      المشاركات : 254
      المواضيع : 79
      الردود : 254
      المعدل اليومي : 0.03

      افتراضي الفصل الثالث حول الجهر بالحق

      الجهر بالحق-3-
      لماذا لا نجهر بالحق دائما؟.. (1) الخوف

      هل الجهل بالحق عذر للسكوت عنه؟..
      الخوف ممّا لا ينبغي الخوف منه، والطمع فيما لا ينبغي الطمع فيه، هما في مقدّمة أسباب قصورنا عن أداء واجب الجهر بالحق كما ينبغي.
      ومن شروط الجهر بالحق معرفته بطبيعة الحال، وبالتالي فمن الأسباب الموضوعية لعدم الجهر بالحق في بعض المجالات أو من جانب بعض الأفراد الجهل به. ولكن عندما يكون الحق مجهولا بالنسبة إلى العامّة في قضية من القضايا أو مكان من الأمكنة، هل يسقط عنهم واجب تحصيل المعرفة لإدارك الحق؟.. ألا تسري هنا القاعدة الشرعية المتفق عليها أنّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب؟.. ثمّ إنّ العارفين بالحقّ في تلك القضية أو ذلك المكان، ألا يحملون في حالة جهل العامّة بالحق واجبا أكبر للتعريف به، أي للجهر به حتّى تعمّ المعرفة به وتتسع قاعدة العمل من أجل إحقاقه؟..
      إنّ الجهل بالحق هنا قد يكون عذرا مؤقتا للجاهل حتى يعلم بالتعلّم، ولكنّه في الوقت نفسه سبب تحمّل إثم أكبر من جانب العالم بالحقّ الذي لا يبيّنه وقد أصبحت الحاجة ماسّة غليه.
      ويسري هذا على الأمور الصغيرة والكبيرة على السواء، ولكنّ واقع المسلمين اليوم هو أنّهم لا يواجهون قضية عدم قول الحقّ في صغائر الأمور والمسائل الجانبية، فهذه تجد –بحمد الله- من يتولّى بيانها على مختلف المستويات، بل ربّما وجدت من الاهتمام الكبير والزائد أحيانا ما يكاد يحجب عن الأنظار وجود قضايا أكبر بكثير تحتاج إلى قول الحقّ فيها ولا تجد من يقوله إلاّ نادرا.
      المسلمون يواجهون قضايا مصيرية جذرية، تتعلّق بوجودهم الإسلامي من حيث الأساس، بحياتهم وفق ما يريد الإسلام، وحكمهم على ما جاء به الإسلام، وهنا ننطلق من اعتبار قول الحقّ معروفا للعلماء على جميع الأحوال، ولغالبية عامّة المسلمين على وجه الترجيح، فالشرط الموضوعي متوفّر في الأصل للجهر بالحق، وهنا نسأل: لماذا لا نجهر بالحق دائما؟.. لماذا نشهد قصورا كبيرا على هذا الصعيد الاساسي بصورة خاصة؟.. ولا سيما من جانب الفئة الأعلم من سواها بهذا الحق، والأقدر من سواها على التأثير بفضل نعمة الله عليها بالعلم والمعرفة وبالمكانة أحيانا. أليس من المفروض أن يكون هؤلاء في موضع القدوة الحسنة؟.. هل يجوز أن يكونوا كذلك في "حجم" ما يعلمون وعلى غير ذلك في القيام بما يقتضيه هذا العلم منهم من واجب؟..

      "التقية".. وتبرير الخوف
      لقد مرّ بنا حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في فصل سابق:
      (لا يمنعنّ رجلا هيبةُ الناس أن يقول الحقّ إذا علمه) وفي رواية (أو شهده أو سمعه) –عن ابي سعيد الخدري، خرّجه الألباني بطرق متتابعة في، سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 168-
      وكثيرا ما نذكر كلمة "قول الحقّ" فنقرنها بالقول "لا نخاف فيه لومة لائم"، مشيرين إلى هذا المعنى الوارد في آيات قرآنية وأحاديث نبوية..
