نحن نجيبكم عن هذا السؤال المرعب : ما لون الحب ؟
الحب لالون ثابت له ، وهذه هي أحواله .
ـ الحب أزرق :
بلون السماء الرحبة مع فصيلة المحبين الرومانسين الذين يرون الحب شهقة قلب ، أو لمحة ضفيرة ، أو تنهيدة صدر ، وهؤلاء غالبا مايضعون خدهم الطري على وسائد لينة، وهم يتخيلون شكل الالتقاء الذي يصعد بهم إلى سماوات الصفاء ، ومثل هذا الحب مجنح وشفاف ، لأن المحب في واد، والحبيبة في واد ، والالتقاء عبر سطر في رسالة ، أو تلويحة منديل ،أو ابتسامه على الطريق السريع .
حب لا يعرف الغش والخداع ، حيث أن الهدف هو مزيد من اللوعة ، والاندفاع الغريزي للسهر في ضوء القمر ، والتفكير ليل نهار في أن يأتي طيف الحبيبة ـ لاحظ ان الحبيبة لو أتت بلحمها وشحمها لتلفت المسألة ولانعدم الحب وأتخذ لونا آخر ، مع دفع تكاليف الخسائر ! ــ هو الحب الفطري البعيد في المسافة والجغرافيا ، وعندك أقرب مثال (قيس ) الذي ظن الحب أبيض فتاه في الجنون ، وتلك ضريبة مؤكدة يدفعها أصحاب هذا اللون !
ـ الحب برتقالي :
بلون عصارة الحياة في ثمار النارنج ، مع هؤلاء المحبين الشغوفين بملاقاة الحبيب عبر شاشات النت ، فهم يمدون أصابعهم عبر السلاك ، ويتصورون الحبيب يمد لهم يدا ، بينما النعاس يداعب جفونه المسهدة من سهر الليالي مع الكلام المجاني عبر حقول " النت " هؤلاء محبون عصريون ، تدغدغ مشاعرهم ( الفارة ) وهي تروح وتجيء بين أصابعهم الماكرة ، ومن ستر الله عليهم أن جعل من البث الأنترنتي إمكانية لتجميل الصورة .
أعرف أديبا يرسل صورته للمعجبات وهو يبتسم بأسنان لامعة كأنه عمرو دياب ، فيما أن طاقمه الجديد مثبت بإحكام على ضبه ، وأعرف أمرأة له نظرة سحلية ماكرة ترسل صور ابنتها التي تدرس الألسن لحبيب القلب في بر( كندا ) ، والجميع ساكت ومتواطيء في عالم (البرتقالي ) ، أي عالم الحب الموصول بالأسلاك الكهربائية والحزم الضوئية ، وربك كريم ، وسـتّــار .
ـ الحب أخضر :
وهو اللون الكثر شيوعا في دلتا مصر ، وسفوح جبال أبها وجيزان ، وعبر أودية نهر الكلب والليطاني بلبنان ، وفي مراعي الحلفا في تونس والجزائر، انتهاءا بالمغرب حيث صديقنا لحسن باكور .
عند هذه الطائفة الحب أخضر بلون الزرع ، وببذخ الشجر ، وبأريحية النخل " عمتنا " ، ولولا اخضرار الحب ما غنى محمد رشدي في الستينات " تحت الشجر ياوهيبة ياما كلنا برتقال " ، ومن الأغنية يتضح أن المغني كان يأخذ حبيبته ( يسمونها في مصر الجو ) ويمد يده للثمرة التي من حق صاحب الشجرة ، يدحرجها في يد محبوبته ، وهو يعزم عليها " وحياتك لتدوقي العصير الرباني " ، فتغمض وهيبة أو نبوية ، أو ثريا عينيها ولهاً ، وهي تشعر بملاسة القشرة ، وتميل برأسها شغفا ، والشجر الأخضر يخفي بفروعه وظلاله جريمة سرقة برتقالة ثمن الكيلوجرام حاليا في مصر جنيها وربعا . فهو حب أخضر من حيث الجغرافيا ، لكنه يفضي لنار جهنم لأن الواجب كان يقتضي من المحب أن يشتري قبل قدومه أثتين كيلو بدلا من الشحاذة والبهدلة والجري في أقسام الشرطة !
ـ الحب أحمر :
وهو الحب الذي يعرفه الأزواج في أسبوعهم الأول لا أكثر ـ من فضلك لا تعتمد على الخطأ الشائع بأن هناك ما يدعى شهر العسل ـ إذ يبدو أن هناك حيلة جعلت المؤرخ العاطفي يفقد مزولته فتضيع معه الحسابات الدقيقة للعواطف .
هو حب أحمر بكل معنى الكلمة ، إذ الدماء مندفعة في يافوخ الزوج الذي يريد أن يعرف كل أسرار المرأة في ليلة ، أو ليلتين ، أو أسبوع ، وفي كل مرة يزداد الموقف غموضا ويندفع الدم إلى وجنتيه فيصبغ الملامح حمرة قانية .
