أحدث المشاركات
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 27

الموضوع: الكف تناطح المخرز - رواية بقلم : د . محمد أيوب / من الفصل الأول إلى الفصل الخامس عشر

  1. #1
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : May 2006
    المشاركات : 283
    المواضيع : 68
    الردود : 283
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي الكف تناطح المخرز - رواية بقلم : د . محمد أيوب / من الفصل الأول إلى الفصل الخامس عشر

    الكف تناطح المخرز
    رواية
    بقلم : د . محمد أيوب
    الفصل الأول
    (1)
    هبطت العتمة دفعة واحدة ، نسمة باردة تلامس وجهه .. شعور غريب يلف كيانه .. النعاس يسري خدراً لذيذاً في أوصاله.. تجتاحه رغبة عنيفة في نوم عميق ، والظلمة وحش كاسر يحمل في جوفه ما يحمله من قلق وترقب ، سكون غريب يلف المنطقة .. أصوات تقافز العِرَس هنا وهناك تمزق سكون الليل ، لكن زلزالاً فقط هو الذي يستطيع أن يهز النعاس القابع بين الجفنين .
    ألقى النعاس مراسيه في بحر عيون عسلية يسكنها قلق دائم.. تيار الليل يندفع وئيدا وئيدا ، والنوم بحار لجية .. خطوات أثقلها حقد أعمى تجوس الشوارع، تبحث عن صيد سهل تزرع ظلماً آثماً أو تقلع أمنا وطمأنينة ..
    دبيب قلق في أيد مرتعشة يلامس جسده ، يتململ ، يفتح عينيه يتساءل ، تهمس زوجته:
    - اسمع صوتا بالباب .
    كان صوتها جسدا تهزه برودة شديدة حاولت أن تتمالك نفسها وتتظاهر بالطمأنينة .. استطردت :
    - لا بد أنهم أصحاب جاءوا للسهر .
    تناثرت علامات استفهام تتضخم أمام عينيه .
    - كم الساعة الآن ؟
    - الثانية عشرة ليلا.
    تبعثرت علامات الاستفهام إشارات ضوئية تستل النعاس من بين جفنيه، تلقي بالمرساة بعيدا لينطلق قارب نعاسه في عرض بحر لجى.
    أحس وكأنه استيقظ فجأة دفعة واحدة ، همس بصوت مسموع :
    - من هو الذي يفكر في زيارتنا عند منتصف الليل ، لا بد أنهم جيش كوني على حذر دعيني أتصرف بهدوء.
    حاولت أن تبدو رابطة الجأش ، وعلى الرغم من ارتجاف صوتها فقد أردت أن تبذر بذور الطمأنينة في نفسه:
    - سمعت أحدهم يقول : اقذف حجراً على الباب لتوقظهم :
    أنبتت بذور الطمأنينة التي زرعتها زوجته علامات استفهام لم تنضج بعد، تطايرت آخر قطرة نعاس من عينيه ، هب واقفا ، صفع أذنيه جرس الباب.. هتف بصوت تعمد أن يبدو خشنا ..من بالباب ؟
    أجابه صوت أصفر:
    - افتح .. جيش .
    تسمرت زوجته في مكانها كأنها أصيبت بصعقة كهربية ، لكنها ما لبثت أن تساءلت :
    - هل افتح الباب ؟
    همس :
    - انتظري .
    - صعد إلى السطح ، أطل على الشارع ، طلب إلى زوجته أن تضيء النور تراجعت العتمة إلى الوراء قليلا، تكشفت عن أشباح قلقة ، صاح أحدهم :
    - ألا تصدق ؟
    بصق كلامه في وجوههم :
    - لا أصدق طبعا ، لأن جيشا يحترم نفسه لا يفعل هذا .
    صاح أحدهم :
    - افتح الباب بسرعة .
    شعر بغثيان يجتاح كيانه .. رغبة في القيء فوق رؤوسهم تلاحقه..
    يا من يجترون الحقد وآلام الناس .. ألا ترون في النهار ؟ يا بوم الليل وجرذانه، يا دنس العصر وأدرانه.. ألا يحلو لكم إلا إيقاظ الناس من أعماق النوم ؟ أهذا ما يتطلبه أمنكم ؟ لاحقه الصوت بوقاحة :
    - افتح الباب قبل أن نكسره.
    اندفع صوته بصاقا في عيونهم الصدئة:
    - انتظروا فالأطفال نيام.
    فتح الباب ببطء ، حاول أحدهم الاندفاع إلى الداخل، اعترضه بيديه:
    - لن تدخل قبل أن أعرف سبب هذه الزيارة المقيتة!
    أجاب بلطف:
    - أين أولادك؟
    - وماذا تريد منهم؟ إنهم نائمون.
    فح من بين فكيه:
    - أريد أولادك .. لدي أوامر يجب أن أنفذها.
    - طز.. لن تأخذهم.
    تحرك شخص يبدو أنه المسئول عنهم محاولا إخافته :
    - أعطني هويتك.
    صاح بانفعال :
    - فقط ؟!! خذوها فأنا لا أريدها.
    صفعته الكلمات بعنف فتدخل كلب حراسة :
    - اسكت وألا أشبعتك ضرباً .
    طوفان غضب اجتاح كيانه، غلت الدماء في رأسه ، خرج عن طوره وصاح:
    - إن كنت راجل اعملها ، والله لأكسر يدك إن رفعتها .
    طق الشرر من عينيه:
    - يلعن اليوم اللي شفناكم فيه ..أي والله جنوب أفريقيا أشرف منكم.
    تدفقت الكلمات طلقات غضب مخزون في أعماق النفس، رشاش الكلمات يهذي ، يقذف ، لكنه يعي ما يقول .
    صاح به شرطي مدني :
    - مالك يا حاج هل أنت مسطول ؟
    أيقظته الكلمات أكثر ، هزت وجدانه ، استفزته بعنف :
    - أنا مسطول يا مسطول .. أن أصحى منك .. أصحى من حكومتك. شلّهم ارتباك مفاجئ ، كانوا يظنون أنهم بورقتهم الملعونة يوجهون أصابع الاتهام إليه ، فإذا بهم في قفص الاتهام، اكتست وجوههم بلون الكركم ، ماتت ابتسامة الظفر على وجه المسئول عنهم، داهمه قلق جامح ، ماذا لو تدفق الجيران من البيوت المجاورة ، ماذا لو رشقونا بالحجارة ؟! ماذا سنفعل عندها ؟ هل سنطلق النار كما اعتدنا ؟ كان يجب أن أوقع الرعب في قلوب سكان هذا المنزل اللعين ، فإذا بهذا الأحمق.. هذا المجنون ، يقلب خطتي رأسا على عقب ، فأجد نفسي متهماً بدلا من توجيه أصابع الاتهام .. ترى هل فعل بنا هتلر مثلما نفعل بهم اليوم ؟
