لم يكن لديك الوقت الكافي لتكتب ما كتبت من رد عن موضوع اليقظة، والاستيقاظ،،
واليقظانين؟ أما إذا امتلكت الوقت، فقد امتلكت السيف الذي به تقطع المسافات
عبر مختلف الأزمنة والعصور.
وقد استفدت من الوقت الضئيل الذي خصصته، للثالوث اليقظ ، ابن سينا، ابن الطفيل،
السهر وردي، هؤلاء جميعا، اشتركوا في إطلاق مفهوم " حي بن يقظان" على اليقظانين،
وأرى أن ما يميزنا عن سائر الكائنات، هو اليقظة، وما نشترك فيه مع الكائنات الحية،
هو الحياة، مفهوم الحياة بمعناه البيولوجي، ومفهوم اليقظة، بمعناه التعقل.
لا يبدو لي مفهوم" حي بن يقظان "، إلا تعريفا مختصرا لتجربة فكرية،
تختلف باختلاف الأساس الواقعي الذي انبثقت منه.
لكن عند الوقوف على تجربة السهروردي، يباغتني السؤال، عن السبب
الذي جعل الفلاسفة ينبتون، في عصر عرف انحطاطا
على مستوى الحفاظ على كيانه الإمبراطوري؟
هل كان في امكان " حي ابن يقظان" السهروردي، أن يظهر في عصر عرف الإرهاب الفكري،
و الصراع العسكري بين أبناء الأمة الواحدة؟ هل كان في امكان يقظة السهروردي،
أن تعيد للامبراطورية السائرة نحو التفكك، وحدتها،
ويقدم لأبنائها السلاح الذي به يواجهون الحملات الصليبية، وأطماع أوروبا في مملكة الإسلام؟
لقد كان عصر السهروردي لايختلف عن عصرنا،
لأنه لم يخل من التشديد والتضييق على الحرية الفكرية،
وخاصة أنه تزامن مع تلك الفترة التي عرفت حربا فكرية بين توجهين مختلفين،
أحدهما مأخوذ إلى عالم الميتافيزيقا، ينتج مفاهيم مثل:
" فاعل الصور" أو " نور الأنوار"
والآخر مشدود بحبل المراقبة، يرسل المنع، والحذف، والتقطيع..
مصر على اتخاذ طريق محافظ ، وأنا من موقعي كمتتبعة لمسار التاريخ،
أنتج فكرة كتلك التي لا أرى أني أنتجتها بل قرأتها عند الآخرين، ومنهم ابن خلدون،
الذي وضع حدا للاختلاف، متجها نحو طريق جديد، دشن به مرحلة التفكير في:
" أسبقية المجتمع على الفرد"،
كانت هذه الفكرة التي استخلصها ابن خلدون من السكن في قلب الأحداث،
تعرف الماضي بأنه هو نفسه الحاضر على مستوى غياب وجود ما هو جدي للتخلص
من بؤس العالم، ومن الصراعات الدموية، المستمرة فيه..
لهذا ردد وردد معه أتباعه من اليقظانين الأوروبيين" إن التاريخ يعيد نفسه ".
فهل تخلص عالمنا الإسلامي من ذلك التهديد الغربي،
ومن تلك الصراعات الدموية التي كانت تحصل بين الشيعة، والسنة،
بين الخلفاء داخل بيت الخلافة، بين العرب، والموالي؟ إن القرن الثاني عشر الهجري،
هو العصر الذي بدأنا فيه نفقد احترامنا لأنفسنا، إنه عصر التنويم،
وعصر التحريض على الاطمئنان إلى ما لدينا، والانغلاق على الذات؟
ألا ترى أن هذه الفترة جديرة بالتأمل؟ ألا تعتقد أن العودة إليها تفيد لإعادة بناء أنفسنا في الحاضر؟
تسأل عن الحرية، هل نحن ملزمين بقول ما نقول، أم أحرار في أن نقول أو لا نقول ما نقول؟
يا له من سؤال صعب؟ لا أجد القدرة على تقديم إجابة عنه،
ومع ذلك فأنا .. والحمد لله أني أدرك أن لي أنا .. هذه الأنا التي تتميز:
بالقدرة على التفكير، والتعبير، سواء كانت محاطة بالأسوار،مقيدة بالأغلال، والسلاسل،
وما دامت لم تصب بأذى الزهايمر، أو آفة اجتماعية، تخرجها من عالم الوعي بأناها
إلى عالم لا أعرف عنه سوى أنه ليس مثل عالمي، لا يستطيع أن يضع حدا بين الجد واللعب،
بين الحلم واليقظة، بين الألم واللذة، بين الجميل والقبيح،الصحيح والخطأ، بين الحلال والحرام..
أقول فأنا هي هذه الذات التي تمارس لعبة الوعي ما دامت تعي تلك الحدود إلى حد ما.
وهي بذلك تكون حرة ككل الذين يتواصلون معها بنفس البضاعة، وبنفس الحيل،
وبنفس الروح التي بثها فيها فاعل للصور، وفاعل في ذاتي باعتباري:
كائن اجتماعي، طبيعي، وحيوان متدين بطبعه.
إن أناي ..تشترك مع أناك في فعل لاتاريخي هو الحوار الفكري،
وأنت تلاحظ كيف يسافر الحرف إليك ناقلا فكرة قد تصطدم بصخرة
فتمنعها من مسارها الحر فتسقط تساقطا لم تشأه لها حين رميت بها،
"وما رميت إذ رميت، ولكن الله رمى".
وكل مراميه خير للعباد، وفيها لطف،
" وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم،"، و "الله يهدي من يشاء"
" و ما ربك بظلام للعباد" صدق الله العظيم.
:noc: :0014: :os: