أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: أطباء أدباء - قراءة - الجزء الأول

  1. #1
    الصورة الرمزية نزار ب. الزين أديب
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    الدولة : Anaheim,California,USA
    العمر : 92
    المشاركات : 1,930
    المواضيع : 270
    الردود : 1930
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي أطباء أدباء - قراءة - الجزء الأول

    أطباء أدباء
    قراءة
    بقلم : نزار ب. الزين


    الجزء الأول

    خمسة أطباء أدباء ستتناولهم القراءة و هم : الدكتور أمل الشطا ، الدكتور مادلين حنا ، الدكتور أسد محمد أسد ، الدكتور هيفاء بيطار ، و الدكتور سمير العمري ، و جميعهم أخصائيون كل في مجاله .
    أما كيف يجمع إنسان بين الطب و الأدب فله تفسير علمي ، ذلك أن الذكاء البشري يتوزع غالبا بين أكثر الناس على شكل قدرات ، فالبعض يتحلى بالقدرة الرياضية ( رياضيات ) ، و بعضهم يتمتع بالقدرية اللغوية ، و غيرهما لديه القدرة الميكانيكية ، أو القدرة المكانية أو التخطيطية ، و لكن هناك من يتمتع بقدرتين أو ثلاثا و قد يجمع البعض بينها جميعا .
    هناك محامون أدباء ، و مهندسون موسيقيون ، و ميكانيكيون رسامون ، و أطباء أدباء .
    أعرف صيدلانيا يعزف على الأكورديون و يتقن فن الكانفاه ، و أعرف محاميا كان يدير صحيفة يومية و يكتب معظم مقالاتها و يمارس المحاماة في مجال القضايا الجنائية الكبرى ، و أعرف مهندسا زراعيا كان يجيد العزف على البيانو و يكتب سيناريو مسرحيات . و نعود إلى الأطباء الأدباء .
    الدكتور أمل الشطا ، طبيبة أخصائية بأمراض الجهاز الهضمي ، و الدكتور مادلين حنا ، طبيبة أخصائية أمراض نسائية و توليد وعلاج العقم و أستاذ جامعي ، و الدكتور أسد محمد ، طبيب أخصائي أمراض جلدية ، الدكتور هيفاء بيطار ، طبيبة اختصاصية بأمراض العين وجراحتها ، و الدكتور سمير العمري ، طبيب صيدلاني.
    هؤلاء من تعرفت عليهم من خلال معجزة العصر ألا و هي الشبكة الدولية (الأنترنيت) ، و من المؤكد يوجد غيرهم الكثير الكثير .
    أولاً - الدكتور أمل الشطا
    طبيبة أمراض باطنية ، سعودية الجنسية من مواليد مكة المكرمة من أصل سوري ، و هي مؤلفة رواية :
    غدا أنسى
    تبتدئ الرواية بحوار بين مديرة مدرسة اسمها نوال و إحدى العاملات ، يوضح الحوار للوهلة الأولى أنها سيدة صارمة ، ثم لا يلبس المشهد التالي أن يتكشف عن شخصية غي غاية النبل ؛ فهذه السيدة الصارمة في مظهرها تتعاطف حتى مع أكثر الحيوانات تنفيرا :
    " كانت تقف إلى نافذة بجوار مكتبها , تحملق باهتمام الى منزل متهدم مهجور . لم يكن هناك شيء يستحق النظر إليه على الإطلاق , لم يكن هناك سوى أكوام من القمامة والحجارة والأخشاب . ولكنها بدت من شدة اهتمامها وكأنها باحثة تتطلع من خلال المجهر , أو أنها تراقب فيلما سينمائيا مثيرا . ولكن من يعرف الحقيقة يعجب لها ! كانت لا تمل من وقفتها هذه كلما سنحت لها الفرصة تراقب الفئران المتناثرة هنا وهناك , تعدها وتحصيها , وتلاحظ حركتها وجحورها , وبين حين وآخر كانت ترمي إليها بقطع من الجبن , تتكاثر عليها الفئران .
    كانت تجد لذة عجيبة وهي ترى الفئران الصغيرة تأكل بشراهة شديدة , وكل ما فيها يهتز ويرجف وكأنها لم تذق الطعام منذ أيام ."
