أحدث المشاركات

بكاء على الاطلال» بقلم أحمد بن محمد عطية » آخر مشاركة: أحمد بن محمد عطية »»»»» مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»» قراءة في مقال يأجوج و مأجوج ... و حرب العوالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الطفل المشاكس بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»»

صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 36

الموضوع: نصوص القصة القصيرة التي شاركت في مسابقة الواحة الأولى

  1. #11
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    المشاركات : 4
    المواضيع : 0
    الردود : 4
    المعدل اليومي : 0.00
    من مواضيعي

      افتراضي

      ثلاثة كوابيس وصحوة
      د. وليد الصراف / العراق
      خديعة
      برغم تحذير أمي الشديد اللهجة
      - إ يّاك ان تتجاوز عتبة الباب
      استجبت لهذه الفتاة وانا العب وراء الباب نصف المفتوح
      - تعال لاتخف
      - ولكن امي لاتقبل
      - سأعيدك الى بيتكم قبل ان تنتبه أمك
      - الى اين تأخذيني
      - الى حيث أشتري لك حلوى لاأطيب منها
      كان شعرها طويلا وعيناها عميقتين وابتسامتها ساحرة وكان وعدها بالحلوى اكثر اغراء من تحذير أمي لذا اندفعت اليها فحملتني بين ذراعيها وقبّلتني وسارت بي حيث عبرت الشارع ، كانت تكلمني كما تكلم حمامة فرخها الصغير
      - انظر ، هذا بستان نارنج ، هل سبق لك ان رأيت النارنج وهذه اشارة مرور ، وهذه مدرسة وهذا ...
      كانت تعلمني أسماء ومعاني أشياء لاأعرف عنها شيئا فلم يسبق لي ان خرجت من بيتنا قبل ذلك ، وسارت بي مسافة طويلة نسيت خلالها بيتنا وتحذير أمي ، وفجأة أنزلتني
      - لقد أصبحت ثقيلاً
      وأمسكت بي من يدي ومشينا ، كانت تشرح لي عن كل ما نصادفه في الطريق ، وكنت كلما ابتعدت بي خطوة اخرى ابتعدت ذاكرتي عن أمي وبيتنا ذراعاً آخر . قالت على الرغم من انني لم أسألها وكنت قد نسيت تماماً موضوع الحلوى
      - بقيت خطوات ونصل الدكان الذي سأشتري لك منه الحلوى ، انظر ، هذا جامع ، اذا ضعت مني إذهب اليه
      ومازالت تسير بي حتى وصلنا الدكان
      - انتظرني هنا ، دقائق وأعود بالنقود التي سنشتري بها الحلوى واندسّت في الزحام وانا واقف انتظر . مرّت دقائق وايام واسابيع واشهر وسنوات كنت خلالها أخاف ان اغادر المكان خشية ان تأتي ولا تراني ، مسمّراً كأنني تمثال ، انظر بضراعة الى البقال ، وفي يوم ما ضاق البقال
      - ماذا وقوفك ؟ اذب ودعنا نر رزقنا
      - ولكن الحلوى
      - اية حلوى ، أمجنون انت ، اذهب
      وطردني ومشيت ، خصوصاً أنني كنت قد يئست تماما من عودتها ، فكرت ببيتنا القديم وأمي وتحذيرها الشديد اللهجة ، أصبحت العودة الى البيت مستحيلة بعد ان ضاع الطريق اليه ومرّت كل تلك السنوات . ثم تذكرت وجه الفتاةكم كان جميلا والحلم بالحلوى كم كان ساحرا ، واخذت أخبط في الطرقات دون هدى وانا انتحب انتحاب طفل أضاع أبويه ، بالرغم من أنني كنت قد تجاوزت الطفولة ، بعشرات السنين .
      سباق مائة متر مارثون

      أشارت اليد في لحظة ما فانطلقنا راكضين ، انا وهو في الساحة المخططة المقسومة بعدالة إلى سبيلين متساويين تماما في المساحة ، هيّأت لنا اليد التي أشارت فرصة عادلة في الزمان ، والخط الذي يقسم الساحة إلى سبيلين فرصة عادلة في المكان المليء بالموانع المتشابهة تماما ، نقطة الانطلاق نظرة ، نظرتنا اليها وخط النهاية مرسوم على شكل قلب ، قلبها .
      ركضنا ..
      قالوا انه سباق مائة متر في ملعب خال من الجمهور ، وبعد مئات الامتار اكتشفت انه سباق ماراثون وان الملعب يمتلئ بالجمهور تدريجياً . ظهر متسابقون جدد في الطريق واكتشفت سذاجتي حين توهمت العدالة ، نعم انطلقنا من لحظة واحدة ولكن ساحتي اوعر من ساحته وموانعها اعلى واكثر .
      سبقنا انا وهو كل الذين عنّوا لنا في الطريق والذين لم يكونوا مهيئين ولم يكن لديهم القابلية على هذا الماراثون رغم المنشطات التي تناولوها قبل السباق .
      غصّ الملعب بالجمهور واخذت اسمع اسمه مقرونا بالتشجيع واسمي مقرونا بالاستهزاء والشتائم ، لم أبال ، بقيت اركض في هذه الساحة العجيبة التي لم تنهكني موانعها الاعلى ولا استنكار جمهورها ، كنت التفت وانا اركض والجمهور يظن اني التفت لأقدر المسافة التي بيني وبين غريمي فيزيد من بذاءة شتائمه ، لم يكن غريمي يخطر لي على بال ، كنت لا أراه، وكان التفاتي لسبب آخر لاأعرف ما هو على وجه التحديد ، بقيت أركض كأن قوة الف حصان اندسّت في جسدي وارواح آلاف الفرسان النبلاء الغاضبين اندست في روحي ، شعرت ان وعورة الساحة التي تخصني وموانعها الأعلى والأكثر قد بدأت تثير اشمئزازي ، خصوصا وانا أرى ساحته قد بدأت تخلو من الموانع وتنفسح كطريق ممهّد .
      الجمهور نفسه بدأ يخرج على قواعد اللعبة ويدخل ساحتي ليعيقني ، لم أبال ، بقيت اركض ، نهارات تعرّت ، ليال وضعت الحجاب وانا أركض ، انضح عرقا وحبرا ودمعا وغريمي يركض فلا ينضح منه سوى عرق نتن وصلتني نتانته فزادت من اشمئزازي ، كل ذلك والجمهور باق مصرّ على متابعة السباق كأنه لاشأن له في الحياة سوانا
      اقترب خط النهاية ولاح القلب المخطط المحفور على التراب ، كنت اركض رغم التعب الشديد الذي بدأ يظهر عليّ وكان يركض ورائي بمسافة طويلة ، استنتجت طولها من اختفاء اصوات قدميه من ورائي .
      بقيت خطوة واحدة واضع قدمي على القلب ، كان الجمهور قد صمت تماما وبدأت احس بحياديقة بل بتغير موقفه تجاهي ، واذن سأدوس على القلب وأربح الجائزة ، ولكن هل افعلها ؟ هل أدوس عليه وانا اعرف انه قلبها ؟ ترددت وبدأت ادور حول القلب المخطط الموزع بالتساوي على نهايتي ساحتينا وانا أرتاب باللعبة كلها وأفسر صمت الجمهور على انه مؤامرة تحاك ضدي ، أدور حوله والملعب صامت والساعات متوقفة عن العمل والكون كله متوقف عن الدوران متلهف لمعرفة ما سأفعل اذ كانت المباراة تنقل بالاقمار الصناعية ، بل شعرت ان الموتى في مقابرهم والأجنة والنطف في مملكة الغيب تتابعني بلهفة ، وفي اللحظة التي قررت ان أحسم ترددي فيها لم أشعر الابيد تدفعني وتسقطني أرضاً بعيدا عن الساحتين معا وبقدم تدوس على القلب في الصميم .
      في اللحظة التي افقت فيها من ذهولي كانت عيني تواجه ما هو أقسى من العمى وهي تراه على المدرج ، وحبيبتي ، حبيبتي الوحيدة تعانقه وتضع على عنقه قلادة الفوز وكانت اذني تواجه ما هو اقسى من الصمم وهي تسمع الجمهور يهتف له ولها . واخذت ابحث في آلاف الطرق المتشابكة التي انداحت امامي من المشاهد والاصوات والألوان ولهجات المعلّقين والكاميرات ونداءات حرّاس المقابر وروائح صالات الولادة و ... أخذت ابحث عن باب للخروج وعن قبر لمواراة عاري الذي سيبقى يصاحبني حتى الأبد .



      الغريب

      كنت قد خاصمت مها واتهمتها بأشياء فظيعة لم أكن متأكداً انها فعلتها ثم ندمت ندماً قاتلاً وانتابني ضجر شديد ، ضجر اقفل بوجه الحواس بابي التآلف والهدوء ، فلم استطع معه ان اتحدث إلى احد ، أو افتح كتاباً أو اتفرج على التلفزيون ، أو حتى اقلب البوماتي متأملاً صوري القديمة .. لذا ارتديت ملابسي وخرجت من البيت علّني اسري عن نفسي أو اجد حلاًّ وصلت السوق ، مشيت غير قليل ، حتى انتبهت إلى ما أذهلني .. الناس تسير باتجاه واحد وهو الاتجاه الذي أسير اليه ، لااحد يسير إلى الجهة الاخرى من المدينة .. الشارع مكتظ بالسيارات والدراجات الهوائية والبخارية والعربات التي تجرها الحصن وجميعها تسير بالاتجاه ذاته ، حتى الشارع المخصص للسير بالاتجاه المعاكس تشغله العربات والسابلة التي تسير بالاتجاه ذاته .
      ما هذا الذي يحصل ؟
      السواق تشي بعصبيتهم الابواق التي يطلقونها كل لحظة مجتازاً احدهم الاخر ، سير السابلة اقرب إلى الهرولة منه إلى المشي ، الشخص الوحيد الواقف ينظم السير وكأنه يخربه هو شرطي المرور .
      كيف يسكت على هذه المهزلة ؟
      الجهة الاخرى مكتظة بالمقاهي والسينمات ومحلات الالبسة والعطور والمكتبات والجوامع ودكاكين الخضراوات والبيوت و..... ولا احد يقصدها بل الجميع يسيرون مبتعدين عنها في سباق لم افهم منه شيئاً ماهذا الذي يحصل ؟
      تجاسرت وعبرت الشارع إلى شرطي المرور ، بصعوبة وصلت اليه
      - من فضلك ماهذا الذي يحصل ؟
      - سر بسرعة ، الجميع يسيرون
      - ولماذا انت واقف إذن ؟
      - انا الآخر سأسير بعد دقائق بعد ان اطمئن على المشهد .
      - بهذا الاتجاه
      - نعم بهذا الاتجاه
      - لماذا ؟
      - لاتسأل ، سر .
      ماهذا ؟ جنون ، جنون ، حتى هذا الرجل الذي ينبغي ان يكون عاقلاً وينظم السير يشترك بهذه المهزلة ، رجعت إلى الرصيف وقررت ان أسير بالاتجاه المعاكس لسبب لم أتبينه في هذه اللحظة ، قد يكون مخالفة المألوف ، وقد يكون وفاء للجهة الأخرى من المدينة أو زهداً بالمنافع التي لابد سيجنيها الناس اذا واصلوا السير بهذا الاتجاه ، سبب لااعرفه ولكنه كان من القوة بحيث دعاني للسير بعكس اتجاه هؤلاء المجانين . وما إن خطوت الخطوة الاولى حتى هدر صوت شرطي المرور
      - ارجع
      صرخ صرخة تقلع الشجرة من جذورها رغم ذلك لم يلتفت اليه أحد ، وحدي سمعته وتغاظيت مواصلاً سيري ، فجاءت الصرخة الثانية أقوى
      - ارجع والاّ أطلقت النار .
      رجعت وانا خائف ، أسير مع الناس مضمراً السير بالاتجاه المعاكس بعد ان يذهب شرطي المرور هذا ، اما قال إنه سيسير بعد دقائق ، فجاءت الصرخة الثالثة .
      - اذا حاولت مرة اخرى ستسحقك العجلات والاقدام ، كل واحد من المارة سيقوم بدوري تجاهك .
      عجباً ، كيف عرف ما أفكر فيه ؟ واصلت سيري مع الناس وانا الأبطأ فيهم ، حتى المعوقون كانوا يسيرون أسرع مني ، ولا أدري من اين أتتهم هذه القوة الاضافية .
      ولكن لماذا ؟
      ينبغي ان افهم في الاقل ، فليس من المعقول ان يكون هؤلاء كلهم مجانين ، سألت أقربهم إليّ
      - من فضلك إلى أين أنتم ذاهبون ؟ أهي مؤامرة احتجاج على أمر ما ؟
      - لا
      - أهو كنز اكتشف في هذا الجانب من المدينة ؟
      - لا
      - أهو بركان سينفجر في الجانب الآخر حذّر علماء الارصاد منه؟
      - لا
      قالها واجتازني . فسألت أقرب شخص اخذ مكانه قربي وكانت إمرأة
      - ألأنّكِ رأيت الناس يسيرون بهذا الاتجاه تسيرين أنت ؟
      - لا
      - إذن فلكِ شأن خاص ؟
      - لا
      - كأن يكون مقابلة نجم سينمائي
      - لا
      قالتها واجتازتني فتضاعفت حيرتي وأحسست بيأس جامح وغربة قاتلة ، رأيت على مقربة بابَ مقهى مفتوحاً ، هذا آخر مقهى في المدينة بصعوبة اجتزت تيار السابلة ودخلته ، إطمأنت نفسي وأنا أرى ثلة من الناس يجلسون فيه ، يدخنون ويشربون الشاي وشلّت المفاجأة تفكيري وانا أرى ام كلثوم ، نعم ام كلثوم بشحمها ولحمها تغني لهم وجهاً لوجه بلا مكرفون ، عجباً ، الم تمت هذه السيدة منذ سنوات ؟ طلبت شاياً وأخذت أصغي اليها وأترنح كما يترنحون ، وخفت كثيراً من ان يدخل علينا احد كأن يكون شرطي المرور مثلاً ويجرنا إلى الشارع نمشي كما يمشي الآخرون ، الأغبياء ، لماذا لايستغلون هذه الفرصة النادرة التي يرون فيها ام كلثوم وجهاً لوجه ويسمعونها أذناً لحنجرة بلا جهاز وسيط .
      لسه فاكر قلبي يدّيلك أمان .. ولّه فاكر كلمة حتعيد اللي كان ، ولاّ نظرة توصل الشوق بالحنان ... لسه فاكر كان زمان كان زمان ، لسه فاكر كان زمان كان زمان تررن تن تن ترررن ترن ترن تررن تن تن ترننو ......... الله الله يا أم كلثوم ، أخذت اترنح وكأني استقيت خمر الارض كله من صوتها ، أسكرني صوتها ولن أفيق ، اعرف نفسي سأبقى سكران وسأتذكر مها ، أخذت استعيد أياماً من علاقتي بها بنقاء الدموع والكريستال ، فجأة رأيت الناس يدفعون حسابهم ويخرجون ملتحقين بالركب ، والموسيقيين يحزمون كمنجاتهم ويلتحقون بالركب ، كانت أم كلثوم آخر من غادر المقهى ، لحقت بها
      - من فضلك اريد إمضاءً على هذه الورقة .
      - أأنت مجنون ؟
      - لماذا ؟ ظننتك متواضعة .
      - أنا ميتة يامجنون والأموات لايوقعون .
      قالتها والتحقت بالركب حاولت ان ادخل المقهى مرة اخرى الا ان صاحبه منعني من الدخول وأقفله والتحق بالركب .
      مشيت ملتحقاً بالركب يدفعني من هب ودب مجتازاً محلات ومطاعم ودوائر رسمية موصدة ، مشيت مسافة طويلة وانا خاوٍ تماماً من الداخل حتى شعرت بيد تربت على كتفي
      - مها حبيبتي
      - حبيبي الوحيد
      - أتعلمين كم انا نادم على
      قاطعتني - لا تقل شيئاً الندم يقتلني انا ياحبيبي
      - ألست غاضبة مني
      - كيف اغضب من الرجل الوحيد على الارض الذي أحسست انني امرأة معه
      - لابد ان نتزوج
      وجاءت صرخة عظيمة من ورائي
      - ألم أهددك باطلاق النار ، اتظنني أمزح ؟
      التفت فوجدت شرطي المرور يمشي مع السابلة على الرصيف
      - امشِ
      مشيت مذعوراً وانا مستغرب ، فوجه شرطي المرور ظهرت عليه تجاعيد لم تكن موجودة قبل دقائق وبان الشيب واضحاً في رأسه ، مشيت مذعوراً ومشت مها ، دفعتنا امواج السابلة بعيداً عن بعضنا ، والتقت أعيننا لقاءً أخيراً قبل ان نفترق تماما ، لمحت في عينيها دمعتين ، انا الآخر بكيت وقد غابت عن نظري ، سأكمل الطريق وحيداً منفرداً كما بدأته ،بقينا نسير، اختفت البنايات ولاحت الارض اليباب وما هي الا خطوات حتى بدت مقبرة المدينة الواسعة ، الناس الذين أمامي يسدون الافق ، ورائي ايضا ناس يسدون الافق من كل الجهات بشر كالجراد يسيرون باتجاه مقبرة المدينة ويجتازونها الى ما لاأدري . والمشكلة انني لااعرف ماذا دها الناس هذا اليوم ولماذا يغادرون المدينة باتجاه مقبرتها ويغادرون مقبرتها الى ما لاأدري .
      والمشكلة انني مضطر للسير معهم ولا أملك أي خيار آخر ، والاّ سحقتني العجلات والأقدام .