وهو أحمر للزوجة التي تريد كشف سر جبروت الرجل ، ذلك الكائن الخائن المراوغ الذي لا يؤتمن ، حتى لوأن المرأة أسرجت اصابعها شموعا . هي معه في محاولة لهتك سره ، وكشف ضعفه ، فإن كانت ( دليلة) قد تمكنت من( شمشون) بعد أن قصت شعره ، فإن بقية النساء لا يجرؤن على " تطليع " المقصات في تلك الليلة المفترجة وما يليها ، غاية المنى أن تبكي في أيام العسل ، وتصعد بعض الدماء إلى الوجنتين لأنها ستفقد لقبا يصعب استرداده حتى لو دفعت ألاف اليوريات ( نسبة إلى اليورو عملة أوربا الموحدة ) .
لكن الثقاة من المؤرخين يرونه أحمر لسبب مختلف تماما ، ذلك أن العروس غالبا، وبالتأكيد ترتدي في أيام الزواج الأولى ملابس حمراء ، أو أرجونية ، أو قرمزية ، لهدفين لا ثالث لهما . الأول أن تزغلل أعين الرجل ( المفتري حسب نوال السعداوي المرشحة بقوة كرئيسة جمهورية مناخوليا العظمى ) . الثاني أن تلعب معه لعبة شهيرة في أسبانيا هي مصارعة الثيران ، فتمسك بثوبها أو قميصها ( لا أريد أن أقول كمبلزونها لأن الرقابة موجودة وفاعلة ) ، وتخايل الرجل ،وتصيح كل مرة : " أوليــه .. أوليه " وتجعله يخور ، وثور ، ويدور ، وفي نهاية الأمر تطعنه بسكين ـ السكين هنا معنوي فلن تنزل نقطة دماء واحدة ـ فتخور قوة الرجل ويوقع على وثيقة الاستسلام الأكيدة .
وأرجح الظن أن المتزوجين يتذكرون هذا النوع من الحب ، ولا ينسونه أبدا مهما تبدلت بهم الأحوال .. فقد مروا به جميعا !
ـ الحب أسود :
وهو الخفي في معظم الأحوال ، مثل الحشيش الذي يتداول سرا ، والبانجو الذي يدخنه أغلب صبية المدارس الثانوية في الشوارع نهارا جهارا بقروش معدودة ، والشرطة مغمضو أعينها في تواطؤ مميت .
هو أسود قاتم غطيس آناء الليل وأطراف النهار .
سمعت مرة زوجة مصونة وجوهرة مكنونة راحت تصرخ في بعلها : " كان يوم أسود يوم ما تزوجتك ! " واللون الأسود هنا لون (الزواج ) لا الرجل !
في مرة أخرى كنت أعبر تحت بلكونة ، وسمعت صوتا خشنا هو بالتاكيد لبعل آخر يقول لزوجته : " معقول لم تنته من طهي الباذنجان. كانت وقعة سوداء يوما ما شفتك " بالطبع سيدرك القاريء الكريم أن المقصود بالأسود هنا ليس بالقطع الباذنجان ، برغم قشرته السوداء الساحرة بل الزواج ذاته .
والمتشيعون لفكرة أن الزواج أسود يربو عددهم عن 90% من جملة المتزوجين ، غير أن النسبة الباقية 10% تتحفظ في إبداء رأيها لا من أجل أنهم يرون أن ثمة ألوان أخرى للزواج الحديث الذي هو سكن ورحمة ، بل خوفا من أن تنكد عليهن الزوجات عيشتهم ، وتصبح الحياة اسود من قرن الخروب ، خاصة مع صدور( قانون جيهان السادات ) التي أعطت الشقة للزوجة الحاضنة ( حتى لا يتشتت ذهن القاريء :المقصود هنا لا أن السيدة لا سمح الله حاضنة زوجها والعياذ بالله ، بل حاضنة طفلها الصغير .. آسفين للإزعاج ) .
أكثر المستفيدين من اللون الأسود للزواج هم طائفة المأذونين ، فهم في كل الأحوال يقبضون ، في الزواج ، وفي الطلاق لا قدر الله ، لذلك يمكن إفراد قسم خاص بهم ويتحدث عن أن الحب ابيض .
لكننا لن نغادر الأسود قبل استيفاء كل منحنياته ، وتعرجاته ، فلون ثياب السهرة في الغالب أسود ، وهذا ليس لأن الأسود يبرز مفاتن المرأة بل لسبب آخر هو أنها ترى أنه اللون المناسب للحب الذي أوقعها في شر أعمالها .
فالأسود هنا للترهيب والتذكرة ، كما أننا سنعثر على الأسود في بدل الرجال في كامل أناقتهم ، لأن من الطبيعي أن يرتدوا زي (الحداد )على عمرهم الذي راح هدرا .