    ثم تترى المشاهد المفعمة بالعواطف الجياشة و المشاعر المثيرة و المواقف المفاجئة ؛ تكون نوال خلالها في مركز دائرة الأحداث ، بينما تحوم حولها شخصيتا : السيدة المجهولة ، و التلميذة ( إسلام ) التي ستقع وشيكا تحت تأثير وطأة أصعب و أروع الإنفعالات و المفاجآت :
    المفاجأة الأولى :
    - للمرة الأخيرة ... من أنتِ وماذا تريدين ؟؟؟
    - أريد أن أرى ابنتي .... أنا أمها ... ابنتي أنا ....هنا في المدرسة .
    كانت تتكلم بصعوبة و بلكنة غريبة شديدة يصعب فهمها . وكانت تهز رأسها وتحرك يديها مع كل كلمة حتى تساعد في التعبير عن مقصدها .
    - وما اسمها ...ما اسم ابنتك ؟
    - إسلام ... إسلام عبد المجيد .
    - ماذا ؟ ... إسلام عبد المجيد ؟ اسلام ابنتكِ أنتِ ..؟؟؟ ... معقول !!!
    وما ان سمعت المرأة هذه الكلمة , حتى اندفعت كالمجنونة تجاه المديرة , وأخذت تقبل يدها ورأسها وهي تصيح :
    - ابنتي أنا ... أريد أن ارى ابنتي أنا ... أنا أمها ... إسلام ابنتي أنا ..."
    المفاجأة الثانية
    " لم تستطع نوال ان تتوقف عن التفكير في المرأة طوال النهار . وفي اليوم التالي بكّرت في الذهاب الى المدرسة .
    وما ان هبطت من العربة حتى فوجئت بها تقف أمام الباب . ياللمرأة التعسة ... ماذا تفعل في هذا الوقت الباكر ؟؟ وصاح الحارس : - هل تصدقين سيدتي ؟؟ لقد قضت هذه المرأة الليل بطوله على وقفتها هذه أمام الباب !!!
    ونظرت إليها ... كانت تبدو أكثر شحوبا من ذي قبل .
    وما ان اقتربت منها حتى بادرتها هذه قائلة :
    - لا تنسي ... مصحف شريف
    وابتسمت نوال , واصطحبتها الى الداخل ."
    المفاجأة الثالثة
    "و فجأة ... دخلت الى الغرفة فتاة طويلة .. ناعمة .. رقيقة
    - ادخلي يا إسلام واغلقي الباب خلفكِ .
    صرخت المرأة من أعماقها صرخة أفزعت الفتاة . فوقفت جامدة في وسط الغرفة تنظر إليها , والمرأة تحملق فيها فاغرة فمها كالمشدوهة , وللحظات طويلة لم تبد حراكا , وبعد قليل أفاقت لنفسها , وحاولت النهوض فلم تستطع , وخذلتها قدماها , فسقطت على الأرض مرة أخرى , وأخذت تزحف على ركبتيها وهي تلهث , وتخرج أصواتا أشبه بحشرجة الموتى , حتى وصلت الى حيث تقف الفتاة فاحتضنت ساقيها بقوة , ودفنت رأسها فيهما , وأخذت تقبلها في وله شديد , وهي تنتحب وتئن وتتمتم :
    - إسلام ... ابنتي .. يا حبيبتي ... ابنتي انا ... يا حبيبتي ... يا حبيبتي , إسلام .. ابنتي أنا ....
    وسقطت مغشيا عليها "
    و من ثم يأتي أكثر المواقف إثارة :
    "كانت كل خلجة في وجه الفتاة تنم عن مدى ما تشعر به من ألم وانفعال . كانت ترتعش كالعصفور الصغير , بدت مذهولة , فقد كان الموقف أكبر من احتمالها .
    - ولكن كيف ؟؟؟ إن أمي قد ... أقصد أبي قال إن ....
    - قال إن أمكِ قد ماتت في صغرك ... أعرف هذا . ولكن صدق مشاعر هذه المرأة وهذا الشبه العجيب بينكما , هذا الشبه الذي لا يمكن أن تخطئه العين , جعلني أؤمن أنها أمك . لقد ولدتكِ في جزيرة جاوة , وأبعدكِ أبوكِ عنها وأنتِ في الثالثة . لقد تعذبت كثيرا حتى تحضر لرؤيتك , أرجوكِ أن تتصرفي معها بحكمة , أرجوكِ أن تكوني رقيقة معها .
    ووضعت الفتاة كفها على وجه المرأة وأخذت تتحسسه ....
    - أمي ... هذه أمي ... أعرف أنها أمي .... قلبي يحدثني أنها أمي ...
    وانحنت على المرأة وقبلتها وهي تردد :
    - إنها أمي ... أعرف أنها أمي , وانسابت الدموع على خديها "
    مواقف عاطفية مؤلمة أفلحت الطبيبة الأديبة الدكتور أمل الشطا بنقلها إلى القارئ لترغمه من ثم على زرف دموعه إشفاقا على البنت إسلام و على أمها تيما .