      ******
      صحوت, لا أدري أصحوت من نوم أم من صحو , وإذا كنت قد صحوت من نوم فلا أدري أكنت فيه مغمض العينين أم مفتوحهما .
      الذي أدريه أنني صحوت وأنا على يقين أنني سأفوز في السباق وسأسير في الإتجاه الصحيح ومعي وخلفي وأمامي جميع من أحب حتى نبلغ .....

    • #12
      عضو غير مفعل
      تاريخ التسجيل : Aug 2003
      الدولة : القاهرة-مصر
      العمر : 61
      المشاركات : 6
      المواضيع : 1
      الردود : 6
      المعدل اليومي : 0.00
      من مواضيعي

      افتراضي فرج ربنا

      فرج ربنا

      لطمته الكلمات القصيرة..مات رضيعه بعد أن تنسم عبق الحياة يوما أو بعض يوم..تركه الطبيب إلى موظف مسئول لاستكمال بعض الاستمارات..أوراق كثيرة بصم عليها لا يدري ما بها..تنفس الموظف براحة و لملم الأوراق ثم أعطاه أقصوصة صغيرة..إنها إيصال استلام جثمان رضيعه..دلوه على المكان..دلف إلى الحجرة المبطنة بالقيشانى..رائحة الموت تثقل الصدور..رعشة غريبة اجتاحته..أستلم أخر منه القصاصة ثم ذهب إلى أحد الأركان و عاد و سلمه إياه..وقف جامدا..حائرا..لا يدري ماذا يفعل..عالجه الرجل "هات حاجه و لفه بيها"..أومأ بغير وعى..ناوله أحدهم غطاء أطفال بالكاد أحتوي الجسد الضئيل.
      مضى إلى الخارج..لفحه ضوء الشمس..مرة أخرى ألجمته الحيرة..ماذا يفعل..؟ تعالى صوت أذان الظهر..تساءل أمن الواجب أن يصلى عليه صلاة جنازة..؟..دخل المسجد..حار كيف يخلع حذائه و الجثمان بين يديه..نظر حوله لعل أحدهم يحمله عنه لحظات..لم يجد بدا من وضعه على الأرض..خلع الحذاء بسرعة و حمله مرة أخرى..تعمد أن يصلى الظهر عند طرف المسجد ليضعه بجواره..أستفسر و أجابوه بشرعية صلاة الجنازة حتى على الرضيع..تناول الأمام عنه اللفافة و وضعها أمامه .. أقام الصلاة مرشدا المصلين أن المتوفى طفل فادعوا لأبويه..لأول مرة انهمرت دموعه و كأنه شعر بحقيقة مصابه حتى أن الناس جميعا مطالبون بالدعاء له و لزوجته.
      انتهت الصلاة..لم يسلم عليه أحد تشاغل الجميع عنه و عن لفافته..لم يبقى سوى الإمام..أقترب منه.."هو أول نصيبك يا بنى"..أومأ برأسه بالإيجاب..أقترب الإمام أكثر.."و الست والدته مش بخير و الحمد لله"..واصل الإيماء برأسه بالموافقة..تهلل وجه الإمام.." يا ولدى لا يعلم الغيب إلا الرحمن ..إنك صغير السن..و غدا يرزقك العاطى الوهاب بالذرية الصالحة حتى تمل الأطفال"..لم يعرف بما يرد على مجاملة الإمام..بالابتسام أم بالبكاء..و فى النهاية أسعفته إيماءة جديدة برأسه.
      ضوء الشمس هذه المرة كان أقوى و الزحام أشد..جموع من البشر تزحف فى الشوارع و خاصة فى هذا الحى الشعبي أمام المستشفى المجانى..تمسك بقوة بجثمانه خشية أن يفلت منه من صدمة سائر هنا أو هناك..خفف القبضة فقد شعر بأصابعه تغوص فى الجسد الذابل..خشى عليه..مرة أخرى شعر بدموعه تختلط بحبات عرقه..لقد مارس شعورا جديدا عليه..بالحنو و بالخشية على ولده حتى و لو كان جثة هامدة..برغم أن موضوع الإنجاب هذا لم يكن يشغله و لا حتى يفكر فيه..بل لقد فوجئ يوم أن أخبرته زوجته بحملها..أستثقل الخبر ..لقد تزوج بالكاد.. و لكنه جاملها بابتسامة باهته و نسى الأمر أو تناساه تحت وطأة قسوة عمله بدنيا و نفسيا..يقضى يومه جالسا القرفصاء على أحد أرصفة شوارع القاهرة مجاورا العشرات و أمامه تنتصب (العده)..لا تهدأ عينه بحثا عن زبون يريد تكسير بلاط أو هدم حائط..يجرى عليه مزاحما العشرات..يحدوهم جميعا ذات الأمل الذي سريعا ما يصرعه اختيار الزبون لواحد أو أكثر..يعود إلى جلسته حتى يداهمه الغروب معلنا نهاية المحاولة اليومية إلى غد قد يتصادف فيه اختيار الزبون له.
      أخيرا استجابت له سيارة أجرة بمجرد التوقف..أتخذ المقعد الأمامى و لفافته على ذراعه..سأله السائق مستنكرا دخوله السيارة قبل إتمام الاتفاق حول (على فين و بكام).."على فين إن شاء الله"..أجاب باقتضاب متجنبا النظر إليه.."المدافن"..واصل السائق لهجته الاستنكارية.."أى مدافن..؟المدافن كتير"..أسقط فى يده فجأة أكتشف أن القاهرة الكبيرة بها أكثر من منطقة مدافن..فى بلدته بل و فى كل القرى المجاورة له..كلمة مدافن تعنى مكان واحد فقط..و بغض النظر عن مكان المدافن..الأدهى انه لا يعرف أين يدفن جثمانه..؟ذادت حيرته من ارتباكه..و للحظة فهم السائق..نظر له بتردد.."هو ده أبنك يا بلدينا..؟"..مرة أخرى هاجت مشاعره بوخزة كلمة أبنك..تمنى لو أطلق العنان لدموعه بل لصرخاته ..تمنى لو ارتمى بين أحضان السائق منتحبا..فى هذه اللحظة بالذات تمنى أمه ..تمنى أحضانها أو حتى لمسة من كفها الخشن..لعن فى سره يوم أن ترك بلدته إلى القاهرة الواسعة وحيدا مع زوجته لهثا وراء سراب لقمة الخبز..و بالفعل فى معظم الأحيان كان نصيبه من تلك القاهرة..فقط لقمة خبز..أفاق على تمتمة السائق بلا حول و لا قوة إلا بالله.
      مضت السيارة تجوب شوارع و أحياء لا يعرفها حتى اجتازت منطقة مدافن..توقفت..هم بالخروج منها..أستمهله السائق.."أستنى يا بلدينا ..أنت رايح فين..أستنى دلوقتى ربنا يفرجها"..عاد إلى وضعه منتظرا..لا يعرف حتى ماذا ينتظر..إنه فقط ينتظر فرج ربنا..ياه..فرج ربنا..منذ سنوات طوال و هو ينتظره برغم أنه ذاته أسمه "فرج ربنا"..لطالما قصت عليه أمه..أن أبوه صمم على تسميته كذلك..فقد تزوج ثلاث مرات بحثا عن امرأة تهبه الولد بعد رحلة طويلة مع الإناث..و عندما أتت له الثالثة بالولد أصر على تسميته (فرج ربنا)..لم يرد تسميته (فرج الله) لأنه أسم شائع..لقد أراد لولده التميز و لو فى الاسم..و لكن القدر لم يمهله حتى يراه مميزا أو حتى معدما فقد مات فى ريعان شبابه تاركا لفرج ربنا ..(العده).
      شعر بتنميل فى ذراعه..نقل الجثمان للذراع الأخر..من يدري قد يكون هذا الجثمان أسعد منه حظا ..قد يكون الرحمن قد كفاه ويلات و شقاء هذه الحياة و لم لا و كل الشواهد تدل على أن فرج ربنا لم يكن سيورثه و بالكاد سوى (العده).
      لكزه السائق.."الحمد لله..مش قلت لك ربنا حيفرجها"..لمح من بعيد جنازة تتجه إلى مدفن قريب منهم..نزل السائق و فتح له الباب.."تعال..تعال بسرعة"..مضى خلف السائق متعثرا..حاول أن يسأل و لكن خطى السائق السريعة خلف الجنازة لم تسعفه..تركه جانبا و ذهب إلى أحد حملة النعش مؤكدا لنفسه أنه أقرب أقرباء الميت..أسر فى أذنه بكلمات..و ما أن وضع الرجل النعش حتى هرع إليه..لم يفهم..أقبل عليه متهللا.."ربنا يعوض عليك يا بلدينا..هاته..هات.."..تردد..لك ه السائق مرة أخرى "أديه له..أديه له"..قاوم إحساس داهم بالحسرة و الحزن بل و بشيء من التأنيب الذاتى على تفريطه فى الجثمان..أخذه الرجل من بين يديه و عاد به إلى المقبرة..اختفى فى جبها ثم خرج متربا..أغلقوا القبر..فوجئ بالرجل يعود و يدس فى يده ورقة بخمسين جنيه و هو يهلل مستبشرا.."إن شاء الله أبنك ده حيكون نور و رحمة على التربه كلها".
      بسرعة تم كل شئ..حتى أهل الميت أبتلعهم الطريق..لم يبقى سواه و السائق و الرجل صاحب المال..أستأذنهم فى غلق المدفن..ربت السائق على كتفه و سحبه للخارج.."مش قلت لك فرجه قريب.. و ربك بيقطع من هنا و يوصل من هنا"..سار مطأطئ الرأس..متحسسا الورقة المالية دون أن يدري أنه قد نسى تحديد مثوى ولده وسط المدافن المتشابهة.