      وفي الحديث أيضا:
      (إنّ الله عزّ وجلّ يسأل العبد يوم القيامة فيقول مالك إذا رأيت المنكر فلم تنكره؟..-قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- فيلقّى حجته فيقول: يارب!.. خفتُ الناس ورجوتُك) –رواه البيهقي في شعب الإيمان، وهو في "مشكاة المصابيح" للتبريزي بتخريج الألباني تحت رقم 5153-
      هذه الأحاديث وكثير سواها تبيّن أنّ السبب الأول في الامتناع عن الجهر بالحق هو "الخوف من الناس".. وممّا يحزّ في النفس ألما، أنّ "الخوف" أصبح مبرِّرا، وكأنّه الصفة المرغوبة لدى المسلم، بينما هو في هذه الأحاديث وسواها "سبب منهيّ عنه".
      والأشدّ من ذلك خطرا على الأمّة ومستقبلها، أنّ الذين يقع عليهم واجب الجهر بالحق أكثر من سواهم، لعلمهم به أو لموقعهم منه، يوجدون لأنفسهم المبررات، ثمّ لا يكتفون بذلك بل يعلنون تلك المبرّرات وكأنّها ممّا يرضى به الإسلام، فيربّون العامّة على ما ارتضوه لأنفسهم من السكوت على الباطل، وربّما تأييد الباطل في بعض الأحيان أو أكثرها. وعلى رأس تلك المبرّرات ما يعرفه العلماء باسم "التقية".. أن يتقي المرء ظلم الظالم فيدفعه عن نفسه فلا يجهر بالحق في وجهه، فهل "التقية" هي الأساس في موقف الإسلام في هذه القضية أم الاستثناء؟..
      وبتعبير أوضح: إذا كان العالم يريد بهذه "التقية" أن يدفع الأذى عن نفسه، أو ماله، أو أهله، أليس يعني ذلك أنّه يقدّم هذه "الضرورات" على الضرورة الأكبر وهي "الدين".. والدينُ هو أوّل ما يتوجّب حفظه كما تقول الأصول الشرعية الإسلامية؟..
      ولربّما يقبل الإسلام بالتقية في مواضع محدودة، وحالات استثنائية، ومن بعض المسلمين وليس منهم جميعا، ولا سيما من علمائهم، وكلّ هذا مشروط بالاّ يترتّب على "التقية" ضرر أكبر بالدين، دين الفرد نفسه، ودين المجتمع ككل، ولكن لا يجوز بحال من الأحوال، ولا لأيّ فريق من الناس، أن تصبح "التقية" ستارا مبرّرا للركون غلى الظالمين، فربّ العالمين يقول:
      ((ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثمّ لا تُنصرون)) –الآية 113 من سورة هود-

      شواهد ونماذج تاريخية
      لقد فهم الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه التقية فهما آخر، يوم رفض الإقرار بتبنّي الدولة الإسلامية لعقيدة خلق القرآن، فجاءه من جاءه من العلماء بأحاديث التقية وهو يُعذّب، فقال: "فكيف تصنعون بحديث خبّاب أن كان قبلكم يُنشر أحدُهم بالمنشار ثمّ لا يصدّه ذلك عن دينه؟.." ويحاول علماء من العلماء تليين موقفه تجاه الحاكم فيقول لهم ما ينبغي أن يقال اليوم لكثيرين: "إذا أجاب العالم تقية والجاهل يجهل، متى يتبيّن الحق؟"- عن ترجمة الإمام أحمد بن حنبل في "تاريخ الأغسلام" للحافظ الذهبي-
      إي والله.. متى؟.. نسألها للعالمين بالحقّ الذين لا يجهرون به، ولعلّّهم لا يحملون بذلك إثم كتمان الحق فحسب، بل ومعه إثم استمرارِ جهل الجاهلين به.
