شهادة عن .. سمير الفيل
ما إن شرعت في الكتابة عن الأديب ( سمير الفيل ) حتى ذكرت لدغة عقرب .
هل لأن القصة القصيرة الناجحة يمكن أن تكون كلدغة عقرب في تأثيرها؟
هل يمكن أن يتسلل السرد بهدوء ونعومة يسر قبل أن تتحقق تلك اللدغة؟ وما أهمية القصة إن لم تكن بمثابة اللدغة أو التحجر الذي يحرك الراكد في حياتنا، على أية حال القصة هي الأخرى أسمها لدغة عقرب ضمن مجموعة من اللدغات التي مضتها مجموعة ( خوذة ونورس وحيد ) ، وهذه المجموعة تعد من أهم الأعمال التي تدخل في نطاق أدب الحرب إنما جازت التسمية دون صراخ أو شعارات فالجندي الذي عايش آثار الحرب بعد أن خمدت نيرانها هو نفسه الجندي الذي اكتوى بالنار في أتونها .
إن ( سمير الفيل ) يدخل بك إلى مغارات وكهوف وينزلق إلى الخنادق للاختباء ويبحث مع رفاقه عن جركن ماء، ويخرج لمأموريات للكشف عن أعماق أكثر إنسانية ودفئا ويمد قدمه ليصبغ حذاءه لنكتشف أنها ـ القدم ـ ممددة في وجه بطل من أبطال أكتوبر ليكشف عن اختلال كبير في قيم المجتمع، مجتمع الكاروهات والجمرك والانفتاح . مواقف إنسانية لادغة، تماما مثل لدغات الغرب المتتالية، تبحث عما وراء الأشياء، وتتخذ من عالم الرجال نماذج حية، ومن لظى الصحراء هجيرا يلفح الوجوه:
" العسكري غريب لدغة عقرب في ساقه أسفل الركبة " هكذا يبدأ قصة " لدغة عقرب " وينشغل الجميع بالمصاب، لا شك هذا هو المطلوب، لكن في النهاية يكتشف الجميع أن العقرب قد أفلت، وأنه دخل إلى الدبابة، ولأنه سمير الفيل الكاتب الذكي والذي يتسلح بوعي قومي وثقافي كان لابد أن يفشلوا في العثور على العقرب، إن ظهور العقرب وسحقه بأي حذاء يعني انتهاء الصراع مع هذا العقرب وكيف ينتهي الصراع والحق ما يزال مسلوبا وشخوص النصر ما زالت تسحقها الحياة يتوارون جوعا ويمسحون الأحذية، ويواجهون بصدورهم غول الانفتاح، لكن النية تتجه إلى ضرب هذا العقرب عندما تشرق الشمس ويا للشروق من دلالات.
وهكذا يدين ( سمير الفيل ) التطبيع ـ أيا كان نوعه ـ مع العدو الصهيوني ويؤكد أن الجنود على التبة في خطر، وأن ظهور العقرب في أي وقت ـ خلسة ـ معناة نهاية أحد الرجال وعلينا أن نكون متنبهين دوما ـ ما إن يظهر هذا العقرب قاصدا أحدنا فلابد من ضربه في الحال، لكن ماذا لو تركناه يعيث حوله، ماذا لو نسينا أمره، ماذا وماذا وهكذا تحوي المجموعة عدة لدغات مؤثرة بلغة مواكبة وموائمة ولقطات سريعة فإن أردت أن تبحث عن سر أي حرب فأمسك في أثارها ، وهذا ما يفعله سمير الفيل حين يسخر العلاقات والتفاصيل ومفردات البيئة لخدمة هذا البحث وهذا التعبير، واستخدام ضمير المتكلم يحملك إلى معايشة الحي باعتبار أنك ماثل أمام حكاء يعترف ويسوق لك الأدلة تلو الأخرى، ويحيلك إلى شخوص كي ترى ما يماثلها في الواقع مثل ( مسعد بنزين ) وغيره.
وإذا كان قص الشيء لعين اقتفاء أثره فإن سمير الفيل يمارس هذا القص بالبحث عن مكنونات جديدة تقبع خلف التراكمات ، ولهذا ما يبرره عند كاتبنا فقد التحق بالجيش بعد أن وضعت الحرب أوزارها لكن رائحة البارود كانت ، و ما تزال تغلف فضاء البلاد .
سمير الفيل فنان يعرف كيف يختار مواقفه ولقطاته ونماذجه ويعرف كي يحط عليها، وكيف ينتقل من شجرة إلى أخرى وفي كل ذلك يبحث عن رائحة مكان يعرفه جيدا ، وزمان عايشه بجوارحه في الشعر " ندهة من ريحة زمان " و " ريحة الحنة " ومن قبلها " الخيول " وفي الرواية " رجال وشظايا " وفي كل الألوان ترك هو الآخر آثارا تحتاج إلى من يتبعها بإنصاف، كما أنه مارس النقد والكتابة للطفل ومارس دورا رياديا في بلده دمياط من خلال مشاركته في إصدار مجلة " الرواد " التي ما زالت تواصل عطائها .
تحية إلى رجل يستحق التحية .. و رجل جدير بالاحترام .
فريد معوض
قاص وروائي
المحلة الكبرى