    • #13
      الصورة الرمزية جمال دغيدى قلم منتسب
      تاريخ التسجيل : Mar 2006
      الدولة : بصورة مؤقته فى السعودية
      المشاركات : 10
      المواضيع : 2
      الردود : 10
      المعدل اليومي : 0.00

      افتراضي قصة جمال محمود دغيدى

      عـفوا يا أبى

      لم أعد صغيرة يا أبى ، فطالبة بالسنة الأولى من المرحلة الإعدادية تستطيع أن تدرك الأمور بوضوح ، نعم أنتَ تتعب كثيرا من أجلنا ، تخرج مثلنا مبكرا ، ولا تعود إلا مع غروب الشمس ، نستقبلك مهللين فرحين بقدومك ، نشم فيك رائحة الإرهاق والكد ، قلتَ لنا كثيرا إن التعب يزول عنك عندما ترانا ، كان سعيد ومحمود يتعلقان بعنقك ، وكانت سميرة وفاطمة تمسكان بيديك ، تمسحان بيديهما الرقيقتين عليهما ، كنتَ سعيدا بذلك ، وكانت تسعدني هذه اللحظة كثيرا ، وكانت أمي تهب لتعد لك الحمَّام ، كنتَ تخرج منه مضيء الوجه فتجدنا في انتظارك حول الطعام .
      لم تقصر مع أمنِّـا يوما ، ظللتَ بجوارها وهى مريضة ، كنتَ تداعبها وتخفف عنها وطأة المرض ، بالغتَ في إحضار الفواكه ، غسلتَ الملابس ، أعددتَ لنا الفطور ، وأعددتَ حقائبنا كل صباح ، قبل الذهاب إلى المدارس ، منحتنا الحب ، ولكنكَ اعترضت بشدة عندما أوصتك بنا أمنا ، قلتَ لها ، فكرى في الشفاء ولا تفكري في الموت ، قلتَ لها إنها زهرة البيت ، وأننا لا نستطيع العيش بدونها ، كانت تبدو عليها السعادة بما تقول ، وكانت تبدو علينا السعادة بما تقول .
      نعم يا أبى كان أخوتي صغارا لا يدركون شيئا ، كنتُ أوضح لهم ما لبس عليهم من أمر ، سألوني عن الموت ، ولماذا يأتى ، سألوني أين يذهب الناس بعد الموت ، قلتُ لهم كما تعلمتُ منك ، عند الله ، فالحياة هناك جميلة ، وأن من لا يكذب ، ومن يعطف على الفقراء ، ولا يضر الآخرين ، كل من يفعل ذلك سيجد هناك خيرات كثيرة ، قالوا لي أن أمنا ستجد هناك خيرات كثيرة ، أكثر من كل الناس ، كانت تطلب منا أن نصاحب التلاميذ الفقيرة ، وأن نحضر بعضهم إلى بيتنا ، كانوا يلمحونها وهى تدس في جيب هؤلاء شيئا ، كانوا يدركون مثلى أنها نقود ، وكانت تقدم لهم أفضل ما عندنا من طعام .
      لم تكذب عليك قط يا أبى ، نعم لم تكذب عليك ، فنحن كنا ملتصقين بها ، نرى أفعالها ونسمع ما تقول لك ، فإذا فعلتْ ما يغضبك في غيابك ، كانت تبادرك به قبل أن تجلس بعد عودتك من العمل ، كنتَ تسامحها ، وكان قلبك كبيرا .
      نعم يا أبى تعبتَ كثيرا ، قلتَ لنا أن الحياة صعبة دون امرأة تقوم بشئون البيت ، حاولتُ كثيرا أنا وأخوتي أن نقوم بشئون البيت ، قلتُ لهم أنك حين تجد البيت نظيفا ، والملابس زاهية ، لن تفكر فيمن يدير شئون البيت ، كنتُ أعد لك كوب الشاي وأدخل عليك به في حجرتك ، وأبتسم وأنا أقدمه لك مثلما كانت تفعل أمي ، كنتُ أستقبلك وأعد لك الحمَّام ، وأعلق لك الملابس النظيفة مثلما كانت تفعل أمي ، لكن قرارك كان صارما ، اعترضنا في أول الأمر ، ثم تقبلناه راضخين غير راضين ، حاولتُ أن أقنع أخوتي ، قلتُ لهم إنك تحبنا ، ولن تدع أحدا يؤذينا ، قالوا بماذا نناديها ؟ ، قلتُ لهم : خالتي ، اعترض سعيد قال إنها ليست خالتي ، حاولتُ إقناعه بأنها ستكون مثلها .
      تحملنا القسوة من أجلك ، كان داخلنا يبكى طيلة الوقت ، وأعيننا تبكى أحيانا ، نعم يا أبى لسنا ننكر ، كانت أمنا تقسو علينا أحيانا ، ولكننا كنا نرى من وراء قسوتها حنانا خفيا ، تقسو علينا لإصلاح أمورنا ، لكن هذه قسوتها مجردة ، تخلو من الحنان .
      نعم مازلنا نرى ما تفعله من أجلنا ، أحيانا تداعبنا ، وتلعب معنا أحيانا ، نطمئن بك ، ونشعر بالأمان في وجودك ، تسأل عن أحوالنا ، تناقش معنا بعض الدروس ، توصلنا أحيانا إلى المدرسة ، كانت تغمرنا السعادة في لحظات وجودك معنا ، وتعودنا على قسوتها ، فقد كنتَ تمسح عنا تلك القسوة بكلماتك الحنونة .
      نعم يا أبى ظل أخوتي يحبون الجلوس بين يديك ، ويتطلعون إليه ، لكنني لم أعد أحب الجلوس معك ، بل عفوا أصبحتُ أكرهه ، لا تخف فلم أحاول أن أنقل إحساسي هذا إلى أخوتي ، لم يعد لعطفك طعم ، لا بل أصبح له طعم آخر ، طعم أكرهه وأتقزز منه ، لم تعد كلماتك تطربني ، بل أصبحت تبكيني ، حتى سؤالك عن دراستي لم أعد أهتم به أو أبالي.
      تعجبتَ من التغير الذي حدث لي ، حاولتَ أن تتقرب منى أكثر ، وكنتُ أبعد عنك أكثر وأكثر ، سألتني لكنني لم أجبك ، عفوا يا أبى لم أقصد مضايقتك ، وإنني حزينة فعلا لما أفعله معك ، ولكن هذا يحدث رغما عنى ، بعدما سمعتك تقول لها ضاحكا :
      ـ معكِ أشعر كأنني لم أكن متزوجا من قبل ... لكن حاولي
      يا حبيبتي أن تضحكي على الأولاد كما أفعل أنا .
      ـــــــــــــــــــــــ

    • #14
      عضو غير مفعل
      تاريخ التسجيل : Nov 2005
      المشاركات : 81
      المواضيع : 17
      الردود : 81
      المعدل اليومي : 0.01

      افتراضي قبلة باردة

      قبلة باردة""

      أهلاً..انتظرتك طويلا ..لماذا تأخرت ؟..
      _العمل كما تعلمين .. فهم لا يرحمون هنا..
      أشارت بيدها, وهزّت رأسها ,أنها تفهم بكل تأكيد.
      وقالت وهى تعطيه ابتسامتها المعهودة:_ سوف اسخن لك الطعام مرة أخرى لقد برد..
      قال متعاطفا:_ كلا سأكله الآن كما هو ..لا داعى ..
      إنها أيضا لم تكن تستطيع أن تقف على قدميها لتعيد تسخين الطعام,ولكنها أجبرت نفسها أن تعرض عليه الأمر.. وقد اراحها بجوابه.
      أنهى طعامه..وقام ,أشعل سيجارة ,واتجه الى المكتب ,فرد أوراقاً كثيرة ..وشرع فى العمل .يطلبون الأوراق غداً .ويجب أن ينتهى منها..
      اقتربت منه ,وضعت كوباً من الشاى أمامه .. تحسست شعره بيدها ,رفع رأسه, ثم أمسك راحتها, ووضعها على فمه وقبلها..تركت راحتها لبرهة بين شفتيه, ثم سحبتها برفق. ..
      انصرفت لتتركه لعمله الذى لم ينته , ولن ينتهى منه منذ وطأت أقدامهما أرض هذا الوطن الغريب.
      خمس عشرة سنة وهما هنا..مروا عليهما كأنهم قرون .
      كل سنة يحلمان بالعودة إلى أرض الوطن.. ولكن يأتى الحلم بصعوبة.
      أحلامهما تتعثر ,ثم تستقيم, ثم تعود للتعثر ,وهكذا الايام تمضى.
      جلست أمام التلفاز تتابع حوار المذيعة اللامعة مع ضيوفها"الحياة أصبحت مفتوحة أمامنا رغم كل الضيق الذى يسيطر على مشاعرنا العالم أصبح قريةصغيرة .وتتشابه الأسماء والأزمنة وتختلط المفاهيم فى عقول الناس ولكن لابد للعودة إلى رحم الحياة الأم إلى بكورتها ولحظات التنفس الحقيقى"
      ما كل هذا الذى قاله العالم المهيب..
      والمذيعة تهزّ رأسها موافقة..
      مصمصت شفتيها وغيرت القناة
      صوت ذلك المطرب لا يعجبها به رنة مزعجة قامت بتحويل القناة مرة أخرى..اللعنة!
      ألم تحذف هذه القناة من القائمة أمس؟!..
      تعلقت عيناها بالقناة للحظة,ثم سارعت بحذفها مرة أخرى
      مرت على القنوات سريعا. لا شىء, لا شىء جديد.
      أغلقت التلفاز ,وقامت إلى المطبخ متثاقلة..جهزت العشاء وانتظرت برهة قبل أن تلج فى غرفة المكتب..
      مازال منكباً على أوراقه..تنحنحت
      قال:_قاربت الانتهاء,نصف ساعة أخرى
      قالت:_لقد جهزت العشاء.
      قال فى لامبالاةوهو يواصل عمله:_كلى أنتِ أمامى بعض الوقت
      انسحبت من أمامه, ودخلت للمطبخ مرة أخرى ,غطت العشاء. منذ متى لم يجمعهما والخبز وقت..سنوات طويلة, تنهدت فى حسرة ولم تتناول لقمة..قررت أن تنام ..دلفت إلى حجرة النوم ارتمت على السرير.
      لم تشعر بالبرد هذه الليلة وبتلك القوة؟
      راحت الذكريات تتوالى ..أحلام الثراء أحلام السفر الغربة بكل ما فيها من ضغط ومرارة
      والأطفال الذين يرفضون أن يجيئوا فى تلك البلد ..زيارتها للطبيب لعدة مرات..وعلى مدار سنوات حتى ملت الأطباء
      قال الطبيب:_لا مانع لديك من الحمل وزوجك كذلك.. أهم شىء الراحة النفسية لكما معا..
      ومن أين تأتى هذه الراحةالتى تكلم عنها؟
      جسدها يرتعش تحت الأغطية الكثيفة..دمعة تسللت من عينيها وفرت تبغى الخلاص.
      لقد تحملت الكثير ,تحملت فوق طاقتها,ولكن ماذاأمامها لتفعله؟
      سمعت صوت حركة أقدامه فى الصالة جففت دموعها التى بدات فى الانحدار..من الجلىّ أنه أنهى عمل اليوم.ذلك العمل الذى لا يدع فرصةلهما ليعيشا حياتهما الخاصة..سيذهب للمطبخ الآن ..ويتناول عشاءه فى سرعة,وكأنه يؤدى واجباً مملاً,ثم يذهب ليفتح التلفاز ..سيقلب القنوات سريعاً,سوف يُلاحظ أنها حذفت تلك القناة الملعونة سيضحك..تعلم أنه سوف يثبتها مرة أخرى ثم يشاهدها لدقائق بحكم التأكد من التثبيت ..ويغلق التلفاز..ستعيد فى النهار حذفها هكذا تمضى الأمور بينهما منذ سنوات.
      خطواته تقترب من باب غرفتها ..سيفتح الباب الآن ,ويدخل يحاول إلاّ يزعجها ..ستلتف بجسدها إليه وتنير اللمبة الصغيرة بجوار السرير ليعرف أنها لم تنم بعد..وتتقابل العيون والأبتسامات
      .ضحكت وهو يقول :_لقد انتهيت
      اقترب منها وضع قبلة على جبينها ..ازاح طرف الغطاء .ودلف للسرير..لثم جبينها مرة أخرى وأعطاها ظهره وذهب فى النوم.
      ما زال النوم بعيداً عن عينيها.
      بينما ارتفع شخيره وهى ما تزال ترتعش
      وتتساءل لماذا تشعر بكل هذا البرد ..لماذا؟!
      محمد إبراهيم محروس loksha_loksha73@hotmail.com

    • #15

    • #16
      قلم منتسب
      تاريخ التسجيل : Apr 2005
      الدولة : الجزائر
      العمر : 53
      المشاركات : 62
      المواضيع : 9
      الردود : 62
      المعدل اليومي : 0.01

      افتراضي

      قصـة ـــــــــــــــ صرخـة الحيـــاة* ـــــــــــــــ

      بقلم القاصة / عائشة بنت المعمورة

      قال تعالى: (( وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت..))
      صدق الله العظيم