    خرج حياد من غرفته ببطء كأنما أيقظته أفاع ملعونة في حلم مزعج ، فرك عينيه كأنه يحاول رؤية ما أمامه ، ارتد إلى الوراء قليلا يريد أن يهرب ، لكن إلى أين ؟ المكان مليء بالجنود، جميع الأبواب موصدة بوجه جندي أو بظهره ، سيان ، وصوت أبيه يتدفق طوفانا يغرق صمت الليل .
    نهره أحدهم :
    - أين هويتك تعال معنا .
    صاح أبوه : لا تخف منهم ، البس ملابسك وخذ هويتك ، ولا تخف أنت أقوى منهم ألف مرة ..إنهم جبناء .
    أزاح الجندي الواقف بباب حجرته بيده ، دخل بهدوء إلى الحجرة ، خلع بيجامته ، لبس قميصه وبنطلونه، وأدخل قدميه في الحذاء نسى جواربه ،أخذ بطاقته الشخصية ، الوقت يمر سريعا ، أسرع من المعتاد ، لو أن الساعة تقف ، لو أنهم يموتون جميعا قبل أن يأخذوني معهم ، لو أن زلزالا يهدم البيت على رؤوسهم، نظر إلى والده نظرة عتاب تشوبها لوعة ومرارة ، سرح ببصره عبر العتمة التي تحاصر أنوار المنزل ، شرد ذهنه ، لطالما منعتني يا والدي من التعبير عن نفسي، لطالما حذرتني من إيذائهم ، من المساس بهم، " ابعد عن الشر وغني له، وهات فأس وقني له"، وها قد ابتعدت عنهم ، فهل تركوني في حالي ؟ هل ابتعدوا عني ؟ ها قد جاءوا يدقون بابنا عند منتصف الليل ليقصفوا عمر الطمأنينة في عيون أخوتي الصغار ، آه يا والدي .. حتى اسمي ، أسميتني حياد، فإلى متى سأظل حيادا لا طعم له ولا لون ولا رائحة ،إلى متى سأظل متعادلا مثل ملح الطعام ؟ إلى متى يا والدي ؟ إلى متى ؟ إنهم يخرجونني عن اسمي رغما عن أنفك وأنفي ، رغم أنف دعواتك ودعوات أمي الصالحات ، ها قد وضعت رأسي بين الرؤوس فماذا حدث ؟ لقد اختاروا رأسي من بين كل الرؤوس ليقطعوه ، فهل تصدق ذلك يا والدي ، خنعت كثيرا ، تهربت من عيون زملائي سلكت الطرق السلبية ، صليت كثيرا ، لأقنع نفسي أن حياتي لها معنى ، فماذا كانت النتيجة ، ها هم يعكرون صفونا وفي منتصف الليل ! ألم تكن تتوقع ذلك يا والدي وتخشاه ؟ ، كنت تكاد تموت خوفا علي ، وها أنت تكاد تنفجر غيظاً منهم ، أنت المسالم الهادئ .. حتى أنت لم تسلم منهم.
    جذبه أحدهم بعنف :
    - هيا .. هيا معنا .
    - صفعته فكرة قاتلة .. بعد أيام سيكون الامتحان .. امتحان الثانوية العامة ضاع الولد، جن جنونه :
    - لا.. لن تأخذوه قبل أن تقتلوني .. لن تأخذوه .
    صاح الشرطي المدني :
    - لا تخف يا حاج ،إنه مجرد إجراء احتياطي .
    - لا أخاف ؟ لا أخاف وأنتم تنتزعون قلبي من بين ضلوعي تستلون روحي بلا شفقة ، تقتلونني بلا رحمة ، لا أخاف !! يا ظلمة ...
    صاح:
    - تريدون إضاعة الامتحان عليه ، ليكن ، لقد أضعتم عمرنا كله ، طز فيكم وفي الامتحان ، لكني أقسم واسمعوها جيدا ، ثم افعلوا بي ما شئتم ، سيكون ابني فدائياً بعد أن يخرج من السجن ، لن أمنعه من الأخذ بثأره ، بثأر أبناء شعبه الذين شربوا من كأس ظلمكم حتى الثمالة ، اسمعوها جيدا ، وإن كان في جيشكم رجال، فلتحذروا .. إن أبناءنا ..أحفادنا قادمون إليكم ، يزحفون ببطء لكنهم سيصلون مهما طالت الطريق .
    صاح المسؤول :
    - أين ابنك الآخر ؟
    جن جنونه :
    - إنه لا يحمل بطاقة هوية .
    - وليكن نريد أن نأخذه معنا ؟
    يا أولاد الكلب ، تتلذذون على آلامنا ، تبتلعونها ، ثم تعيدون اجترارها في أوقات راحتكم ، انخلع قلب زوجته، حاولت أن ترجو ضابطا يضع على رأسه طاقية صغيرة.
    - أنت متدين .
    وقبل أن تكمل رجاءها صفعتها كلمات زوجها :
    - هذا خرا .. هذا ليس متديناً ، هذا لعنة هو وأمثاله من أدعياء التدين ، ليفعلوا ما يشاءون ، لم أعد أهتم ، لكني أقولها فاسمعوها جيدا:
    - افعلوا ما شئتم، سيخرج أبنائي من السجن، إنهم لم يفعلوا شيئاً، مشوا إلى جانب الحائط كثيراً ، طلبوا الستر كثيراً ، فهل نجوا من شركم ؟ سيخرج أبنائي ، وسينضمون إلى صفوف المقاومة، وذنبكم على جنبكم ، انتم تريدونها هكذا فليكن ، وإذا كان لا بد من الاختيار بين الخنوع والمقاومة فنحن مع المقاومة .. مع المقاومة ، اقتلونا إن شئتم ، جذورنا أقوى منكم ، ستنبت جذورنا من جديد ، فهي تمتد عميقا في بطن هذه الأرض ، أما أنتم .. أين جذوركم ، أنتم نباتات صناعية في أصص جميلة لن تصمدوا إن اشتدت الريح قليلاً ، فهل تدركون هذا ؟
    انتبه فجأة ، لم يجد إلا ذلك الضابط ذا الطاقية المثبتة على رأسه بمشابك شعر حريمية .. دفعه بعنف :
    - أين أولادي . أريد أن أذهب معهم .. أريد أن أذهب معهم .
    أجابه ببرود أسود :
    - لن تذهب .
    - بل سأذهب .. سأذهب .. سأذهب
    كانت عيون زجاجية هلعة تطل من خلف شيش النوافذ حين عادت سيارة جيب إلى الوراء بسرعة ، قفز الضابط وجنديان كانا معه إلى السيارة ، صرت العجلات تاركة إياه وسط سكون الليل وظلمته نهبا للأفكار .. أفكار شتى تتنازعه ، لكن فكرة أكبر من كل أفكاره ألحت عليه فهمس :
    - عاشت المقاومة .