    تصوير رائع بريشة فنانة ، تمكنت من رسم أعمق المشاعر الإنسانية ، و سيكون القارئ في حالة دهشة أكبر عندما يرى لوحة أخرى تمثل شخصية مديرة المدرسة نوال :
    " لم تستطع نوال ان تفعل شيئا . ولم تستطع أن تحتمل أكثر من ذلك , فاندفعت من مكانها تجاه النافذة , ووقفت هناك وظهرها للفتاة .
    أخذت تضغط بكلتا يديها على إطار النافذة وهي تحاول جاهدة أن تحبس دموعها , وان تخفي انفعالها .
    كانت تكره أن يراها أحد وهي تبكي , أو وهي متألمة . كانت تعتبر أن هذه الأحاسيس أن البكاء دليل على الضعف .. وهي تكره ان تكون ضعيفة .
    كانت تحب ان يراها الناس دائما قوية وصلبة . ولم يكن يهمها أبدا أن يقال أنها قاسية القلب , متلبدة الشعور , ولكن المهم أن تظهر أمامهم كالقط المفترس .. وليس كفأر مذعور.
    وعادت بها الذاكرة إلى الوراء سنوات عديدة , عندما كانت طفلة صغيرة ربما لم تتعد الثامنة من العمر .
    كانت مشاعرها رقيقة الى أبعد الحدود , عواطفها فياضة , مرهفة الحس , هشة سريعة الإنفعال , تتألم وتبكي لأتفه الأسباب .
    كانت تبكي إذا رأت قطا جائعا , أو طائرا يذبح , أو عصفورا في قفص, كانت تبكي إذا رأت أحدا يبكي أو يتألم .
    حتى زميلاتها في الفصل , كثيرا ما كن يحاولن إيذاءها أو السخرية منها أو سرقة طعامها , ولكنها لم تكن تشكو أبدا , حتى لا تكون السبب في إيذاء أحد .
    وكانت هناك أيضا أبلة سعدية مدرسة الرياضيات ... أرطال شحم متحركة , ورائحة عرقها تحرق أنوفهن الصغيرة , هذه اللعينة ... طالما سخرت منها وضحكت عليها .. كانت دائما تناديها بالفأر المذعور , ولم تكن تدري , أو لم يكن يهمها هذا الألم الذي كانت تسببه لها .
    حتى كان ذلك اليوم .....
    إنها لا تزال تذكره الى الآن , يوم ضاقت أمها بها وببكائها وصاحت في وجهها : إنكِ بالفعل مثل الفئران وليس هناك واحد في هذا العالم يحب الفئران الضعيفة , وفي يوم من الأيام سيأتي قط كبير ليفترسكِ , أو يرمي إليكِ الناس بطعام مسموم حتى يتخلصوا منكِ.
    ومن يومها , تحجرت الدموع في عينيها ..."
    ثم ينتقل مركز الأحداث من نوال إلى إسلام التي سيحوم حولها والدتها و والدها ثم خطيبها .
    و لا أريد أن أطيل كثيرا في سرد مواقف الرواية الكثيرة المشحونة بالانفعالات و المفاجآت .
    و باختصار شديد كانت أم الفتاة الأندونيسية تيما ضحية فرية شريرة ، دفعت زوجها أبو إسلام ، و هو تاجر كبير إلى طلاقها ، و العودة بابنته إلى بلده العربي ، مقنعا ابنته التي كانت عندئذ في الثالثة من عمرها بأن والدتها قد توفيت .
    صراع يدور بين الخير و الشر ، و بين الغنى و الفقر ، و بين البراءة و الظلم الإفتراء ، ينتهي بقرار ظالم ، و بحكم يشبه حكم الإعدام بدون إبراز أية أدلة ملموسة تثبت الجرم .
    صراع استطاعت الكاتبة إدارته بمهارة و بلغة مكينة من البداية إلى النهاية .
    المفاجأة قبل الأخيرة :
    " و ترددت الفتاة ....
    هيا يا إسلام .... هيا أخبريه .... إن الفرصة سانحة ليعرف الحقيقة , ولتعرفي منه الحقيقة , فربما استطاع أن يجد لنفسه عذرا واحدا فيما فعل ... أخبريه الآن .. فسوف يعرف عاجلا أو آجلا ...
    - بالطبع يا أبي .... سوف أشعر بالوحدة بعيدة عنك ... ولكن وجود أمي سوف يؤنس وحشتي إلى حد ما ..
    - نعم يا ابنتي ... إن أم هشام امرأة فاضلة , وهي في منزلة أمكِ تماما .
