أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 13

الموضوع: أدب الغرباء

  1. #1
    الصورة الرمزية أنس الحجّار شاعر
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Jun 2005
    الدولة : سوريا - حماة
    العمر : 49
    المشاركات : 778
    المواضيع : 89
    الردود : 778
    المعدل اليومي : 0.11

    افتراضي أدب الغرباء

    أبو الفرج الأصبهاني

    284 – 356 هــ \ 897 – 967 م
    علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن هيثم المرواني الأموي القرشي أبو الفرج الأصبهاني .
    من أئمة الأدب , الأعلام في معرقة التاريخ و الأنساب و السير و الآثار و اللغة و المغازي ,
    ولد في أصبهان ونشأ و توفي في بغداد .
    قال الذهبي : ( والعجب أنه أموي شيعي ) , وكان يبعث بتصانيفه سراً إلى صاحب الأندلس الأموي فيأتيه إنعامه .
    من كتبه( الأغاني ط ) ( مقاتل الطالبيين ط ) ( نسب بني عبد شمس ) القيان ) ( الإماء و الشواعر ) ( أيام العرب ) .
    ( التعديل و الإنصاف ) ( جمهرة النسب ) ( الديارات ) ( مجرد الأغاني ) ( الحانات ) ( الخمارون و الخمارات ) ( أداب الغرباء ) .
    مفعولُكِ يا حبيبتي
    كمفعول لفافة التبغ بعد صيام يوم في رمضان
    أشعلها فتطفئني

  2. #2
    الصورة الرمزية أنس الحجّار شاعر
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Jun 2005
    الدولة : سوريا - حماة
    العمر : 49
    المشاركات : 778
    المواضيع : 89
    الردود : 778
    المعدل اليومي : 0.11

    افتراضي

    هذا الكتاب


    أدب الغرباء

    من نوادر تأليف أبي الفرج الأصبهاني .
    ذكره ابن النديم في مؤلفات أبي الفرج , و الخطيب في تاريخ بغداد , و ياقوت في معجمه ,
    وقد أوردوا اسم الكتاب بصيغ مختلفة منها ( أدب الغرباء ) ( آداب الغرباء ) ( أدباء الغرباء )
    وبالتسمية الأخيرة جاءت مخطوطة الكتاب ورجح المحقق التسمية الأولى لورودها في كتاب ابن النديم معاصر أبي الفرج الأصبهاني .
    قال أبو الفرج : ( وجمعت فيه ما وقع إليّ وعرفته , وسمعت به وشاهدته , من أخبار من قال شعراً في غربة , و نطق عما به من كربة , و أعلن الشكوى بوجده إلى كل مشرد عن أوطانه , ونازح الدار عن إخوانه , فكتب بما لقي على الجدران , وباح بسره في كل حانة و بستان , إذ كان ذلك عادة الغرباء في كل بلد و مقصد , وعلامة بينهم في كل محضر و مشهد )
    نشر الكتاب لأول مرة في بيروت سنة 1972 م بعناية صلاح الدين المنجد , معتمداً نسخته الفريدة في العالم وهي النسخة التي تحتفظ بها خزانة صديقه : علامة إيران , بديع الزمان , ( فروزنفر ) وكان هذا قد أطلعه عليها سنة 1965 م وهي نسخة حديثة , مكتوبة بخط نسخي سقيم , فرغ ناسخها من نقلها يوم 14 \ جمادى الأولى \ 1293 هــ


    بسم الله الرحمن الرحيم

    قال أبو الفرج

    فمن ذلك ما حدّثني به أبو عبد الله أحمد بن جيش التمّار قال: حدثني أبي، عن بعض
    ولد أحمد بن هشام، عن أبيه قال:
    كنتُ في جملة عسكر المأمون حين خرج إلى بلد الروم، فدخل وأنا معه إلى كنيسةٍ قديمة
    البناء بالشام، عجيبةِ الصُّور. فلم يزل يطوف بها، فلمّا أراد الخروجَ قال لي: مِنْ شأن
    الغرباء في الأسفار ومنْ نزحت به الدار عن إخوانه وأترابه، إذا دخل موضعاً مذكوراً،
    ومشهداً مشهوراً، أن يجعل لنفسه فيه أثراً، تبرُّكاً بدُعاء ذوي الغُربة، وأهل التقطُّع
    والسياحة. وقد أحببْتُ أن أدخل في الجملة، فابْغ لي دواةً. فكتب على ما بين باب المذبح
    هذه الأبيات:

    يا معشرَ الغُرباءِ رَدّكُمُ
    ولقيتُمُ الأخبارَ عن قُرْبِ
    قلبي عليكم مُشْفِقٌ وَجِلٌ
    فشفا الإلهُ بحِفْظِكم قلبي
    إنّي كتبتُ لكيْ أساعدكمْ
    فإذا قرأتم فاعرفوا كتبي

    ورُوي لنا عن إسحاق بن عبد الله قال:
    كنتُ في خدم أبي جعفر. فدخل قصر عبدَويْه وأنا معه. فقال: أعطني فَحمةً. فناولته،
    وكتب هذا الشعر على الحائط:

    المرءُ يأملُ أن يعيشَ
    وطولُ عيشٍ قد يَضُرُّهْ
    تُودي بشاشتُه ويعقبُ
    بعْدَ حُلوِ العيشِ مُرُّهْ
    وتَسوؤه الأيامُ حتَّى
    لا يرى شيئاً يسُرُّهْ
    كمْ شامتٍ بي إن هَلكتُ
    وقائلِ لله دَرُّهْ

    قال: فما لبث إلا قليلاً. والشعر للبيد.
    وحدثني أحمد بن زياد الكاتب، شيخ لقيتُه ببغداد، من أهل همذان قال: حدثني أبو
    الحسن علي بن يحيى المنجّم، عن أبيه قال:
    أخذ الواثقُ يوماً بيدي يتكئ عليها، ويطوفُ على الأبنية بسرّ من رأى ليختار منها بيتاً
    يشربُ فيه في ذلك اليوم. فلما انتهى إلى البيت المعروف بالمختار استحسنه، وجعل يتأمله
    وقال لي: هل رأيت أحسن من هذا البيت؟ قلت: يُمتِّعُ الله أمير المؤمنين به، وتكلَّمتُ بما
    حضَرني. وكانت فيه صورٌ عجيبة، من جملتها صورةُ بَيْعةٍ فيها الرهبان، وأحسنها صورة
    شهّار البيعة، ثم أمر بفرش الموضع وإصلاح المجلس، وحضر الندماءُ والمغنون، وأخذنا في
    الشُّرْب، فلما انتشى أخذ سكّيناً لطيفاً كانت بين يديه، وكتب على الحائط كأنّي أراه:

    ما رأينا كَبَهْجَةِ المختارِ
    لا ولا مثلَ صورة الشَهّارِ
    مجلسٌ حُفَّ بالسرورِ
    والنَرْجسِ والآسِ والغِنا والبَهارِ
    ليس فيه عيْبٌ سوى أنّ
    ما فيه سيُفنيه نازلُ المقدارِ

    فقلنا: يُعيذُ الله أمير المؤمنين ودولته من هذا. ووَجَمْنا. فقال: شأنكم وما واتاكم، فما
    يقدّمُ قولي خيراً ولا يؤخر شرًا.
    قال: واجتزتُ منذ سُنيّاتٍ بسرّ من رأى، فرأيتُ بقايا هذا البيت وعلى حائطٍ من
    حيطانه مكتوب:

    هذي ديارُ ملوكٍ دَبَّروا زمناً
    أمْرَ البلادِ وكانوا سادةَ العَرَبِ
    عصى الزمانُ لهمْ من بعد طاعته
    فانظر إلى فِعْلِهِ بالجوْسَقِ الخربِ
    وبَرْكَوَارَا وبالمختار قد خَلَيا
    من ذلك العِزِّ والسلطانِ والرُّتَبِ

    وحدثني أبو عبد الله الواسطي الشاعر المعروف بابن الآجرّي قال:
    كنتُ أعاشرُ جماعةً من أهل الظرف وأولاد الرؤساء ونجتمعُ على الشراب دائماً. فدعانا
    فتًى منهم إلى العُمْر الذي في أسفلِ مدينة واسط، ويُعرف العُمْرُ بعُمْرِ سفر يشوع. فمضيْنا
    ومعنا من الغناء والآلة والشراب كلُّ شيءٍ ظريف، وأقمنا بالعُمْرِ ثلاثة أيام، ومضت لنا به
    أوقاتٌ طيّبة، وانصرفنا في اليوم الرابع وتفرّقنا بعد ذلك للمعايش والمتصرَّفات. فلما كان
    ذلك بشهور دُعينا إلى العُمْر، فلما حصلنا في القلاّية التي كنا شربْنا فيها في تلك الدُفْعة قال
    لنا الفتى: ألا أُخبرُكم بحالي بعدكم؟ قلنا: بلى. قال: إنكم لما انصرفتُم من عندنا جاءني
    شابٌ له رواءٌ ومنظرٌ حسَن، ومعه غلامٌ نظيف الوجه في مثل زيّه، أحسبُه حبيباً له. فقال
    لي: أين الفتيان الذين كانوا عندك مجتمعين؟ فقلتُ: غَسِّلوا في الانصراف. فحزن وتبَيَّنْتُ
    الكآبة في وجهه. ثم سألني عن حالكم، وما صنعتم، وكم أقمتم. فحدّثتُه، فانبسط،
    واستدعى ما أكلَ هو وصاحبُه، وأخذا في الشرب، وطربا، وأقاما على حالهما ثلاثة أيام،
    ففعل مثل فعلكم. فلما كان في اليوم الرابع ودّعني وأخذ فحمة وكتب على حائط البيت
    شعراً، وقال: إن عادوا أوْقِفْهم عليه، وانصرف. فنهضْنا إلى البيت فإذا هو:

  3. #3
    الصورة الرمزية أنس الحجّار شاعر
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Jun 2005
    الدولة : سوريا - حماة
    العمر : 49
    المشاركات : 778
    المواضيع : 89
    الردود : 778
    المعدل اليومي : 0.11

    افتراضي

    إخْوَتي إنّي سَمعتُ بكمْ
    فقصدْتُ العُمْرَ من طَربِ
    فوجدتُ الدهرَ فرَّقكُم
    وكذاك الدهرُ ذو نُوَبِ
    وسألتُ القَسَّ ما فَعلوا
    فأجاب القَسُّ بالعَجبِ
    ففَعلنا مثلَ فِعْلِكُمُ
    وشرَبْنا من دمِ العِنبِ
    بنتَ كرمٍ عُتّقتْ زَمَناً
    منذُ عهْدِ اللاّتِ والنُصُبِ
    وجَنينا الحلوَّ من ثمرٍ
    وأكلنا يانعَ الرُّطَبِ
    وتفرَّقنا على مَضَضٍ
    كُلّنا يدعو بواحرَبي

    فلما عُدنا إلى واسط بحثنا عن الرجل فلم نعرف له خبراً، فعلمنا أنّه غريبٌ اجتاز بالبلد.
    وقرأتُ في كتاب: خرج عبد الله بن جعفر مُتنزّهاً، فأدركه المقيلُ فقال تحت شجرة. فلما
    أراد الركوب كتب على الشجرة:

    خبّرينا، خُصِصْتِ يا سَرْحُ بالغيْ
    ثِ بصدقٍ، والصدق فيه شفاءُ
    هل يموتُ المحبُّ من ألم الحبِّ
    وهل ينفعُ المحبَّ اللقاءُ

    ثم ركب مُتَنزّهاً، فرجع فقال تحتها، وإذا أسفل كتابته مكتوب:

    إنّ جهلاً سُؤآلُك السرحَ عمّا
    ليس يوماً عليك فيه خفاءُ
    ليس للعاشق المحبِّ من العيشِ
    سوى منظر الحبيب دواءُ