      وما كان ابن حنبل بدعا بين العلماء الأتقياء، وليس من عالم من علماء اليوم من يجهل قصة الإمام مالك رضي الله عنه، إذ روى عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم قوله: (ليس على مستكره طلاق) فقال الناس: وليس على مستكره بيعة، فطالبه الحاكم بالامتناع عن رواية الحديث فرفض رغم ما يُروى عمّا واجهه من إهانة وتعذيب.. رفض كتمان قول الحقّ في حديث واحد من أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولم يعتذر لنفسه أو لسواه بالتقية –القصة مشهورة في مصادرها التاريخية، وترجمة الإمام مالك متوفرة في كتاب "مالك" لمحمد أبي زهرة-
      ويوم يكون بين العلماء أمثال سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير، يكون بين شباب الإسلام أمثال حطيط الزيات.. ولا إطالة في رواية قصتهم، ففيها العبرة لمن يريد العبرة من العلماء ومن الشباب في هذه الايام.
      سعيد بن المسيب القائل: "لا تملؤوا أعينكم من أعوان الظلمة إلاّ بإنكار من قلوبكم لكيلا تحبط أعمالكم".. والقائل: "ما أعزّت العباد نفسها بمثل طاعة الله ولا أهانت نفسها بمثل معصية الله".. والقائل: "حججت أربعين حجّة وما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة وما نظرت إلى قفا رجل في الصلاة منذ خمسين سنة".. واجه المحنة مع السلاطين والولاة فرفض المغريات كما رفض الانصياع رغم السجن والجلد والتعذيب، إلى أن توفاه الله وهو ابن 74 سنة –"سعيد بن المسيب" بقلم الدكتور وهبة الزحلي-
      وسعيد بن جبير رفض مغريات الحجّاج الثقفي بالمال والجواري والغناء، حتّى قال الحجّاج له: "ويلك يا سعيد".. قال: "لا ويل لمن زحزح عن النار وأُدخل الجنة" فقال: "اختر يا سعيد أيّ قتلة أقتلك".. فقال: "اختر أنت لنفسك، فوالله لا تقتلني قتلة إلاّ قتلك الله مثلها في الآخرة".. فقال: "أتريد أن أعفو عنك؟".. فقالك "إن كان العفو فمن الله، وأمّا أنت فلا براءة لك ولا عذر".. فقال الحجّاج: "اذهبوا به فاقتلوه".. فما خرج ضحك سعيد بن جبير، فردّوه إليه وقال الحجّاج: "ما أضحكك؟".. قال: عجبت من جرأتك على الله وحُلْم الله عليك".. فطُرح على الأرض وقال الحجّاج: "اقتلوه".. قال سعيد: "وجّهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين".. قال الحجّاج: "وجّهوا به لغير القبلة".. قال سعيد:" فأينما تولّوا فثمّ وجه الله".. قال الحجّاج: "كبّوه على وجهه".. قال سعيد: "منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى".. قال الحجّاج: "اذبحوه".. قال سعيد: "أمّا أنا فأشهد ألاّ إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمدا عبده ورسوله، خذها منّي حتّى تلقاني بها يوم القيامة.. اللهمّ لا ستلّطه على أحد يقتله بعدي".. فذُبح سعيد بن الجبير من الوريد إلى الوريد وكان عمره 74 سنة.