الحب أسود بإجماع الآراء ، وتستخدمه النسوة في مصر للطلوع للجبانة وزيارة الأضرحة كل خميس ، وفي صباح العيدين ، ومعهم الكعك والقرص" رحمة ونور" على روح المرحوم ـ الزوج غالبا ـ ولا صحة للاعتقاد السائد أن الغراب له ريش أسود لأنه أحب ؛ فالغراب كالحدأة لا يعرف الحب العفيف ، وعند باعة الفحم ـ لاحظ أن الفحم لونه أسود ـ يكثر الحزاني ، والمتشائمين ، والمحبطين ، من فلول ضحايا الحب . الحب الذي يجمع الأحباء بعد مرور زمن طويل على التردي في هوته .
إنه ـ أي الحب ـ أسود من ليل امرؤ القيس في معلقته الجاهلية الشهيرة !
ـ الحب أبيض :
وهذا ما تشيعه البنات قبل الدخول في التجربة ، إذ الزواج لديهم هو نهاية المطاف ، وبداية صفحة جديدة ـ غالبا ما تكون بيضاء ـ ولهذا يمتنع أن ترتدي عروس أي ثوب بلون مخالف للأبيض ، فالمعنى الظاهري ، والباطني يؤكد ان الأبيض هو الحياد ، والوسط ، الطمأنينة والرفاهية ، ومن أجل إثبات أن الحب أبيض يرشق المحبون شعر البنات بالفل والياسمين ، وزهرة القرنفل البيضاء ، لكنهم بعد وقوع الفأس في الرأس لا يضعون أي شيء ، ويكتفون بمراقبة الشعر الغجري المجنون يسافر بعيدا عنهم .
الحب أبيض بدليل أن العريس يوم الصباحية يشهق في وجه زوجته المفتونة بزوجها الحمش ، ويقول لها : " صباحك أبيض ، قومي جهزي الأفطار " !
العروس ستدعي أنها لم تسمع كلمة حتى لا تقوم وتجهز سفرة الأفطار ، فيضطر الزوج المسكين لهزها هزات متوالية كي يذكرها أن (الحليب ) على النار ولابد أن تأخذ بالها منه حتى لا يفور .
لا يفور دم الزوج في الأسبوع الأول ، وربما مر الأسبوع الثاني دون فوران ، لكن المؤكد أن الأسبوع الثالث ومع استدارة الهلال وتحوله بدرا سيكتشف الزوج الخديعة ، فإما يطالب بالحرية والاستقلال ( وهذا نادر وغير معهود في المنطقة العربية ) ، وإما يرفع الراية البيضاء ، وكلنا يعلم ان تلك الراية بيضاء دلالة على الاستسلام .
الحب أبيض وأكبر دليل على ذلك أن( وجنات الفريد الطوابجي ) " بطحت " زوجها ليلة العرس لأنه أراد أ ن يقبلها فشقت رأسه ، ( شوفوا افترا صنف الرجال وضعفهم البشري!! ) ، وذهبوا بالمسكين مستشفى القصر العيني ، ونيموه على سرير أبيض ، وكانت ليلته بيضاء .
الحب أبيض كالثلج في بروده . ودائما ما يتم خلط الأمور فيقال مثلا أن هذا الرجل قلبه أبيض ، وهي صفة تلزم الرجال وتغيب عن النساء لأن الأبيض لديهم قليل للغاية .
الحب أبيض في نقاء ، ورونق ، وصفاء ، ولعبد الوهاب فيلم جميل اسمه (الوردة البيضاء) دليل على أن الهدف الأسمى هو حب الروح (لأن حب الجسد فاني ) ، وهو قول لم يطبقه محمد عبد الوهاب في حياته لأن عينه زاغت على امرأة جميلة محاطة بالخدم والحشم فخطفها عبر "السيكا " و"البياتي " متغلبا بوردته البيضاء وطربوشه المعوج على رئيس وزراء الأردن ، وبوسوسته أثبت للموسيقيين جميعا أن الحب أبيض مع ( دقة ) خفيفة مشربة بالكـُـحل .
الحب أبيض كما يقول علماء الضوء ، والبصريات ، فلو أنت أحضرت قرص عليه ألوان قوس قزح ، وأدرته بسرعة شديدة في اتجاه واحد لتحول القرص إلى البياض الكامل الذي لا لون ينازعه السلطة والعنفوان .
وهو عين ما يحدث للمحب المسكين ـ حالة كونه متزوجا ـ حين تدخل عليه زوجته المحصنة بالحنجل والمنجل ، فتدوخه ، وتمسك بيديه ،وتطوحه حتى يصبح على شكل قرص دائري أبيض عجيب . لوجاء الحسن بن الهيثم بجلالة قدره ، فلن يتعرف على محل "الوجه " من " القفا " وهذه من متاعب الزواج (الحداثي ) !
الحب أبيض لأن الملح كذلك ، فهل رأيتم ملحا لا ابيضاض فيه . كذلك الزواج الذي هو أكبر شربة ملح في التاريخ .
يقول علماء المنطق أن الحب حقيقة كبرى ، والزواج حقيقة صغرى ، بينهما طرق ومسالك .
الآن ..
أي لون تجدونه أكثر لياقة مع الحب ؟