    حدثني أبو الطيّب أحمد بن محمد المخرّمي قال: حدثني بعضُ بني نَوْبَخْت قال: لما اجتاز
    الرشيدُ في طريقه إلى خراسان أقام بحلوان أياماً، ثم رحل فوجد بخط على حجر كان
    بالقُرب منه:

    حتَّى متى أنا في حِلٍّ وتَرْحالِ
    وطولِ سَعْيٍ وإدبارٍ وإقبالِ
    ونازح الدارِ لا أنفكُّ مُغْترباً
    عن الأحبّةِ لا يدرونَ ما حالي
    بمَغرِب الأرضِ طَوْراً ثم مَشْرقِها
    لا يخطرُ الموتُ من حِرْصي على بالي
    ولو قنِعْتُ أتاني الرزقُ في دَعَةٍ
    إنّ القُنوعَ الغنى، لا كثرة المالِ

    وحدثني أيضاً قال: قال لي رجلٌ من أهل الشام: اجتزتُ بمنارة الإسكندرية فدخلتُها لأرى
    عجيبَ بنائها وما أسمعُ من صِفتها، فإني لأطوفُ فيها فمررت بموضعٍ في أعلاها فيه
    خطوطُ الغرباء والمجتازين قديمةٌ وحديثة. وإذا في جملة ذلك موضعٌ مكتوب بحبر بيِّنٍ: يقولُ
    محمد بن عبد الصمد: وصلتُ إلى هذا الموضع في سنة سبعين ومائتين. وصلتُ إليه بعد
    نصَبٍ وشقاءٍ، ومُلاقاةِ ما لم أحسبْ أنّي ألقى. ولم أحبّ الانصراف عنه إلا بعد أن يكون
    لي به أثرٌ، فقلتُ هذه الأبيات و كتبتُها فيه:

    شَرّدَتْني نوائبُ الأيّامِ
    ورمتني بصائباتِ السهامِ
    فَرّقَتْ بين من أحبُّ وبيني
    وَيْح قلبي المتيّمِ المستهامِ
    لَهْفَ نفسي على زمانٍ تَقَضّى
    فكأنّي رأيتُه في المنامِ

    وتحته مكتوبٌ: يقول فلان بن فلان - وقد محا الاسمين طولُ العهد - وصلتُ إلى هذا
    الموضع في رجب سنة ثلاث وثلاث مئة، على مثل حال المشرَّد عن إخوانه، المطرود عن
    أوطانه، وقرأتُ الأبيات، وما أعرَفني بالغرض فيها وأوقعني بمعانيها إلا أنّني جرّبتُ الدنيا
    فوجدتُها غروراً، والأحباب زوراً، والرجوع إلى الله تعالى في النائبات أولى بذوي العقول من
    ارتكاب التهْلُكات. ولم أحبّ الانصراف عن هذا المكان إلا بعد أن يكون لي به أثر.
    فقلتُ هذه الأبيات مجيباً لهذا الأخ رعاه الله حيًّا وميتاً. وإذا الأبيات:

    أيّها المدّعي على الأيّامِ أنْ
    رَمَتْهُ بصائباتِ السهامِ
    خَفْ من الله واعتزلْ كلَّ زورٍ
    وتجنّب مواقفَ الآثامِ
    تَجِدِ اللهَ عندَ كُلِّ مخوفٍ
    كاشفاً للهمومِ والآلامِ
    فلهُ الحمدُ والخلائقُ طُرًّا
    وهو ربُّ الدهورِ والأعوام

    وقرأتُ على فِناء المسجد الجامع بمتّوث، وهي مدينةٌ بين سوق الأهواز وبين قُرْقوب، عند
    اجتيازي بها مكتوباً: حضر المؤمّل بن جعفر البندنيجي في شهر رمضان من سنة سبع
    وعشرين وثلاث مئة وهو يقول: كنا نسمعُ أهلَ العلمِ يقولون: فَقْدُ الأحبّة في الأوطان غُرْبة،
    فكيف إذا اجتمعت الغربةُ وفَقْدُ الأحبّة. وجملة الأمر أنّ الذي عرفته من حال الدنيا أنه لا
    يفي فرَحُها بتَرحِها، فقلتُ:

    يا مَنْ على الدنيا يُجاذبْ
    وعلى زخارفها يُغاضبْ
    لا تطلبنَّ وِصالَها
    ليست لصاحبِها بصاحبْ
    بَيْنا تراها عنده
    إذ فارقَتْهُ ولم تُراقبْ
    إني خَبَرْتُ حديثَها
    يا صاحِ من طولِ التجاربْ

    وإذا تحته مكتوبٌ بغير ذلك الخطّ:

    صَدَقْتَ صدَقْتَ وعندي الخبرْ
    سأحذرُ منها ركوبَ الخطَرْ
    وأحملُ نفسي على حالةٍ
    فإما انتفاعٌ وإمّا ضرَرْ

    وكنتُ بجامع الرصافة في مدينة السلام يومُ جمعة، وأظنُّ ذلك في سنة إحدى أو اثنتين
    وخمسين وثلاث مئة. فمرّت بي رقعةٌ قد حُذف بها، كما تفعل العامةُ برقاع الدعاء.
    فأخذتُها غير معتمد، فإذا فيها بخطٍّ مليح في معنى خطوط الكُتّاب:
    بسم الله الرحمن الرحيم

    رحم الله من دعا لغريبٍ
    مُدْنَفٍ قد جفاه كلُّ حبيب
    ورماه الزمانُ من كلّ قطرٍ
    فهو لا شكّ ميتٌ عن قريب

    وحدّثني شيخٌ لنا قال: قرأتُ على حائط مقبرة سيبويه مكتوباً:

    رحل الأحبّةُ بعد طولِ توجُّعٍ
    ونأى المزارُ فأسلموكَ وأوجعوا
    تركوكَ أوحشَ ما يكون بقَفْرةٍ
    لم يؤنسوكَ، وكربةً لم يدفعوا

    وقرأتُ على حائط مسجد الجامع بدسكرة الملك: حضر فلان بن فلان الصرويّ في سنة
    ثلاث وخمسين وثلاث مئة وهو يقول:

  4. #4
    الصورة الرمزية أنس الحجّار شاعر
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Jun 2005
    الدولة : سوريا - حماة
    العمر : 49
    المشاركات : 778
    المواضيع : 89
    الردود : 778
    المعدل اليومي : 0.11

    افتراضي

    سقى الله أيّامَ التواصلِ غَيْثَهُ
    وردَّ إلى الأوطان كُلَّ غريبِ
    فلا خيرَ في دُنيا بغيرِ تواصلٍ
    ولا خيرَ في عَيْشٍ بغيرِ حبيبِ

    وخرجتُ أنا وأبو الفتح أحمد بن إبراهيم بن علي بن عيسى رحمه الله، ماضيَيْن إلى دير
    الثعالب، في يوم من سنة خمس وخمسين وثلاث مئة للنزهةِ ومشاهدة اجتماع النصارى
    هناك، والشرب على نهر يَزْدَجِرْد الذي يجري على باب هذا الدير. فبينا نحن نطوفُ
    الدير، ومعنا جماعةٌ من أولاد الكتّاب النصارى وأحداثهم، وإذا بفتاة كأنّها الدينارُ المنقوشُ
    كما يقال، تتمايل وتتثنّى كغُصن ريحان في نسيم شمال. فضربت بيدها إلى يد أبي الفتح
    وقالت: يا سيّدي، تعال اقرأ هذا الشعر المكتوب على حائط بيت الشاهد. فمضينا
    معها، وبنا من السرور بها وبظَرفها وملاحةِ مَنْطقها ما الله به عالم. فلما دخلنا البيت
    كَشَفَتْ عن ذِراعٍ كالفضّةِ، وأومأت إلى الموضع، وإذا فيه مكتوب:

    خرَجتُ يوم عيدِها
    في ثيابِ الرواهبِ
    فَسَبَتْ باختيالها
    كل جاءٍ وذاهبِ
    لِشقائي رأيتُها
    يومَ ديرِ الثعالبِ
    تتهادى بنسوةٍ
    كاعبٌ في كواعبِ
    هي فيهم كأنها ال
    بَدْرُ بين الكواكبِ

    فقلنا لها: أنتِ والله المقصودةُ بمعنى هذه الأبيات. ولم نشكّ أنها كتبت الأبيات، ولم
    تفارقنا بقية يومنا. وقلتُ فيها هذه الأبيات، وأنشدتها إيّاها ففرحت:

    مرّتْ بنا في الدير خَمْصانَهْ
    ساحرةُ الناظرِ فتّانهْ
    أبرزها الرهبانُ من خِدْرِها
    تعظّم الدير ورهبانهْ
    مرّتْ بنا تَخْطِرُ في مَشْيها
    كأنّما قامتُها بانَهْ
    هَبَّتْ لها ريحٌ فمالت بها
    كما تثنَّى غصنُ ريحانَه
    فَتَيّمَتْ قلبي وهاجتْ له
    أحزانَه قَدْماً وأشجانَه

    وحصل بينها وبين أبي الفتح عِشرة بعد ذلك. ثم خرج إلى الشام وتوفي بها، ولا أعرف لها
    خبر بعد ذلك.
    حدَّثني أبو محمد حمزة بن القاسم الشامي، قال:
    اجتزتُ بكنيسة الرَّها عند مسيري إلى العراق. فدخلتُها لأشاهدَ ما كنتُ أسمعه عنها.
    فبينا أنا في تطوافي، إذ رأيتُ على ركنٍ من أركانها مكتوباً بالحمرة: حضر فلان بن فلان
    وهو يقول: من إقبال ذي الفِطنة، إذا ركبَتْه المحنة انقطاعُ الحياة، وحضور الوفاة. وأشدُّ
    العذاب تطاوُلُ الأعمار في ظلّ الإدبار. وأنا القائل:

    ولي همَّةٌ أدنى منازِلها السُّها
    ونَفْسٌ تَعَالى في المكارم والنُّهى
    وقد كنتُ ذا حالٍ بمروٍ قريبة
    فبلّغتِ الأيّامُ بي بِيعةَ الرُّها
    ولو كنتُ معروفاً بها لم أُقمْ بها
    ولكنَّني أصبحتُ ذا غُربةٍ بها
    ومن عادةِ الأيّام إبعادُ مُصْطفى
    وتفريقُ مجموعٍ وتنغيصُ مشتهى

    فاستحسنتُ النظم والنثر وحفظتُهما.

    وكنتُ انحدرتُ إلى البصرة منذ سُنَيَّات. فلما وردتُها صعدتُ في الفيضِ إلى سكَّة قريش
    أطلبُ منزلاً أسكنه، لأنَّني كنتُ غريباً لا أعرف أحداً من أهلها، إلاّ مَنْ كنتُ أسمع بذكره،
    ولا آنسُ به. فدلَّني رجلٌ على خانٍ، فصِرتُ إليه، واكتريتُ منه بيتاً، وأقمتُ بالبصرةِ أيَّاماً.
    ثم خرجتُ عنها طالباً حِصْنَ مَهْدي، وكتبتُ هذه الأبيات على حائط البيت الذي كنتُ
    أسكنه:

    الحمدُ لله على ما أرى
    من ضَيْعتي ما بَيْن هذا الورى
    أصارني الدهرُ إلى حالةٍ
    يعدَمُ فيها الضّيْفُ عندي القِرَى
    بُدّلتُ من بعد الغنى حاجةً
    إلى كلابٍ يَلْبَسون الفِرا
    أصبح أُدْمُ السوقِ لي مأكلاً
    وصار خُبْزَ البيت خبزُ الشِرا
    من بعدِ مِلكي منزلاً مُبْهجاً
    سكنتُ بيتاً من بيوتِ الكِرا
    فكيف أُلْفى ضاحكاً لاهياً
    وكيف أَحْظى بلذيذِ الكَرى
    سبحان من يَعْلَم ما خلْفنا
    وتحتَ أيْدينا وتَحتَ الثرى
    والحمدُ لله على ما أرى
    وانقطع الخطْبُ وزالَ المِرا

    فما أدري أهو باقٍ إلى اليوم أم درس.
    حدَّثني أبو محمد حمزة بن القاسم، قال: حدَّثني نصر بن أحمد الخبز أرزي الشاعر، قال:
    كان عندنا بالبصرة فتى من أولاد التجَّار المياسير، وكانت لأبيه حالٌ كبيرة، فكان في كلّ
    سنة يظفرُ بمال ويُصعده إلى بغداد، فيقيم بها يشربُ في الحانات ويُعاشر أهل الظرف. وكان
    مغرماً بالغلمان. فإذا نَفَذَت الدراهم عاد إلى البصرة. فكان يحدّثني بكلّ طريفة. فقال لي
    يوماً: حصلت بعكبرانيّ في بعض الحانات، فشربتُ ......

