أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: مقابلة تلفزيونية

  1. #1
    أديب وناقد
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    الدولة : بعلبك
    المشاركات : 1,043
    المواضيع : 80
    الردود : 1043
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي مقابلة تلفزيونية

    لا يسكت الكلام إلاّ في حضرة الأدب، لا لشيء إلاّ لأن ما دون الأدب الأدب لا يقوى على الصمود.... يعرف حدّه فيقف عنده.
    يضحكني منظر المذيعة أو المذيع الذي أنهى سنواته الجامعيّة زحفاً بشقّ الأنفس أو تلصّصا على إجابة زملائه في أثناء الامتحانات ثم قذف به الحظّ فتبوّأ منصباً في وسيلة إعلامية وأوكلت إليه مهمّة الصفحة الثقافية.
    تراه يجهد في انتقاء الشخصيات الفكرية والأدبية ليجري معها لقاء العمر، فيقع لضحالة ثقافته في فخّ الأسئلة الشخصية والسيرة الذاتية وهوايات الأديب وأكلاته المفضّلة، غافلاً عن الخوض في أسلوبه ومميّزات أدبه الفنيّة، ونظرته إلى الله، والكون والحياة والإنسان، أو يلملم لسانه ويترك الضيف يسرح ويمرح في الموضوع على هواه، فينقلب الحوار إلى محاضرة يترافع فيها الأديب أمام الكاميرا على وقع تثاؤب المذيع الذي لا يطلب من الله إلا اختزال الزمن وانقضاء الوقت المخصص للّقاء حتى لا تنكشف عورة ثقافته.
    لو كنت مكان هذا المذيع لاحترمت نفسي وراعيت ذوق المشاهد ولطلبت من الضيف أن يجهّز الأسئلة والأجوبة معاً، ويطلّ على جمهوره المثقف في حلقة تلفزيونية تضجّ بالروعة والإبداع وهذا لا يحدث إلا إذا كان المذيع رَجُلا. فماذا يحدث إذاً كانت المحاورة مذيعة فازت قبل شهور قليلة بلقب ملكة جمال:
    اسمعوا التفاصيل:-
    اتصلت بي المذيعة الحسناء، وكِدتُ أذوب لدى سماع صوتها ينساب إليّ عبر الهاتف قالت:- يشرفنا مسيو أن نستضيفك في لقاء مباشر حول فنّ القصة القصيرة.
    رحت أعدّ العدّة لهذا اللقاء، أنبش كهوف الذاكرة لاستحضار المعلومات المتعلّقة بهذا الفن الأدبي الرفيع، وأسهر الليالي الطوال مرتحلاً في بطون المراجع باحثا عن الأفكار والإستشهادات المناسبة للموضوع.
    لا أبالغ إذا قلت: انتفخت جفوني واحمرّت عيوني لكثرة ما قرأت، ولكنني سأبوح بسرّ دفين. ارتفعت حرارتي وأصبت بالإسهال كطالب يتوتّر قبل الدخول إلى الامتحان. نمتُ ليلة اللقاء على لحم بطني خشية المضاعفات المتوقعة عند الصباح. فلم أذق للعشاء طعماً واكتفيت بقهوة الصّباح، وشددت الرّحال إلى مبنى التلفزيون متأبطاً ملفاً ضخما حُشي بالأوراق والقصاصات الداعمة لأفكاري.
    رحّبت بي الأمورة المغناج، وجلست قُبالي في الصالون في دردشة تسبق اللقاء عادة ريثما يتم تجهيز الاستديو. ( لكّتْ ) رجلاً على رِجل ترتشف قهوتها وتنفث دخان لفافتها بنَهمْ في وضعٍ نسيت معه نصف الأفكار، أمّا النصف الآخر فقد غامت حوله الرؤية بفعل العطر الأخّاذ المتعـابق من هـذه المذيـعة المبدعة. وكدت أنسى موضوع اللقاء ( فـن القـصة القصيرة ) لولا أن ذكـّرتـني بـه ( التنورة القصيرة ) فقمت أجرّ قدميّ نحو غرفة الماكياج، واستسلمت مغمضاً عينيّ تحت أنامل رشيقة راحت تعبث بقسمات وجهي، تبودرتُ وتحومرتُ وتمشّطتُ وتسشوَرتُ حتى صرت إنسانا آخر لم أتعرّف إليه عندما نظرتُ في المرآة، كما لم تتعرف إليه زوجتي وهي تتابع اللقاء متحرقصة تأكلها الغيرة وتلعن الساعة التي حمل فيها زوجُها القلم.