      فرحة عارمة أحسها تتسرب بداخله.. تبعث فيه الطمأنينـة والسعـادة من جديد.. تحسسه برجولة عائـدة وغرور احتـواه في لحظة كبرياء... أفكار تراوده وهو يخطو الخطوات نحو مزرعته الصغيرة.. بفأس تعبت كتفاه من حملـه واخشوشنت يداه من شق التربة.. تيقن أخيراً أن أيامـه المتتاليـة المتعبـة التي اختزلت آلامه وأحلامه وقهره ستختفي.. ستختفي وإلى الأبــد.
      لقد قرب موعد الولادة وهو يتطلع بشوق ولهفة إلى المولود الجديـد.. طفل يحمل اسمـه.. امتدادا لرجولتـه.. طفل يحمل تعبـه.. طفل يحمل أحلامه وآلامه.. طفل يخفي خجلـه ويرفـع رأسه أمام أمـه التي ما فتئت تسمعه الكلام الجارح وتحثـه على الزواج من أخرى تلد الذكور، وأنه رجل بإمكانه أن ينجب الولد كبقية اخوتـه..
      كانت تقول له دوماً:
      ـ خديجـة رحمها يلد البنات..!!
      وكأنها تطعنه في رجولة مسلوبة فيخيـم صمت رهيب ينقص من قدرته وهي تتابع إلحاحها وتذمرها:
      ـ ما رأيـك في سمية ابنة عمك.. ستنجب لك الذكر الذي حرمتك منه زوجتك؟
      فجــأة تذكـر بناته وقد تنجب زوجته مرة أخرى بنتاً فتوَّلد الألم من جديد والخيبة قطعت دربه وتجـرع تنهيدة الحسرة التي تلاحقه والحظ العاثر الذي يلازمـه ويطارده بكثير من العناء الذي أثقـل أيامـه.
      نسـي "وليد" أنه بخجله ألبس بناته السبعة رداء العار وأسقط على نفسه رجولة قوية تحميه من ذل العائلة وقهر الزمان.. أنساه الجبن أنه رجل بإمكانه أن يخرس الألسـن إلى الأبد وقد تناسى أنه هو من صنع هذا المجتمع بسلطة جائرة وأبوة كاذبة ورجولة مزيفة..لم يرحم طفولتهن وتوسلات زوجته الخائفة من طلاقـها.. لم يرحم سكاكين الألم التي تجرحها من عيون أمه وزوجـات اخوته..
      كبر جرحها وهي تتكئ على آلام الخوف من المجهول.. استوقفتها تلك الكلمات الجارحة التي كانت تسمم بدنها فأطلقت العنان لألمها وصرخت صرخة قوية.. مدوية بها أرجاء الغرفة فنزل المولود الصغير بصرخة الحياة وقد كسا العناء وجهها وأخذ التعب والإرهاق من جسدها النحيــف قوتها.. حدقت في وجوه الممرضات بجانبها بعدما استفاقت من غيبوبة الوجع تترقب الخبـر.
      تهنئها الممرضة قائلـة:
      ـ الحمد لله قد رزقت بطفلـة جميلة.
      نزل عليها الخبر كالصاعقة وهي تنظر إليهن باندهاش وسقطت دمعتان تجرح خديها المصفريـن..
      ضحكت الطبيبة مخففة آلام الولادة وهي تقول لها:
      ـ أتبكين من الفرحة أم من الألم؟
      ردت عليها الممرضة وهي تغرز حقنة التخدير في الوريد:
      ـ كيف لا تفرح وقد رزقت طفلة جميلة بعد ولادة عسيرة..
      صفعها قولهن وغاصت في غيبوبة تمنت أن لا تفيق بعدها.
      سمعت العجوز في البهو صراخ الطفلة فضربت الأرض برجلها وهي مقطبة الحاجبين تقول لولدها:
      ـ إنه صراخ بنت.. بنت.. بنت..
      عادت الممرضة بابتسامتها مبشرة الزوج بأن الله أكرمه بطفلة جميلة.. وقبل أن تكمل قولها رفع صوته متذمراً:
      ـ إنها طالق.. طالق.. طالق.
      في اليوم التالي لبست الأرض حلة بيضاء وأشرقت شمس الصباح تطبع قبلة لؤلؤية تغازل بها بياض الأرض وانتظرت خديجة زيارة زوجها.. يوم.. يومان..
      فجاءت العجوز تنذرها بيوم موعود تخبرها أن ابنها قد طلقها البارحة، وأن عودتها إلى المنزل مع ابنتها استحالة.
      وقع عليها الخبر كالصاعقة وآلمتها الغصة في حلقها وانتظرت الليل بعدما اسودت الدنيا في عينيها ولاحقتها الأفكار الجهنمية وقد سكنها اليأس والإحباط.. حدقت النظر في الصغيرة.. نظرت من حـولها.. سحبت الوسادة وكتمت بها أنفاس الصّبية المولودة فكانت آخر نفس من صرخة الحياة.

      هامش: ــــــــــــ
      *القصـة واقعيـة..جرت أحداثها في إحدى الأرياف الجزائرية .
      bentelmaamoura@maktoob.com

    • #17
      الصورة الرمزية مروان المزيني شاعر
      تاريخ التسجيل : Dec 2002
      الدولة : المدينة المنورة
      العمر : 55
      المشاركات : 777
      المواضيع : 85
      الردود : 777
      المعدل اليومي : 0.10

      افتراضي

      قصة .. يتيم .. والأب عايش
      ...
      ..

      دخل إلى الفصل ليلتقي بزملائه السابقين. كان المكان يعبق بفرحة اللقيا ورؤية الأصدقاء بعد عطلة ليست بالقصيرة أبعدت شمل التماسك الذي يربط الطلبة بعضهم ببعض. رأى تلميذا يجلس منفردا وحيدا ، لا ينظر إلى أحد ولا يكلم أحدا. ويمر الوقت وهو لا يزال مستمرا في إرسال النظرات الحائرة التي تحاول اكتشاف ما يدور في خلد ذلك الشاب بينما كان الشاب يعيش في جو يختلف عن جو بداية العام الدراسي الجديد. ولكن تقف نظراته عاجزة عن اقتحام أسوار متينة عالية يسودها الصمت والهدوء. كان يعتقد بأن هذا الهدوء ما هو إلا الهدوء الذي يسبق العاصفة. وفجأة تلتقي الأعين ويشع بريقها وتتساقط النظرات ثكلى عندما تغير ذلك الاعتقاد وتدهور إلى أسفل جبل يعلوه الثلج ويطغى عليه البياض. فعرف بأن هذا الهدوء هو .. الهدوء الأبدي.

      وتمضي الأيام والشاب الجديد على حاله رغم علاقاته الضئيلة مع تلاميذ الفصل. تعرف عليه وظلت علاقتهما ودية ذات حساسية نوعا ما. وبمرور الوقت تتطور هذه العلاقة وتصبح أعمق من قبل. واكتشف بأن صديقه الجديد فقد والده وهو طفل رضيع ، وكانت ظروفه المادية من الظروف التي يتمناها أي طفل ، بل أي إنسان على الإطلاق. وبسؤال عفوي طرحه عليه لم يقصد من ورائه شيئا سوى الاستفسار عن إحساس اليتيم ، أجابه الشاب بعد تـنهيدة عميقة ..
      : أنا فقدت أبي منذ طفولتي ، وحرمت من الأب الذي يمثل للابن كل شيء. فأنا أريد أبا يشعر بما في داخلي ويعرف متى أكون متضايقا. يواسيني ويحمل عني متاعبي وينفس عني ما بي من هم. يشاركني أفكاري ويعطيني من تجاربه في الحياة. يشاركني حين أكون مسرورا فيزداد سروري ، يشاركني حين أكون محزونا فيخفف عني. أريد أبا يعرف بم أفكر قبل أن أتكلم. يفهمني قبل أن أتفوه بكلمة أو ببنت شفة. أريد أبا يضعني مكان قلبه ويشغر بي كما يشعر بنبضاته. أريد أبا .. أبا.. هل تعرف ماذا تعني هذه الكلمة ؟!
      فأصابه الذهول مما سمع وأخذ منه الذهول مأخذا عميقا وقال..
      : إن والدي يعيش معي وأراه كل يوم ، ومع ذلك أشعر بما تشعر به ، وأريد ما تريده.. فما يعني ذلك ؟!
      فرد الشاب اليتيم : لست أنا من يجيبك .
      فقال : إذن من يجيب ؟!
      قال اليتيم : أبوك.

      وتبقى هذه المحادثة تلاحقه دون أن تدع لـه مجالاً لإدراك ما يدور من حوله. فقد حركت داخله مشاعر الحرمان التي ألهبت صدره. وبدأ شريط حياته يعرض ذكريات قديمة طواها الزمن وسجنت بين قضبان الطفولة. أخذ ينبش عنها حتى وجدها فنفض عنها غبار السنين لينكأ جراحاً أليمة. ذكرى النجاح ، أول هدية وعده بها والده في حياته. تذكر أول ثمرة قطفها عندما حمل شهادته وركض نحو أبيه لتكمل فرحته بالهدية. كان يتعثر فينهض ويتبع طيف واله الذي يحمل الهدية ويسرع نحو البيت. كان يلهث من شدة الجري. رأى منزلهم من بعيد. زادت خفقات قلبه ، فأسرع أكثر وأكثر حتى وصل إلى الباب فوجده مفتوحا على غير العادة. لم يكترث وحاول الدخول إلا أن صوت شجار والديه صوب سهماً قاتلاً نحو صدره. فتطايرت الفرحة من قلبه وسقطت الثمرة التي جناها من يده ، وتحولت دموع الفرح إلى نزيف ألم. سمع كلمات لم يفهم معناها لكنها حفرت في قلبه.. ( .. الصبر .. العشرة .. الزوجة الثانية .. الطلاق .. ) تذكر كيف تلقفته والدته في أحضانها وهو يبكي من قسوة والده التي مزقت قلبه إلى أشلاء كثيرة ورمت بها في واد سحيق. كاد صدره يختنق من غبار الذكريات ، فغيمت سحب من الدمع الذي أخمد شيئاً من نيران قلبه المشتعلة. كان يحاول ألا تسمعه والدته المريضة.. تلك التي ضحت من أجله بكل شيء. كان أمله أن يرفع عنها ثوب المرض الذي تربع على صدرها بعد أن وهبته شبابها وأغدقت عليه من حنانها ورعايتها. كان ذلك يدفعه لأن يكون طبيباً ليقف في وجه ذلك المرض وينتصر عليه وينقذ والته من بين براثنه. وبدأ يسطر لنفسه الطريق وأخذ يخطو فيه أولى الخطوات.

      تمر سنوات طوال لم يعرف فيها لأبيه صوتاً ولا نظرة. كان يثب على الأيام وثوباً في سباق مع الزمن. صوت أمه .. نظراتها .. آلامها .. كل ذلك يدفعه دفعاً نحو الأمل. كان يمر على الذكريات ناسياً أو متناسياً. يحبس الآهات في صدره مخافة أن يتعثر بها. تسلق جبلاً وعراً بغية الوصول إلى القمة. فإما أن يصل ويجني النجاح ، وإما أن يسقط ويسقط معه الأمل. كان الدَّين الذي ربطه في عنقه لوالدته يجعله يحطم الصخر من طريقه. واقترب الفجر الذي طال انتظاره ، وبدت شمس النجاح على الأفق ، وأصبح حلم الأمس حقيقة اليوم. كان النجاح جبيرة القلب الكسير. حمل ذلك النجاح لوالدته التي بكت كثيراً فرحة بزرعها الذي أينع فطرح ثمراً نافعاً. انحنى على رأسها يقبله ويقلدها وسام النجاح الذي ناله بفضل الله ثم بفضل دعائها. قبّل يديها قبل أن يهمس قائلاً :آن لك الآن أن ترتاحي وتقلديني كل عبء حملته من أجلي ، ولسوف أبذل جهدي لإسعادك ما استطعت. فمسحت بيدها الحانية على خده وقالت : إن وجهك اليوم أنساني كل حزن وتعب. إن الابتسامة التي أراها على محياك هي الدواء الذي طال انتظاري له. وأخذت دموع الفرح تغسل دهراً مضى .. تزيل آلامه وأحزانه. وانسابت الأفراح تترى. شفيت والدته ، ومضى هو يكمل مشوار النجاح.

