المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناجي الصغير
طالما كنت أجلس في الجبل تحت ظل شجرةٍ من بلوط , وقد خيم الحزن على صدري , فكنت أسرح الناظر في السهول التي نشرت أمامي أحسن محاسنها يتلو بعضها بعضا. وقد أخذت زخرفها و أزينت و أنبتت من كل زوج بهيج , وقد آذنتها الشمس بالغروب مرتدية حلتها الصفراء تعلوها الكآبة. ولا أدري إن كان ما ألم بها توجعا ورحمة لي أو من ألم البين والفراق.
أمامي النهر يزمجر بأمواجه الزاخرة المزبدة , وينساب كالأفعى وسط الرياض , وهناك البحيرة الساكنة كالمرآة الصقيلة . وقد ارتسم كوكب المساء على صفحات الماء . وكانت الجبال التي تحوطني متوجة بغابات قاتمة رمى عليها الشفق أشعته الأخيرة.
لم تكن هذه المناظر الجميلة لتروقني أو تنفحني بسرور ينعش القلب بل كنت أشاهد متنقل , كما أن شمس الأحياء لا تدفئ الأموات.
كنت أنقل الناظر من أكمة لأكمة ومن شمال لجنوب ومن شرق إلى غرب فلم أظفر بهناء يخفف ما بي من ألم الكآبة والوحشة
ماذا تفيدني هذه الوديان والقصور والأكواخ التي لا أعبأ بها إذ لا أجد بها ضالتي المنشودة, وما كانت لتشرح صدري هذه الأنهار والصخور والغابات مع ما أنا فيه من الانفراد والعزلة. وإن غاب عن عيني عزيز واحد فالدنيا بأجمعها تكون أمامي قفرة موحشة.
لا أحفل بشمس تتبعها عيني في مسيرها من الشرق إلى الغرب جارية في سماء صافية أو مكفهرة إذ لا أنتظر شيئا من الأيام.
ولو استطعت أن أتبعها في مجراها لكنت أشرف على الجو والصحاري ولكني لا أرغب في شيء من جميع ما تنيره ولا أطلب أمرا من هذا العالم العظيم.
ولكن ربما كان بعد هذا الكون عالم آخر تضيئه الشمس وتظله سماء أخرى , ولو تسنى لي أن أترك جثماني في الأرض و أصعد بروحي إلى السماء لأنظر بعيني ما أراه في الأماني و الأحلام فهناك انتشي من رحيق المنبع الذي آمله وأجد ما أتطلبه من الأمل والحب , وهذا غاية ما تشتهيه الأنفس, فلم بعد ذاك أمكث في الدنيا دار النفي إذ لا علاقة لي بها ولا شان لي فيها.
مثلي كمثل الورق الذابل حينما يتساقط في المروج فتحمله الريح إلى الوديان فاحمليني مثلها أيتها الشمال العاتية.
لا مرتين
((ترجمة محمد كامل الحجاج / مجلة الزهور 1911 م ))