    - لا أقصد أم هشام .... أقصد أمي أنا ... تيما يا أبي ... تيما ابنو سراج الدين ... ألا تعرفها ... ؟
    واحتقن وجه الرجل , ونظر إليها كالمصعوق ...
    - ما بالك تنظر إليّ هكذا يا أبي ... أتراكَ قد نسيتها , إنها هنا منذ أشهر طويلة , وكنت أراها كل يوم في الصباح , وأذهب للقائها في الحرم , لقد تحدثت إليها طويلا ... وعرفت منها كل شيء عنها ... وعرفت كل شيء عنك .
    وصاح الرجل وهو يلهث من شدة الغضب : - تخدعين أباكِ يا إسلام .....
    ورفع يده ... وصفع الفتاة على وجهها صفعة قوية , أطاحت بها على الأرض ."
    المفاجأة الأخيرة
    " وأخفى وجهه بكفيه , وقال بصوتٍ جريح :
    إنه انتقام الله ... انتقام الله .... وأخذ يهز رأسه ويئن بصوت خافت
    ومضت فترة طويلة .... بدا له خلالها أن العالم قد توقف من حوله .
    وأحس بحركة غريبة .... فرفع رأسه ... وشهق من شدة المفاجأة :
    - تيما ؟؟ ......
    كانت تقف عند باب الغرفة طوال الوقت , صامتة , تراقبه دون أن يشعر ،
    وبعد قليل اقتربت منه ببطء ... وركعت إلى جواره , وأخذت تنظر إليه حائرة لا تدري ما تقول .
    - كيف حالك يا أبا إسلام ....؟
    وظل الرجل جامدا ينظر إليها لا يصدق نفسه
    - تيما .... تيما
    وقالت المرأة بصوت مضطرب :
    - سيدي .... لقد جئت ....
    فقاطعها قائلا :
    - جئتِ لتشمتي ... يا تيما ... جئتِ لتشمتي ... أعرف هذا .. ولكن ...
    - سيدي .... أرجوك .... إن لي عندك طلبا ... أرجو ألا ترفضه .... تعلم أن إسلام سترحل مع زوجها إلى الخارج , فهل تسمح لي بأن آتي لأعيش معك في هذا البيت ... ليس لي مكان آخر كما تعلم .
    وتهالك الرجل مأخوذا , واغرورقت عيناه بالدموع , وقال بصوتٍ مختنق :
    - تيما .... إنني لا أستحق منكِ كل هذا .... لقد ظلمتكِ كثيرا , وعذبتكِ كثيرا ...
    فقاطعته قائلة :
    - أبا إسلام ... أرجوك أن تستريح الآن .... تبدو مرهقا ... وفي أشد الحاجة إلى النوم والراحة ... وسوف أصنع لك شيئا من طعامك المفضل ... إنني لا زلت أذكره إلى الآن ..
    - تيما ... أرجوكِ ... أنا لا أستحق منكِ كل هذا ... لقد تعذبتِ كثيرا .... تعذبتِ كثيرا يا تيما .... أليس كذلك ...
    - سيدي ... أرجوك أن تستريح الآن ... غدا أخبرك بكل شيء ...
    وأمسك الرجل بكتفيها وهزها برفق :
    - تيما أخبريني .... هل سامحتِ ... هل غفرتِ ... ؟
    فقالت المرأة وهي تنظر إلى الأرض :
    - غدا يا سيدي ... غدا ... استرح الآن ... أرجوك .
    وعاد يسأل في لهفة شديدة , وفي عينيه نظرة ذليلة متضرعة :
    - تيما ... أرجوكِ .... قولي أنكِ قد نسيتِ ... قولي أنكِ قد غفرتِ ... قولي أنكِ قد سامحتِ ليطمئن قلبي .
    ونظرت إليه المرأة نظرة طويلة عاتبة .... وتراءت لها كل عذابات السنين ... تباعا ... وقالت بصوتٍ حزين :
    - ------- غدا يا سيدي ... غدا أنسى ... غدا سأغفر لك --------
    واحتضن الرجل يديها برفق ..... وقبلهما ...... وانسابت دموعه في صمت
    غدا أنسى ، من أروع ما قرأته من روايات ، و منذ لحظة قراءتها بذلت جهدي كي أتعرف على كاتبتها و ما أنتجته من إبداع ، و لكنني لم أعثر على مصدر لولا أن إحدى تلميذاتها الدكتور زرقاء اليمامة ( YamamaBlue ) من موقع ( العربي الموحد ) أنجدتني- مشكورة - بالقليل الذي صدرتُ به التعريف بها .
    و للإطلاع على الرواية كاملة يرجى استخدام الرابط التالي :
    http://www.freearabi.com /غداأنسى-روايةأملالشطا.htm