      أصبح طبيباً مشهوراً. تفوق في تخصصه حتى ذاع صيته بين الأطباء. حياته مع والدته علمته قتل اليأس بالأمل ، والخوف بالإقدام. كانت ابتسامات المرضى أوسمة يراها كل حين. كان يفكر فيهم حتى في يوم زفافه. وما كاد ينتهي شهر العسل حتى عاد إلى أحضان المستشفى يجوب طرقاتها ويعود مرضاها. وفي زاوية من المستشفى رأى شيخاً كبيراً يجلس على كرسي متحرك بينما يقوده شاب يبدو عليه ملامح الوقار. كان خارجاً من عند أحد الأطباء. رأى على وجهه مسرحاً لعبت فيه السنين أدواراً حزينة. وستار الشيب يكاد ينسدل على آخر فصل فيها. هاله ما رأى من حال ذلك الشيخ ، فتوجه مسرعاً نحو الطبيب الذي كان عنده ليسأل عنه. علم بأن ذلك الشيخ فقد النطق وأصيب بشلل بعد صدمة عصبية. وليس له من يعوله.
      ذرفت عيناه مما سمع ، وطلب من الطبيب أن يسمح له بعلاجه ، فأخبره الطبيب بأن الشيخ يحتاج إلى مستشفى متخصص في الأمراض النفسية والعصبية. وقد أوصى بذلك في ملف المريض إلى مدير المستشفى. خيم الحزن عليه لما سمع وأسقط الألم عليه شباكاً ثقيلة. كيف يقف عاجزاً عن انتشال مريض من بين براثن الألم ! . تذكر والدته وحياته السابقة كلها. هاجمته الذكريات المريرة. أحس بدوار في رأسه ، وأخذ يمشي نحو غرفته. وفي إحدى الممرات اصطدم كتفه بكتف أحد العاملين بالمستشفى ، وكان ذلك العامل يحمل أوراقاً سقطت منه على الأرض. شعر بالإحراج واعتذر للعامل وحاول مساعدته في تجميع الأوراق المتناثرة. وبينما هو يجمع بعض الأوراق ، جذبت انتباهه ورقة من بين الأوراق وشدته من أعماقه. توقفت أنفاسه ، وارتعشت يداه ، وأمسك بالعامل بشدة وصرخ به : أين صاحب هذه الورقة ؟ فأجابه العامل وهو مستغرب لذلك الانفعال المفاجئ : إنه هناك .. وأشار إلى ذلك الشيخ الكبير. فتوجه نحوه مسرعاً ، لكنه وقف على بعد خطوات منه.. أخذ يتفحصه بعينين دامعتين. رأى والده وقد تسطرت على وجهه صفحات من التاريخ لا تنمحي. ومرت حياته أمام عينيه صوراً متقطعة رأى في آخرها صورة والدته وهي توصيه بأبيه خيراً حتى فارقت الحياة. أمسك بالشاب الذي يرافق واله وسأله : إلى أين تأخذ هذا الشيخ ؟ فقال الشاب : لقد تم تحويله إلى مستشفى آخر. فتوجه مسرعاً إلى مدير المستشفى بعد أن طلب من ذلك الشاب الانتظار. واستطاع أن يقنع المدير بتأجيل ذلك التحويل بعد أن قص له حكاية ذلك الشيخ. وباشر في علاج والده دون أن يخبره بحقيقة نفسه. أخذ يزرع الأمل في روحه من جديد. وبدأت حالة والده في تحسن مستمر. وأثبت أنه بالأمل تأتي المعجزات. وشفي والده بعد رحلة طويلة ولد فيها حفيده وترعرع في انتظار خروجه من المستشفى ليكون أجمل مفاجأة يراها في حياته.
      انتهت فترة العلاج وحان وقت مغادرة المستشفى. ومضى خارجاً مع طبيبه الذي لا يعرف حقيقته. وعند باب المستشفى رأى طفلاً جميلاً يجري نحو الطبيب الذي أخذ الطفل في أحضانه. سأله الشيخ : هل هذا ولدك ؟ . أجابه ابنه الطبيب : نعم. فتوجه الشيخ إلى الطفل وسأله عن اسمه ، فرد الطفل رداً سريعاً تلقاه الشيخ كرصاص يخرق صدره المتهالك.. فانتصبت عيناه في نظرات دهشة وحزن نحو ذلك الطبيب.. ولده الذي قضى معه فترة العلاج الطويلة وهو لا يعرفه. وانهال الدمع من مفاجأة لم يكن يتوقعها.. فسأل ولده بصوت حزين: أنت ؟! أنت ولدي ؟! فأجابه ولده الطبيب والابتسامة ترتسم على شفتيه : أجل.. وهذا ابني.. حفيدك. وتمر أحداث الزمن أمام عيني ذلك الوالد شريطاً ملتهباً.. تذكر ولده الذي حرمه حنانه.. تذكر زوجته التي هجرها.. تذكر زوجته الثانية وما لقيه من عذاب.. تذكر الطبيب الذي ثابر على شفائه وإبعاده عن سرير المرض والضعف.. تذكر الأمل الذي زرعه في نفسه .. و دموعه تنساب كأنها المطر الغزير.. رأى الماضي كله في لحظة.. وما لبث أن سقط على الأرض ليختم أحداثاً أليمة قضاها ولده.. ( يتيماً..والأب عايش).
      إني شربتُ هواكِ منذ طفولتي=حتى ارتويتُ وبحتُ في الكراس ِ

    • #18
      عضو غير مفعل
      تاريخ التسجيل : May 2006
      المشاركات : 1
      المواضيع : 0
      الردود : 1
      المعدل اليومي : 0.00
      من مواضيعي