      وجيء إلى الحجّاج برجل شاب مسلم يُدعى حطيط الزيّات، قال الحجّاج: "فما تقول فيّ؟" قال: "أقول فيك إنّك من أعداء الله في الأرض تنتهك المحارم وتقتل بالظنّة".. قال: "فما تقول بأمير المؤمنين؟".. قال: "أقول إنّه أعظم جرما منك وإنّما أنت خطيئة من خطاياه".. فأمر الحجّاج فوضعوا عليه العذاب حتى شقّقوا له القصب وجعلوه على لحمه، وشدّوه بالحبال ثمّ جعلوا يسحبون القصب قصبة قصبة حتى انتحلوا (فصلوا) لحمه عن عظمه، فما يسمعون منه كلمة ترضيهم، فقيل للحجّاج إنّه في آخر رمق، فقال: أخرجوه فارموه في السوق، وما لبث أن استشهد حطيط الزيّات -عنه وعن سعيد بن الجبير في كتاب "الإسلام بين العلماء والحكام، لعبد العزيز البدري-
      استشهد حطيط الزيّات.. فتى من فتيان المسلمين ما تجاوز الثامنة عشرة من عمره، ولكنّه وسعيد بن المسيب وسعيد بن الجبير وأمثالهم، هم الذين حفظوا هذا الدين بتقدير ربّ العالمين، وليس أولئك الذين يسايرون الحاكم سيّان ما يصنع بالإسلام والمسلمين، ممّن إذا ذكر التاريخ لهم اسما لم يذكره بخير.
      ولئن قال ما قال: وما صنع هؤلاء.. أليس هذا هو التهوّر بعينه أن يُستشهدوا دون أن يغيّروا من الواقع شيئا؟.. فكأنّ القائل لم يسمع قطّ بقول الله عزّ وجلّ:
      ((ولا تحسبنّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربّهم يُرزقون)) –الآية 169 من سورة آل عمران-
      وهل يوجد من ينكر أنّ الفضل الحقيقي من بعد الله في حفظ الإسلام كان لمالك بن أنس الذي امتُحن وسُجن، وأبي حنيفة الذي امتُحن وسجن، والشافعي، وابن حنبل، وابن تيمية، وابن القيّم الجوزية، والعز بن عبد السام، وجميعهم ممّ، امتحنوا وابتُلوا، فما أخذوا بتقية وهو في موضعهم من القدوة، ولا قبلوا بسكوت عن الحق وقد عاهدوا الله ونبيّه على قول الحقّ؟..
      الفارق الحقيقي بين هؤلاء وبين من يوجدون لأنفسهم المبررات والأعذار هو قول العزّ بن عبد السلام رحمه الله وغفر له، يوم سئل كيف واجه الحاكم وموكبه فأمره ونهاه فقال: "لقد تمثلت عظمة الله في قلبي فصار السلطان كالقطّ" –"عظماؤنا في التاريخ" لميطفى السباعي-
      وليست المبرّرات والأعذار التي تقعد بصاحبها عن قول الحق بل وتجعله في كثير من الأحيان يقول الباطل أو يبرّر للباطل ما يفعل، إلاّ حقيقة أنّ في قلوبهم عظمة السلطان أوّلا، فلم تعد ترى عظمة الله عزّ وجلّ.

      هل "الضعف" مبرّر؟..
      ومن المبرّرات التي يراد بها ستر "الخوف" القول بالضعف.. نحن ضعفاء اليوم فكيف نواجه جبروت الحاكم وبطشه ومخابراته وسجنه؟.. ألا يقدّم الظالمون يوما بعد يوم الدليل على أنّهم لا يتورّعون عن البطش بمن يعارض بكلمة الحق؟..
      بلى.. فلننتظر حتى يصبح الظالم عادلا من تلقاء نفسه..
      بلى.. فلننتظر حتى يواجهنا الحقّ يوم القيامة بقول الله عزّ وجلّ:
      ((إذ تبرّأ الذين اتُّبعوا من الذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب. وقال الذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّة فنتبرّأ منهم كما تبرّؤوا منّا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار)) –الآيتان 166 و167 من سورة البقرة-
      ((وإذ يتحاجّون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنّا كنّا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنّا نصيبا من النار. قال الذين استكبروا إنّا كلّ فيها إنّ الله قد حكم بين العباد)) –الآيتان 47 و48 من سورة غافر-
      ((وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنّا كنّا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنّا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواءٌ علينا أجزِعنا أم صبرنا ما لنا من محيص))-الآية 21 من سورة إبراهيم-
      اللهم لا تجعلنا من أهل النار.