    ثانيا – الدكتور أسد محمد
    طبيب أمراض جلدية ، سوري الجنسية من مواليد 1963م ، متعدد المواهب ، فقد كتب الرواية و المسرحية و القصة القصيرة و قصص الأطفال و قرض الشعر و قام ببعض البحوث العلمية مبتكرا نظرية جديدة في فلسفة العلوم ؛ يقول الدكتور أسد محمد أسد عن نفسه :
    "عمدتني الكلمة منذ دراستي الابتدائية وشرفتني بالمنزلة القدسية وجعلت مني ضيفا حيا إلى قاموسها الناطق أستمد من موائدها طاقة العطاء و الإبداع كواحد ممن قبلوا هذه الشريعة العظيمة( شريعة النطق والتفكير) ، لأنني كنت و لا أزال مؤمنا بأننا صياغة خلاقة للكلمة ، فمن خلالها تم تبليغ الله سبحانه رسله ، وبها نعرف أننا نتعرف إلى قوانا الحية المرئية منها والغائبة ، ونتطور ونعطي ، ولدي رؤيا خاصة تقول : إن ما نضيّعه في مختبرات حياتنا اليومية من حروب وخلافات ومشاكسات ، تشرع الكلمة قواها لتدافع ضياعنا ووجودنا ، ولديها من القوة- الجنود- ما يكفي لحمايتنا ، لذا أنتمي إليها كذاكرة وقوة وأحاسيس وعضوية حية ، ومعها وإليها أبدع وأتقدم وأنجز في الطب والأدب .
    و الطبيب الأديب الدكتور أسد محمد أسد ، عضو في اتحاد صحفيي سوريا .
    و مدير تحرير مجلة النافذة الفكرية- الثقافية المنوعة .
    و قد أعد برنامجا إذاعيا – علميا – ثقافيا لإذاعة دمشق لمدة ثلاث سنوات ، وعمل في التلفزيون السوري - القناة الثانية..
    و كما يرى القارئ فقد طرق الأديب الطبيب الدكتور أسد محمد جميع الأبواب المعرفية و الأدبية و مشهود له بغزارة الإنتاج ، و قد اخترت من أعماله قصة الحصار .
    و كانت الناقدة الأدبية السورية السيدة سعاد جبر قد قامت بإلقاء الضوء على البعدين الإجتماعي و الأيدولوجي للقصة و فك بعض رموزها ، فقالت :
    " يدور نص " قصة حصار " في البعد الأيدلوجي للقص ، والذي تكاتفت بؤرته على وجه التحديد في رحلة القصة القصيرة السورية المعاصرة ، في الألفية الثانية ، من خلال التتبع الناقد المحلل لها ، عبر شبكة الإنترنت ، ويلتقى نص " قصة حصار " لكاتبنا المبدع : أسد محمد " مع نص " البراغيث للمبدع العراقي " عزيز التميمي " في لغة الرفض لمنظومة التناقضات المفرزة من سلطة السطوة والكبت الإجتماعي ، ويدور النص في ثنائية " النخبة - المواطن " و النخبة هنا هي القيادة في المؤسسة السياسية وبطانتها في لسان الببغاوات ، في تلك البلدة الرمز في النص ، والتي يمتد ثوب رمزيتها ليسع العالم العربي بأسرة ، والمواطن هنا هو لغة الظلم والكدح والحرمان ولسع العذابات ، في ازقة الحياة الرمادية ، حيث تغدو مادة استنزاف لإرضاء نشوة النخبة في سعار لهوها العابث ، وغبائها المتدفق حماقة في الحراك والسير الذي يكثف النص هنا بؤرته السردية في تتبع حيثيات تلك الحماقة ، في أحد طرفي تلك المعادلة من جهة وحيثيات المعاناة والقهر ولغة العذابات في جسد المواطن المنهك وقلبه المحترق الما من جهة أخرى .
    وتتشكل لغة الشخوص هنا في نقشها الجمعي في كلا طرفي المعادلة المتضادة في لغة السطوة والتسلط في النخبة ولغة الفقر والمعاناة في المواطن ، في ثنايئات التضاد التي غدت شبة سرمدية في عالمنا العربي المقهور .