    شربت كثيرا من الماء علّه يعوّض العرق المتصبّب من مسام جلدي، وقرأت ما تيسّر من الأوراد المهدّئة للأعصاب وبدأ اللقاء:-
    س: من أنت في سطور؟
    ج: قبل هذا اللقاء أم بعده؟
    س: وما الفرق؟
    ج: قبل اللقاء كنت كاتب قصة وبعده سأعتزل الكتابة.
    س: لماذا؟
    ج: كنت أظنّ أن مجموعاتي القصصيّة تعكس شخصيّتي وتصنع شُهرتي، ويبدو أن جهودي المضنية ذهبت أدراج الرياح.
    س: كيف تعرّف القصّة القصيرة؟
    ج: القصة القصيرة كالمرأة جسد وروح وماكياج.
    س: لم أفهم.
    ج: سأسهّل الأمر عليك: الجسد والروح والماكياج أقانيم ثلاثة تشكّل وحدانيّة القصّة وفرادتها.
    الجسد هو هذا البناء المنتظم المتناسق في ائتلاف رشيق، ينسدل على هامته شلاّل من الشَّعر يكسو عُري الرأس ويخفي بشاعة عظامه.
    فكما لا يحيا الإنسان بلا رأس، تموت القصّة إن فقدت رأسها، كيف لا وهو مركز الحواس الست.
    بمجرد النظر إلى القصة يمكن الحُكم عليها من حيث الرقّة والوداعة والجمال.
    ما إن يتلمّس القارئ مقدّمتها حتى يستبدّ به الشوق للغوص في أعماقها.
    إن بروز المقدّمة في صدر القصة ضروري ضرورة الحليب للطفل الرضيع.
    القصة كائن حيّ يراكِ كما ترينه، شخوصها تقتحم حياتك دون استئذان تقلب كيانك وتبدّل قناعاتك وتشوّش أفكارك وتوجّه مسارها إلى حيث تشاء.
    وكما الأنثى اللعوب فالقصة تتمايل بقدّها الرشيق، تهزّ الخصر والأرداف أمام القارئ الجائع إلى لحم الثقافة البضّ.
    وقد تسألين عن قداسة القصّة وحَرمتها!
    نعم! للقصة قداستها وسرّها المكنون، تُبدي للقراء الجزء الظاهر من فوهة البركان بينما تخفي الحمم المتلاطمة في جوفه.
    ليس شرطاً أن تحمل القصة الفكر والفلسفة ومنطق أرسطو وعلوم اليونان والرومان والعرب والإسبان. يكفيني كقارئ قصةٍ أن أتلذّذ بمتعة النظر إليها وملامسة حروفها النافرة والمستترة، وأن أرحل في تضاريسها المتناغمة وأذوب في حرارة العاطفة المنبعثة من ثناياها.
    يكفي القصة نجاحاً وألقا أن تجعلني أنتحب على صدرها وأتنسّم عبيرها الأخّاذ وأمرّر أناملي على صفحة جسدها المضيء، وأخلع عنها رداءها البغيض.
    لا خير في قصّة تحجبها الأستار وتخفي جمالها أردية الغموض والإبهام.
    جمال القصّة في عريها، ولذّتها في استسلامها الطوعي بين يدي القارئ المحقون. إنها المتعة الحلال التي تكسر الحدود والقيود ولا تستنكر الشبهات ولا المحرّمات.
    القصة الواحدة لا تسمن ولا تُغني من جوع. لا بُدّ من تعدّد القصص.
    لا تكتمل لذّة القارئ إلا بقصص متنوّعة الجمال، ميّاسة القدّ والظّلال، لا فرق إن كانت البطلة فيها شقراء أم سمراء، الأهم أن تكون روحها محلّقة في سماء الخيال والإلهام تلامس شغاف قلب القارئ وتحاكي همومه وانشغالاته وأن يزين الماكياج نتوءات جسدها لتبدو تحفة للناظرين.
    س: في الحقيقة، لقد أجبت عن أسئلتي كلها دفعة واحدة دون أن أضطر إلى طرحها.
    أشكرك باسم المشاهدين جميعا على هذه المعلومات المقولبة بقالب الأدب الرفيع حول فن القصة القصيرة.
    ج: عن أي قصّة قصيرة تتحدثين؟
    س: وَلَوْ! موضوع هذا اللقاء.
    ج: أنا لم أكن أتحدث عن القصّة القصيرة.
    س: عمّ كنت تتحدث إذاً؟
    ج: شاهدي شريط تسجيل هذه الحلقة وستعرفين الجواب!
    س: هل توّد التوجّه إلى جمهورك الحبيب بكلمة؟
    ج: لا! أود التوجه إليكِ شخصيا بسؤال.
    س: تفضّل !
    ج: هل توافقين على الزواج من كاتب قصّة؟!