    الفصل الثاني
    ( 2)
    نظر الشرطي المدني إلى ساعته ، وصورة تلك المراة ما زالت تلاحقه ، آثار بصاقها ما زالت تحرق جلده، تمزقه من الداخل ، مسح وجهه للمرة المائة ، لكنه لا يزال يشعر بطعم البصاق يخترق خلاياه، يحرقها ، لم أصادف في حياتي مثل هذا الموقف ، هذا البيت مدبرة حركها طفل أحمق بعصاه ، فاعت دبابير الغضب بدائية شرسة ، كانت الكلمات لسعات دبابير تخز العقل ، تخز النفس .. الله يعدمك أولادك ، دعوة أم محروقة بلهب غاضب همجي انصبت على رأسه ، وهو يحاول تهدئة الموقف ، تلطيف الجو :
    - يا حاج إنه مجرد إجراء احتياطي .. احترازي .
    شرد ذهنه .. احتياطي !! هل يصدق هذا ؟
    لقد تعود أن يبصق تلك الكلمات أينما ذهب ، فهذه مهمته كشرطي مدني .. أن يرش على الموت سكرا .. كان شاهداً تحت الطلب ، كم مرة خرج في مثل تلك المهمات ، لكنه لم يصادف مثل هذه الليلة اللعينة .. دعوات تلك المرأة تلاحقه، تهز كيانه من الداخل .. الله يعدمك أولادك .. تفوو عليك وعلى حكومتك ، ومسح وجهه للمرة الأولى بعد المائة .. هذا البصاق الملعون .. ألا يتركني في حالي .. أحس أن جلداً جديداً ينبت في وجهي من كثرة ما مسحت البصاق ، بصاقها يذكرني بعار هذه البدلة الخاكية اللون ، كان شيوخ بلدتنا يقولون في الجليل :
    " لا يدخل الشرطة إلى الداشر " .
    وها هي هذه المرأة تصفعني على وجهي ، ليتها صفعتني بيدها ، لقد صفعتني بكل كيانها .. بكل أحاسيسها ، اعتصرت خلاصة جسدها بصاقاً يحمل طعم الاحتقار ولون الحقد.
    أحس باختناق شديد .. فك أزرار قميصه .. كابوس ثقيل يلاحقه ، هل هو قدري أن أكون شاهدا على مآسي الناس لا تكاد ليلة تخلو من مأساة مداهمة البيوت التي أصبحت جزءاً من حياتنا .. افتح .. جيش افتح ..جيش .. افتح قبل أن نكسر الباب ، وبصق باشمئزاز .
    *******
    على الرغم من تجاوز الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ، قرر أبو محمود – ذلك الشرطي المدني من الجليل أن ينزل من السيارة التي كانت تقله عائدة به إلى المركز ، قرر أن ينزل ليتحرر من جو العمل الرسمي ولو لفترة بسيطة ، سار ببطء ، تنفس الهواء ببطء شديد.. كان الهواء نديا، سار وسارت معه وساوسه ، أفكار سوداوية تلاحقه، ترى كيف يكون شعوري لو أنني عدت إلى بيتي ووجدت ابني الوحيد محمود وقد حدث له مكروه.. لا .. وحرك يده اليمنى محاولا أن يبعد هذه الأفكار عنه، اقترب من دكان ما زال يفتح أبوابه ، توقف، فهو يعرف صاحب الدكان جيد !
    - أهلا أبو محمود .. أهلا يا بركة .
    سرح أبو محمود ببصره إلى جهة غير محددة ، بركة .. أنا بركة يا منافق ، إنكم تكرهوننا ، ولكني عربي مثلكم .. قدري الملعون وضعني في هذا المأزق ، أن تكون شرطياً في زمن الاحتلال يعني أن تكون شاهد زور لا أكثر ، شاهداً على ديموقراطية لم تولد بعد ، لقد ترقيت في سلك الشرطة .. إنني أحمل تلك الوردة على كتفي فماذا أفادتني ؟ هل أنا ضابط حقا، هل أملك الحق في قول ما أريد ولو مرة واحدة .. إنني أنفذ ما يريدون فقط.
    أيقظه صوت صاحب الدكان :
    - تشرب حاجة باردة ؟
    - كان يحس بحاجته فعلا إلى شيء بارد يطفئ تلك النار التي تعشش في مسامات الجلد ، لكنه لا يستطيع ابتلاعها ، يحس أن كرة مرة تغلق حلقه .. الله يعدمك أولادك .. ماذا لو سمعت ذلك يا محمود ؟ هل كنت ترضى أن يستمر أبوك في عمله ، أحس برغبة شديدة في العودة إلى ذلك البيت ، تلك المدبرة التي أثارها طفل أحمق فملأت كيانه لسعا ، لكنه لو ذهب فسيواجهونه حتما بتهمة ما ، توقفت أمامه سيارة بصورة مفاجئة ، نزل منها شخصان ، ثم نزل منها الرجل المسطول نفسه ، صاحب ذلك البيت الذي يحمل بين فكيه مدفعا رشاشا .. يلعن اليوم اللي شفناكم فيه .. خذوا هويتكم ، لا أريدها .. جنوب أفريقيا اشرف منكم ، هتلر وما أدراك ما هتلر ، كلمات ليس لها أول من آخر ، ما زال صداها يتردد في أذنيه :
    - مساء الخير ، قالها سائق السيارة بتثاقل .
    عقب الرجل بهدوء :
    - بل صباح الخير .
    نظر أبو محمود بدهشة إلى الرجل .. يبدو هادئا ، وكأنه لم يكن بركانا يقذف حممه قبل أقل من ساعة ، يبدو هذا الرجل الآن بحيرة هادئة ، عيون صافية لا يشوبها قلق ، إنه يحسده ، هدوء يسبب له غيظاً غير محتمل ، على الرغم من أننا أخذنا ولديه فهو هادئ ، وكأنه لم يحدث شيء ، دفعه حب الاستطلاع :
    - ماذا تريد يا حاج ؟
    ابتسم الرجل :
    - لا أريد شيئا.. أنت عبد مأمور.. ألم تقل لي ذلك في المنزل، حتى لو أردت، ماذا تستطيع أن تقدم لي ما دمت عبداً مأموراً !؟! زميلي هو الذي أوقف السيارة .
    دهش الشرطي :
    - إذن .. إلى أين كنتم ذاهبين ؟
    رد الرجل :
    - إلى مركز الشرطة .. أريد أن أعرف ماذا فعلوا بأولادي .
    أحس الشرطي برغبة صادقة في تقديم نصيحة حقيقية :
    - يا حاج ،لا تذهب ، بعد أن فعلت ما فعلته بنا في المنزل ، ولولا خشيتهم لأشبعوك ضربا .. كانوا يخشون إثارة غضب الجيران ، عد إلى بيتك وسيطلق سراح أبنائك غدا أو بعد غد ، عد ولا تذهب ، ستجد ما تكره إن ذهبت.
    قال السائق : وابني ؟
    - سيطلق سراح الجميع ، انه مجرد حبس احتياطي بمناسبة يوم المساواة .
    - ارتسمت ابتسامة كبيرة على وجه "أبو حياد" وكلمة طز أكبر أمام عينيه ، فلم يعد يهتم ، ليفعلوا ما يشاءون ،همّ بأن يركب السيارة ، ولكن الشرطي أوقفه :
    - يا حاج .
    التفت إليه .
    - مش حرام مرتك تدعي على ابني ؟
    - هيء.. صدرت عن أبو حياد غير مكتملة .
    - أنت زعلان ؟ أخذتم أولادي الاثنين وابن الجيران ، والله أعلم اخذ توا مين كمان!! وزعلان من دعوة ؟! يا أخي عنا مثل بيقول "ظالم ما تكون من الدعا ما تخاف" فهل تشعر أنك ظالم أم أنك على حق ؟ ألجمه السؤال فما اعتاد أن يسأل أو يسال ، اعتاد ان ينفذ الأوامر فقط دون أن يسأل : أهي عادلة أم ظالمة ، كل ما يعرفه الآن أن دعوات تلك المرأة تلاحق ابنه الوحيد ، يتخيلها قطاراً يجري بسرعة رهيبة وابنه محمود يلعب أمامه ، لا يدرك حقيقة الخطر الداهم ، طنين الدعوة يمزق أذنيه ، يصمّها .. الله يعدمك أولادك .. الله يعدمك أولادك..
    صاح :
    - مش حرام مرتك تدعي على ابني ؟
    - يا أخي تعال نتفق ، سأغير مضمون الدعاء ، فأنا أمون على زوجتي ، اسمع هذه الدعوة : الله يبعث لكم بجيش أقوى منكم يدخل بيوتكم ويفعل بكم ما تفعلون بنا الآن ، نحن لا نملك إلا البصاق والدعاء فقط .
    - والله صعبة يا حاج ، أنا معك ، شيء صعب أن يأخذوا أولادك أن يضربوهم أمام عينيك ، ولكني عربي مثلك .
    - هيء .. هيء .. هيء ..
    ومزقت ضحكة غير مكتملة سكون الليل :
    - أنت عربي ؟! أنت عربي ؟! إذن لماذا تفعل بنا هكذا ؟ إذا كنت عربيا مثلنا .. لا .. لا تقل إنك عبد مأمور .. لا تقلها .
    - ولكنها لقمة العيش يا حاج .
    - أية لقمة عيش ؟! لقمة مغموسة بآلام الآخرين ، لقمة مرة ، فكيف تستطعمها ؟ كيف تحس أن لها طعماً مريحاً ؟

  2. #2
    الصورة الرمزية د. محمد حسن السمان شاعر وناقد
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    المشاركات : 4,319
    المواضيع : 59
    الردود : 4319
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    سلام الـلـه عليكم
    الاخ الفاضل الاديب الدكتور محمد ايوب

    لقد نجحت في ايصال الفكرة , اليد تناطح المخرز , في جزئيها , عمل ادبي قوي المعالم , يحفّز القارىء على المتابعة , يصور آلام شعب , بحرفية بالغة , وقد نجحت في الحوارات , في تقديم الافكار , واغناء المواقف , وتوضيح حجم المعاناة , وفداحة المصيبة .
    اعبّر لك , عن اعجابي بك , فلقد قدمت عملا ادبيا هادفا , ذا مستوى عال .

    اخوكم
    السمان

  3. #3
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : May 2006
    المشاركات : 283
    المواضيع : 68
    الردود : 283
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. محمد حسن السمان
    سلام الـلـه عليكم
    الاخ الفاضل الاديب الدكتور محمد ايوب

    لقد نجحت في ايصال الفكرة , اليد تناطح المخرز , في جزئيها , عمل ادبي قوي المعالم , يحفّز القارىء على المتابعة , يصور آلام شعب , بحرفية بالغة , وقد نجحت في الحوارات , في تقديم الافكار , واغناء المواقف , وتوضيح حجم المعاناة , وفداحة المصيبة .
    اعبّر لك , عن اعجابي بك , فلقد قدمت عملا ادبيا هادفا , ذا مستوى عال .

    اخوكم
    السمان
    أخي د . محمد السمان أشكرك على كرمك وأعبر لك عن عظيم امتناني لكريم شخصكم
    مع أطيب تحياتي

  4. #4
    أديب وناقد
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    الدولة : بعلبك
    المشاركات : 1,043
    المواضيع : 80
    الردود : 1043
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    أخي العزيز د محمد أيوب
    إذا كان أول الغيث بهذا الجمال فلا تبطئ علينا بالمطر
    عنايتك الدقيقة بالتفاصيل تجعل القارئ يرسم الحدث و الشخوص بشكل جلي تبدو معه الرواية شديدة الواقعية .
    دمت في خير و عطاء

  5. #5
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : May 2006
    المشاركات : 283
    المواضيع : 68
    الردود : 283
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سعيد أبو نعسة
    أخي العزيز د محمد أيوب
    إذا كان أول الغيث بهذا الجمال فلا تبطئ علينا بالمطر
    عنايتك الدقيقة بالتفاصيل تجعل القارئ يرسم الحدث و الشخوص بشكل جلي تبدو معه الرواية شديدة الواقعية .
    دمت في خير و عطاء
    أشكرك أخي سعيد على هذا اللطف الرائع ، كلي أمل أن تحظى الرواية بإعجابكم وإعجاب القراء الأعزاء ، أرجو المعذرة لقصر الرد لأنني أكتب الرد وأنا أستمع إلى أصوات الانفجارات الناتجة عن القصف في المنطقة التي أسكن فيها
    لك أطيب تحياتي
    د . محمد أيوب

  6. #6
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : May 2006
    المشاركات : 283
    المواضيع : 68
    الردود : 283
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي الكف تناطح المخرز - رواية ، بقلم : د . محمد أيوب 3 / 4

