دعنا نتصفح المثالين التاليين ليكون لنا بعدهما تعقيب :
المثال الأول :
بابلو بيكاسو زعيم الرسامين المعاصرين السرياليين ، خطرت له يوماً فكرة عابثة ساخرة ، ثم نفذها عملياً . ذلك أنه جاء بقطعة قماش بيضاء ، وقربها من ذنب حمار مربوط ، بعد أن صبغ الذنب بألوان مختلفة ، وأغرى الحمار بتحريك ذنبه يمينًا ويساراً ، صعوداً وهبوطاً ، وبيكاسو ممسك بقطعة القماش بحيث يتحرك الذنب المصبوغ عليها ... وما هي إلا دقائق حتى ارتسمت على القماشة خطوط ... طبيعي أن لا معنى لها .
ثم بدا للرسام الساخر أن يكمل لعبته ، فجعل لهذه القماشة إطاراً جميلاً ، ووقَّع في أحد أطرافها ، وأراد أن يختار لها اسماً ، ودارت في ذهنه تسميات كثيرة ، وتحير في أيها أدعى للإثارة واهتمام الناس والنقاد وإعجابهم . . وكان من تلك الأسماء : " الفارس المهزوم"، " أصيل البحر " ، " عنكبوت الفكر " ، " دمعة العاشقة " ، " " أغنية الفراشة " ، لكنه رفضها جميعاً واختار عنوان : " طحالب الصبايا " لأنه لا معنى لهذا العنوان .
في اليوم التالي عرض بيكاسو " طحالب الصبايا " في أحد المعارض ، وتقدَّم نقَّاد الفن نحوها ، يدرسونها ، ويحللونها ، ويستنبطون منها روائع الإبداع للفنان العظيم .. فهذا يصفها ببديعة القرن العشرين ، وذاك يقول عنها إنها معجزة ليس في التاريخ لها مثيل ، وآخر ينعتها برائعة الفن المعاصر .. وناقدٌ عجز عن إيجاد الكلمات المناسبة المعبرة عن إعجابه وافتتانه ، ولم ينسَ كلٌّ من هؤلاء النقاد أن يتحدث مطولاً عما تحويه من معانٍ وإيحاءات .
وتناقلت الصحف والمجلات حديث النقاد ، ونقلته من لغة إلى لغة ، ولم يبقَ إنسان محب للفن الأصيل إلا وسمع أو قرأ شيئاً ما عن " طحالب الصبايا " . وأخيراً بيعت اللوحة بثلاثمائة وخمسين ألف جنيه إنجليزي ، دفعها عاشقٌ للفن الجميل .
يتبع