أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: الشهيد ( قصة صغيرة)

  1. #1
    الصورة الرمزية عدنان أحمد البحيصي شهيد العدوان على غزة 2008/12/27
    تاريخ التسجيل : Feb 2003
    الدولة : بلد الرباط (فلسطين)
    العمر : 41
    المشاركات : 6,717
    المواضيع : 686
    الردود : 6717
    المعدل اليومي : 0.87

    افتراضي الشهيد ( قصة صغيرة)

    محمد فضلي- 17 عامًا- مصر



    تدحرجت دمعة من عينيها على رمال البحر الساخنة، كانت تنظر إلى أمواج البحر المتلاطمة وهي لا تحس بشيء من حولها. ضاقت الدنيا في عينيها، فقد كان وقع خبر استشهاد أخيها عليها كوقع المطرقة على السندان. فقدت وعيها في بادئ الأمر، وعندما أفاقت بكته بكاء شديدا. وخرجت مندفعة لا تعرف وجهتها بعد سماعها للخبر، وعندما وصلت إلى شاطئ البحر وقفت شاردة متأملة أفقه الشاحب.

    فبالأمس القريب كان شقيقها "خالد" ما يزال صبيا في المدرسة، لم يبلغ بعد الرابعة عشر من عمره، كان متفوقا في دراسته وكان حلمه الخاص أن يكون مهندسا معماريا ليبني وطنه من جديد؛ فقد رأى ذات يوم العدو الإسرائيلي وهو يهدم بيت احد أقربائه المحببين إلى نفسه ومات كل أقربائه تحت أنقاضه. كان هذا بداية حقده على الأعداء، وكان يزيد حقده يوما بعد يوم، فهذا جندي إسرائيلي يصوب سلاحه نحو أطفال صغار يلعبون لا حول لهم ولا قوة، وهذا آخر يطلق الرصاص على طفل رضيع في حضن أمه وهي تهدهده- فيرديه قتيلا، وكان يرى الجنود يمثلون بجثث الشهداء، ويمزقونها تمزيقا.

    ولكن ما لم ينساه أبدا عندما اقتحموا بيتهم الصغير، واختطفوا أباه ولا يعرف ماذا حدث بعد ذلك لوالده، أقتلوه أم سجنوه وعذبوه؟! ومنذ ذلك اليوم بلغ حقده وبغضه وكرهه للأعداء مداه وقرر أن يقاوم الاحتلال.

    وقد كانت هناك أخبارا تتردد عن وصول إمدادات ومعدات حربية لقتال العدو بحرا، ولكنه كان صغيرا لا يقوى على حمل السلاح والقتال ضد الأعداء، ولكن هذا لم يثبط من عزيمته فقد كانت همته العالية أكبر من أي شيء هو مانعها.

    فتوجه مباشرة إلى عمه الذي كان خبيرا بشئون القتال البحري ويعرف كل أخباره الجديدة ودار بينهما هذا الحديث:

    -السلام عليك يا عماه.

    - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، كيف حالك يا بني؟!.

    -بخير والحمد لله.

    -هاه أخبرني عن أحوالك في الدراسة.

    -الحمد لله بأفضل حال.

    -إذن فلماذا جئت الآن؟

    -كنت أريد أن أسألك عن السفن التي سمعت عن قرب وصولها لمقاتلة الأعداء.

    -سأخبرك ولكن لا تخبر أحدا بهذا الأمر حتى لا تصل إلى مسامع العدو. أتعدني؟!

    -نعم أعدك.

    -هذه السفن سوف تصل في خلال أسبوع إلى الشاطئ وسوف تبعثها إلينا الدول الإسلامية مجتمعة وهي تريد بعض المتطوعين المدربين على فنون القتال البحري واستخدام آلات السفن.

    فلمعت عينا "خالد" وقال بلهفة لعمه: وهل تستطيع أن تدربني على ذلك يا عماه؟!

    فتعجب العم وقال له: ولكنك لم تشب بعد عن الطوق ولم تكمل دراستك. أنسيت حلمك أن تكون مهندسا معماريا لتبني ما هدمه الأعداء. أنسيت؟!.

    -لم أنسى ولكني وجدت ما هو أفضل. أيوجد أفضل من القتال ضد الأعداء والشهادة في سبيل الله.