    [color=#FF0000][B][size=5][font=Simplified Arabic]الكف تناطح المخرز
    رواية
    بقلم : د . محمد أيوب
    الفصل الثالث
    ( 3 )
    تراجع إلى الوراء بخطوات ملسوعة ، أصبعه السبابة في وضع الاستعداد على الزناد ، قفز إلى السيارة ، وتبعه الجنديان ، أخذ نفسا عميقا، امتزجت رائحة البنزين بالهواء الندي ، بوحشة هذا المكان الملعون .. اندفعت السيارة إلى الأمام فتراجع جسده إلى الخلف ، أشعل الجندي ضوء المصباح الكشاف المثبّت على السيارة ، نور الكشاف عينان تتلصصان في جوف العتمة ، العرس "الجرذان " تتقافز مذعورة هنا وهناك ، صرصور يصدر صوتا أشبه بموسيقى الجاز ، يتبعه صرصور آخر ، وآخر ، صوت الصراصير يملأ المكان ، وكأنها تحتج على من أفسد ليلتها بهذا الضوء الساطع ، يلوح عن قرب صندوق القمامة ، عرسة حاصرها النور فالتجأت إلى جانب الجدار وجرت مسرعة ، أصبعه السبابة ما زالت على الزناد ، أحس بارتجاف الجندي الذي يدير الكشاف في المكان ، بدت السيارة بقعة سوداء في بحيرة نور ظالم يود لو يخترق الجدران ، يعرف المخبوء وراءها ، السيارة تطوي بساط النور بسرعة رهيبة ، اختلط هدير محركها بسكون الليل ، بصوت النور المزعج ! فقد أحس أن للكشاف صوتا يحاصره بدلا من أن يحميه ، انحدرت الطريق نحو الشرق بشدة، نبحت كلاب الشوارع بشراسة، لاحقت سيارة الجيب بإصرار عجيب ، ترى هل تعرفنا الكلاب أيضا ؟! هل تدرك الكلاب أننا محتلون ؟ وإذا كانت لا تعرفنا فلماذا تنبح عندما ترانا ؟ ولماذا تسكت عندما ترى هؤلاء العرب ، هؤلاء الجوييم ؟
    دارت السيارة إلى اليمين حول منعطف حاد ، كاد كلب ينبح بإصرار أن يقفز داخل السيارة ، مد ماسورة بندقيته الآلية نحو الكلب الذي لم يتراجع بل استمر في ملاحقة السيارة .
    تبدو الطريق إلى مقر الحاكم العسكري أبعد مما تصور ، وكأنها تتضامن مع سكان هذا الحي من صراصير وكلاب وعرب ، بصق ، تذكر مثله الأعلى رفول ، وجوكيم بفني بقبوق ، وبصق مجدداً، جوكيم بفني بقبوق ( صراصير داخل زجاجة ) .. هل هم حقا صراصير داخل زجاجة ؟ إنهم أكثر إزعاجا من الصراصير والكلاب ، لقد أثار ذلك الرجل ذو المدفع الرشاش في حلقه – الرعب في قلبي ، أحسست أن لساني قد تيبس وأنا انظر إليه ، هربت الرطوبة من حلقي ضعفت رغم كرهي لهم ، رغم إيماني بسياسة الترانسفير ، ضعفت يا رفول.. يا مثلي الأعلى ، فهؤلاء العرب يثيرون الرعب في القلب ، ينخلع قلبك لمجرد رؤية عيونهم، لا شك أن الصرصور يثير القرف، كنت أعتقد أن وصفهم بالصراصير هو الأنسب ، ولكن وبعد هذه الليلة اللعينة ، هم أكبر من الصراصير ، أكبر من الكلاب ، أكبر منك ومني يا رفول ، نحن الأضعف رغم سلاحنا ، وهم الأقوى وإن كانوا عزلاً ، لم أجرؤ حتى على صفع ذلك العربي في ذلك المنزل اللعين ، كنت في أثناء التدريب أدوس على الصراصير ببسطاري ، أتلذذ حين أتخيل أنني أدوس عرباً تحت قدمي ، أسحقهم فيطقطقون تحت حذائي كما تطق الصراصير القذرة ، اعذرني يا رفول العزيز، لم أستطع صفع ذلك العربي القذر ، داهمه صوت ذلك العربي من جديد، لاحقه صوته مدفعا رشاشا لا يعرف التوقف " يلعن اليوم اللي شفناكم فيه ، جنوب أفريقيا أشرف منكم "، انسابت صفرة فاقعة تحت جلده، وكأنها تود أن تكشف ضعفه ، مسح وجهه بيده لأول مرة ، لسعته آثار البصاق على وجهه ، تلك المرأة الملعونة ، ليست امرأة ، وحشا كانت ، نمرة شرسة ، انطلق بصاقها ممزوجا بشتيمة حارة .. تفوووو عليك وعلى حكومتك.. تفوو عليك وعلى حكومتك.. وسكبت دعاءها سائلا حاراً على وجه ذلك الشرطي المدني..العربي من الجليل.. لا شك أنها كانت تظنه يهوديا ، بصقت في وجهه ، دعت على أولاده، ضعفت في البداية كادت تتوسل إلي ..أنت متدين، كانت تريد استثارة عاطفتي علني أشفق عليها ، وعلى أولادها، تظن أن لي قلبا يعطف، ولكن زوجها ـ ذلك الغبي ـ أفسد علي متعة التلذذ برفض رجائها ، متعة بصق السخرية في وجهها، صاح فيها: هذا خرا .. هذا ليس متدينا ، لم أفهم كلمة خرا ، وإن كنت قد فهمت كلمة دين ومتدين ، فأنا " داتي " ، أكره العرب ، هكذا تعلمت في المدرسة الدينية ، علموني كيف أكره جميع الأجناس البشرية ، وألا أحب إلا اليهود ، ترى هل أحب اليهود حقا ؟ وهل أنا يهودي نقي ؟ وما اليهودية ؟ ولماذا أنا صهيوني ؟ وهل الصيونية مجرد اجترار كراهية العرب ؟!
    حك رأسه كأنه تذكر شيئا. هتف :
    ـ ياكوف .. ما معنى خرا ؟
    تردد ياكوف. لاحت ابتسامة خفيفة فوق شفتيه ، شرد بذهنه .. ألا تظن أنني أجتر هذه الكلمة ؟ أجتر الشتائم التي اختزنتها ذاكرتي ؟ فهذا العربي الملعون كان يحمل بركانا في حلقه ، يقذف حممه شتائم وزعيقا ، ظننته مسطولا كما قال أبو محمود ، لكنه كان بكامل وعيه، فكرت في ضربه ولكنني لم أجرؤ ، هددته بالضرب ، فهددني بكسر يدي إن فعلت، طلب مني أن أقتله، بعد أن شك في رجولتي، ولم أجرؤ على فعل شيء فقد رأيتك يا يوئيل وقد سكن اللون الأصفر تحت جلد وجهك، أتظن أنني لم أدرك أن لعابك قد غاض من فمك تاركا لسانك وحلقك للجفاف، أتظنني غبيا يا يوئيل لقد ابتلعت الشتيمة ولم تستطع التصرف أمام صرصور من صراصير زجاجة رفول العزيز .
    - ياكوف .. ما معنى كلمة خرا ؟
    انطلقت ضحكة من إسارها لأول مرة منذ أن غادرا ذلك البيت اللعين ، أمسك بمقعده فقد انحرفت السيارة إلى اليسار في طريقها إلى مقر الحاكم العسكري، انقذف جسده نحو اليمين قليلا، نظر إلى يؤيل الذي بادله النظرات.
    - لماذا تضحك ؟ قل .. هل هي كلمة صعبة لا تعرف معناها ؟
    - ليست صعبة .ولكنها لزجة.
    - ما معناها إذن ؟
    ضحك ياكوف من جديد :
    - أنت مصر على معرفتها، إذن لا تغضب
    - قل يا ياكوف ،لقد شوقتني
    وقه قه قه ،هيء هيء هيء
    - إنها تعني لخلوخ .. لخلوخ طري .
    - اختلطت صفرة وجهه بزرقة لحظها ياكوف وتجاهلها ، سرت برودة ما قبل الفجر في أوصاله ، اغتصب ضحكة خرجت مبتورة على الرغم منه .. هيء .. محاولا أن يتظاهر بعدم المبالاة ، حاول أن يجتاز ببصره الجزء المتبقي من الطريق عله يصل بأسرع ما يمكن، فهو يشعر بحاجته إلى الراحة، إلى أن يمارس نوما عميقا إن استطاع، فالنوم العميق هواية الجندي ومتعته بعد أن يعود من مهمة صعبة، لاحقه صوت الرجل ذي المدفع الرشاش في حلقه .. هذا ليس متدينا .. هذا خرا ، وانزلقت الكلمة داخل أذنيه لزجة طرية ، لاحقه إحساس غريب ، فقد أصبح مرحاضاً يستقبل شتائم هؤلاء العرب وبصاقهم ، حجارتهم وهتافات حناجرهم .. أنا خرا ؟ .. لخلوخ طري .. أنا هل تسمع يا رفول ؟ هل تسمع ؟ لماذا لم أقتل ذلك العربي الوقح ؟ لماذا لم أركل تلك المرأة حين بصقت في وجهي ؟ لماذا لم أفقأ الصوت في حنجرة ذلك العربي ؟ الصرصور في زجاجة ايتان لماذا ؟ لماذا؟ ما الذي شل يدي وقتها ؟ ما الذي أوقف عقلي عن التفكير ؟ أهي المفاجأة ؟ أم أنني - وقد اعتدت أن تستجيب الصراصير لحذائي الثقيل فتطق منسحقة بصوت مسموع - توقعت أن يستجيب لرغباتي السامية ، ماتت الكلمات في حلقي فلم أنطق وتيبست يدي فلم أتحرك.. أنا خرا ؟ .. لخلوخ طري؟
    ولاحت له الأسلاك الشائكة ترتفع فوق جدران مقر الحكم العسكري تحملها زوايا حديدية تفرد ذراعيها وكأنها تدعو الله أن يخلصها من وضعها ، بينما ارتفعت زوايا أخرى كأنها حراب تريد أن تفقأ عيون السماء الصافية ،لاح له برج المراقبة ممتزجا بلون عتمة الفجر ، انحرفت السيارة إلى مبنى المقر ، توقفت السيارة بحدة ، اهتز إلى الأمام وإلى الخلف عدة مرات ، قفز ، شعر برغبة في التوجه إلى المرحاض لاحقته كلمات ذلك العربي .. هذا خرا .. هذا خرا .
    وبعد قضاء حاجته ذهب إلى حجرته وحاول أن ينام .