    اشْرَبْ وغَنِّ على صوتِ النواعيرِ
    ما كنتُ أعرفها لولا ابنُ منصور
    لولا الرجاء بمن أمَّلتُ رؤيته
    ما جزتُ بغداد في خوفٍ وتغريرِ

    وحدَّثني أنَّه قرأ في بعض سياحته على صخرةٍ:

    وكُلُّ البلادِ بلادُ الفتى
    وليس لأرضٍ إليه نَسَبْ

    قال: فقلتُ: لا يموتُ صاحب هذا البيت إلاّ غريباً.
    وحدَّثني أبو الحسين بن الشلمغاني قال: كان بالبصرة شيخ من ذوي الهيئات، وممن دوَّخ
    البلاد وقطع عمره في الأسفار. وكان يحدِّثنا بكل عجيبة، ويتحفُنا بكلّ غريبة. فحدَّثنا
    يوماً قال: ركبتُ في البحر في بعض السنين، فأفضى بنا السيرُ إلى موضعٍ لا نعرفُه ولا يعرفه
    المركّب. وطَرَحَنا الماءُ إلى جزيرةٍ فيها قومٌ على صورة الناس إلا أنَّهم يتكلَّمون بكلام لا
    يُفهم، ويأكلون من المأكل ما لم تجرِ به عادة الإنس. فاجتمعوا علينا، وأقبلوا يعجبون منَّا،
    وخفْناهم على أنفسنا، واستشعرنا الهلاك من طمعهم في قلَّتنا مع كثرتهم، ثم توكَّلنا على
    الله جلَّ وعزَّ وخرجنا نطلبُ في تلك المدينة ما نأكله ونشربه. فوجدنا الطراميس من خبز
    الدُّخْن ولحوماً كثيرة لا ندري ما هي. فاشترينا من ذلك الخبز واللحم وأظنُّه من لحوم
    الحيتان، ولهم أنبذةٌ لا ندري ما هي، يشربونها. ويضربون بطبلٍ عظيم، له في البحر دويّ.
    فبينا أنا أطوف في تلك المدينة إذ بصرتُ بكتابة عربيَّة على بابها، فتأمَّلتُها، فإذا هي: بسم
    الله الرحمن الرحيم. بسم الله خالقِ الخَلْق، وصاحبُ الرِزْق. ما أعجبَ قصَّتي وأعظم
    محنتي، أفضتني الخطوب وقصدتني النكوب حتَّى بلغتُ هذا الموضع المهيب، ولو كان للبُعْد
    غاية هي أسحقُ من هذا المحل لبلّغني إليها ولم يقنع إلاّ بها. وتحت ذلك مكتوب:

  5. #5
    الصورة الرمزية أنس الحجّار شاعر
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Jun 2005
    الدولة : سوريا - حماة
    العمر : 49
    المشاركات : 778
    المواضيع : 89
    الردود : 778
    المعدل اليومي : 0.11

    افتراضي

    مِنْ سِدَّةٍ لا يموتُ الفتى
    ولكنْ لميقاته يهلكُ
    فسبحانَ مالكَ مَنْ في السما
    والأرضِ حقًّا ولا يُمْلَكُ

    فاجتهدتُ بالمسألة عن الرجل وحاله، فلم يُفْهَمْ عني، ولا فهمتُ أحدٍ منهم، وأقلعنا في عبرِ
    تلك الليلة، وسلَّم اللهُ تعالى، وصرنا إلى بلاد اليمن.
    وحدَّثني رجلٌ من بني نمير يُعرفُ بالأخيْطل، شاعر لقيته بنواحي كوثى بمشهد إبراهيم
    الخليل صلوات الله عليه، قصدها ليمتدح أبا الحسن علي بن مزيد الأسدي، وأنشدني
    شيئاً من شعره وقال: قرأتُ على صخرة بجزيرة قبرس مكتوباً: يقول فلان بن فلان
    البغدادي: قذف بي الزمانُ إلى هذا المكان.

    فهل نحو بغدادٍ مَعادٌ فيشتفي
    مَشوقٌ ويحظى بالزيارة زائرُ
    إلى الله أشكو لا إلى الناس، إنَّه
    على كَشْفِ ما ألقى من الهمِّ قادرُ

    وقال لي شيخ من أهل الكوفة: قرأتُ على ركن قبَّةِ أبي موسى التي عندها هاذين البيتين:

    وليسَ الرزقُ عن طلب التمنّي
    ولكن إلْقِ دَلْوَكَ في الدِلاءِ
    تجيءُ بملْئِها طوراً وطوراً
    تجيءُ بحمأةٍ وقليلِ ماءِ

    وأخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن أبي هذا الكتاب قال حدَّثني أخي قال:
    اجتزتُ بنواحي بلد الروم مما يلي خَرْشَنة، فاجتزتُ بمدينة حسنةِ البناءِ يُحيطُ بها سورٌ
    من حجر أبيض تُخالِطُهُ حُمرة، ومياه تجري من عيونٍ في داخل الحصن، وأشجار كثيرة
    الثمر، وظل ثخين تحت شجرة جوز. فأعجبني الموضع، وجلستُ أحادثُ رجلاً من أهل
    المدينة، يحسن العربية فقال: كان طرأ إلينا شابٌّ ذكر أنَّه من أهل العراق، حسن الوجه،
    نظيف الجملة، غزير الأدب. وكان لا يفارقني. فأقام في بلدنا سنين، ثم مرض فعَلَّلْتُهُ، وقمتُ
    بأمره، فلم يلبث أن مات. فحزنني ودفنته في تلك القبَّة - وأومى بيده إليها - على قبلة
    الإسلام. وكان في مرضه كتب على الحائط من البيت الذي كان فيه، ووصَّى أن يُكتب
    على قبره، فقم لتقرأه. فإذا قد كتِبَ على الحائط:

    تعسَّفتُ طولَ السَّيْرِ في طلبِ الغنى
    فأدركني رَيْبُ الزمان كما ترى
    فيا ليت شعري عن أخلاّيَ هل بكوا
    لفقديَ أم ما منهمُ من به درَى

    قال: فكتبتُ الأبيات وانصرفتُ من الموضع حزيناً.
    وأتى أبو العتاهية باب عمرو بن مَسْعَدة فحُجب، فكتب إليه:

    ما لَكَ قد حُلْتَ عن وفائك
    واسْتَبْدَلْتَ يا عمروُ شيمةً كَدِرَهْ
    إنّي إذا البابُ تاهَ حاجِبُهُ
    لم يكُ عندي في هَجرِه نَظِرَهْ
    لَسْتُمْ تُرَجّونَ للوفاء ولا
    يومَ تكونُ السماءُ مُنْفَطِرهْ
    إلا لدينا كالظِلِّ بَهْجتُها
    سريعةُ الانقضاءِ مُنْشَمِرَهْ
    قد كان وجهي لديكَ معْرِفةً
    فاليوم أضحى حَرْفاً من النَكرهْ
    ما ليَ من حاجةٍ إليك سوى
    تسهيل أذني فإنها عَسِرَهْ

    وقال لي حمزة بن القاسم: قرأتُ على بعض قصور آل المهلَّب:

    نزلتُ على آل المهلّب شاتياً
    غريباً عن الأوطان في زمن المحلِ
    فما زال بي إكرامهم وافتقارُهم
    وبرُّهُمُ حتَّى حسبتمُ أهلي

    ويُقال إنه خرج يحيى بن خالد يوماً من داره راكباً يريدُ دار الرشيد، فمرّ ببعض أفنية
    قصره، وإذا على الحائط مكتوب:

    انعموا آل بَرْمَكٍ
    وانظُروا منتهى هِيَهْ
    وارقبوا الدهرَ أنْ
    يدور عليكم بداهيهْ

    فوجم لذلك ورجع. فدخل عليه أبو نواس في ذله اليوم فأنشده القصيدة التي مدحه بها
    وأوّلها:

    أرَبْعَ البِلى إنّ الخشوعَ لبادي
    عليكَ وإنّي لم أخنك وِدادي

    حتَّى انتهى إلى قوله فيها:

    سلامٌ على الدنيا إذا ما فُقِدْتُمُ، بني
    برمكٍ، من رائحينَ وغادي

    فتطيَّر بذلك أيضاً. فلما كان في اليوم الثاني تحوَّل جعفر إلى الدار التي تخيّر له يحيى نزولَها،
    فإذا هو بهاتف يقول:

    تُدَبّرُ بالنجوم ولستَ تدري
    وربُّ النجم يفعلُ ما يريدُ

    فكان أمرهم قريباً.
    وحدَّثني أحمد بن عبد الله بن علي قال: ذكروا أنَّ أبا فلان المدني كان مُبَخَّلاً، وكان يقرأ
    على مخلاة حماره وقت القضيم سبع مرات "قل هو الله أحد" ويعلقها على الحمار. فلم
    يلبث أن نَفَقَ الحمار. فدفنه وبنى عليه قبَّة كتب على حائطها:

    ألا يا حماراً كان للحُمْر سابقاً
    فأصبح مصروماً على السيب في قبر
    جُزيتَ مع القتِّ الشعيرَ مُغَرْبلاً
    وأسكنك الرحمن في جنَّة الحُمْرِ

    فقيل له: وأين جنَّة الحُمْرِ؟ قال: قَراحُ الرَطْبة. قال: ثم وُجد بعد ذلك على حائط القبَّة
    مكتوباً هذين البيتين:

    الحمدُ لله لا شريكَ له
    ماذا أرى من عجائب الزمنِ
    إنْ كان هذا الحمار في كفنٍ
    وقبَّةٍ، إنَّني بلا كَفَنِ

    فعلم أن بعض الغرباء النقطع به، كتبها
    وحدَّثني أبو عمر يحيى بن عمر قال: حدَّثني شيخ من الكتَّاب - أسماه ونسيت اسمه -
    قال: قرأتُ على حائط من أبنية المتوكل في سرّ من رأى، وأظنُّه من حيطان البيت
    المعروف بالغريب مكتوباً:

    أُنفقتِ الأموالُ واسْتُنْفِدَتْ
    وشُيّد البنيانُ للدهْرِ
    فحين تمَّ الأمرُ في مُلْكهمْ
    صاحَ بهم حادٍ إلى القَبْرِ
    فصيَّر الدورَ خلاءً ولم
    يُمْهلْ أخا عزٍّ ولا قَهْرِ