        افتراضي

        قصة قصيرة
        الوليمة
        أنور عبد العزيز

        ومنذ البداية كانت هكذا , منذ أن تفتحت عيوننا عليها , رأيناها بيوتاً صغيرة قميئة متلاصقة متحاضنة , إحتوتها شبكةّ من أزقة ضيقة عوجاء متعرجة .. أزقّة وبيوتاً لا شمس فيها , كلّ شيء كان فيها رطباً وبارداً , وكانت لصغرها وضيقها تكشف للمارين والعابرين دواخلها وحتى موجودات حجراتها , تكشف للناظرين تكوينها الداخلي وما فيه من ضرورات حاجات البيوت البسيطة , فلم يكن يفصل ما فيها عن أرصفة الطريق غير امتار محدودة .. الأزقة الملتوية الشاحبة بظلّ العتمة والرطوبة ما كانت تتحمل غير أرجل السائرين , فإن إندفع وتدافع فيها إثنان وثلاثة واربعة ومعهم بغل أو حمار أو عربة حمل خشبيّة صغيرة ضاق المشي وأضطربت الأرجل .. لا تعرف من أسسها أو أوجدها بهذه الهيئة , كانت تشكل بألتوائاتها وتعرّجاتها وأستداراتها حلزونات غير منتظمة الخلقة , تشم من جدران بيوتها رائحة العفن وقد تآكل فيها الجص وتناثر , وتهرّت في جوانبها وشقوقها وأخاديدها مواد بنائها التي أحالها الحر والبرد والمطر والغبار وجريان المزاريب العتيقة الصدئة المتشققة وعصف الريح عندما يخترقها فتستحيل شبه انابيب رفيعة تدفع الهواء بقوّة ظاهرة , وكان ما يوحش النفس ويقرفها تلك المراحيض المبنية في سطوحها الصغيرة والتي ينحدر سيلّ من غطائها النديّ ليمتزج مع رطوبة جدرانها المحفورة المتشققة وتختلط بملّوثات سواقي طرقاتها ودروبها الوسخة السوداء , عدا تلك البيوت التي تقع على الطريق العام لا يحجبها عن الشمس ساتر أو جدار , فهي محظوظة إذ تواجه الشمس وأهلها سعداء إذ يتمتعون بهذه الميزة , رغم أنهم يصبحون ويمسون ويبيتون مع المقبرة العتيقة , ورغم أن روائح هذه المقبرة تصلهم مع كل ريح قويّة هابّة , ورغم أن هذه المقبرة تجمّعت من قبور منثورة متفرقة في ارض غير مستوية تلالاّ صغيرة موزعة بين مرتفعات ومنخفضات مزروعة بالحجارة ويغطيها الشوك , يسمونها : ( الصحراء ) ولا تعرف من أين وكيف نبع هذا الاسم .. إلى جانب الحجر والحصى كنت ترى شاهدات القبور – القديمة منها – وقد تآكلت وترنحت ومالت وجهتها , أو زحفت من مكانها لتنبطح قريباً من القبر أو بعيداً عنه وقد زال ومسح منها أي اثر لأسم أو كتابة , تتأمل هذه الشواهد فتراها منقلبة متعاكسة ممدودة منطرحة وقد غطّت بعضها الأشواك وزاحمتها أكوام الحجارة التي تتناثر بين القبور ...
        كان بيتنا صغيراً – كبقية البيوت – تصعد إليه بدرجتين عاليتين زلقتين على الدوام , يواجه الشمس والمقبرة ومركز الشرطة , حتى رقعة المركز السوداء كان مكتوباً عليها : ( مركز شرطة الصحراء ) .. المركز بناية معزولة عن البيوت في بقعة على حافة المقبرة من جهتها الخلفية , لم يكن يميز هذا المركز غير العلم العتيق المرفوف , وتلك اللوحة السوداء المعلنة وقد شحبت وبهتت كتابتها وحروفها , وغير عدد قليل من الشرطة يتناوبون الحراسة على بابه , عندما أحاول أن أستعيد صورة وملامح وهيأة ذلك الشرطي , لا أذكر غير بنطلونه الذي تقبع نهايته وحافته أسفل الركبة بقليل صيفاً وشتاءً , وعلامة الشرطة في مقدمة سدارته , والبندقية الطويلة يتمشى بها متحركاً بخطوات قصيرة أمام باب المركز وهو ينفخ في يديه ويحرّك رجليه ليطرد البرد , ويزفر بين آونه وأخرى بخاراً حاراً أو يدخن سيجارة في غياب مأمور المركز , ويمدّ بصره فلا يلتقي إلاّ بشواهد القبور والحجارة والأشواك .. لم نر إلاّ افراداً قلائل يراجعون هذا المركز , يقفون ببابه , يتحدثون مع الشرطي , يدخلون أو يخرجون .. مرةّ واحدة أو إثنتين رأينا رجالاً قلائل موقوفين في حبس المركز تلك الغرفة المستطيلة الطويلة المظلمة في نهاية المبنى قرب أسطبل الخيل , كان باب الغرفة حديدياّ أسود بقضبان , وكنا نرى رؤوس بعضهم ملتصقة بها تحاور شرطياً أو تطلب حاجة ملحة , أو تتبادل السمر مع الشرطي الخافر بكلمات مبتورة متقطعة يضبّبها دخان السجاير بتكوينات وأستدارات تائهةٍ تخرج وتتحررّ عبر القضبان ...
        كنا نقول عندما يسألوننا عن أسم محلتنا أنها ( الكوّازين ) وأحياناً
        ( الشهوان ), أو اننا من محلة ( الميدان ) وحتى ( القليعات ) ..
        كلَ هذه المسميات لم تكن إلاّ مرتفعاً يبدأ من الجسر الحديدي العتيق بأتجاه الغرب , فأذا أنت بمواجهة بداية لأرتفاع في الأرض , وجدران عالية تتكيء عليها أخشابّ كثيرةّ طويلة وقصيرة , أعمدةّ غليظة , سيقان شامخةّ مرتفعة جافة لأشجار جبلية , ومئات من الأعمدة الخشبية الممدّدة المشدودة بحبال , أو المرصوفة بشكل هندسي جميل , أو المتناثرة في الطريق , أو المتكئة على الجدران الأبعد المحاذية للشط , مقابلاً لها ترى دكاكين نجّارين يبيعون كلَ حاجة خشبية , وكان أبرز هذه الحاجات تلك التوابيت المنتظرة , من كل لون وحجم وطول .. يرهبك منظر تلك التوابيت وجلوس النجارين على صفائح التنك بانتظار الرزق , وكنت ترى قوارب في طريقك , قوارب عتيقة منقلبة مكسرّة الألواح لم يبق منها إلاّ أجزاء مفكّكة في أسفلها أو جوانبها , ترى مثل هذه القوارب مهجورة على الأرصفة , أو متّكئة على جدران الدكاكين , وقوارب تنهض من جديد وقد أنهمك عدد من النجارين في صنعها بهمّة وسرعة ومهارة , ورأيت منها ما كان مسحوباً تجاه الشط ليمارس عمله , وليخْتبر الصيادون متانته ودقّة صنعه , وليطمئنوا لعدم تسرب الماء إليه , وكنت ترى بعض هؤلاء الصيادين وقد نشروا شباكهم في الأرض العراء وفي الأيام المشمسة يصلحونها ويستبدلون الخيوط التالفة منها ويعالجونها بالربط والشدّ لئلا تفلت منها سمكة .. فجأة يصعد الطريق بدرجات عريضة عالية إلى تله مرتفعة وتتداخل وتتشابك فيها الأزقة والسواقي النتنة والبيوت التي تبدو كأقزام وسط هذه المتاهة من الدروب الضائعة والمضيّعة , هذه هي ( القليعات ) ثم تنحرف يساراً – ومازلت تصعد – لتصل ( الشهوان ) و ( الكوّازين ) والمقبرة .. ذلك العالم الكبير الفسيح المدهش , عندما تتأمله وتتملاّه الآن , تراه ليس أكثر من بقعة صغيرة محدودة ضيّقة لم تكن تستحق دهشة الصبا وتعدّد المسمّيات .. في محلتنا كانوا قد خصّصوا جنباً من المقبرة – بمواجهة بيتنا – يحفرون فيها حفراً عميقة (كورات) وكان بعض هذه الكورات يلتقي بحفرة قبر مضى عليه زمن طويل , كان بعضها يلتقي بعمق حفائر المقبرة , كنت ترى هذه الكورات حارة ملتهبة مشتعلة متلألئة مشعّة مضيئة – خاصة في الليل – يفخرون فيها ويشوون
        ( التنانير) و ( الحباب ) , تأنس بهذه الأضواء المتراقصة وتفرح بها وتبتهج وانت تراقب من شباك الحجرة العلوية , كانت تجلب لروحك الأنس والدفء في ليالي الشتاء الباردة المتجلدة , وفي ايام المطر الزاخ بقوة وأندفاع من خلل ضوء تلك النيران المتوهجة الحمراء , ترى رجال ( كورات النار ) الناحلين الممصوصين وقد تسربلوا بالسخام , وغطى الدخان وجوههم وشعورهم ودشاديشهم وأقدامهم الحافية سعداء دافئين بعملهم في الشتاء , وفي الصيف تراهم خرقاً منقوعة بالعرق الساخن الممتزج بالهباء .. أكثر من كان يأتي لمحلتنا لشراء هذه ( التنانير ) النساء , وكنّا نسمع أنّ الخبازة أو ربة البيت ما كانت تكتفي بعملية الكيّ والشواء التي يمارسها ( الكوّازون ) فيلجأن إلى جمع عظام كبيرة ضخمة للبقر أو الخيل أو البغال أو الحمير وبشرط أن تكون عظاماً بيضاء ليحْرقْن ويسجرن بها هذه ( التنانير ) لتبدو من – داخلها – بيضاء ناصعة قبل أن يستعملنها , وكن يعتبرن من لا تعرف أو تقوم بهذه العملية إمرأة بلهاء خرقاء حمقاء سيئة الحظ – إن هي أكتفت بسجر التنور بالحطب أو فضلات الحيوانات الجافّة – وأنها لا تستحق أن تكون امراة خبّازة أو ان يليق بها أن تقف على تنّور .. ولم يكن منظر تلك ( الكُوَر ) مسلّياً في النهار , أو في أيام الصيف الخانقة الكاوية الملتهبة , وفي زمهرير ليالي الشتاء المتجّمدة فقط بل كان لوحة راسخة ثابتة مقيمة في شبّاكنا وأعيننا وأرواحنا لأشباح من البشر ونيران متوهّجة ..
        ما يقرفني ويهيج في معدتي وروحي القيء , عدد من البيوت الملاصقة لدارنا , والتي أمتهنت التعامل مع ( المصارين ) , وكانت بيوتهم وهي من غرفة أو غرفتين مليئة – في أغلب الاوقات – بأوان وسطول عتيقة لزجة وقد تكّومت فيها المصارين ومحتوياتها سائلاً كريهاً قبيحاً برائحةٍ حادة مثيرة , ينزلق من هذه الأواني الكبيرة والسطول ليسيح في فناء الدار , ثم يعوم بثقل أو ساخه وأجزاء من المصارين الممزقة الممزوجة بالخراء , نازحاً – متجمّعاً مع غائط وبول أولادهم وحتى بناتهم الصغيرات – نحو الرصيف الذي كثيراً ما أنزلقت أرجل العابرين فيه .. كانت هذه المهنة أبشع وأقذر ما تكون في فصل الشتاء , كل افراد هذه البيوت يعملون معاً , الرجال والنساء , وحتى الصغار تشمُ في ملابسهم الملوثّة المتسخة دوماً رائحة المصارين , ومعها رائحة الغنم والبقر والماعز والجمال , كانت رائحة ثقيلة مركزة تكفي لخنق حصان أو فيل أو كركدن , بيوتهم مستوطنات لذيذة بهيجة ومريحة للذباب ترى أكواماً من قطعان الذباب الكبيرة الزرقاء والسوداء والصفراء ومن كل لون تغطّي الحبال المعلّقة , لم تكن ترى حبالاً ممدودة بل أمتداداً ونسيجاً من عناقيد الذباب كل الحبال الممدودة تبدو – من قريب وبعيد – منسوجة من ذباب كان الذباب يتخلّل أسطح الأواني وفناءات الدور وغرفها و حتى أسطح البيوت والرصيف يغور في كل جزيئات الحيطان المحفورة النخرة الدبقة ممتزجاً بسيلان الفضلات وبقع متهرئة السيل مع المياه الملوثة لتصبّ في ساقية الدرب منحدرة نحو طرف المقبرة لتغذّي القصب المتطاول والنبت الشيطاني , وكان اكثر ما يفزعني تلك الذبابات الزرقاء اللزجة , وهي تسيح وتطوف وتمسح أعين الصغار ووجوهم ورقابهم وأيديهم المتّسخة وأرجلهم الحافية ...
        لم نكن نعرف شيئاً عن اسرار مهنتهم وماذا يفعلون بهذه المصارين بعد غسلها وتنظيفها وتجفيفها .. لم تكن تفارقهم , وقد عاونتهم رغم تحذيرات أمك وأستهجانها لمصاحبتهم , أولادهم أصدقاء لي , كانوا ينتظرون إشراقة الشمس ويكرهون الغيوم ترى الضجر وملل الانتظار في عيونهم وأيديهم الملوثة لتعليق هذه المصارين على حبال ممدودة عبر الرصيف لتيبس وتجفّ بعد غسلها وإفراغها , لم تكن تعرف لم يصنعون ذلك ؟ لكنك كنت ترى بعض المغنين من ضاربي وعازفي ( العود ) يترددون على محلتنا , يساومون أفراد هذه الأسر القليلة على شراء ( أوتار ) لأعوادهم , حتى أنهم كانوا يساومون النساء – في غيبة الرجال – وكانوا يقولون أن الأوتار التي تصنع في محلتنا تبعث أحلى النغمات إن توفرت لها الأصابع الحاذقة المحترفة المجربّة , وكنّا نسمع أيضاً انهم يبيعون منها الأوتار الدقيقة الرفيعة كخيوط لعمليات مستشفى المدينة ومستشفيات العاصمة , وقيل أيضاً أنها كانت تجارة رابحة , فبيوت هذه الاسر ورجالها – بأسمالهم وقذاراتهم – كانت هدفاً ومقصداً لكبار التجّار , بالأضافة إلى صناعتهم ( الغرابيل ) , وانهم وإن بدوا في حالتهم الرثّة تلك ورغم مظاهر البؤس والحفاء , فهم يمتلكون نقوداً ودنانير , وذهباً كثيراً يخفونه في صناديق معدنية زرقاء كبيرة مخبوءة قلّما يفتحونها , هكذا كانوا يحكون عنهم ويذكرون أن دنانيرهم كثيرة وذهبهم كثير مخبوء في اعماق تلك الدواليب العتيقة المنقوشة المحفورة بزخارف الأزهار والطيور , وكانوا يذكرون عنهم ويقولون أنهم بخلاء حاذقون ماهرون في إخفاء النقود وعدم العبث بها أو الصرف منها , تكفيهم فقط جيوبهم الطويلة المملوءة بها وتكفيهم صررهم وصرر زوجاتهم المنتفخة , ومنهم من بالغ أن هؤلاء ( الوتّارين ) يصدّرون مصارينهم وأوتارهم وخيوطهم لخارج البلاد ..
        المقبرة في الايام العادية كئيبة موحشة صمّاء , وفي أيام الإثنين والخميس وصباحات الأعياد تستحيل خيمة واسعة سوداء مفروشة ومبقعة بعباءات النساء والبكاء الساكن أو المفضوح , وبالشموع الغليظة والرفيعة المنصوبة فوق الشواهد والصخور , وعشرات من الصبية المتسوّلين والصبيّات المتسوّلات , الحافين والحافيات تتسابق أرجلهم وتتدافع وتتزاحم , وتتهافت أيديهم وتمتد وتتطاول لألتقاط أرغفة الخبز والتمر , أو الحلاوة والنقود والكليجة والشربت والكعك , ومن ايدي زائري قبور تبدو جديدة حديثة الولادة لم يتوقف عنها الدمع وعمق الحزن في العيون والقلوب ...
        بيتنا بحجرة واحدة وحجرة علوية وسرداب .... كان سرداباًَ معتماً عميقاً مبللاً برطوبة ندية كل جدرانه من المرمر البارد الذي بهت لونه وضاع , وارضه من قطع حجرية كبيرة , منغلقاً لا تربطه بالخارج إلا طاقية صغيرة مدورة لا تستقبل من ضوء الخارج إلا شعاعاً باهتاً لا يستطيع أن يخفّف شيئاً من ظلمته كنا خمسة , أبي وأمي وأخي الذي يكبرني بأعوام قليلة .. ومعنا ( نانه ) , هكذا كنّا نسميها .. كانت جدّتي بيضاء مشرقة بعيون حلوة , حنونة طيبّة عذبة كالملائكة أمرأة بهية في روحها وحنانها , كنت أكسب الدنيا عندما أراها تحتضنني وتقبلني وترعاني , كانت تحميني من غضب أمّي العاتية القاسية , تحجب وتستر وتدفع عني لسعات عصا الرمّان وقد أكتشفت أكذوبتي بأنني لم أسبح في الشط المحاذي للقليعات , وقد أعلمتها أظافرها المخلبية الناتئة في ظاهر يدي ورجلي وساقي وظهري – وحتى بطني –بآثار من خرج لتوّه من الماء الشط , وكانت تحذرني وتهدّدني بعصيّ اخرى إن كرّرت فعلتي , لكن صداقة أقراني وإغراء الماء المنعش في لهب الصيف , وأنابيب المطاط المنفوخة ودومات الماء في ( قره سراي ) و ( باشطابيا ) كانت هي الأحلى والأعذب , وما نفعت كل عصيّها في أن يتوقف كذبي ما دام لهب الشمس كان كاوياً للأجساد بوهجه وغليانه .. وظلّت ( نانه) تتلقى جزءاً من تلك الضربات .. إيه ( نانه) ياحلوة الروح , أتذكرك وانت تخدمين أولئك الساكنين .. كانت ( نانه )بهاءً ونجمة في ظلمة ذلك البيت , ودرعاً من صبرٍ يقيناً هيجان أمّي الغاضبة في كل الفصول والأيام والساعات ... ورعة تقيّة متصوفة , عالمها السرداب وساكنوه منْ هؤلاء الساكنين ؟! لم نكن نعرف كانت حريصة – حدّ الرعب – على نظافته وأن يظلّ مضيئاً في ليالي الجمع – وفي مناسبات كثيرة – بتلك الصينية المحتشدة بالشموع وبأوراق الآس وقد خصصّت إبريقاً أبيض لامعاً طافحاً أبداً بالماء لساكني السرادب , كلناّ عندما نستفهم منها عنهم تسكتنا أولاً – بمحبّة وبإشارات من إصبعها نحو فمها لنصمت ونميت ونقطع مثل هذه الأسئلة , كنّا نقول لها ونسألها عن أشكالهم وأخبارهم وزياراتهم , وعندما كنّا نلح على ذلك وبنزق يبدو عليها الضجر والأمتعاض , لم تزعل منّا , وكانت تكره أن تخوض في ذكرهم وتكرّر : الجموا ألسنتكم وأخرسوها , قلّلوا من هذا الكلام وأمسحوه من أدمغتكم وأفواهكم , كفّوا عن هذا الهذر لئلاّ يصيبكم بسوء , أنتم عنهم غافلون نائمون يخفيكم برد الليل ورجفة الصباحات , لو تسمعون هسيسهم , هم فرحي ودنيايّ وآخرتي , أسهر الليل , تلتقط روحي أصواتهم , ومع الفجر يعلو ذلك الهسيس العذب المنغّم ممتزجاً بصوت المؤذن الضرير وطيور الفجر .. كلُ أيامها ولياليها صلاة , وكان للسرداب نصيب كبير من هذه الصلوات , كانت تخصُني بمحبّتها وتهمس في أذني : سلني عن كل شيء أجبْك ولا تقرب من ذكر الاحباب ... هؤلاء الأحباب كانوا لها شغلاً وهماً وتسلية ومسرة , ما كانت تغفل عن نظافة السراب وشموعه , وابريق الماء ولفرط نظافتها – ولو تستطيع – لغسلت حتى الماء بماءٍ أنقي وأطهر , تغسل الأبريق بعناية , تطفحه بالماء المبارك وهي تسفح على هذا الماء تمتعات من آيات مباركة , وكانت تمنعنا – بأدب ومودة – أن نطأ بأرجلنا أرض السرداب .. مرّةُ غافلها أخي , نزل إلى السرداب بصمت وبمهارة وشيطنة قطّ , وعندما أراد الخروج كان منظرة مضحكاً كان معوج الرقبة , ما إن رأته ( نانه ) حتى ثارت وغضبت وناحت – ولم نرها قبل هكذا غاضبة – لطمت على راسها وصدرها وبكت بعيون محرقة .. ألم أقل لكم ؟ ! لقد فعلها , اعرف ما الذي حدث , لقد بال داخل السرداب .. اخذت أمي تولول كان أخي يداري رعبه وعاره , هدأت ( نانه ) واشفقت على الصبي , كان غاصّاً بالبكاء والخوف لما حلّ به مطمئناً من ( نانه ) وكان خوفه – وهو بهذا الحال – أن تخرج العصيّ وتشوي جلده لكن (نانه ) وقد سكن غضبها وزعلها , غسلت وجهه , إحتضنته , قبلت عيونه وشعره ورقبته , وما مرت دقائق حتى عاد السرداب نظيفاً طاهراً نقياً كثوبها الأبيض , وما مرّت دقائق , إلا وكانت تمسد الرقبة المتشنجة العوجاء القبيحة , هامسة ومتمتعة بآيات وتعاويذ وكررّت ذلك بترنمية حلوة النغمات , ثم نفخت على رقبته ثلاث مرات .. صدقوني , مامرت دقائق – وأنا أتذكر ذلك وأتخّيله بكل وضوح – إلا كانت رقبة أخي قد أستقامت وأستعادت شكلها وهيأتها .. فرحت أمّي , كان اخي يحتضن بفمه ودموعه يد ( نانه ) بقبلات لا تنتهي .. كانا يضحكان ويبكيان معاً , حتى امي بكيت لمنظرهما , لم يسمع أبي بالحادثة إلاّ بعد يومين , فقد كان مشغولاً ومنهمكاً بالتحقيق مع لصّين بائسين ازعجا سلام البيوت وطمأنينتها بسرقات صغيرة تافهة , لكنها تكررّت أكثر من مرّة .. لم ار أبي باشاً ضاحكاً كما رايته وهو يستمع لحديث ( نانه ) , وكان يلتمس رقبة اخي بأصابع وعينين حانيتين كانت ليلة حلوة , وكانت أمي هادئة ساكنة تلك الليلة , مبتسمة وقد نزعت تكشيرة وجهها المتهيئة دوماً للخلاف والقتال وإختلاق المعارك , وطاب لآبي الحكي , حكى لنا عن اللصين الأبلهين وسرقاتهما وعقوبتهما وخيبتهما وحزنهما وخجلهما من أبناء المحّلة ذليلين قابعين في ظلمة غرفة الحبس الباردة الرطبة ..
        بقدر ما كانت امي متكبرة متغطرسة مغرورة , عدوانية وشرسة , كان ابي انيساٍ هادئاًَ أليفاً ودوداً حنوناً , وكم عانى – بصبر وصمت – من صخبها وأذاها مع ذلك فقد كانت تفاخر وتباهي به نساء المحّله , فقد كان حلوا أشقر بشاربين أشهبين وعينين بلون السماء وقامة ممشوقة , والأهم والأكثر مدعاة لفخرها أنه كان يحمل ثلاث نجمات بيضاء لا معه تحليّ رقبته ويكفي أنه كان مأموراً لمركز الشرطة .. كانت تكثر – في كلّ تجمعات النساء – من وصف فضائله وتنسى شرورها معه , أليست هي زوجة الرجل الجميل , ومع ذلك كانت تذيقه من الحزن والأذى والمنغصات ما يفوق تحمل أقوى الرجال وما يتجاوز صبر جمل .. كانت النساء يسمينه ( الحَسين ) وينطقنها بحاء مفتوحة حتى جاء ذلك اليوم .. كان يوماً مؤلماً لا تنساه المحلَه , وكانت فضيحة وفرصة لأحاديث وتقوّلات أستمرت أياماً كان المفوّض عائداً لداره , وكانت أحلى صبيّات المحله ترصده وتراقبه وتنتظره مطّله ببصرها إلى الدروب من نافذة حجرتها العلوية , فرحة برؤيته ومضطربة مرتبكة , كان يوماً ربيعياً مزهراً , ما إن مرّ المفوض من تحت نافذتها المنخفضة , حتى فوجئ بوردة جنبد تسقط على كتفه , رفع بصره , نظر في عينيها وأبتسم , تلون خدّاها بحمرة الورد , لم يستغرق ذلك لحظات , ومرقت طفلة متّسخة الثوب والوجه والعينين , ارنبية الشفة , مهرولة لتضع وبسرعة طائرة خبر الوردة وحكاية الصبيّة في اذنيها .. هاجت أمي صخبت , لعنت وبشتائم وسخة – أجداد زوجها وســوء تربية وخلق الصبيّة , لم تكف بذلك , خرجت وبدون عباءة لتلعن أم الصبية , وكانت قد اقتحمت دارهم باحثة عن الصبية التي اختبأت عابرة من السطح في بيت الجيران ,. لم تظفر بها , بصقت عليهم , كانت تشتم وتهتزّ من الغضب كبندول متراقص أضطربت حركته وتسارعت , لاعنه زوجها والصبية الحسناء ذات العينين الساحرتين والوجه الوضئ, ولا عنة أمها واباها وكل الدنيا مسخت وشوّهت العينين الساحرتين والوجه الوضيء , ولا عنة امها واباها وكل الدنيا , مسخت وشوهت وأطفأت برذاذ فمها المتدفق المتطاير , وتكرار بصاقها وهج وعبق ذلك اليوم الربيعي الجميل .. وكانت فرصة – خاصة للصغار – للأستمتاع بما حدث , ترك الرجال الناحلون الممصوصون كور النار مسرعين للتفرج على الزوجة الهائجة المتوثبة المتحفزة المتهيئّة لجولات قتالية جديدة كذئبة جائعة مسعورة ,. هجر الوتّارون وزوجاتهم وأولادهم وبناتهم المصارين , توقف المارّون لرؤية هذه اللعنة وهي تبصق سبابها الملحّن , حتى مركز الشرطة خلا من شرطته إلا حارس الباب , قبع المفوض في بيته – ولم يخرج – جامداً هامداً مخذولاً وكأنه جثة , لم يجرأ على الخروج إلى الدرب ونهرْ زوجته وأيقاف تلك الفاجعة . فقد كان يعرف أن الدرب مزروع بكل العيون الراصدة لما سيقوله أو يفعله , وربما أهاج خروجه المرأة التي لم تعد تعي بما تفعله , وعرف أن من شهود هذه الحفلة أفراد شرطته , فلم يتجرأ على التصّرف بأية حركة وظل مركوناً متجمداً في غرفة بيته تلتقط اذناه ضجيج الدرب وزعيق زوجته .. ولولت أم الصبية ونحبت , أيتها الماكرة اللعينة , أمع المفّوض زوج هذه الجيفة ؟! لينفعْك ( الحَسين ) أيتها الحمقاء الرعناء , ووردة جمبد حمراء وفي النهار وبين العيون المفتوحة ؟! ضربت أبنتها , لطمت أم الصبية خدّيها وجرحتهما , لطمت صدرها بقوة وبلا وعي , نكثت شعرها , وناحت كما لم تنح أية امرأة .. كانت تردّد : لقد فعلتها سأمنعها من الصعود إلى هذه الحجرة وسأعمي شباكها بالطين , لن أكون أماً إذا لم أحبسها طيلة العمر ..
        وكما تنمحي وتندثر وتضيع وتتيه كل حكايات محلتنا , فقد جرف النسيان ومرور الأيام تلك الفضيحة , وذابت حكاية الوردة , ولم يبق منها في الذاكرة المهجورة – مثل مئات الحكايا – غير طيف وكحلم بعيد ... وكانت حكايات ابي وقصصه وتذكاراته كفيلة بمحو كل أثر لما حدث ..
        كان ابي يحبني , وكنت مزهواً بحبه ومركزه وشرطته ونجماته – مثل أمي- كان يعيد كل مرّة ومن جديد حكايتي مع ( الحاكي ) وأنا ابن اربع سنوات كان أبي يكرّر هذه الحكاية , حتى صرنا نعرف أنه سيرويها قبل أن ينطق بشيئ (الحاكي) الذي اشتراه ببوقه , وبعلامة ( الكلب ) الأبيض المرسومة على جانبه وبأسطواناته وأبرته المدببة التي يحملها قرص جميل , كان شيئاً مفاجئاً ومثيراً في محلتنا , ولكن أبي أستطاع أن يجلب هذا الشيء ويسحر المحلة بهذا العجب .. قال والدي – وكما ذكرت – فالحكاية غير جديدة , وقد رواها عشرات المرّات أنه في يوم تأخر في العودة إلى البيت , وكانت أمي في زيارة لخالتي و (نانه)
        نائمة في السرداب , فرأى الصغير أن المغنّي الذي أحبوه وسمعوا أغنيتة وحزنه وأنينه وحنينه , ربما كان جائعاً , قام الصغير إلى سلّة الخبز , جلب رغيفاً كبيراً محمّصاً مزداناً ومزخرفاً بالسمسم , قطعه فتاتاً دحسها في البوق أغدق فوقها أبريقاً كاملاً من الماء ملأ الصندوق الخشبي والبوق وطفح سائلاً من الجوانب مبلّلاً حتى السجّادة وعندما أطمأن أنه قد أسكت جوع المغنّي وضع إسطوانة , وركز رأس الأبرة على حافة الإسطوانة , وقف ينظر وينتظر ويتسمّع , فلم يحظ بصوت ولا نأمة أو همسة أو كلمة , صمت المغنّي وأختنقت أغنيته .. كان مدهوشاً وحائراً , ولم يكن خائفاً .. يقول أبي : عندما دخلت البيت وفاجأتني تلك الوليمة لم افه بشيء ولم أفتح فمي بكلمة ,. وعندما مررت به لم يتحرك , لم يأبه لوجودي , لم يضطرب .. كان جالساً – وبحزن واضح – قرب الصندوق ينظر إليّ بعينين حائرتين مستفهمتين , وانا أجتاز مأدبته لأصعد للغرفة العلوية .. كان كل شيء هادئاًَ ساكناً في البيت , وكان الصمت يلفّنا ويجمعنا ويوحّدنا نحن الثلاثة : أنا وهو والحاكي ....