      اللهم لا قول ولا تبرير بعد قولك هذا في كتابك العزيز.

      بين الطاعة والمعصية
      وشرّ المبرّرات التي يلجأ إليها من يخافون الحاكم الظالم فلا يكتفون بعدم الجهر بالحقّ في وجه ظلمه، وإنّما يدفعون العامّة إلى التسليم بظلمه.. شرّ تلك المبرّرات قولهم إنّ له حقّ الطاعة عليهم.. بالبيعة له!..
      يقرّون في غير حضرته أو في كلام غير مباشر عنه، بأنّه لا يحكم بالإسلام، ولا ينصح للأمّة، فهم بذلك يقولون بطاعة من قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه:
      (ما من عبد استرعاه الله رعيّة فلم يحطها بنصيحة إلاّ لم يجد رائحة الجنّة) –عن أبي هريرة، رواه البخاري بهذا اللفظ، وهو في "اللؤلؤ والمرجان" تحت رقم 1200-
      إنّه لا تجوز طاعة هؤلاء في أمر واحد من الأمور التي ينحرفون فيها عن الحكم بما أنزل الله، فكيف بأصل وجودهم على غير الإسلام والحكم بالإسلام؟..
      ولقد وجّه أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه وأرضاه كلامه إلى عامّة الناس عند تولّيه الخلافة إذ خطب فقال: "أيّها الناس قد وُلّيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن صدفتُ (أسأت) فقوّموني" إلى أن قال: "أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم" –عن كتاب " تاريخ الخلفاء" للسيوطي-
      لا طاعة.. رغم البيعة الإسلامية الصحيحة التي سبقت، فأين البيعة الإسلامية الصحيحة هذه الأيام؟.. وكيف يأتي من يقول إنّ حكام هذه الايام لا تجوز معصيتهم لأنّ وصولهم إلى الحكم كان بطريقة مقبولة(!) على وجه من وجوه الاجتهاات الفقهية!..
      ألا إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
      (لا طاعة في معصية الله إنّما الطاعة في المعروف) –عن عليّ بن ابي طالب كرم الله وجهه، رواه مسلم بهذا اللفظ، ورواه البخاري وغيره، وخرّجه الألباني تحت رقم 179 و180و181 في سلسلة الأحاديث الصحيحة-
      (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحبّ وكره، ما لم يُؤمر بمعصية، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)-عن عبد الله بن عمر، رواه البخاري بهذا اللفظ وهو في "اللؤلؤ والمرجان" تحت رقم 1205-
      (سيليكم أمراء بعدي، يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فمن أدرك ذلك منكم، فلا طاعة لمن عصى الله)-عن عبد الله بن الصامت، رواه الحاكم، وخرجه الألباني تحت رقم 590 في سلسلة الأحاديث الصحيحة-
      ألا إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد عمّم كل التعميم، وفصّل كلّ التفصيل في هذه الأحاديث وسواها، ولا يُقبل في هذا الموضوع –ولا سواه- كلام يخالف كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلم، الواضح الصريح المفصّل.
      وإنّنا لنجد هذه الأيام سائر أصناف الطاعة، رغم توفّر سائر الأسباب التي تستدعي عدم الطاعة، من قيام الحكام بالمنكرات.. بينما الطاعة في المعروف، ومن أمْرِهم بالمعاصي.. بينما لا طاعة في معصية، ومن ارتكابهم المعاصي بأنفسهم.. بينما لا طاعة لمن عصى الله.
      والسكوت وحده لا يكفي من جانب من مقامه مقام الجهر بالحق، وإن أراد بالسكوت تجنّب أذى دنيوي، فكأنّما أصبح الأصل في الإسلام هو السكوت عن نزول الأذى بسائر المسلمين بحكمهم بغير ما أنزل الله، بل وبمحاربة الإسلام في أرضه، واضطهاد العامّة والخاصّة، طالما أنّ ذلك، كلّه أو بعضه، لا يمسّ "الساكت" نفسه مسّاً مباشرا، أو كأنّما أصبحت الفتنة بالتعذيب أو القتل أكبر في نفوس الساكتين عن الحقّ من الفتنة التي يُفتن بها المسلمون اليوم في دينهم على كلّ صعيد من جانب معظم الحكام.