    وعلى ذكر سرَّ من رأى حدَّثني أبو بكر محمد بن عبد الله الأصفهاني الكاتب قال:
    حدَّثتني عجوزٌ من جواري الواثق قالت: كنتُ ممن يأنسُ بها المقتدر وينبسطُ إليها. وكان
    من أحسنِ خَلْقِ الله تعالى ضرباً بالعود، وأشجاهم صوتاً. وكان شديد الكتمان لذلك،
    فإذا خلا مع جواريه وخواصّه ومعي ضرب وغنَّى، فينصت كلّنا إلى غنائه، ويلحقنا من
    الحيرة ما يُبكينا ويذهب بعقولنا. فغنَّى يوماً صوتاً لن تعرفه جارية ولا عرفْتُهُ. فلم نزل
    نستعيده حتَّى حفظناه. وكانت طريقته خفيف ثقيل، وهو:

  6. #6
    الصورة الرمزية أنس الحجّار شاعر
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Jun 2005
    الدولة : سوريا - حماة
    العمر : 49
    المشاركات : 778
    المواضيع : 89
    الردود : 778
    المعدل اليومي : 0.11

    افتراضي

    إنعمْ بحُسْنِ البديعِ الكاملْ
    ما دامَ ريْبُ الزمانِ كالغافلْ
    كأنَّني ناظرٌ إلى زمني
    ما هو من بعد ميتتي فاعلْ
    يا سرّ مَنْ رأى سقتكِ غاديةٌ
    من الغوادي غزيرةُ الوابلْ

    فقلنا: يا مولانا، ممن سمعت هذا الصوت، فإنَّا لا نعرفه؟ فقال: أنشدني هذه الأبيات
    المعتضدُ بالله، قال أنشدنيها الموفَّقُ، قال: أنشدني الواثق لنفسه، واللحنُ لي. فحفظتْهُ
    الجواري. فقلنا شعرُ خليفة، ورواية خليفة، ولحنُ خليفة. ومضى له زمان كَقِطَعِ الرّياض.
    وبسُرّ من رأى آثار حسنةٌ وأبنيةٌ عظيمة للمتوكّل والمعتمد وغيرهم من بني العبّاس،
    بعضُها باقٍ إلى اليوم. وحدَّثني بذلك جماعة منهم أبو عمر يحيى بن عمر قال: قرأتُ في
    بعض الدواوين أنَّ المتوكّل أنفق على أبنيته وقصوره والمسجد الجامع ومتنزهاته في خلافته
    بسُرَّ من رأى وأعمالها ما لا يُعلم أنَّ أحداً أنفق على بناء مثله. مبلغُ ذلك من العَيْن مئة
    ألف واثنان وخمسون ألف دينار.
    فمن ذلك القلاّية خمسون ألف دينار، والآن بها مئة ألف دينار، ومن الورق مئة ألف ألف
    وثلاث وسبعون ألف ألف وخمسون ألف درهم.
    ومنها الشاه: عشرون ألف ألف درهم.
    العروس: ثلاثون ألف ألف درهم.
    البُرج: ثلاثة وثلاثون ألف ألف درهم.
    البركة: ألفا ألف درهم.
    الجوسق الإبراهيمي: ألفا ألف درهم.
    المختار: خمسة آلاف ألف درهم.
    الجعفريّ المحدَث: عشرون ألف ألف درهم.
    الغريب: عشرون ألف ألف درهم.
    الشيدان: عشرون ألف ألف درهم.
    البديع: عشرة آلاف ألف درهم.
    المليح: خمسة آلاف ألف درهم.
    الصبيح: خمسة آلاف درهم.
    التلّ: خمسة آلاف درهم.
    الجوسق في ميدان الصحن: خمسمائة ألف درهم.
    بركوار: عشرون ألف درهم.
    المسجد الجامع: خمسة عشر ألف ألف درهم.
    الغرد بدجلة: ألف ألف درهم.
    القصر بالمتوكليّة: خمسون ألف ألف درهم.
    اللؤلؤة: خمسة آلاف ألف درهم.
    النهر بالمتوكليّة: خمسة وعشرون ألف ألف درهم.
    وبنى المتوكل بعد ذلك للمعتزّ البيت المعروف بالكامل، ولم أعرف مبلغ النفقة عليه. وبنى
    المعتمدُ المعشوق، والبيتين المعروفين بالغَنِج والبَهِج.
    وذكر سهل بن عليّ قال: حدّثني داود بن رشيد قال: أخبرني الهيثم بن عديّ قال:
    أصبتُ على صخرةٍ ملساء بأرض العرب مكتوباً:

    فمن حمدَ الدنيا لعيشٍ يسُرُّهُ
    فسوف لعمري عن قليل يلومُها
    إذا أدبرتْ كانت على المرءِ حَسْرَةً
    وإن أقبلتْ كانت قليلاً نعيمُها

    ويقال إنَّه قُرئ على ميلٍ بطريق.... حرسها الله تعالى:

    ألا يا طالبَ الدنيا
    دعِ الدنيا لشانيكا
    فما تَصْنَعُ بالدنيا
    وظِلُّ الميل يكفيكا

    وقرأت أنا أيضاً على حائط بُستان على نهر الأُبّلة هاذين البيتين:

    وما زاد قربُ الدار إلاّ صبابةً
    إليكِ، ولكنَّ المزارَ بعيدُ
    فلا يُبْعدنكِ الله يا فَوْزُ إنَّني
    أبيتُ وقلبي باللقاءِ عميدُ

    وتحته مكتوب:
    إن كان لك بختٌ سَتَفْطن، وإن فطنتْ وتغافلتْ فما حيلتي؟
    قال: ولمَّا خرج الرشيدُ إلى الريّ أخذَ أخته عُلَيّةَ. فلمَّا صار بالمرجِ عملتْ شعراً
    وصاغتْ فيه لحناً من الرَّملِ. وكتبتْ الأبيات ليلاً على بعض الفساطيط في طريق
    الرشيد. فلما دخل إلى مضرب الحرم بَصُرَ به، فقرأه، وإذا هو:

    ومُغْتَرِبٍ بالمرج يبكي لِشَجْوه
    وقد غابَ عنه المُسعِدون على الحبِّ
    إذا ما أتاهُ الرَّكبُ من نحو أرضِهِ
    تنشَّقَ يستشفي برائحةِ الركبِ

    فلمَّا قرأه علم أنَّه من فِعل عُلَيَّة، وأنَّها قد اشتاقتْ إلى العراق، وإلى أهلها. فأمرَ بردِّها.
    وذُكر أنَّ أبا الهنديّ دخل إلى خمَّار بموضع يقال له كوى زيان وتفسيره سكَّة الخسران،
    وعنده جماعة. فاصطبح، فسَكِرَ قبلهم، فنام. وقالوا: ما فعل؟ فأعلمهم. فقالوا: ألحِقْنا
    به. فشربوا حتى ناموا، واستيقظ أبو الهنديّ فرآهم، فسأل عنهم، فعرف حالهم. فقال:
    ألحِقني بهم. وانتبه القومُ، وأخبرهم الخمَّار خبرَه. فقالوا: ألحِقنا به. فأقاموا عشراً لا
    يلتقون. فلمَّا أراد أبو الهنديّ الانصراف قال لهم: يا إخواني، قد طال مقامُنا بدار واحدةٍ
    من غير اجتماع ولا مُعاشرة، وقد أزفَ رحيلي فهل لكم في مساعدة على وشوج حالٍ بيني
    وبينكم؟ فقالوا: نحن أشهى لهذا منكَ وأحرصُ عليه أيضاً. فشرب أبو الهنديّ معهم يومه
    أجمع وقال في ذلك:

    الآن تمَّ ليَ السرورُ بقُرْبكمْ
    وعلمتُ أنَّ الدهرَ قد واتاني
    حانَ الرحيلُ وحال دون لقائكم
    صَرْفُ الزمان وطارقُ الحدثانِ
    فعليكمُ منِّي السلام مُضاعفاً
    توديع ذي شَغَفٍ بكم حَيْرانِ

    فلما عزم على الرحيل كتب على جدار البيت الذي كان فيه:

    ندامى بعد عاشرةٍ تلاقوْا
    تضمّهم بكوى زيّان راحُ
    رأوني في الشروق على وسادي
    يفيض بمهجتي وُدٌّ مُباحُ
    فقالوا: أيُّها الخمَّار مَنْ ذا؟
    فقال أخٌ تخوَّنَهُ اصطباحُ
    فقالوا: قمْ، وألحِقنا، وعَجِّل
    به إنَّا لمصرعنا نُراحُ
    وحان تَنَبُّهي فسألتُ عنهم
    فقال أتاحهم قَدَرٌ مُتاحُ
    فقلتُ له فسرِّعْ بي إليهم
    حثيثاً فالسّراحُ هو النجاحُ
    فما إن زال ذاك الدأبُ منَّا
    إلى عشرٍ نفيقُ ونُستباحُ

    قال: وكان هارون الرشيد أنفذ إسحاق بن عمّار إلى ملك الروم في السنة التي نزل فيها
    الرقَّة. فوجد في صدر مجلسه هذه الأبيات مكتوبة بالذهب:

    ما اختلَفَ الليلُ والنهارُ ولا
    دارت نجومُ السماءِ في الفلكِ
    إلاّ لنقْل النعيم عن مَلِكٍ
    قد زال ملكُه إلى مَلِكِ
    ومُلْكُ ذي العرش دائمٌ أبداً
    ليس بفانٍ ولا بمشتركِ

    وحدَّثني أبو عبد الله أحمد بن جيش قال: حدَّثني ابن أبي الأزهر، عن مشايخه قال:
    اجتزتُ بماسَبَذان، فوجدتُ على صخرة بالقرب منها خرشاً:
    حضر المُمْتَحَنُ بدهره، المتحيِّر في أمرِهِ، وهو يقول:

    صبرتُ عن اللذات لما تولَّت
    وألزمتُ نفسي صبرها فاستمرَّتِ
    وما المرءُ إلاّ حيثُ يجعل نفسَه
    فإن أُطعِمتْ تاقتْ وإلاّ تَسَلَّتِ

    وحدَّثني أبو الحسن عليّ بن محمد الخوزي الكشي قال: بلغنا أنَّ أبا نواس لما حضرتْه
    الوفاة قال: اكتبوا هذه الأبيات على قبري:

    وَعَظَتْكَ أجداثٌ صُمُتْ
    ونعتْكَ أزمنةٌ خفتْ
    فتكلَّمتْ عن أوجهٍ
    تَبْلى وعن صورٍ سُبُتْ
    وأرتْكَ قبرك في القبو
    رِ، وأنتَ حيٌّ لم تَمُتْ

    وحدَّثني أبو القاسم عيسى بن أحمد المنجّم قال: دخلتُ في طريقي إلى سيف الدولة
    الرقَّة، فنزلت بالقصر الأبيض، وآثار الرشيد به باقية. فخرجتُ أطوف ببساتينها وأبنيتها.
    فلما حصلتُ بالقصر الأبيض رأيتُ على بقيَّة جدار منه مكتوباً:
    حضر عبد الله بن عبد الله، ولخطبٍ ما كتمتُ نفسي وعمَّيتُ بين الأسماء اسمي، في
    سنة خمس وثلاث مائة وهو يقول: سبحان من ألهم الصبر في البليّة، وحلم عن عقوبة أهل
    الظلم والجبريّة. إخوتي، ما أذلَّ الغريب وإن كان في صيانة، وأشجى قلبَ المُفارق وإن أَمِن
    الخيانة، وأمور الدنيا عجيبة، والأعمار فيها قريبة:

    وذو اللبّ لا يلوي عليها بطَرْفة
    ولا يقتنيها دار مُكثٍ ولا بقا
    تأمَّلْ ترى بالقصر خلقاً تحسّه
    خلا بعد عزٍّ كان، في الجوِّ قد رقا
    وأمرٌ ونهيٌ في البلاد ودولةٌ
    كأنْ لم يكن فيه، وكان به الشقا