    فربت على كتفه قائلا: يا بني تخيل لو أن كل الناس ذهبوا لقتال الأعداء فمن يبقى للوطن. فالوطن يحتاج المهندس والطبيب والبناء وكل هذه المهن البناءة كما يحتاج الجندي، فكل من يعمل يفيد الوطن ويعمل على رفعته، فالاستقلال لن يأتي إلا بوجود هؤلاء؛ فلذلك أفضل لك أن تبقى!.

    فرد عليه بحماس: ولكني أفضل قتال الأعداء والشهادة في سبيل الله ولأنتقم لأبي الذين اختطفوه ولا أعلم أهو حي أم ميت. فهل ترضى أن تدربني ولو حتى على بعض الأعمال البسيطة في السفن؟!.

    -إذن إذا كنت مُصٌرا فسوف أضطر أن أقبل!.

    فانطلقت منه صيحة فرح. ولكن العم استدركه قائلا: بشرط أن تتفوق في دراستك ولا يعطلك التدريب عنها وعن أداء واجباتك.

    -سمعا وطاعة يا عماه بإذن الله.

    بدأ التدريب في ذلك اليوم، وكان مقبلا على التدريب بحماسة وحب. كان كل يوم يتعلم شيئا جديدا؛ في بداية الأمر تعلم الإسعافات الأولية وطرقها المختلفة وعرف أدواتها، بعد ذلك تعلم الشفرة السرية التي تتواصل بها السفن بين بعضها البعض، بعد ذلك تعلم كيفية التعامل مع الرادار وكيفية استعماله، كما تعلم أشياء أخرى كثيرة. وبدأ في هذه الفترة القصيرة عملية إعداد بدني لتقوية عضلاته؛ فكان يمارس ما تعلمه من تمارين في مدرسته. ولكن مع ذلك وفى بوعده ولم تؤثر تدريباته على دراسته.

    في ظهيرة اليوم السادس دخل عليه عمه مستبشرا وقال له: أبشر أيها البطل الهمام؛ فقد حانت لحظتك وبدأت السفن المقاتلة في الوصول، وسوف آخذك غدا لموقعها بإذن الله. فهيا تجهز.

    فانتابته فرحة مشوبة بحزن؛ لأنه سوف يترك أمه وإخوته وسيبعد عنهم. ولكنه تغلب على ذلك. وبدأ في تجهيز حاجياته. وظل طوال الليل يترقب طلوع الفجر.

    في الصباح كان الوداع صعبا. وكانت الأم تبكي ولكنه هدأها واحتضنها ثم قبلها على وجنتيها، ثم بعد ذلك ودع أخاه الأكبر وأخته الصغرى والكبرى-التي كانت أكثر إخوته تأثرا- فقالت له قبل أن يغادر: عد لنا سالما. فرد عليها مداعبا: لن أعود بإذن الله. وسكت هنيهة ثم أردف قائلا:.. إلا ومعي خبر هزيمة الأعداء.

    عندما وصل إلى مكان السفن الحربية كان المنظر مهيبا، ولكنه اطمأن بعد أن دخل السفينة مع عمه، وقد رحبت إدارة السفينة به؛ فانتابت "خالد" فرحة غامرة. ثم بدأ في التجول بها مستكشفا إياها مع عمه وقائد كتيبته، وقد أعجب بتجهيزها الذي كان على أحدث تقنية. بعد ذلك توجه إلى غرفته وتعرف على أصدقائه الجدد فيها. كانوا ثلاثة كلهم أكبر منه؛ أكبرهم اسمه "أحمد" وأوسطهم "علي" أما أصغرهم- والذي كان في العقد الثالث من عمره- اسمه "جاسر"، ومنذ أن عرفهم ارتبط بهم وأحبهم حبا شديدا واعتبرهم أهله الآخرين وقد بادلوه نفس الشعور.كان الأربعة الأكثر تميزا في كتيبتهم المكونة من ثلاثين فردا فكانوا الأكثر نشاطا وحماسا.

    في اليوم الرابع لوصول "خالد" إلى السفينة انطلقت نحو موقع القتال. كان الوصول إلى ذلك الموقع يستغرق يوما ونصف اليوم. ومنذ أن عرف "خالد" بذلك لم يهدأ له بال طيلة اليوم الأول وكان قلبه يخفق بشدة من الفرح.