      ولا يقولنّ قائل: إنّ هذه الأحاديث تعني السكوت والامتناع عن الطاعة فحسب، فالقضية هي قضية انحراف الحاكم عن الحكم بما أمر الله، وذاك ممّا يجب تغييره، ولا يتغيّر بمجرّد السكوت وعدم الطاعة، وهذا ما فهمه العلماء الذين قال الله تعالى فيهم: ((إنّما يخشى اللهَ من عباده العلماء))- من الآية 28 من سورة فاطر- وفهمه كذلك عامّة المسلمين كالأعرابي الذي قال لعمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "لو رأينا فيك اعوجاجا لقوّمناه بحدّ سيوفنا". فإذا جاء أحدَنا حاكمٌ أو عالم بكلام يخالف هذا الفهم الإسلامي، نقول للحاكم أو العالم، إنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ما زاد على أن أجاب الأعرابي مقرّا بقوله وواصفا حال الأمّة المسلمة الراشدة:"الحمد لله الذي جعل في أمّة محمّد من يقوّم اعوجاج عمر بسيفه" –القصة مشهورة في تراجم عمر، ومنقوله هنا عن "عبقرية عمر" لعباس محمود العقاد-
      نقول له: إنّ القضية ليست قضية مبررات، ليست قضية "تقية" ولا قضية "ضعف" ولا قضية "بيعة وطاعة".. إنّما هي قضية خوف، وربُّ العزّة يقول:
      ((أتخشونهم فالله أحقّ أن تخشوه إن كنتم مؤمنين))-من الآية 13 من سورة التوبة
      ((إلاّ الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشونِ))-من الآية 150 من سورة البقرة-
      ((إنّما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه فلا تخافوهم وخافونِ إن كنتم مؤمنين))-الآية 175 من سورة آل عمران-
      اللهم إنّا نسألك ألاّ تدع في قلوبنا مثقال ذرة خوف من سواك، ولا مثقال ذرّة طمع في غير رحمتك وجنّتك
      والطمع فيما لا ينبغي الطمع فيه هو السبب الرئيسي الثاني في الامتناع عن الجهر بالحق، وعنه يدور الحديث في الفصل القادم: لماذا لا نجهر بالحق دائما؟.. (2) الطمع

    صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

    المواضيع المتشابهه

    1. تعريف الهندسة البدنية -الوراثية - فى ميزان الإسلام
      بواسطة رضا البطاوى في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 18-12-2015, 08:47 AM
    2. الحداثة في ميزان الإسلام
      بواسطة زاهية في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
      مشاركات: 55
      آخر مشاركة: 25-09-2006, 06:47 AM
    3. النَّفَحَاتُ الشِّعْرِيَّةِ فِي الذَّوْدِ عَنْ خَيْرِ البَرِيَّة
      بواسطة بندر الصاعدي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
      مشاركات: 89
      آخر مشاركة: 30-06-2006, 01:54 PM
    4. النَّفَحَاتُ النثريـة فِي الذَّوْدِ عَنْ خَيْرِ البَرِيَّة
      بواسطة نسيبة بنت كعب في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
      مشاركات: 7
      آخر مشاركة: 29-03-2006, 02:40 PM
    5. النَّفَحَاتُ الشِّعْرِيَّةِ فِي الذَّوْدِ عَنْ خَيْرِ البَرِيَّة
      بواسطة نسيبة بنت كعب في المنتدى مَشَارِيعُ النَّشْرِ الوَرَقِيِّ
      مشاركات: 5
      آخر مشاركة: 18-02-2006, 09:19 PM