  2. #2
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    المشاركات : 2,362
    المواضيع : 139
    الردود : 2362
    المعدل اليومي : 0.35

    افتراضي

    جمال القصّة في عريها، ولذّتها في استسلامها الطوعي بين يدي القارئ المحقون. إنها المتعة الحلال التي تكسر الحدود والقيود ولا تستنكر الشبهات ولا المحرّمات.
    س: هل توّد التوجّه إلى جمهورك الحبيب بكلمة؟
    ج: لا! أود التوجه إليكِ شخصيا بسؤال.
    س: تفضّل !
    ج: هل توافقين على الزواج من كاتب قصّة؟
    !
    الراااائع والمبدع والمحترم جدا جدا جدا

    الأديب / سعيد ابو نعسة


    من اجمل ما قرأت فى حوار و سياق ساخر ذو مغزى عميق وخطير ! نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    حياك الله استاذنا الكبير نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    دمت للأدب الراقى تعلم التافهين كيف يحترموا نفسهم وضيوفهم وعقلية مشاهديهم

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية زاهية شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2004
    المشاركات : 10,345
    المواضيع : 575
    الردود : 10345
    المعدل اليومي : 1.42

    افتراضي


    ج: لا! أود التوجه إليكِ شخصيا بسؤال.
    س: تفضّل !
    ج: هل توافقين على الزواج من كاتب قصّة؟!


    ورغم ماقلتَ عنها في بداية الموضوع :إنها وإنها وإنها فقد سألتها في النهاية
    سؤالاً خاصًا وعلى الهواء مباشرة تمنيت لو أنَّك أخبرتنا بجوابها عنه ..
    حب الفضول من مشاهدة تخيلتها نفسي

    شكرًا لك سيدي الفاضل
    سعيد أبو نعسة
    حسبي اللهُ ونعم الوكيل

  4. #4
    أديب وناقد
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    الدولة : بعلبك
    المشاركات : 1,043
    المواضيع : 80
    الردود : 1043
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    العزيزة نسيبة بنت كعب
    الشكر موصول لروحك الطاهرة و كلماتك الصادقة التي تحمّلني مسؤولية أكبر كي أنتقي الأجود دائما .
    دمت في خير و عطاء

  5. #5
    أديب وناقد
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    الدولة : بعلبك
    المشاركات : 1,043
    المواضيع : 80
    الردود : 1043
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    الأخت العزيزة زاهية
    طبعا المقالة ليست كلها واقعية بل جزء منها حين دعيت إلى تلفزيون الجديد اللبناني لمقابلة حول القصة القصيرة وأربكتني المذيعة بلباسها المفضوح و مكياجها و عطورها و بما أنني ولله الحمد ملتزم دينيا فقد ارتبكت كثيرا و نسيت بعض الأفكار .
    ربما إذا رضيت الدخول في الإسلام أن أطلب يدها
    من يدري ؟؟؟
    شكرا لروحك الطاهرة و مرورك العطر حول حروفي

المواضيع المتشابهه

  1. مقابلة بين المقنع الكندي و جمال حمدان .
    بواسطة علي قسورة الإبراهيمي في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 07-03-2012, 02:52 AM
  2. مع عمرو بن كلثوم / مقابلة ثانية
    بواسطة محمد إبراهيم الحريري في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 11-04-2006, 02:37 PM
  3. اليوم : بدء بث محطة تلفزيونية المانية من الكويت بالعربية
    بواسطة ابو نعيم في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 01-03-2005, 08:36 AM
  4. مقابلةٌ في إذاعة الرياض عن الرقمي مع الأستاذ خشان
    بواسطة محمد السقاف في المنتدى مَدْرَسَةُ الوَاحَةِ الأَدَبِيَّةِ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 07-05-2004, 09:24 PM