بسم الله الرحمن الرحيم
قالَ : تولدُ المرأةُ مرتينَ ؛ إذا انحدرتْ إلى الدنيا و إذا بلغتْ مبلغها و ولدتْ في قلبِ رجلٍ !
ظهرّتُ على الدنيا يومَ ظهرتْ هي على الناسِ في أبهى حلةٍ و تزينتْ بلباسها البهيّ النديّ ، و جمعتْ إلى قلبها المحاسنَ من كلِّ طرفٍ . فوهبتها ذوائبُ الشمسِ تاجَها و الصولجانِ ، و من نورِ القمرِ وجهها يتندّى ، فالحياةُ تختلجُ في القلوبِ و في البذورِ لتعلو هاماتِ البراعمِ بزهرٍ عطرٍ نضرٍ ، و تنتظمُ البهجةُ في سلكِ الزمنِ ما بين لؤلؤاتٍ منثوراتٍ شذياتٍ فوقَ كلِّ تلِّ ، و بينَ خريداتٍ يتيماتٍ – إلا منْ أخواتِها – عِذابَ النغمِ تشيرُ كلُّ واحدةٍ إلى الأخرى ؛ انظري ... و اسمعي : ما أحسنَ عزْفَنا !
و على نحرِها رحتُ أرضعُ من وهجِ الشمسِ و منْ نورِ القمرِ لينمو ظاهري نمواً و باطني نمواً غيره ! فما منْ شيءٍ يريدُ أنْ يكونَ كما في نفسِه ، بْل كما هوَ في نفسِ الربيعِ ؛ جميلاً ، بهياً و قصيرَ الأنفاسِ .
و ولدتُ الثانيةَ و الروحَ تقولُ لصاحبتِها : يا أنا ! و القلبُ ينقبضُ هناكَ لينبسطَ هنا ، و خطرةُ الفكرِ يترجمُها اللسانُ بكلمةٍ !
و كأنّ الربيعَ مسحَ على قلبي بيدهِ ؛ فكنتُ صورةَ فكرهِ و صورةَ قلبهِ ! و لكنْ في قلبِه وحده .
فجعلتُ أزرعُ معاني نيسانَ في حوضِه ، و أسقي بندى الصباحِ صبّاره و صبرَه ، و ألوّن بأطيافِ الفرحِ أيامَه و أفقه ... و أنا السعيدةُ أنّه ربيعِي . فوجودي وجوده لأنّ فيه معاني نفسِي ، و كلُّ ما فيه وحده الحياةُ .
و تبقى بتلاتُ الربيعِ تنفثُ فيّ ضعفَها ، و تُلبسني رقةَ ثوبِها و تعيرني دموعَ الصباحِ بين أجفانِها ! فأكونَ الحبَّ يمشي مستنداً إلى صدرِ مرحمةٍ .
قال : إنّها في الولادةِ الأولى يكونُ أولَ وجودِها ؛ أمّا في الثانيةِ فذلك أولَ فنائِها ؛ لأنّ المرأةَ متى حلتْ من قلبِ رجلٍ محلاً ، جعلَ يُفنيها معنى في كل معنى حتى تفرغَ .