  7. #7
    الصورة الرمزية د. محمد حسن السمان شاعر وناقد
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    المشاركات : 4,319
    المواضيع : 59
    الردود : 4319
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    سلام الـلـه عليكم
    الاخ الاديب الدكتور محمد ايوب

    رجعت الى الاجزاء : (1 و 2 ) من الرواية , قرأتهما من جديد , ثم بدأت بقراءة الاجزاء الجديدة من الرواية : (3 و4 ) , ووجدت نفسي محقا , فيما كتبت بتعليقي على الرواية حينها , فالعنصر الاهم , وهو التشويق , قد كان ناجحا الى حد بعيد , واسجل لك مقدرتك العالية , في عملية البناء , ومساقات التوتر , مع التفصيلات الدقيقة , التي وظفت بشكل جميل , لخدمة مساق الاحداث , وفكرة الرواية , واعود لاقول لك , ان رواية " الكف تناطح المخرز " , هي عمل ادبي ناجح بامتياز , يقدم معالجات ادبية ونفسية وايدولوجية , بادوات المتمكن , ويتصدى لتقديم فكر , وخدمة قضية .

    اخوكم
    السمان

  8. #8
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : May 2006
    المشاركات : 283
    المواضيع : 68
    الردود : 283
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. محمد حسن السمان
    سلام الـلـه عليكم
    الاخ الاديب الدكتور محمد ايوب

    رجعت الى الاجزاء : (1 و 2 ) من الرواية , قرأتهما من جديد , ثم بدأت بقراءة الاجزاء الجديدة من الرواية : (3 و4 ) , ووجدت نفسي محقا , فيما كتبت بتعليقي على الرواية حينها , فالعنصر الاهم , وهو التشويق , قد كان ناجحا الى حد بعيد , واسجل لك مقدرتك العالية , في عملية البناء , ومساقات التوتر , مع التفصيلات الدقيقة , التي وظفت بشكل جميل , لخدمة مساق الاحداث , وفكرة الرواية , واعود لاقول لك , ان رواية " الكف تناطح المخرز " , هي عمل ادبي ناجح بامتياز , يقدم معالجات ادبية ونفسية وايدولوجية , بادوات المتمكن , ويتصدى لتقديم فكر , وخدمة قضية .

    اخوكم
    السمان
    أخي الدكتور محمد
    أشكرك على حسن رأيك في الرواية وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنك وأن تنال بقية أجزاء الرواية إعجاب القراء ، شهادتك أعتز بها
    لك مني أطيب تحياتي
    د . محمد أيوب

  9. #9
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : May 2006
    المشاركات : 283
    المواضيع : 68
    الردود : 283
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي الكف تناطح الخرز - رواية بقلم : د . محمد أيوب / 4