    فكتبتُ ذلك على جانب دفترٍ كان معي، وحدَّثتُ به سيف الدولة عند وصولي إليه،
    فاستحسنه وأجازني على حفظه.
    وحدَّثني شيخ رأيتُه في مجلس أبي الطيِّب أحمد بن الحسين المتنبِّي، قال: حدَّثني أبي قال:
    كنتُ أخدم عبد الله بن المعتزّ، فخرج يوماً يتنزَّه ومعه ندماؤه. وقصد باب الحديد وبستان
    الناعورة، وكان ذلك في آخر أيامه، فرأيته وقد أخذ خرقةً وكتب على الجصّ:

    سقياً لظلَّ زماني
    وعيشيَ المحمود
    ولا كليلة وصلٍ
    مرَّت برغم الحسود

  7. #7
    الصورة الرمزية أنس الحجّار شاعر
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Jun 2005
    الدولة : سوريا - حماة
    العمر : 49
    المشاركات : 778
    المواضيع : 89
    الردود : 778
    المعدل اليومي : 0.11

    افتراضي

    فحفظتُ البيتين وانصرفنا. وضربَ الدهرُ ضَرَباته، وقُتل أبو العباس. وعدتُ بعد سنين
    إلى بغداد، فقُضي لي دخول البستان، وإذا البيتان بخط أبي العباس قد خفيا، وبقي أثرٌ
    منهما، وإذا تحته مكتوب:

    أفٍّ لظلِّ زماني
    وعيشيَ المنكودِ
    فارقتُ أهلي وداري
    وصاحبي ووَديدي
    ومَنْ هويتُ جفاني
    مُطاوعاً للحسودِ
    يا ربّ موتاً وإلاّ
    فراحةً من حَسودِ

    حدَّثني أبو عمر يحيى بن عمر، قال: حدَّثني أبي قال: حدَّثني أبو مسلم عن الأصمعيّ قال:
    قرأتُ على الألواح التي على القبور فلم أرَ كبيتين استخرجتُهما من لوحٍ وهُما:

    مقيم إلى أن يبعثَ الله خلقه
    لقاؤك لا يُرْجى وأنت قريبُ
    تزيد بلًى في كلِّ يوم وليلةٍ
    وتُنسى كما تُسلى وأنتَ حبيبُ

    وقال لي أبو الحسن الواسطي الصوفي: قرأتُ على حائط بدرزيجان: حضر فلان بن فلان
    الدمشقي وهو يقول:

    لئن كان شَحْطُ البيْن فرَّق بيننا
    فقلبيَ ثاوٍ عندكم ومقيمُ

    وخرجنا يوماً من دارنا بكرم المعرش، فاجتزتُ بدار أبي محمد المادرائي الكاتب. وقد
    كان الخرابُ استمرَّ عليها، فرأيتُ على الجصّ مكتوباً:

    يا مَنْزِلَ القومِ الذين
    تفرَّقتْ بهم المنازل
    أصبحت بعد عمارةٍ
    قَفْراً تخرّقك الشمائل
    فلئن رأيتُكَ موحشاً
    فيما رأيتَ وأنتَ آهل

    وذكر إبراهيم بن حميد العطَّار قال: لما أصابت علي بن الجهم الجراحات في طريق الشام
    كان فيما يهذي به الليلَ:

    ذكرتُ أهل دُجيْلٍ
    وأين منِّي دُجَيْلُ
    هل زاد في الليل ليلٌ
    أم سال بالصبحِ سَيْلُ

    ولما مات وُجد هذا الشعر قد كتبه على الحائط:

    يا رحمتةً للغريب في البلد النَّا
    زِحِ ماذا بنفسه صَنَعا
    فارقَ أحبابَهُ فما انتفعوا
    بالعيشِ من بعدِهِ وما انتفعا

    وحدَّثني أبو الحسن بن مروان الأندلسي، شيخ لقيتُه في مجلس أبي بكر محمد بن الحسن بن
    مقسم قال: اجتزتُ في طريقي إلى العراق بمدينةٍ يقال لها ظفار. ودَعَتْني الضرورة إلى المقام
    بها أسبوعاً. فكنتُ في كلِّ يوم أطوف أقطارها وأقصد مَنْ كان بها على مذهب
    الشافعي. فاجتزتُ يوماً في قصر منها خراب، قديم البناء، فإذا على بابه مكتوب بحبر:
    حضر محمد بن محمد بن عبد الله بن داود الطبرسي هذا الموضع في سنة أربع وثلاثمائة
    وهو يقول:

    يا مَنْ ألحَّ عليه الهمُّ والفِكْرُ
    وغيَّرتْ حالَه الأيامُ والغِيَرُ
    أمَا سمعتَ بما قد قيل في مَثَلٍ
    عند الإياس فأينَ الله والقدَرُ
    نم للخطوب إذا أحداثُها طَرَقَتْ
    واصبرْ فقد فاز أقوامٌ لها صبروا
    وكلُّ ضيقٍ سيأتي بعده سَعَةٌ
    وكلُّ فَوْتٍ وشيكٌ بعده الظَّفرُ

    وتحته مكتوب بغير ذلك الحبر والخطّ:
    حضر القاسم بن زرعة الكَرَجي في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، وقرأ الأبيات وهو يقول:
    لو كلّ من صبر أُعقبَ الظفر، صبرتُ، ولكن نجد الصَّبر في العاجل يُفني العمر. وما كان
    أولى لذي العقل موته وهو طفل، والسلام.
    وحدَّثني أبو الفرج عبد الله بن محمد الناقد المحدّث قال: حدَّثنا عمي قال: اجتزتُ
    بنيسابور، فرأيتُ بلداً عظيماً آهلاً، فأقمتُ به أيَّاماً. فأنا يوماً بالجامع أركعُ إذ دخل فتًى
    حسن الشباب رثُّ الحال عليه أثر الشقاء والغربة، فركع ركعتين إلى جانبي، ثم جلس
    يحدِّثُني ويسألني عن حالي. فأخبرته أنَّني رجلٌ من العراق. فتنفَّس الصُّعداءَ، ولم يزل يسألني
    عن موضعٍ موضع منها، وشيخٍ شيخٍ من أهلها وأنا أجيبُه. فلما قطع مسألتي قلت له:
    جُعلتُ فداك! أراك خبيراً ببغداد، فمن أنت؟ قال: أنا رجلٌ من أهلها. فاجتهدتُ أن
    يزيدني على هذا شيئاً فلم يفعل. فقلتُ: وما الذي جاء بك إلى ها هنا؟ قال شقاء جدٍّ
    ونقصان حظٍّ. فأوجع قلبي. فقلت له: إن كنتَ، أيَّدك الله، تحتاج إلى نفقةٍ تفضَّلتَ
    بالانبساط إليَّ، وإنْ أحببتَ أن تكتبَ بذكرك إلى بغداد فافعل. فقال لي: أيُّها الرجل! أين
    يُذهب بك؟ لو انقادت نفسي إلى دون هذا الوطن أولى من الغربة، وأنشأ يقول:

    ولكنِّي أبِيُّ النفسِ جدًّا
    ولو ظمئت إلى الماءِ القَراحِ

    وعلى الحالات فأنت مشكور، وقد اعتددتُ بعارفتك، وأنستُ بمحادثتك. وعرض لي
    شغل فقمتُ وتركتُه في الموضع. فلما عدتُ لصلاة الظهر لم أجده. ووجدت في موضعه
    مكتوباً على الحائط:

    لو ماتتِ النفسُ من جوعٍ ومن كمدٍ
    لما شكوتُ الذي ألقى إلى أحدِ
    يا ليتني كنتُ أدري ما الذي صَنَعَتْ
    بعدي الحوادثُ بالأهْلين والولدِ
    وبالحبيبِ الذي ودَّعتُه فبكى
    وقال: ما دار هذا منك في خَلَدي
    لو كنتُ أعلمُ أنَّ البَيْنَ مقتربٌ
    ما كنتُ أصغي إلى عُذْرٍ ولا فَنَدِ

    فأعجبني قوله. ثم طلبتُه بعد ذلك في البلد، فلم أرَ له أثراً.
    وقال لي رجلٌ من أهل بيروت: اجتزتُ بمدينة صور فقرأتُ على سورها: حضر فلان بن
    فلان وهو يقول:

    دع الدنيا فإنِّي لا أراها
    لمن يرضى بها داراً بدارِ
    ودار إنَّما الشهوات فيها
    معلَّقة بأيام قِصارِ

    ويقال إنَّه وُجد كتابة منقورة في جبل بناحية اصطخر هذه الكلمات: ربّ مَغْبوطٍ بنعمةٍ
    وهي داؤه، ومرحومٍ من سَقَمٍ هو شفاؤه، ومحمود علي رخاءٍ بلاؤه.
    وحُكي عن سويد بن جعفر الكوفيّ قال: قرأتُ على حجر منقور على باب الحيرة: مَنْ
    يعمل اليوم لدار البقاء يجزيه مولاه غداة اللقاء. فاجتهدِ اليوم بحسن التُقى تَنْجُ به من شرِّ
    دار الشقا.
    قال: وقرأتُ على مسجدٍ قد سُدَّ بابُه وانهدمتْ مواجبه:

    أفنى جميعَهمُ وبدَّدَ شملَهمْ
    ملكٌ تَفَرَّدَ بالبقاءِ عزيزُ

    وقال: قرأتُ على حائط بستانٍ بنواحي الرقَّة:

    كيف يصفو سرورُ مَنْ ليس يدري
    أيَّ وقتٍ يفجَأُهُ رَيْبُ المنونِ

    ويقال إنَّه قُرئ على باب خِربةٍ:

    أرى كلَّ مغرورٍ يُحدِّثُ نفسَه
    إذا ما مضى عامٌ سلامةَ قابلِ

    وحدَّثني أبو بكر محمد بن عمر قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد ابن الفضل النحوي، قال:
    حدَّثني بعض بني حمدون عن شيوخه قال: كنتُ مع المتوكل لمَّا شخص إلى الشام، فلما
    صرنا بحمص قال أريدُ أن أطوف كنائسَ الرهبانِ كُلَّها، والموضع المعروف بالفراديس إذا
    وصلنا إليها فإني كنتُ أسمعُ بطيب هذا الموضع. فقلتُ: الرأيُ ما رآه أمير المؤمنين. ثم إنَّا
    أُنزلنا منزلاً بين كنائس عظيمة وآثار قديمة، ترتاح النفوسُ إليها، ويشتهي من ينزلُها ألاّ يرتحل
    عنها. فلما استراح من نصبِ الركوبِ استدعاني وقال: هل لك في التطواف؟ قلت: كما
    أمرَ أمير المؤمنين. فأخذ بيدي، ولم يزل يستقري تلك الكنائس والديارات، ويُشاهدُ فيها من
    عجائب الصور وفاخرِ الآلة، ويرى من أحداثِ الرهبان وبنات القِسِّيسين وجوهاً كأنَّها
    أقمارٌ على غُصون، تَتَثَنَّى في تلك الأروقة والصحون. وكلَّما مرَّ بنا شيءٌ من ذلك يقولُ لي:
    ترى ويحك ما نحنُ فيه؟ ما شاهدتُ مثل هذا قطّ. ثم خلونا براهبٍ من قوَّام الكنيسة،
    فلم يزل المتوكّل يسأله عن حال كلّ جاريةٍ وغُلام يمرُّ به، واسمه ونسبه، وهو يمشي، إذا لمح
    كتابةً على حائط الكنيسة، فقربنا من ذلك فإذا هو:
    حضرَ الغريبُ المشرَّدُ الحريب وهو يقول: شُتِّتَ شملي بعد الأُلفة، وشقيَ جسمي بعد
    الكلفة، ومشيتُ من العراق إلى هذا الرواق، وارتحلتُ عنه في ذي الحجّة من سنة إحدى
    ومائتين، وأنا أقول:

    آل أمري إلى أخسِّ الأمور
    وتبدلت كربةً بسرور
    واعترتْني من الزمان خُطوبٌ
    تتبارى في هتكة المستور
    نفسُ صبراً لحادثات الليالي
    كلُّ شيءٍ يذلُّ للمقدور

  8. #8
    الصورة الرمزية أنس الحجّار شاعر
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Jun 2005
    الدولة : سوريا - حماة
    العمر : 49
    المشاركات : 778
    المواضيع : 89
    الردود : 778
    المعدل اليومي : 0.11

    افتراضي

    فقال: ويحك! ما أطرف هذا المسكين، وما أحرقَ هذا الأنين، ونحن في ذلك إذ مرَّتْ بنا
    جاريةٌ ما رَمَقَتْ عيني لها شبيهاً، وعليها جوب وفي يدها دخنةٌ تدخّن بها. فقال هلا
    المتوكّل: تعالي يا جارية. فأقبلت بحسن أدب وكمالٍ. فقال للراهب: من هذه؟ فقال:
    ابنتي. قال: وما اسمها؟ قال: سعانين. قال المتوكّل: اسقيني ماءً. فقالت له: يا سيِّدي
    ماؤنا ها هنا من ماء الغدران، ولست أستنظف لك آنية الرهبان، ولو كانت حياتي ترويك
    لجدتُ بها لك. ثم أسرعت فجاءت بكوزٍ من فضة فيه ماء، فأومى إليَّ أن أشربه،
    فشربتُه. واشتدَّ عجبه بها وشهوته لها. فقال لها: يا سعانين! إنْ هويتُكِ تسعديني.
    فتنفَّستْ وقالت: أمَّا الآن فأنا عبدتُكَ، وأمَّا إذا عرفتُ صحَّة حبّكَ، وتمكَّنتُ من قلبك،
    فما أخوفني من حدوث الطغيان عند تمكُّن السلطان. أما سمعتَ قول الشاعر:

    كنتَ لي في أوائل الأمر عَبْداً
    ثم لمَّا ملكتَ صرتَ عَدوَّا
    أين ذاك السرورُ عند التلاقي
    صار مني تجنُّباً ونُبوَّا

    فطرب المتوكّل وكاد يشقُّ قميصَه. ثم قال لها: فهبي لي نفسك اليوم حتى نشرب أنا وأنتِ،
    فإنِّي ضيفك. قالت له: بالرحب والسّعة. ثم صعدت بنا إلى علّيةٍ مشرفةٍ على تلك
    الكنائس كلّها، فرأينا منظراً حسناً. ثم مضتْ فجاءت بآدامٍ نِظاف ورِقاق، وكأنَّ المتوكل
    عافها لعزَّة الخلافة، فاستأذنها في إحضار طعام، فأذنتْ. فجيء بخروف وسنبوسج
    وأشياء قريبة المأخذ من طعامٍ مثله. فاستظرفتْ ما جيء به، واستهولت الآلة، ففطنتْ
    لأمر المتوكّل فقامت قائمةً بين يديه تخدمه وتكفّر له. فمنعها. ثم جاء أبوها بشراب من
    بيت القربان، ذكر المتوكل أنَّه لم يرَ مثله قطّ. فشرب وشربت معه، واستعفيته من أجل
    حُمَّى كانت لحقتني في تلك الليلة. فأعفاني. وسُرَّ بها وبظرفها، وحلاوة منطقها، سروراً
    تامًّا. فلما أخذ الشراب منها قالت: أُغنِّيك يا سيِّدي من غنائنا، على ضعف الصنعة؟
    فكاد أن يهيم، وقال: إن فعلتِ كَمُل والله ظرفُكِ. فقامت فجاءت بشيءٍ يسمُّونه القيقارة
    كذا، وضربتْ واندفعتْ تغنِّي:

    يا خاطباً منِّي المودَّة مرحباً
    سمعاً لأمرِك لا عدمتُك خاطبا
    أنا عبدةٌ لهواك فاشربْ واسْقِني
    واعْدلْ بكأسِكَ عن خليلِك إنْ أبى
    قد، والذي رفَعَ السماءَ مَلَكْتَني
    وتركتَ قلبي في هواك مُعذبَّا

    فنعَرَ المتوكّل وقال لي: ويلك! أميِّتٌ أنت؟ فانتبهْتُ، وعلمتُ أنَّني قد أخطات في ترك
    مساعَدَته. فأخذتُ رطلاً، فلم أزل أشربْ حتى لحقتُه. ومضى لنا يوم كان في الأيام فردا.
    ثم أرغبَها المتوكّل فأسلمتْ، وتزوَّجها. ولم تزلْ حظيَّةً عنده إلى أن قُتل وهي في داره.
    حدَّثني أبو محمد حمزة بن القاسم قال: حدَّثني رجلٌ من أهل الفسطاط قال: كنتُ ممَّن
    يدرسُ كتب المطالب ويقفو آثارها. ويُسافر إلى مواضعها، أنا وجماعةٌ من أهل مصر. فوقع
    إلينا في بعض الكتب خبرُ مَطْلَبٍ عظيم الشأن في بلاد اليونانية، بينه وبين مصر مسيرة ثلاثة
    أيام في طريق غير مسلوك. فأخذنا صفه وتزوَّدنا وسِرنا بين آكامٍ وجبالٍ ورمالٍ خفناها،
    حتى إذا مضت ثلاثة أيام أشرفنا على سورٍ عظيمٍ منقور من حجرٍ أبيض كالثلج فيه تلميعُ
    أسود كالجنازير التي تكون على السور، فكبَّرنا الله جلَّ اسمه وحمدناه. فلما قربنا من أحدِ
    أركان الحصن إذا عليه كتابة في بياض الحجر بسواد:
    بسم الله الرحمن الرحيم. يقول فلان بن فلان بن فلان: من وصل إلى هذا الموضع بعدي
    فليعجب من قصَّتي، وليرْثِ لمحنتي، خرجتُ هارباً من الإملاق، وتضايق الأرزاق، فعُدل بي
    عن السداد، وتهتُ في البلاد، وبلغ بي الدهر إلى هذا القصر:

    فيا ليتَ شعري متى ينقضي
    عَنائي وتُكشفُ عنِّي المحنْ
    شريداً طريداً قليلَ العزا
    ءِ سحيقَ المحلِّ بعيد الوطنْ

    فاستطرقنا أن تكون الغربة بلَّغتْ إنساناً إلى ذلك المكان. ثم درنا حول السور نطلب
    الباب، وإذا هو قد خفي علينا من نسج الرياح عليه الغبرة والقتام، ثم بانَ لنا، فلم نزل
    نكشف عنه حتى ظهر قفله وعتبتُه، وإذا هما مصراعان من جزع عليهما قفل ذهب
    عظيم، وإذا على الباب مكتوب:

    قد بَنَيْنا وسوف نَفْنى ويَبْقى
    ما بَنينا من بَعْدنا أزمانا
    ليس يبقى على الزمانِ سوى
    الله الذي لا نراه، وهو يرانا

    فعجبنا من الشعر أيضاً. ولم نزل نعمل الحيلة في القفل حتى فششناه وفتحنا المصراعين،
    فحين فعلنا ذلك سمعنا صيحةً عظيمة هالتنا من داخل القصر، وجَلَبَةً أفزعتْنا، ودويًّا
    حيَّرنا. فتوقَّفنا عن الدخول. ثم علمنا أنَّ ذلك من عمل الجنّ. ثم رجعنا إلى صفة
    المطلب فوجدناها تدل على أنَّ فيه طِلَّسماً مخوفاً عظيم الشأن، فعلمنا أنَّ الأمر من
    جهته. فدخلنا فإذا أبنيةٌ قديمةٌ عظيمةٌ، وآثار مهولةٌ، وحيَّاتٌ أزلية. فتوقَّفنا، ثم لم نزل
    نتسلَّل إلى أن وصلنا إلى صحنٍ في صدره قبَّةٌ عظيمةٌ عاليةٌ من صخرٍ، يكون داخلها ثلاثين
    ذراعاً في مِثلها، في صدرها سريرٌ من ذهب، عليه شخصٌ ميت، حزرنا طوله خمسة عشر
    ذراعاً. وإذا في وسط القبَّة شخصٌ ماثلٌ من نحاس، تام القامة بعينين تدوران في رأسه،
    قبيح المنظر، وحركاتٍ في أطرافه، لا يشكّ من يراه أنَّه حيوان. وإذا الصيحة من جهته،
    والدَويُّ من تلك البقعة. وفي يده سيفٌ مُشهرٌ لم نرَ أتمَّ منه، وهو رافعٌ بيده لا يعمل شيئاً إلا
    أن يحرِّك عينيه، ويلتفت رأسه كالحذِر. حتى إذا وضع أحدنا رجله على أرض القبَّة في
    سائر أقطارها، أدارها كأسرع ما تدور رحى الماء، وضرب بالسيف يمنةً وشمالاً وتجاهاً
    ووراءً كما يفعل اللاعب بالمخراق، ضرباً أسرع من الريح. فمهما قَرُب منه قدّه وأهلكه من
    سائر نواحيه. وإذا الكنز في أرض القبة تحت الطِلّسْم، فلم نزل نعمل في قلعه كلُّ حيلةٍ
    بالرجم بالحجارة، وغير ذلك، وهو أحكم من هذه الحال، إلى أن قَرُب الليل، وخفنا
    الأفاعي التي في القصر، فخرجنا ولم نحظَ إلاّ بقفل الذهب، فإنَّه كان فيه نحو خمس مئة
    مِثقال. وإذا على صدر الطلسم كتابةٌ يلوح فيها هذان البيتان:

    تَعَبٌ يطولُ لطامعٍ في نَيْل ما
    أمسيتَ جامعة فقل لا تطمع
    واسترزقِ الله العليّ مكانه
    ودعِ التطلُّبَ للمطالبِ واقْنعِ

    وانصرفنا راجعين إلى مصر، وآليتُ أن لا أسافر في طلب الكنوز بعدها.
    حدَّثني فتًى من أهل الموصل قال: كنتُ سائراً بالساحل في طريق مكة، وإنِّي لفي بعض
    الطريق إذ سمعتُ صوتاً - ولا أرى أحداً - وهو يقول:

    نفسي الفداءُ لنفْس كلِّ غريبِ
    وفداءُ كلِّ مُفارقٍ لحبيبِ
    لعبتْ به الأيَّامُ في تصريفها
    ونأت به عن صاحبٍ وقريبِ

    فحفظت البيتين، ولما وصلتُ إلى جبلٍ بالقرب من الموضع كتبتهما على جانبه. ومضيت
    فأقمتُ بالرملة شهوراً، وعدتُ فاجتزتُ بالموضع الذي كنتُ كتبتُهما فيه، فإذا تحته
    مكتوب:

    نحنُ نفديكَ يا ظريفَ الفعالِ
    أبداً بالنفوسِ والأموالِ
    أثقلتْنا الأبياتُ بالشكر حتى
    قدْ ضعفنا عن نيلهِ بمقالِ
    أنا ممن نأى وفارَقَه الإلْ
    فُ فأمسى مُغَيَّرَ الأحوالِ
    ولعلَّ الزمان يرحمُ ضَعفي
    فتعودُ الأيَّامُ لي بالوصالِ