    في صباح اليوم الموعود انطلقت صافرة تجمع كتيبة الأربعة، ثم بدأ القائد يتكلم معهم ويوزع المهام عليهم، وكانت المهمة التي من نصيب الأربعة أن يستقلوا قاربا صغيرا ويوصلوا الإمدادات بين سفن المسلمين. كانت المهمة ليست بسهلة لأنهم سيكونون في قارب مكشوف وقد يتعرضوا لقنبلة غادرة من الأعداء، ولكنهم قالوا في كلمة واحدة: سمعا وطاعة أيها القائد.. كانت مهمة "خالد" أن يتولى عملية الإسعافات الأولية، و"جاسر" أن يصعد بالإمدادات إلى السفن، وكان "أحمد" عليه قيادة القارب، أما "علي" فكان عليه مهمة الاتصالات على القارب. فبدأ كل منهم في تجهيز معداته.

    وصلوا إلى الموقع في وقت الظهيرة، فصلى الأربعة، ثم صعدوا إلى سطح السفينة منتظرين إشارة القائد بالتحرك.

    بمجرد أن أعطاهم القائد إشارة التحرك تحولوا إلى كتلة حماس متقدة، ونقلوا المعدات إلى القارب، وأخذ "خالد" حقيبة الإسعافات الأولية، وأخذ "علي" حقيبة الاتصالات وركبوا قاربهم. ثم توجهوا إلى السفينة الأولى وأوصلوا المعدات بسلام. ولكن فجأة وهم في طريقهم إلى السفينة الثانية...انطلقت رصاصة من إحدى سفن الأعداء وكانت تعرف إلى أين هي ذاهبة.. فاستقرت في صدر "جاسر". حاول خالد أن ينقذه ولكنه كان قد استشهد. خيم عليهم سكون شديد، لم يلبثوا بعده أن حمدوا الله على استشهاده. ولكن كان السؤال من سيصعد بالإمدادات إلى السفن؟! كان "خالد" أول من فكر في ذلك. فقال لـ "أحمد" و"علي": أنا سوف أوصل المعدات بدلا من أخي "جاسر".

    فرد عليه "أحمد" متعجبا: ولكنك لن تستطيع حملها للأعلى.

    فرد عليه "خالد" متداركا: سوف أستطيع بإذن الله وسوف أتوكل عليه فقد قال لي أبي ذات يوم: "من يتوكل على الله يكن معه".

    بعد وصولهم للسفينة الثانية صعد "خالد" بالمعدات وأوصلها بسلام، وحدث ذلك في السفينة الثالثة والرابعة أيضا. ولكنه عندما نزل من السفينة الرابعة وجد "أحمد" قد أصيب في ذراعه ولكن الرصاصة التي أصابته لم تستقر بذراعه. فعالجه "خالد" وضمد جرحه وأوقف نزيفه. وكانت نهاية المهمة إمداد السفينة الخامسة بالمعدات، ولكنها كانت أصعبهم فهي مكشوفة للعدو ولا يوجد مصعد خلفي لها غير مواجه للأعداء، ولكنه كان لا بد من وصول الإمدادات لها.

    كانت القذائف والطلقات الطائشة تأتي من كل مكان حولهم وتصوب نحوهم. وكان هم العدو الأول ألا تصل الإمدادات لهذه السفينة؛ فكانت كل الطلقات تصوب نحو "خالد" وهو صاعد، ولكنه أوصلها بأمان، ثم بدأ في النزول.

    وفجأة وهو في منتصف طريق النزول أطلقت نحوه رصاصة... واستقرت في قدمه، فصرخ صرخة ألم ثم سقط سقطة عنيفة في القارب.. فاهتز القارب بشدة من إثر هذه السقطة، ولكنه ثبت بعد دقائق.. وكان نزيف قدم "خالد" ليس بالشدة المميتة. فحاول "علي" أن يعالجه ولكنه لم يستطيع، فقاد "أحمد" القارب بسرعة؛ ليصلوا إلى السفينة ويعالجوا "خالد" بها. ولكن وهم في طريقهم رأوا سفينة من سفن الأعداء تستعد لإطلاق طوربيد نحو إحدى سفن المسلمين فاتفقوا وقرروا أن يقفوا في طريقه ليمنعوا وصوله إلى السفينة، وينقذوها. ولكي يثبتهم أخبرهم "علي" بأن أجر الشهيد في البحر بأجر شهيدين، فحمسهم ذلك أكثر وثبتهم. ولكي يموتوا على الشهادة بدأوا في النطق بها معا:" نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله" وما كادوا أن يكملوها حتى اصطدم الطوربيد بالقارب.. وانفجر بهم... وأنقذت سفينة المسلمين. وتناثرت أشلاءهم في كل مكان.

