حتى انت يا بروتوس.
بسم الله الرحمن الرحيم .
لقد اتفق الكل ان الصحافة تلعب دورًا خطيرًا في تطوير الفرد و المجتمع ، حضاريًا و ثقافيًا . و منهم ذهب الى ابعد من ذلك ، حين أطلق عليها إسم " السلطة الرابعة " . و بهذا عدّت الصحافة ، على أنها صاحبت السلطات الأخرى ( التشريعية ـ القضائية ـ التنفيذية ) في صنع القرار. لما لها من نفوذ ، و ما لها من تأثير على الساحة .
و حتى يتأتى للصحافة المكانة التي تستحقّها ، لابد ان يكون لها قدرًا من المصداقية ، و ان تكون على وعي كبير لما تنشر، و على اطلاع تام على مصدر الخبر ، و ان تكون على دراية بما يحاك في دهاليز و كواليس " الأبواب المغلقة " ... و الاّ تحوّلت هذه الصحافة الى ابواق تهريجية ، و " صفحات " لنشر الفضائح (paparazzi ) او ما يعرف بالصحافة " الصفراء "... و تلك هي صحافتنا العربية ، و هؤلاء هم " مرتزقة " الاعلام العربي .
و إن الذي جعلني أن اقدم على كتابة هذا الموضوع ، هو ما نشر في جريدة " الوطن " الكويتية بتاريخ4/6/2003. تحت عنوان (فلسطين مصدر النكد والمصائب ) للكاتب الصحفي : نهار عامر المكراد .
لست ادري كيف طوعت له نفسه ، نشر " غسيله " على قضية اتفق العالم على انها قضية عادلة حين يطالب الاخوة في فلسطين بوطنهم السليب .
يقول هذا الصحفي :القضية الفلسطينية مصدر مصائب الشعوب العربية . و كأني بهذا الصحفي يلوم الشعوب العربية لأنها وقفت مع الاخوة الفلسطينيين في دفاعها المشروع و المشرّف ، كما أنه يسقط و يلغي المقاومة من قاموسنا .
و الذي يدعو الى الحيرة و المنطق المقلوب ، حين لا يرى " صحفيّنا هذا " إلاّ أن القضية الفلسطينية لم تجلب الاّ الدمار و الخراب للأمة العربية.
لو أن " الصحفي/ نهار عامر المكراد ، يؤمن حقًّا بما يكتب ، لرأى أن ما وقع للشعوب العربية من (تكريس انظمة الطغيان والدكتاتوريات وتسيدت النظم الشمولية والحزب الواحد والرئيس القائد وعسكرة البلاد، وتكدس السلاح، وشيدت مصانع الدمار، واحكمت سطوة البوليس، وأجهزة التجسس والمخابرات، وتشكلت فرق الاعدام والملاحقات وامتلأت السجون، وتم انتهاك حقوق الانسان، وقيدت الحريات، وكتمت الافواه، وانهار الاقتصاد، وانتشرت السرقة وزادوا اللصوص وتم تبذير اموال الشعب وتلاعبوا بمقدراته، واحرقت الارض ولوثت المياه، ورفضت التنمية وتوقفت برامج الانماء، وانتشر الفقر وزادت البطالة، وتدهورت الحالة الصحية وفتكت الامراض بالاجساد، وتحولت دور العلاج والمستشفيات لخرائب تتجمع فيها وحولها الاوساخ، وتم تسيس التعليم وزيفت العلوم، وضيق على العلماء وسفهت العقول، واشتعلت الحروب الاهلية وتزعزع الاستقرار وتوسعت الخلافات الدينية والمذهبية والعرقية، وافتعلت اسباب الحروب، وتكونت ودعمت عصابات الارهاب وصنعت الخلافات، وقطعت العلاقات وتم تبادل الاتهامات وكشرت الانياب عن الاطماع، وتحول الاعلام الى اكاذيب وسباب، وسيطر هاجس الشك والمؤامرة، وألغي القضاء المستقل وحكم الفساد البلاد )... لأن الأنظمة العربية فعلت كلّ هذا في شعوبها ، لأن الشعوب تؤمن ان ما أخذ بالقوة ، لا يستردّ الاّ بالقوة ... و لأنها ابتليت بحكام اقزام .
و يندهش المرء عندما يجزم هذا الصحفي ، أن (الشعب الفلسطيني فقد تحول اغلبيته اداة مطيعة وجهاز قمع لبعض الانظمة ضد خصومها، واصبح ينظر له بريبة وعدم اطمئنان من قبل الشعوب العربية، بعد ان لعبت هذه الاغلبية دورا سيئا ومعاديا لها، فالشعب الفلسطيني تجاهل قضيته ودخل وسط المعمعة العربية بواسطة منظماته التي لا تعد ولا تحصى، ليكون طرفا غير محايد في الساحة العربية، فقد اختار الانحياز على الدوام لجانب انظمة البطش والفساد، ضد شعوبها الضحية، متنقلا على هذه الوتيرة مع الخلافات العربية ـ العربية، او مع حكومة ضد شعبها ).
لا ، يا هذا ـ هداني الله و اياك ـ ان الأمة العربية لفي عنقها دين لهذا الشعب العظيم الذي استطاع ان يدحض المقولة الصهيونية ( اسرائيل الكبرى التي تمتد من النهر الى البحر ) . و لولا اطفال الحجارة ، و ابطال العمليات الاستشهادية ـ بعد الله طبعًا ـ لأخذت اسرائيل المكان الذي تكتب منه الآن في ساعة من نهار ، و لما كان لدولتي و دولتك من كيان.
بقي ان أقول لهذا " الصحفي " : ان ما جاء به من تفاهات و من مهاترات ، تحجم ألد الصحف مثل : ( جوريزالام بوست وا يديعوت احرنوت ) حتى من البوح به . وخصوصًا و انت من دولة عانت الظلم لشهور معدودات . فما بالك بشعب عان و يعاني الامرين لاكثر من خمسين سنة . و لا يسعني الاّ ان أقول لك : حتى انت يا بروتوس.