    ولا أدري لمن الشعر الأول والثاني.
    حدَّثنا أبو الحسن علي بن عبد الله الواسطي الصوفي - وكان حلواً من بين الصوفية -
    قال: اجتزتُ بسرّ من رأى يوماً. فقصدت المسجد الجامع، فإنِّي لعلى نحو من ثُلث المنارة
    أقرأ خطوط الناس بحضورهم فأعجب من كثرتها إذ قرأت بين الخطوط: حضر الهاربُ من
    الله إليه، والمتوكِّلُ في كلِّ خطبٍ عليه، وهو يقول: يا كاشفَ الكرْبَة عن أيوب، ومُرسل العير
    إلى يعقوب، فرِّج هموم الكَمِدِ المكروب، وارزُقْه من فضلك يا وَهوب. وفي موضع آخر
    مكتوب على الجص: حضر عليّ بن جابر الرازي وهو يقول: معاشر الغرباء والمجتازين! لمَ
    اللجاجةُ عادةُ المحبوبين، والخلافُ خلق المعشوقين؟

    خبِّرونا هداكمُ الله هذا
    قد سألنا عن ذاك أهلَ العلومِ
    فأجابوا بغير شيء عرفنا
    ه، ولم يشف ما بنا من كُلومِ
    عجّلوا بالجواب حيَّاكم الله
    ومنُّوا به على المهمومِ

    فلم أدرِ ما أكتبُ به، وتقاصرت نفسي إلى أن يكون رجل من أهل الريّ يسأل أهل العراق
    عن شيء، فلا يسرعون إلى الجواب عنه. فانصرفتُ مغتاظاً.
    قال صاحب هذا الكتاب: وشخصتُ إلى باجِسْرا في بعض المتصرّفات فأقمتُ بها مدَّةً
    طالت في غير فائدة. ثم أردت الانحدار عنها. فأعوزني ذلك لمحاصرة بني شيبان إيَّاها.
    فكنتُ ألازم المسجد الجامع لأنَّه كان مطلا على سامرَّا، وله فسحة. فحضرتْني هذه
    الأبيات فكتبتها على حائط المسجد، وهي:

    أقولُ والنفسُ ألوفٌ حَسْرى
    والعينُ منْ طولِ البكاءِ عَبْرى
    وقد أنارتْ في الظلامِ الشِّعْرى
    وانْحدرتْ بناتُ نعشِ الكُبْرى
    يا ربّ خلِّصْني من باجِسْرى
    وابدِلْ بها يا ربِّ داراً أخرى

    ثم فرَّج الله تعالى، وانصرفتُ منها سليماً.
    وحدَّثني أبو محمد حمزة، قال: حدَّثني نصر بن أحمد الخبز أرزي الشاعر، قال: كان عندنا
    بالبصرة شيخٌ قد عاشر الناس وخدم الملوك. وكان مليحَ المجلس، يقول الأبيات من الشعر.
    قال: كنتُ ببغداد فخرجتُ يوماً وأنا مخمورٌ أتنسَّم الهواء على كَرْخَايا، إلى أن بلغتُ إلى
    عبَّارة الياسمين فجلستُ عليها، ومددت رجليَّ في الماء. فأنا قاعدٌ وإذا بفتىً قاعد، عليه
    أطمارٌ رثَّة، ومعه دفتر ومحبرة قد جاء فجلس بالقرب منِّي ينسخُ. فقلتُ: هذا والله هو
    الإدبار بعينه يا فتى، لمَ قد رضيت لنفسك، مع حسنك وجمالك، بهذا الشقاء؟ فنظرَ إليَّ
    نظر متعجِّب، ثم قال: شقائي بهذا، أعزَّك الله، أحلى طعماً وأحمد عاقبة، في الأولى
    والآخرة، من تنعّمك. فقلتُ: وما الدليل على قولك؟ قال: لأنَّك تذلّ، ولا أذلّ. وتخدم ولا
    أخدم. وتطمعُ ولا أطمع. وأغدو وأروح خليَّ البال قليلَ الاشتغال، وصاحب السرير -
    فضلاً عنك - في الأهوال. ثم قام فكتب على ساج العبَّارة بالقلم الذي كان في يده هاذين
    البيتين:

    أُساءَلُ عن حالي ويُرثى لمنظري
    حبيبي، وهذا في هواك قليلُ
    سأصبرُ حتى ترعوي وترقّ لي
    وينهج من طرْق الوصالِ سبيلُ

    ومضى وتركني، فقمتُ إلى موضع الكتابة وقرأت الشعر وحفظتُه وعلمتُ أنَّه شابٌّ عاشق
    غريبٌ متأدّب.
    حدَّثني أبو الفضل بن أبي نوح الكاتب قال: كنتُ بالبصرة، وقد وردها أبو محمد الحسن بن
    محمد المهلّبي، في أيَّام وزارته. فنزل بمسماران وأقام أيَّاماً، ثم ارتحل نحو الأهواز. فدخلت
    البيتَ الذي كان فيه، فرأيتُ بخطّه مكتوباً على حائطه:

    أحنُّ إلى بغدادَ شوقاً وإنَّما
    أحنُّ إلى إلْفٍ بها ليَ شائقِ
    مقيمٍ بأرضٍ غبتُ عنها وبدعةٍ
    إقامةُ معشوقٍ ورحلةُ عاشقِ

    وحدَّثني أبو الحسن علي بن الكلواذي المعروف بليلى قال: حدَّثني جحظة قال: خرجتُ
    إلى البَرَدان مع قومٍ من أهل بغداد دعوني إليها، فلما صرنا بها خرجنا نتنزَّه في بساتينها.
    فرأيتُ على حائط مجلس في بعض تلك البساتين مكتوباً: حضر فلان بن فلان في سنة كذا
    وكذا وهو يقول: هربتُ من اضطراب أمري، وضيق صَدري، فأقمتُ بهذا الموضع شهراً،
    وارتحلتُ عنه قَسْراً.

    وشربتُ في حاناته ورياضه
    مع كلّ أهيف كالقضيب الذابل
    من قهوة مسكيّة ذهبيَّة
    مما يعتقه التجَّار ببابل
    ونعمت ليلي بالعناقِ وغيره
    وفعلتُ فعل الفاتك المتجاهل
    مهما ركبتَ من الأمورِ فلنْ ترى
    أشهى وأحلى من ركوبِ الباطلِ

  9. #9
    الصورة الرمزية أنس الحجّار شاعر
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Jun 2005
    الدولة : سوريا - حماة
    العمر : 49
    المشاركات : 778
    المواضيع : 89
    الردود : 778
    المعدل اليومي : 0.11

    افتراضي

    وقرأتُ في كتاب صنَّفه القاضي أبو الحسين عمر بن محمد بن يوسف سمَّاه كتاب الفرج بعد
    الشدَّة. قال: رُوي لنا عن العتبي قال: حدَّثني بعض مشايخنا قال: أتيتُ السند، فدخلتُ
    خاناً، فإنِّي لأدورُ فيه إذ قرأتُ كتاباً في بعض أروقته: يقول عليّ بن محمد ابن عبد الله بن
    حسن بن حسن بن عليّ: مشيتُ إلى هذا الموضع حافياً، حتَّى انتعلتُ الدم، وأنا أقول:

    عسى مشربٌ يصفو فيروي ظَمَاءةً
    أطال صداها المشربُ المتكدّرُ
    عسى بالجلودُ العاريات ستكتسى
    وبالمستذَلّ المُسْتضامِ سيُنْصَرُ
    عسى جابر العظم الكسيرِ بلطفه
    سيرتاح للعظم الكسير فيجبرُ
    عسى الله، لا تيأس من الله إنَّه
    يهونُ عليه ما يجلّ ويكبرُ

    فحدَّثتُ بهذا الحديث بعض ولد البُختكاني فقال لي: كنتُ غلاماً بالشام، فدخلت كنيسة
    للنصارى بها موصوفة لأنظر إليها. فإذا بين الصور مكتوب: يقولُ صالح بن عليّ بن عبد
    الله ابن عباس: نزلتُ هذه الكنيسة يوم كذا من شهر كذا سنة ثمان عشرة ومائة، وأنا
    مكبَّلٌ بالحديد، إلى أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك:

    ما سدَّ بابٌ ولا ضاقتْ مذاهبه
    إلاَّ أتاني وشيكاً بعده ظَفَرُ

    قال: فكان بين ذلك وبين أن نزل صالح بن عليّ تلك الكنيسة بعينها لمحاربة مروان بن
    محمد أربع عشرة سنة.
    حدَّثني أبو بكر محمد بن عبد الواحد الهاشمي قال: حدَّثني رجلٌ من أهلي يُعرف بصالح
    بن عبد الرزاق قال: حججتُ فرأيتُ في تطوافي على حائط المسجد الحرام مكتوباً:

    يا أهلَ مكَّةَ قد فُتِنْتُ بظبيةٍ
    ترعى ديارَكُمُ فهل مِنْ مُسْعِدِ
    إنِّي غريبٌ، والغريبُ مُساعَدٌ
    ذو صَبْوَةٍ فارْثوا لطولِ تكدُّري
    إنِّي احتشمتُ لقاءكم وخطابَكم
    فكتبتُ ما ألقى ببابِ المسجدِ

    فحفظتُ الأبيات ولم أدرِ لمن هي. وأقمتُ بمكَّة أيَّاماً، فدخلتُ إلى مجلس جارية لبعض
    أهل مكَّة تغنِّي بالقضيب، في نهاية الطيب والحِذْق، فأعجبتني وأطربتني، فغنَّتْ في آخر
    مجلسها:

    قالوا غداة غدٍ رحيلُ الموسمِ
    وفراقُ مَنْ تهوى بأنفٍ راغمِ
    فَزَفَرْتُ زفْرةَ عاشقٍ متحيّرٍ
    وبكيتُ من جَزَعٍ بدمعٍ ساجمِ
    هذا وما حُمّ الفراقُ فكيف لو
    قالوا الرحيل يكونُ حالُ الهايمِ

    فقام فتًى في آخر المجلس فصاح، وعضَّ ثيابه، ولطم خدَّه، ولم يزل يقول ويبكي:

    هل ينفعَّني كتابي
    على المساجد ما بي
    أم لا فأقتل نفسي
    فإنَّني في عذاب

    فعلمتُ أنَّ الأبيات المكتوبة على المسجد الحرام له، وأنَّه عاشق للجارية.

    وحدَّثني ورَّاقٌ لقيتُه بسوق الأهواز قال: خرجتُ يوماً إلى بيوت العُبَّاد التي على الجبل
    الذي يلي البلد، وقد كنتُ شاهدتُها. فقرأت على بيتٍ منها مكتوباً: حضر فلان بن فلان
    الكاتب هذا الموضع في مرقعة، خائفاً هارباً مظلوماً، وهو يقول: سِتْرَكْ سِتْرَكْ. وإذا تحته
    مكتوب بغير ذلك الخط: اللهم استجب دعاه، واسمع شكواه، واكشف بَلْواه:

    ورُدَّ كل شتيتٍ عن أحبَّته
    وكلّ ذي غُربةٍ يوماً إلى الوطنِ
    وارحم تقطّعهم في كلّ مهلكةٍ
    وامنُنْ بلطفكَ يا ذا الطَوْل والمِننِ

    فعدت فحدثتُ بذلك أبا علي بن مهدي. فركب حتَّى وقف على الموضع وقرأ الشعر،
    وكتبه في كتاب كان بين يديه يجمعُ فيه ما يُشاهد من أخبار الناس.