    كانت هذه الأجساد، أما الأرواح فقد استقرت في حواصل طير خضر معلقة في عرش الرحمن.

    أفاقت الأخت من شرودها فوجدت نفسها تتمتم بالآية الكريمة: {وَلَا تَحْسَبَنَ الذِيْنَ قُتِلُوا فَِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ َربِهِمْ يُرْزَقُونْ} فهدأت نفسها، وحمدت الله وشكرته كثيرا على أن رزقها بأخ عظيم مثل "خالد"، ثم قفلت عائدة إلى منزلها.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    الصورة الرمزية عدنان أحمد البحيصي شهيد العدوان على غزة 2008/12/27
    تاريخ التسجيل : Feb 2003
    الدولة : بلد الرباط (فلسطين)
    العمر : 41
    المشاركات : 6,717
    المواضيع : 686
    الردود : 6717
    المعدل اليومي : 0.87

    افتراضي

    نقلت هذه القصة لهذا الشاب الصغير آملاً أن تنال إعجابكم وتنال ما تستحقه من تعقيب وتحليل ونقد


    شكراً لكم

  3. #3
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Oct 2006
    المشاركات : 44
    المواضيع : 4
    الردود : 44
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    قصة جميلة جدا و شيقة..

    كل سطر فيها يدفعك الى الى قراءة السطر الموالي..

    لم احس ابدا بمرور الوقت عند قراءتها

    شكرا لك

    و دمت لنا و للواحة...

  4. #4
    الصورة الرمزية محمد عصام عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Oct 2005
    الدولة : فى البعيد . . . بالجوار ؟!
    المشاركات : 783
    المواضيع : 40
    الردود : 783
    المعدل اليومي : 0.12

    افتراضي

    ما اجملها أخى الكريم ـ عدنان.
    تحياتى لما تقدمت به أخى الكريم.
    لك كل الود التقدير.

  5. #5
  6. #6
    الصورة الرمزية د. عمر جلال الدين هزاع شاعر
    تاريخ التسجيل : Oct 2005
    الدولة : سوريا , دير الزور
    العمر : 50
    المشاركات : 5,078
    المواضيع : 326
    الردود : 5078
    المعدل اليومي : 0.75

    افتراضي

    هنا حروف وقطعة نثرية .. ولا أشهى وأنقى وأطهر

    أفاقت الأخت من شرودها فوجدت نفسها تتمتم بالآية الكريمة: {وَلَا تَحْسَبَنَ الذِيْنَ قُتِلُوا فَِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ َربِهِمْ يُرْزَقُونْ} فهدأت نفسها، وحمدت الله وشكرته كثيرا على أن رزقها بأخ عظيم مثل "خالد"، ثم قفلت عائدة إلى منزلها.
    بورك فيك أخي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  7. #7

المواضيع المتشابهه

  1. ولد الشهيد نزار - مهداة إلى روح الشهيد نزار ريان
    بواسطة فارس عودة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 22-11-2010, 09:46 PM
  2. خلل وراثي عند طفلة صغيرة (ما رأيك يا دكتور محمد صنديد)
    بواسطة عدنان أحمد البحيصي في المنتدى مُنتَدَى الشَّهِيدِ عَدْنَان البحَيصٍي
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 12-04-2005, 11:29 AM
  3. الأسد الشهيد )مهداة لروح الأب العزيز الشهيد الدكتور الرنتيسي
    بواسطة فارس عودة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 22-04-2004, 09:39 PM
  4. الحي الشهيد-مهداة لروح الشيخ الشهيد أحمد ياسين
    بواسطة فارس عودة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 25-03-2004, 11:26 AM
  5. أشياء صغيرة حتى يبقى الحب...!!!
    بواسطة ابو دعاء في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-08-2003, 05:02 AM