      • #19
        عضو غير مفعل
        تاريخ التسجيل : May 2006
        المشاركات : 1
        المواضيع : 0
        الردود : 1
        المعدل اليومي : 0.00
        من مواضيعي

          افتراضي

          قصة قصيرة
          وانطفأ القمر..
          عبد المنان اسماعيل
          لا أحد.. !
          أطرقه مرات، ولا من مجيب.. أكرّر الطرق بشدة، فيتردد الصدى في قنطرة الدار، يعود بالخيبة مرة إثر أخرى... أهز الباب بقوة محدثا ضجيجا تنفتح أثره ابواب الزقاق الخالية بيوته من نوافذ تمتص صمت الشارع الضيق، وتبدد غبار الايام الخوالي، تتزاحم رؤوس لصبايا واطفال وعجائز، ينظرون صوبي بدهشة وفضول، يتساءلون فينا بينهم... أستدرت نحوهم، فأشاحوا عني منكرين... خطوت تجاه أقربهم، امرأة في نهاية العقد السادس، تتشح بالسواد، كانت لاتزال تحدق فيّ بإمعان، صرت على مقربة منها، فأولتني ظهرا مقوسة، وولجت الدار تاركة بابه مواربا.
          تخرج طفلة من الدار، تمسك بيدي، تجرني، فأستجيب لحركتها بلا تحسب، فأجدني في حوش الدار، والمرأة العجوز تلهث، تشير ان اتبعها، تدلف وأنا وراءها، كظل لا يملك ألا ان يتبع صاحبه الى حجرة واسعة، تظللها شجرة توت هرمة، مازلت اجد طعم ثمرتها الذي تذوقته في طفولتي... تومئ المرأة؛ ان اجلس... أستوي على بساط من حصير تفوح منه رائحة العفن، ترمي بوسادة أثقلها تقادم الزمن، وأيبسها غياب مرافق المتكئين.. أستندت عليها... تسعى إلي الطفلة بقدح ماء، وتقف ترقبني، وأنا أمتص سائله العذب.... تدب المرأة خارج الغرفة ... أحسست بالامان، وألفة قديمة تشدني للمكان، تنبري الطفلة:
          - جدتي ذهبت لتحضر الشاي...
          ثم تختفي من امامي... تتبخر في فضاء الغرفة، وأخالها تلتصق في سقفها العالي المقوس، مثل مهد معكوس ....
          جدران الغرفة كالحة لا لون لها، ولا نوافذ، غير كوة صغيرة في اعلى الجدار المواجه لبابها الخشبي، الذي لم يكن صالحا لأن يغلق، على حافة الكوة المتآكلة، سلة صغيرة بيضوية الشكل، أعدت لحفظ التذكارات الصغيرة، وشهادات الميلاد، كانت تحجب الشعاع، وتشتته خيوطا مستقيمة، تدور بها ذرات الغبار، بحيوية كائنات دقيقة... الجدران عارية، جرداء من كل ما يرسخ الاحساس بالاستقرار والحياة، كصحراء قاحلة لانبت فيها، ولا ماء، الا بعض البقع الرطبة المنتفخة، الحبلى بالاسرار! ، ومسامير صدئة غائرة، والبارز منها، لا يتدلى منه شيء.
          تدخل المرأة بالشاي، تضعه وتعتدل محدقة بي .... بين رشفة شاي وأخرى، أرقبها خلسة لأعيد تشكيل ملامحها قبل عقد من زمن، كنت محجورا به بين جدران التناسي، والخوف، بعيدا عن حراجة الموقف، وتداعياته المحزنة ... الندب والتجاعيد التي اراها تفترش وجهها الطيب، والحزن الذي أحاق بها، ربما هو من نتائج تلك التداعيات التي فررت منها، واعجب اذ تعاملني بطيبتها الراسخة واحسبني ضيفا غير مرغوب فيه، آتيا من بعيد مجهول يحمل أوزاره على كتفيه، متعب يبحث عن ملاذ يأنس به، يغسل أدران ماضيه المخجل في شطآنه النقية، ويفك عقد الذنب، والخوف، والضياع ....
          أردت أن أنطق، فوجدتني كالجدار الذي اقابل ...؛ صمتا مطبقا، وخواء ميتا لا تحركه كل هناءات الحياة واحزانها...
          سمعت صوتها الحانق يعتصرني:
          - لقد عرفتك، وأنت هناك تطرق الباب.
          في صمتها، رحت أنصت لأقسى النعوت، وأرذل الصفات، التي رغبت ان توصمني بها، لأطفئ بغليانها المي، وانفذ الى تساؤلاتي الملحة، لكن صمتها طال وامتدت نظراتها تطوقني ... علقت بصري فوق الجدران، أستنطق صحراءها الكالحة ... أتشبث برؤوس الشياطين الصدئة، ألقم أفواهها النتنة تعبي، وشقائي، وضياعي، لكي لا تفضحني وتفشي سري.... ليت المرأة تتكلم، فذلك أخف وطأة، واقل إيلاما من صمتها المحيّر، الذي تتضاءل إزاءه مرارات السنين؛ الكلمات تستشفها أذناي وتلقيها ما هيأت نفسي لتقبله، أما الصمت، فهو يعني مجابهة نفسي بكل ما اعرف، وليس بما يعرفه الآخرون فحسب، لذا أحسست براحة حينما صرخت، وألقت بوجهي لفافة أوراق مربوطة بشريط وردي باهت، أخذتها من السلة البيضوية، بعد ان ارتقت صندوقا خشبيا:
          - اراك تجهد نفسك، وتتعلق بالجدران! عن أي شيء تبحث؟ عن الرسم الذي أتيتنا به؟ أم عن نوال؟ ام تراك اشتقت لأمك الطيبة التي لن تسمع طرقاتك مهما بذلت؟.
          بذلت جهدا في تنظيم انفاسي المتلاحقة، لكني لم اجهد عند التنقيب في ذاكرتي التي أنعشها المكان، واعاد لها حلاوة تلك الايام الرتيبة، واحلامها البسيطة، وأيقظ تلك الحيوية والفتنة من غيبوبتها الطويلة.
          كانت (هي) تقف في ذات الغرفة قرب صندوق خشبي، اعتليه انا، تعقص شعرها بشريط وردي، تمد ذراعيها النحيلتين بلوحة ملونة، يظهر فيها سيل القمر الفضي يغمر وسط اللوحة، تاركا العتمة تلف زواياها، فتسطبغ الازهار المتنوعة بالوان شهية مطفأة تحيط بها اغصان خضر منداة بندى الليل المتوهج بضوء القمر، فتبدو مثل طبق مزهر، يبيح الوانه بشهوة لا تقاوم ... كانت (هي) تضطجع بين الورود تحيط بها الاغصان، تنقط اريجها المميّز في حواسي، ترش نداها العبق فوق وجه القمر، تخضّله بفتنة لا توصف، ودعوة ملحّة للانغماس في مده الفضي ...
          كان المد يتصاعد مع نبضات قلبي ... يغطيني ... أمد يدي ألتمس معونتها للهبوط .... تناولني كفا راعشة، وتبتسم لتخفي ارتباكها ..... المد يعلو... يعلو ... اهوي متشبثا بها فوق فراش عطر ...
          يغرقنا المد، وهي وجلة ضعيفة يلجمها الخجل، وكنت فتيا ماخوذا بضوء القمر، ولما أعتدلت كان المد قد انحسر، وكانت نوال حزينة مرتعبة، والازهار ذابلة، والقمر قد افل وانطفأ، و.... كانت الدار خالية.