    ويتسم النص بجاذبية تتشكل في تلمس تدفق حرقة القارئ ونبضات رفضه لواقعه من خلال تتبع حراك الشخوص في النص ، والذي نقشت خطاهم في بلدة مجهولة معلومة ، حاضرة غائبة في ذاكرة وذهنية القارئ المنهكة في متابعة مشاهد التضادات في صفحات اللانهايات في الحياة " الواقع ، الرفض " في الآن ذاته ، وبذلك تغدو تلك النقطة الضوئية القصصية في النص ، اثيراً فضايئا شاسعاًً بلا حدود في مرأى مستقرئ النص في لغة الكل في الجزء ، حيث يعكس الجزء تضاداته المتأزمة في الكل المتخم في لوحة فسيفسائية من المتضادات ، وهذه بحد ذاتها سمة إبداعية في النص ، وبذلك يشكل النص بعدا ذكياً في لغة التصوير الرمزية لمساحات الواقع الأيدلوجية في ظل المؤسسة السياسية المنهكة بالمتناقضات والثملة بالحماقات ، والتسلطية في اتخاذ القرارات ، ومصادرة المواطن في عنجهية في سلة المهملات ، في شخصه تحمل معها هالة القداسة في البث ، يترتب عليها توجه المواطن لأداء قرابين التعبد في لغة التمجيد والطرق على طبولها كيفما كان الطرق و كيفما كان الغناء ورقص الأجساد ، لذا يعد النص الذي بين أيدينا ؛ وثيقة قصصية سردية تحمل معها حكاية اليوم والغد ، في بعد أيدلوجيا المؤسسة السياسية في لغة السطوة والكبت ، وتضخم " الأنا" في البث والتوجيه .
    والنص ثري بمحاور إبداعية متنوعة ، يقتضي الأمر تجلية النقاب عنها وابرازها ، ولكن خشية الإطالة اكتفي بما ذكرت ، وأزجي في الختام تحايا التقدير والإبداع لكاتبنا : أسد محمد "
    مقاطع ملفتة من القصة :
    1- نعاقبه لإنه لا يضحك كما نضحك
    قرر مجلس أمناء البلد بأغلبية عضو واحد بأنهم سيعاقبون زعيما لا يضحك كما يضحكون ولا يتنفس كما يتنفسون ، علما أن أحد الأعضاء قدم لهم تقريرا مفصلا عن هذا الزعيم ، وجاء فيه " إنه من أقرب الناس إلينا ، وهو مستعد لتلبية مطالبنا بالكامل " لكن عضوا آخرا رد عليه بغضب :
    - إذا لم نحاصره فمن نحاصر ؟
    وكان الجواب " فلنحاصره إذا كان لابد لنا من عدو "
    2 – لا تقلقي يا سيدتي من الحصار ،.. فكل ما تحتاجينه سيؤمنه لك رجالي !
    ظل أعضاء القيادة خائفين ولم يتجرأ أي منهم على الاتصال مع الآخر أو طرح أي سؤال حتى على نفسه بانتظار الأمر السامي بكيفية التصرف ، وبقيت هزة رأس الزعيم هي اللغز الذي أشغلهم ..
    بعد أيام دعا الزعيم نائبه ، فدخل عليه ، وجده يتكلم في الهاتف ويضحك ، قال النائب في نفسه :
    - لابد وأن الأزمة مع العدو قد انتهت ..
    أنهى كلامه ، بجملة :
    - لا تقلقي يا سيدتي من الحصار ،.. فكل ما تحتاجينه سيؤمنه لك رجالي
    3 - لا خوف من الحصار
    نقل نائبا نائب الرئيس الفكرة نفسها إلى معاونيهما ، وهكذا بالتسلسل حتى وصلت الفكرة إلى القاعدة " الوطن في أمن وآمان ولا خوف من الحصار"
    جاء التقرير الأمني التالي لسيادته " الناس يثقون بكم وبالروح والدم يفدونكم وهم يبتسمون كما تبتسمون و يضحكون ، لكنهم يريدون سجائر من أجل التدخين قدوة بسيادتكم " ..
    4 – الكراهية تزداد للعدو
    بعد أيام طلب الزعيم من النائب أن يدخن ، فالتزم بالأمر دون أن يعرف السبب ، وفسر بعض أعضاء القيادة أنه تحد للعدو وللبرهان أن المنافذ لم تغلق ..
    بعد شهرين جاء تقرير للزعيم من جهازه الأمني يقول " أن معمل الأسمدة توقف بسبب فقدان المخزون من المواد الأولية "
    ابتسم وقال في نفسه :
