عندما يدنو ميعاد الرحلة الأخيرة,و يستشعر سفر اللاعودة؛يصبح من ضرب المحال حبس شلال التساؤلات التي تنتاب الضحية.فمهما بلغت قدرته الإيمانية و اختلفت تجربته الروحية ,فهو يبقى رهين احتمالين لا ثالث لهما,.يفكر في الأول ولا يهمل إمكانية الثاني.
أيمكن أن يرحل الواحد منا,ليضيف معراجا آخر إلى تاريخ جماعته,و يصور لنا ما رآه فنا,بعين المتأمل,المندهش,المستكشف,م أشياء وألوان إلى حوارات في االعالم اللآخر؟؟
نعم,لقد فعلها الشاعر *محمود درويش* وهو يجري اللمسات الأخيرة لآمتحان الحياة اللأخير.قارب الموت فلم ينس أن يؤرخ لنا لحظة الإحتضار,لم يتوانى في تأدية واجبه الإنساني أتجاهنا نحن جهلة المصير.
لقد صادق الموت,لكنه تراجع عن قرار مرافقته,ليعود إلينا حاملا وثيقة الموت.
سماها جدارية,فهي قصيدة ديوان,معلقة تنيض بصدق المقارع للقدر,وبتجربة إنسانية فريدة.القصيدة تجلي وجودي معقد العلاقات,نمط آخر من أنماط الحلم,تآمر مع القدر ضد الموت,درس ناجح في علم تفسير العالم.
ولعلنا نطرح السؤال التالي : ماذا أضافت هذه القصيدة للشاعرثم للقارئ بعده؟فنجيب بأنها طهرت الشاعر من بقايا الشك,رقته أنطولوجيا,وحولت فيه القدرة على المواجهة خاصية شعرية بامتياز.
نعم.إنه الشعر الذي يتبنى فكرة فيحولها إلى حلم,يشاركها محنة صاحبه ,يسائل الأشياء و الموجودات و يخط مشروعا من الأمل قابلا للتحقق.
القصيدة علمت القارئ كذلك نسبية الأشياء,سافرت به عبر المدار,حركت فيه معنى الحباة,و صيغة الموت الحقيقية,و نقلت إليه تحولات الذات الشاعرة في علاقتها بما وراء الإدراك و الطبيعة.

مقطع من بداية القصيدة:

هذا هو اسمك/
قالت امرأة,
وغابت في الممر اللولبي..
أرى السماء هناك في متناول الأيدي
ويحملني جناح حمامة بيضاء صوب
طفولة أخرى,ولم أحلم بأنني
كنت أحلم,كل شيءواقعي,كنت
اعلم أنني القي نفسي جانبا...
وأطير.سوف أكون ما سأصيرفي
الفلك الأخير.و كل شيء أبيض,
البحر المعلق فوق سقف غمامة
بيضاء.واللا شيء أبيض في
سماء المطلق الأبيض .كنت,ولم
أكن.فأنا وحيد في نواحي هذه
الأبدية البيضاء,جئت قبل ميعادي
فلم يظهر ملاك واحد ليقول لي :
"ماذا فعلت هناك في الدنيا"

عبد الكريم شياحني
المغرب
Chahnoun10@hotmail.com