        • #20
          قلم منتسب
          تاريخ التسجيل : Feb 2006
          المشاركات : 5
          المواضيع : 1
          الردود : 5
          المعدل اليومي : 0.00
          من مواضيعي

            افتراضي الأمنية الضائعة

            الأمنية الضائعة

            كانت هي من حاكت بدايتها...تلك القصة ..حدث ذلك والربيع يبتسم ضاحكا ، يلمس الحقول بعصاه السحرية ..لتفتح الكائنات عينيها بعد سبات شتائي طويل ..تمتد الحقول على مدى البصر..من زجاج الحافلة يتأمل ذاك الاخضرار المتألق..ويستنشق ذاك العبير المعطر..يحرص دوما أن يجلس قرب النافذة كل صباح قبل أن يصل إلى مدرسة القرية النائية التي عين مدرسا فيها ولكن لمدة محددة فقط...رضي بذلك النصيب المؤقت.. وهل يملك فرصة الاختيار؟ الباب الوحيد الذي فتح أمامه. ..
            منطويا كان البطل ..طبع هادئ وأفكار راكضة مسافرة في الآفاق. يداعبها نسيم ربيعي منعش ..هل تغدق عليه الحياة وتحقق له أمنيته الغالية ؟
            ها هو الآن يتأبط أحلامه مستديرا كعادته مصوبا نظارته نحو الحقول المطرزة..
            حطت الرحال في محطته المتعبة قادمة من أرض الرومانسية والحب. ..هل كانت تعرفه من قبل ؟ هل تعمدت يومها الجلوس بالقرب منه في الحافلة ؟ لم يكن من النوع الذي يتفرس في الوجوه ..جلس يومها في مكانه المعتاد..العطر يومها كان يتأرجح في الهواء بالقرب منه . ظنها حالمة مثله حينما لفتت انتباهه وبين أناملها قبضة من الورود. سحرته برقتها ..ولطفها.. باقة تضم البياض وسائر الألوان .امتزج عطرها بعطر الزهور ليتبدد في الهواء..اختلس النظر إليها..كانت فاتنة بخصلات شعرها المتموج ونظرتها الجريئة..يحاصره حسنها الفتان من كل الجهات... خيل إليه في لحظة من لحظاته الجنونية أنها تهمس له تلك الورود الناعمة .. حروفها ملونة مسكرة بعطرها الفواح ..وضعتها برفق بجانبها وأخرجت كتاب أشعار..هل كانت محبة للشعر؟ ؟ كتابها مفتوح أمامه وكأنها تدعوه للقراءة ..شاعر ما ، في لحظة شاعرية خطت أنامله ذات يوم :

            يا نفس ما لك والأنين ؟
            تتألمين وتؤلمين
            عذبت قلبي بالحنين
            وكتمته ما تقصدين

            حاول أن يفتش في ذاكرته عن اسم الشاعر لكنه لم يتمكن ..لقد سلبته القدرة على التفكير..لا يهم ..الأهم أنّ لهذه الكلمات سحر عجيب .....لكل طريقته في استقبال فصل الجمال...لم تكتف برسم ديكور الورود ولا بالشعر بل تعمدت في تلك اللحظة أن تسقط الكتاب ليرفعه إليها بحركة آلية سريعة .
            .تهمس بصوت ناعم :
            - عفوا لم أقصد.
            .ولم تضف حرفا واحدا ليبقى ذلك الصوت نغمة موسيقية في أذنه...بارعة كانت في رسم الديكورات ورسم اللوحات التجريدية الغامضة...تكرر السيناريو .وتكرر ذاك اللقاء الشاعري مرات ومرات.. كل الزهور الجميلة ارتسمت في عينيها الساحرتين.
            يتجرأ ويسألها : من هواة الشعر ؟
            تجيب : الشعرهوالحلم الهامس في أذني..هو العبق الذي يسري في أعماقي.
            كان هذا كافيا لتتربع ملكة ومالكة لقلبه .
            لم ير منها سوى ذلك الجانب الروحي الشفاف الموحي برقة حالمة. نظر إليها منبهرا..
            انعكس ضوء الشمس في مقلتيها فأضفى عليهما بريقا وهاجا ...عبثت نسائم الربيع بشعرها المسترسل على كتفيها فطار بعضه في الهواء ليستقر به المطاف فوق وجهها الوضاء...
            أدار وجهه ليطل من النافذة ....لم ير سوى تقاسيم وجهها مرسوما فوق الورود...لم يعد قلبه ينبض للربيع وحده...ثمة ربيع آخر يزهو بداخله ..
            هذا القلب الذي طار من بين ضلوعه حينما صعدت الحافلة ذات يوم ولم تنظر إليه ولم تعره اهتماما..
            ببرودة عجيبة أسدلت الستار عن قصة لم يكتب لها أن تعيش طويلا.
            يسكنه الشرود والذهول..سقط مشدوها من قمة السعادة ليجد نفسه يلج باب اليأس والقنوط..
            تقوده قدماه خارج البيت فيحضنه الليل وأفكاره المتعبة.. يسير وسط الظلام ..ظلام سرمدي...تؤلمه فكرة الفراق..تترك في نفسه حسرات مريرة.الأزقة الملتوية تشعره بالدوار. ريح عابثة تلف حوله .. تدفعه دفعا خفيفا من الخلف. البيوت نائمة بل المدينة كلها تغط في نوم عميق. لولا الإحباط الذي يحطم آماله لشعر بسعادة لا توصف كونه الحي الوحيد وسط هذه المقبرة العظيمة ..وهل النوم إلا الموت المؤجل...
            يسير حاملا في راحة يده أحلاما مندثرة تهدد بالانتحار..الفراق يدمي قلبه .
            - أنت جميل ورقيق يا فؤاد ولكن إمكانياتك محدودة .
            وقف مذهولا أمام هذا الاعتراف المفاجئ. لتواصل هي : هب أنني انتظرتك كم سيلزمك من وقت لتكون نفسك .
            كان يقف على شفا بركان غاضب ..تماسك ليسأل : هناك شخص آخر ؟
            تقول بفتور: إن شئت الصراحة نعم. ولو كنت تحمل لي في نفسك ذرة من حب لتمنيت سعادتي.
            - ألست أنت من اقتحمت حياتي وفتحت أمام عيني كلّ دفاتر الأشعار؟
            - بلى.
            - ألست من قلبت حياتي رأسا على عقب وكأنك الإعصار؟
            - بلى أعترف... كنت تعجبني ...
            - إذن ؟ كنت تعرفينني ..ولم تمانعي ..لم أخدعك بالوعود الكاذبة ...والأماني المتألقة..
            ألست القائلة : الأمور المادية ليست مهمة .الأهم هو التوافق الروحي والحب الصادق ؟
            - آه يا فؤاد كان ذلك أحلام طالبة في الجامعة ...لكنني حينما نزلت لأرضية الواقع هالني ما رأيت. أتعرف ليلى؟ لقد امتدت خطوبتها لسنوات طوال ليستأجروا بيتا في آخر المطاف. الحب يا فؤاد لا يعيش إلا في الأغاني وكتب الحالمين .أما في الواقع سرعان ما يلتهمه الفقر ليصير شبحا مخيفا يتوارى في الظل.
            - أهذا موقفك النهائي ؟
            - للأسف ليس لي غيره . اعذرني يا فؤاد .
            تركها ومضى لحال سبيله ، كان لديه بعض الأمل أن تراجع نفسها وتغير موقفها وتأتي إليه معتذرة..انتظر طويلا ولم تفعل. ذكراها نار مضطرمة بداخله
            صودرت أحلامه...استحالت فجأة إلى مجرد هوى يائس .. آثرت من اختارها قلبه البعاد.
            ظن ذلك الجدال السخيف مجرد مشاحنة سرعان ما تمر لكنها كانت جادة.
            هل أحبّها فعلا أم أحبّ الحبّ الذي ربطه بها. إنه التحليل المنطقي لما وقع له ..تعجبه الفكرة لم يحبّها بل أحبّ حبّها..أمل خافت ينبض بين جوانحه . هذا المنطق سيطفئ كل النيران. كان دوما يحلم بحب نقي يسحق الماديات ويرفرف في سماء الكفاف...ولكن يغيب قيس ويموت حبه العذري إلى الأبد...
            ..جرح نازف..شعور بالخيبة والفشل.
            بحركة غاضبة يشعل سيجارة أخرى ...تبا .... يشك أن يكون في هذا الزمن حب حقيقي...كل شىء زائف ..مزيفة كانت من الداخل والخارج. لماذا سمح لنفسه الانقياد وراءها ؟ يتمنى في هذه اللحظة لو يمحوها من ذاكرته...خائنة..لا تستحق سوى الاحتقار... لم تتردد.. ولم تندم.. ولم تشفق عليه .. أخرجته من قصر الأحلام دون سابق إنذار.. وهو كالمغفل لم ينتبه لما كانت تخطط له .. حبها للمال أعمى قلبها و كان أن باعته رخيصا مقابل دراهم معدودات.. لا ريب أنه أحبها بعمق.. بصدق لكنها أحبته على مضض لم يكن لديها غيره في الساحة فاستغلت الفرصة لتستبدله كما نستبدل ثوبا بثوب آخر.. مخطئة إن كانت تظن أنه سيذرف على فراقها دموعا.. مخطئة إن ظنت أنه لن يحب غيرها وسيعيش لذكراها...يشعل السجارة الثالثة ..هل عاد مدمنا كما كان مسلوب الإرادة ؟
            هكذا كانت تحدثه نفسه وهو يسير وحيدا وأفكاره المشتتة...هل سيستسلم للكآبة تغزو خاطره ؟ هل سيستسلم للإحباط ؟ فجأة ينتبه ليجد نفسه في طريق ضيقة والظلام من حوله..خيل إليه أنه يسمع وقع أقدام تقتفي خطواته...يختلس النظر ..اثنان يسيران وراءه...أكمل طريقه مطمئنا...لم يكن يحمل شيئا ذا قيمة....ولكن بسرعة البرق وجد نفسه مطوقا من الخلف...هيا – يقول أحدهم- أخرج مافي جيوبك..
            يجيب بصعوبة شديدة : والله لا أحمل شيئا...
            يفتشه أحدهم..لا شىء..انتقموا منه بضربات وركلات ...طرحوه أرضا ومضوا...
            نهض بصعوبة بالغة...تبا...غير وجهته عائدا إلى البيت...
            يفاجئه صوت ملائكي يدعو لصلاة الفجر.. لقد قادته خطواته إلى مسجد الحي دون أن ينتبه..يشعر لأول مرة بفراغ روحي رهيب ، ظمأ لا يرويه إلا ماء الوضوء .. منذ متى لم يسجد لخالق الكون .. هو الخيط الوحيد الذي لا ينقطع ، يشعر بشوق غريب نحو المسجد.كم دامت غفلته ؟ يتجه إلى مكان الوضوء...سعادة غامرة تملأ روحه..يتجه للصلاة..أخيرا يجد نفسه.

          صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة

          المواضيع المتشابهه

          1. عباءة الحب .. القصيدة التي شاركت بها في مسابقة #كتارا
            بواسطة مصطفى الغلبان في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
            مشاركات: 10
            آخر مشاركة: 24-05-2017, 01:15 AM
          2. مصطلح "استخلاص السمات" مع نصوص أقاصيص القرآن والحديث وقصصهما القصيرة، لا "النقد"
            بواسطة فريد البيدق في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
            مشاركات: 3
            آخر مشاركة: 16-06-2010, 01:01 PM
          3. نصوص الخاطرة التي شاركت في مسابقة الواحة الأولى
            بواسطة إدارة الرابطة في المنتدى مهْرَجَانُ رَابِطَةِ الوَاحَةِ الأَدَبِي الأَوَّلِ 2006
            مشاركات: 18
            آخر مشاركة: 23-05-2006, 03:24 PM
          4. النصوص الشعرية التي شاركت في مسابقة الواحة الأولى
            بواسطة إدارة الرابطة في المنتدى مهْرَجَانُ رَابِطَةِ الوَاحَةِ الأَدَبِي الأَوَّلِ 2006
            مشاركات: 44
            آخر مشاركة: 20-05-2006, 07:50 PM