    - إن خطتي تتحقق ، و تترسخ العداوة والكراهية في قلوب الناس ضد ذلك العدو ، ولن يجدوا بديلا عن إخلاصهم لي ، وتعلقهم بي كمخلّص..
    طلب من نائبه أن يتدبر أمر المعامل التي تعتمد على مصادر العدو ، فقال له :
    - يا سيدي ، إن مصدر المواد الأولية الوحيد في العالم هو العدو .
    صرخ الزعيم ، وقال :
    - اغلقوا المعمل .
    وقال النائب :
    - سيغلق من تلقاء نفسه ..
    اطمأن الزعيم أكثر للكراهية التي تزداد ضد العدو ..
    5- بما أن لدى عشيقتي جبناً ، يعني أن خطط العدو في الحصار فاشلة .
    جاءه تقرير أمني " ليس لدى الناس جبن"
    سخر ، وقال :
    - لكن لديَّ كثير من الجبن ..
    اتصل مع عشيقته وسألها :
    - ألا يوجد في السوق جبن ؟
    - لا أعرف .
    - يوجد لديك جبن .
    - طبعا ، هل نسيت ، يؤمن لي رجالك كل ما أحتاجه ..
    أقفل الخط وقال :
    - بما أنه لديها جبن ، يعني أن خططهم فاشلة..
    6 – تمرد
    كان في هذا الأثناء يقف طابور طويل أمام مؤسسة تموينية خلقها الحصار بانتظار شراء بعض المواد المقننة ، دخل رجل مفتول العضلات يحمل مسدسا على جنبه ، تجاهل هذا الحشد الكبير من الناس وكأنهم أعداؤه ، اقترب من البائع ، همس في أذنه ، ثم عزل له عشرة صناديق أمام مرأى الناس ، خرج رجل من الصف الرابع ، اقترب من البائع وسأله :
    - لماذا عزلت هذه الصناديق ؟
    سكت البائع ، كرر الرجل سؤاله أكثر من مرة ، فأشار له بطرف عينه إلى المسدس، وأجاب الرجل :
    - إنها لي..
    وهز مسدسه بحركة مقصودة ..
    فقال الرجل بثقة :
    - لا، لن نسمح لك .
    - لم أطلب منك السماح .
    - هذه المواد التموينية من حقنا..
    - من أنتم ؟
    - نحن أهل البلد .
    - (طز) فيكم ..
    انطلقت أصوات تحد من رجل ثان ، ثم ثالث ورابع و.. وقالوا بصوت واحد :
    - حتى ولو كنت الزعيم نفسه، فهذه المواد من حقنا جميعا ولن نسمح لك بأخذها ..
    رفع عنصر الأمن مسدسه باتجاه الرجل الذي انقض عليه وأرداه أرضا ، أطلق رصاصات عشوائية ، أصابت بعض الحاضرين ، حدثت فوضى ، ضرب الناس المسلح الذي صاح :
    - أنا عنصر أمن وستنالون عقابكم أيها الخونة ا..
    أخذوا منه مسدسه ، وأسعفوا الجرحى ، وكان البائع أحد المصابين ، اضطروا لتشكيل لجنة منهم ، ثم وزعوا المواد التموينية بالتساوي بين بعضهم البعض..
    7 – تطويع الشعب
    و في لقاء سري له مع أحد أعضاء مجلس أمناء العدو ، طلب منه أن يستمع إلى أغاني بلاده ، فأجابه :
    - أنا لم أتوقف عن الاستماع إليها ..
    - نريدك أن تسوقها لدى شعبك ..
    أجابه الزعيم :
    - أوكل هذه المهمة لكم..
    قالها ولديه قناعة أن الكراهية لن تسمح لهم بترويج منتجاتهم من جديد ..
    توسط لديه كثيرا ، شعر الزعيم بانتصار ما ، وقال :
    - لقد لجؤوا إلي من جديد كي أطوع شعبي، يجب أن يتعلموا أنني أفضل وسيلة من أجل تحقيق مآربهم ..
    و هكذا مضى الدكتور أسد يتنقل من رمز إلى آخر و بأسلوب ساخر يعكس أوضاع أغلب دول العالم الثالث بين زعيم مستبد متسلط و بطانة تؤلهه و شعوب مقهورة و أجنبي يعبث بحكامها كيفما شاء .
    للإطلاع على قصة ( حصار ) كاملة يرجى استخدام الرابط التالي :
    http://www.freearabi.com/AsadMuhammadAsad.htm

