ألا موت يُباع فأشتريه
كان أبو محمد الحسن بن محمد بن هارون المهلبي الوزير غاية في الأدب والمحبة لأهله. وكان قبل اتصاله بمعز الدولة في شدةٍ عظيمة من الضرورة والضائقة، وكان قد سافر مرة ولقي في سفره مشقة صعبة واشتهى اللحم فلم يقدر عليه فقال ارتجالاً:
|
ألا موتٌ يباعُ فأشتريهِ |
فهذا العيشُ ما لا خيرَ فيهِ |
ألا موتٌ لذيذُ الطعم يأتي |
يُخلصُنِي من العيش الكريه |
إذا أبصرتُ قبراً من بعيدٍ |
ودِدتُ لو أنني مما يليه |
ألا رحِمِ المهيمِنُ نفس حُرٍ |
تَصدقَ بالوفاة على أخيه |
|
|
وكان معه رفيق يقال له: أبو عبد الله الصوفي، وقيل أبو الحسين العسقلاني، فلما سمع الأبيات اشترى له بدرهم لحماً وطبخه وأطعمه، وتفارقا. وتنقلت بالمهلب الأحوال، وتولى الوزارة ببغداد لمعز الدولة المذكور، وضاقت الحال برفيقه في السفر الذي اشترى له اللحم، وبلغه وزارة المهلبي فقصده وكتب إليه:
|
ألا قل للوزير فدته نفسي |
مَقالة مُذكرٍ ما قد نَسيهِ |
أتذكر إذ تقول لضنكِ عيشٍ |
"ألا موت يباع فأشتريهِ" |
|
|
فلما وقف عليه تذكره وهزته أريحية الكرم، فأمر له في الحال بسبعمائة درهم ووقع في رقعته (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء) ثم دعا به فخلع عليه وقلده عملاً يرتفق به.
المصدر: طرائف من التراث العربي