  10. #10
    الصورة الرمزية أنس الحجّار شاعر
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Jun 2005
    الدولة : سوريا - حماة
    العمر : 49
    المشاركات : 778
    المواضيع : 89
    الردود : 778
    المعدل اليومي : 0.11

    افتراضي

    حدَّثني أبو الحسين أحمد بن محمد بن زيد الورَّاق، قال: أخبرني عمّي، قال: سافرتُ في
    طلب العلم والحديث، فلم أدع بخراسان بلداً إلاّ دخلْته. فلما دخلت سمرقند رأيتُ بلداً
    حسناً أعجبني، وتمنَّيْتُ أن يكون مقامي فيه بقيَّة عمري. فأقمت أياماً، وعاشرتُ من
    أهله جماعةً. فحدَّثني بعضهم قال: ورد إلينا فتًى من أهل بغداد حسنُ الوجه، فلم يزلْ
    مُقيماً عندنا دهراً، وهو أديباً، ثمَّ إنَّه أثرى وحَسُنتْ حاله، فارتحل مع الحاجّ إلى العراق،
    وكان يهوى فتًى من أولاد الفقهاء، وله معه مواقف، وأقاصيص، وله فيه أشعارٌ كثيرة
    يحفظها أهل البلد. فخرج يوماً معه إلى بستانٍ للنزهة، وأقاما يومهما. فخرجتُ في غدِ ذلك
    اليوم فاجتزتُ بالبستان فدخلتُه. فإنِّي لأطوفه إذ قرأت على حائط مجلس فيه مكتوباً:

    لم يَخبْ سعيي ولا سَفَري
    حين نلتُ الحظَّ من وَطَري
    من قضيبِ البانِ في مَيَلٍ
    وشبيهِ الشمسِ والقَمَرِ
    لستُ أنسى يومنا أبداً
    بفَنا البستان والنَّهَرِ
    في رياضٍ وسْط دَسْكَرَةٍ
    وبساطٍ حُفَّ بالشجرِ
    وأبو نصر يُعانقني
    طافحاً سُكراً إلى السَّحَرِ
    غير أنَّ الدهْرَ فرَّقنا
    وكذا من عادةِ القَدَرِ

    وتحته مكتوب: الغريبُ ينبسط في القول والفعل لاطّراحه المراقبة وأمنه في هَفَواته من
    المعاتبة:

    وليس اقتنائي سمرقند محلةً
    ودارَ مقامٍ باختيارٍ ولا رضا
    ولكنَّ قلبي حلَّ فيها فعاقَني
    وأقعدني بالصُّغر عن فسحة الفضا
    وإنِّي ممَّن يرقب الدهرَ راجياً
    ليوم سرورٍ غير مُغرًى بما مضى

    قال: ووُجد على جبلٍ بنواحي ديار ثمود كتابة منقورة في الصخرة تفسيرها: يا ابن آدم ما
    أظْلَمك لنفسَك! ألا ترى إلى آثار الأوَّلين، فتعتبر، وإلى عاقبة المُنْذَرين فتزدجر. وتحته
    مكتوب بخط عربي: بلى، كذا ينبغي. فعُلم أنَّ بعض السيَّاح وذوي الغربة والأسفار قد بلغ
    به الدهر إلى ذلك الموضع فأجاب بما وجد.
    وحدَّثني صديقٌ لي قال: قرأتُ على القصر الذي بناه معزّ الدولة بالشمَّاسيَّة، مما يلي نهر
    المهدي مكتوباً: يقول فلان بن فلان الهرويّ: حضرتُ في هذا الموضع في سِماط مُعزّ الدولة
    والدنيا عليه مُقْبلة، وهَيْبَةُ الملك عليه مشتملة، ثم عدتُ إليه في سنة اثنتين وستّين
    وثلاثمائة، فرأيتُ ما يعتبر به اللبيب، ويتفكَّر فيه الأديب. وقلتُ:

    عينُ بكيّ للقصر قصر مُعزّ ال
    دولةِ المونقِ العجيب الفناء
    قد خلا بعد عزَّةٍ وجمالٍ
    وعفا بعد رَوْنقٍ وبهاء
    لو تبقَّى على الحوداث شيءٌ
    لبقى ملكه من الأشياء
    كل أمرٍ وإن تطاول أو دا
    م إلى نقلةٍ وجال انقضاء

    حدَّثني شيخ من أهلنا قال: قرأتُ على حائط خضراء رَوْح بالبصرة مكتوباً بسواد: بسم
    الله الرحمن الرحيم. حضر فلان بن فلان السَّاوي، وهو يقولُ: هربتُ من الإملاق والحسرة،
    فقذف بي الزمانُ إلى البصرة، فكانت أعظم البلدان بركةً عليّ، كسبتُ بها مالاً، وعقدتُ
    بها حالاً، وآخيْتُ فيها فتياناً، وحصلت من أهلها إخواناً، وقضى الله لغلبة نحسي عوْدي
    ورجوعي إلى ساوة، فرحلتُ وأنا أقول:

    أعززْ عليَّ بفرقةٍ ورحيلِ
    عن قُرب محبوبٍ ودارِ خليلِ
    والله يعلمُ أنَّني مُتَحرِّقٌ
    لفراقكم ذو صَبوةٍ وغليلِ
    أترى الزمان يسرُّني بلقائكم
    بعد التفرُّق والنوى بقليلِ

    وإذا تحته مكتوب: بغير ذلك الخطّ: نعم، إن شاء الله.
    وحدَّثني رجلٌ من أهل الكوفة عن شيوخه قال: خرج قوم من أهل الكوفة يطلبون
    الأحجار العرونة يجمعونها لأيَّام الزيارات للتعيّش بها، وبالكوفة من يعمل مثل هذا إلى يومنا.
    قال: وأبعدوا في النجف وساروا فيه حتَّى خافوا التيه، فوجدوا ساجةً كأنَّها من سكَّان
    مركب عتيق، وإذا عليها كتابة، فجاءوا بها إلى الكوفة، فقرأناها فإذا عليها: سبحان
    مُجري القوارب، وخالق الكواكب، المبتلي بالشدَّة امتحاناً، والمُجازي بالإحسان إحساناً.
    ركبتُ البحر في طلب الغِنى ففاتَني البقا وكسر بي، وأفلتُّ على هذه الساجة، وقاسيتُ
    أهوال البحر وأمواجه، ومكثتُ عليها سبعة أيَّام، ثم ضعفتُ عن إمساكها فكتبتُ قصَّتي
    بمديةٍ كانت في خريطتي. فرحم الله امرءً وقعت هذه الساجة بيده فبكى لي، واقتنع
    بالكفاف عن مثل حالي.
    فعجبنا من ذلك، وعلمنا أنَّه كان في الزمان الأوَّل الذي كان الماء في النجف، وأنَّ المحن
    قديمة، وأحوال الدنيا عجيبة. وإذا الكتابة خَرْشٌ، كأنَّه في تلك الخشبة نقش.
    حدَّثني أبو الحسن علي الواسطي الصوفي قال: لقيتُ في طريقي وأنا متوجّهٌ إلى أذربيجان
    فتى عليه زيّ الصوفية في قاع، لم يكن لنا ثالث إلاّ الله تعالى. فأنستُ به وقلت: سلامٌ
    عليكم. فقال: وعليكم سلامُ الله ورضوانه. قلتُ: فمن أنت أيُّها الرجل، فإنِّي أرى سيماء
    الخير بيِّناً على وجهك؟ فقال: عبد الله السائح في بلاد الله. قلتُ: زدني معرفة. قال:
    يكفيك ما سمعت. قلتُ: فمن أين أقبلتَ؟ قال: من حيثُ لا أدري. قلتُ: فما سبب
    ضجرِك وانقباضِك مني وسترِك حديثك عني؟ قال: فديتُك! أنا لو كان لي فرج في الخروج
    إليك بقصَّتي، أو علمتُ أنك تملك معونتي أو تقدر على إعانتي للخّصتُ لك الأمر، ولأقمتُ
    لك على ما تشاهده من صورتي العذر. وتركني ومشى. وهو يشهق ويبكي ويقول:

    هل إليكم بعد الفراق مَعادي
    ولديكم لدى التفرّق زادي
    إنْ تكونوا رَقَدْتُمُ الليلَ إنِّي
    مُذْ نأيتُمْ عنِّي قليلُ الرقادِ

    وحدَّثني أبو بكر أحمد بن الحسين بن شيطا، وكان كثير الأسفار دائم الحج هو وأبوه،
    وكلانا ملازمي أبي، وكالمنقطعين إليه. قال: ركبتُ البحر من جُدَّة لأعبر معبرةً تُغرف
    بعبادان. وكان الريح معنا، والمركب يخطف كالفرس الجواد. فبينا نحنُ على تلك الحال إذ
    نطح جبلاً في الماء فتقطَّع، وحصلتُ على خشبة منه، فرأيتُ أهول منظر وأفظعه، وكان في
    السماء قطَعُ غيم، ترفعني الخشبة حتَّى لا أشكّ أنَّني قد لحقتُ تلك السحائب، ثم تحطُّني
    بمقدار ذلك. فمكثتُ على هذه الصورة ثلاثة أيام، ثم سكن البحر. وألقتني الخشبة إلى
    ماءٍ على جزيرة يكون نحو الذراع عمقُه. فرُمْتُ القيام فيه، فلم تنحلَّ ركبتاي لانطوائهما
    وانضمامهما تلك الأيام على الخشبة، وقد أضعفني عدم القوت والماء، وإذا على بدني
    كالصورج متلبّس به من ماء البحر. فبينا أنا واقف إذ لاح لي قارب لوَّحتُ له فقرب مني.
    وإذا قوم قد سمعوا بخبر ذلك المركب فخرجوا يطلبون الأمتعة ويلتقطونها من الماء. فسألوني
    عن حالي فخبَّرتهم. فقالوا: أنت ممَّن كان في هذا المركب؟ فقلتُ: نعم. فأخذوني وعادوا
    إلى موضع رأيتُ فيه مراكب مُرساة. فسألتُ عنه، فقالوا: هذا موضعٌ يُعرف بميفعة من
    بلاد اليمن. وقد أفْلَتَّ أن تقع إلى جزيرة القرود فتهلك، لأنَّك أنت بالقرب منها. فحمدتُ
    الله تعالى على ذلك. وأخرجتُ دُنَينِرات أفلتتْ معي فصرفتُ بعضها وابتعتُ ما أكلت.
    وأنا بالسوق إذا بكسائي وكِنْفٍ فيه إبرٌ وخيوط ومكحلة تُباع. فعلقت به، وقلتُ: هذا
    كسائي. فلما عرفوا أنَّني ممَّن كسر به المركب أفرجوا عنه. فعشتُ به. وأقمتُ باليمن
    أتردَّدُ في بلدانها مشهوراً، أبيع الخَرَزَ والعقيق وغير ذلك.
    فإنِّي يوماً بمدينة يقال لها عثر أطوف بذلك الودع والخرز إذ مررتُ بفناء جبل، وإذا عليه
    مكتوب: حضر فلان بن فلان البغدادي وهو يقول: الكدرُ في الدنيا أكثر من الصفاء، وعلى
    حسب تطاول البقاء يكون إدراك الشقاء. بلغتُ إلى هذه البلاد لغير طلب، وانصرفتُ
    عنها لغير سبب، وإذا فكرتّ وجدتَ حديثي من العجب، وما كلُّ غريبٍ يناله ما نالني، ولا
    كلُّ شريدٍ يغوله ما غالني:

    ولولا أنَّني صلبٌ جليدٌ
    لكان الدهرُ قد أودى بنفسي
    إلى كم ذا التقطّع في البراري
    وحيداً مُفْرَداً من كلِّ أنسِ؟

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. ★ أدب بلا أدب ★
    بواسطة أحمد الجمل في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 28-05-2016, 12:41 AM
  2. أدب وليس به أدب
    بواسطة سالم بن زايد في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 02-10-2013, 08:56 PM
  3. أدب بلا أدب
    بواسطة سعيد بن عتيق في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 09-12-2007, 09:36 PM
  4. شجرة الغرباء...
    بواسطة يوسف الحربي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 17
    آخر مشاركة: 04-03-2006, 04:58 AM
  5. الغرباء
    بواسطة أبو السعيد في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 14-01-2004, 03:28 PM