  2. #2
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    أنا أعشق حبر الادب ... من قلم الطبيب

    وأرجو منك أن تكتب لنا عن المفكرين .. من الاطباء

    وأولهم

    استاذي السوري .. خالص جلبي جراح الاوعية الدموية

    فهو صاحب مدرسة فلسفية

    أنتظر هطول المطر من حروفك سيدي
    الإنسان : موقف

  3. #3

  4. #4
    الصورة الرمزية نزار ب. الزين أديب
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    الدولة : Anaheim,California,USA
    العمر : 92
    المشاركات : 1,930
    المواضيع : 270
    الردود : 1930
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. محمد حسن السمان
    سلام الـلـه عليكم
    الاخ الفاضل الاديب الاستاذ نزار ب . الزين
    جهد مبارك , وساكون متابعا .
    اخوكم
    السمان
    --------------------------
    في أول زيارة مقبلة للوطن سأبحث عن الصديق الوفي الكتور محمد حسن السمان ، لأقدم له مودتي و احترامي
    بارك الله بهمتك العالية أخي محمد
    دمت رائعا
    نزار ب. الزين

  5. #5
    الصورة الرمزية نزار ب. الزين أديب
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    الدولة : Anaheim,California,USA
    العمر : 92
    المشاركات : 1,930
    المواضيع : 270
    الردود : 1930
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خليل حلاوجي
    أنا أعشق حبر الادب ... من قلم الطبيب
    وأرجو منك أن تكتب لنا عن المفكرين .. من الاطباء
    وأولهم
    استاذي السوري .. خالص جلبي جراح الاوعية الدموية
    فهو صاحب مدرسة فلسفية
    أنتظر هطول المطر من حروفك سيدي
    ----------------------------------------
    أنت معي إذا أن قلم الطبيب مميز و له نكهة إنسانية مختلفة
    سأعمل برأيك في أقرب فرصة
    شكرا لمرورك يا أخي خليل و دمت بخير
    نزار ب. الزين

المواضيع المتشابهه

  1. رئيسة أطباء بلا حدود: حصار التحالف السعودي على اليمن يقتل عدداً م
    بواسطة محمد حمود الحميري في المنتدى الحِوَارُ السِّيَاسِيُّ العَرَبِيُّ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-08-2015, 07:24 PM
  2. أفضل عشرة أطباء في العالم
    بواسطة إدريس الشعشوعي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 12-03-2015, 08:53 AM
  3. أطباء أدباء - قراءة - الجزء الثاني و الأخير
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 07-04-2006, 06:16 PM
  4. اختبر نظرك...(الجزء الأول)
    بواسطة د. محمد صنديد في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 25
    آخر مشاركة: 10-11-2003, 01:28 AM