    [align=center][color=#FF0000][B][size=5][font=Simplified Arabic]الكف تناطح المخرز
    رواية
    بقلم : د . محمد أيوب
    الفصل الرابع
    ( 4 )
    الساعة تسير بخطى وئيدة .. بطيئة ، لا تريد أن تتحرك ، حتى الفجر ! فجر تلك الليلة الملعونة لا يريد أن يقترب ، عقرب الثواني سلحفاة بطيئة ، أين ذلك الجندب القافز باستمرار ؟ جالت دمعة حيرى في عيون زوجته ، صوت الصراصير موسيقى جاز همجية تلاحق سكون الليل ، عرسة تصرخ بألم ، ورائحة الأزهار اختلطت بندى الليل ، والليل .. الليل طويل.. طويل .
    نظر إلى الساعة التي تجاوزت الثانية بعد منتصف الليل لتوها، بريق الدمعة الحيرى في عيون زوجته يتألق رغم ظلمة الليل ، ترى بماذا تفكرين ؟
    أنا شخصيا أفكر في لا شيء ..لا شيء مطلقا!
    استلب من شفتيه ابتسامة وتظاهر باللامبالاة :
    - كان يجب أن تزغردي ، انتي بهاليوم ، حكومة بحالها خايفة من أولادنا .. من أطفالنا ، اغتصبت ابتسامة تطورت إلى ضحكة في مرحلة الولادة ، جالت الدمعة الحيرى في عينيها ، سكتت ولم تتكلم ، فكثيرا ما يكون الصمت أبلغ من الكلام .
    خرج إلى الشارع ، النوم غادر الحارة إلى غير عودة ، الجيران يجلسون على الأرصفة ، أحاديث أشبه بالوشوشة تختلط بسكون الليل ، نور المصابيح المعلقة على أبواب المنازل في الحارة تصنع بؤرا ضوئية تحاصرها العتمة ، تصنع جداراً سميكا يحيط بالبؤر الضوئية ، ولسان الفجر يطل من بعيد ، يحدث عن اقتراب إطلالة النهار .
    تمطى الكون وتثاءبت الطبيعة ، صحا النهار من غفوته ، شقشقت العصافير ، صوت بلبل بلون السعادة يهبط من أعلى شجرة في حوش المنزل ، تمترست الشمس خلف الأفق، أطلت بحذر وكأنها ترقب ما يحدث ، تتابعه بفضول ، غسل وجهه، أحس نشاطا غريبا في جسده، فتاء الشباب يعود إليه، رغبة في الصراع تلف كيانه ، كور قبضة يده بعنف ، لوح بها في الهواء ، بصق، صافح شعاع الشمس عينيه، كأنما ليذكره بواجباته ، لم يكن بحاجة إلى لبس ملابس الخروج، لم يستبدل ملابسه منذ تلك الزيارة اللعينة ، لبس ملابسه في لمح البصر فعل ذلك بآلية غريبة أذهلت زوار الليل ، فهم .. جنود الجيش الذي لا يقهر ، لا يستطيعون استبدال ملابسهم بمثل السرعة التي استبدل بها ذلك العربي ملابسه .
    نظر إلى زوجته، اختلطت العبرة الحيرى في عينيها بلون السهر ، شحوب باهت يغطي وجهها ، ابتسم مشجعا :
    - لا تقلقي إن تأخرت .
    كانت لديه أفكار كثيرة ، لا بد من التوجه إلى مكتب الصليب الأحمر ، إلى مديرية التعليم ، إلى مكتب محام ، إلى .. إلى .. إلى ، إلا أنه لم يفكر في ذلك الشيء الذي فكر به جاره، أن يوسط احدهم لبحث الأمر، وإطلاق سراح الأولاد .
    ***
    شارع البحر في خان يونس لم يصح بعد من غفوته ، تلاصقت بيوت المعسكر كأصابع اليد الواحدة ، استلقت البيوت على جانبي الطريق، وكأنها لم تأخذ نصيبها من الراحة ، المدارس ساكنة ، خالية من أية حياة ، شلال الحياة لم يتدفق نحوها بعد، مدرسة الشهيد مصطفى حافظ إلى يساره تقابلها المدرسة الإعدادية التي تربض إلى الشرق منها مدرسة عكا الإعدادية للبنات ، تقبع في حزن وسط مكان منخفض لافت للنظر ، ترى لماذا اختاروا لها هذا المكان الواضح الانخفاض ؟ هل كانوا يفكرون في وأد هذا الاسم أم في إحيائه ؟ ولماذا وضعت عكا بالذات في هذا المكان المنخفض ؟! ألأنها أم الجزار ؟! ألأنها لفت ساقا بساق وامتنعت من نابليون ؟ تلك العذراء التي لن تشيب .. ستظل عذراء حتى تأنس بعريس ترتضيه .
    ألقى مستشفى ناصر ذراعا نحو مدرسة عكا الإعداية للبنات يريد أن يحتضنها ، أن يرفعها من ذلك المنخفض التي وضعت فيه رغما عنها ، الأنوار ما زالت تطل من نوافذ المستشفى ، للمستشفى رائحة خاصة تميزه عما حوله ، بوابة المستشفى الغربية مفتوحة على الدوام ، يفتح المستشفى صدره للناس ، بقلبه يحتضن آلامهم، غرفة الاستقبال تبدو من خلال البوابة ، أشاح بوجهه ، هل أجد لديهم علاجا لمثل حالتي ، هام ببصره في الفضاء ، مدارس الوكالة إلى يساره ، الإستاد الرياضي غير بعيد ، يقابله خزان المياه القديم قدم هذا المعسكر ، قدم المأساة التي عاشها بكل جوارحه، كانت هذه المنطقة إلى وقت قريب خالية إلا من أشجار الكازورينا والكينيا ، اقتلعت تلك الأشجار ، زرعوا بدلا منها بيوتا قرميدية بائسة ، أنبتت معسكرات اللاجئين .
    الطريق تمتد أمام عينيه، بعض الناس يتوجهون إلى أعمالهم، سيارة هنا وأخرى هناك ، رائحة الفلافل المقلي تندفع عبر منخريه إلى رئتيه ، شعر برغبة حادة في تناول رغيف بالفلافل ولكنه لم يفعل بل تابع الخطى، دقت الساعة السادسة والنصف هنا دار الإذاعة الإسرائيلية ، إليكم موجزا لأهم الأنباء .. المجالس المحلية العربية تعلن الإضراب اليوم ، المساواة وما أدراك ما المساواة ، المساواة بعد أربعين عاما من نزول بركات الاحتلال التي يتحدثون عنها ، لم تتحقق المساواة لعرب الداخل .. المساواة ..الديموقراطية ، مجرد المساواة بين البشر ، حلم صعب المنال، يجب على الإنسان أن يناضل لتحقيقه ، لا تستطيع أن تحلم بالنهار كما تريد ، وفي الليل يصادرون الحلم ، كوابيسهم المزعجة تلاحقنا في أثناء النوم ، وفي النهار تصفعك حقيقتهم كل لحظة ، توقظك رغما عنك، تشدك من حلمك ، تلاحق أحلامك، تبعدها عنك ، تطاردها ، تقتلها ، عرب الداخل يطالبون بالمساواة ، وفي الخارج يحيون عرب الداخل ، عرب الخارج .. عرب الداخل .. الخط الأخضر ، ونحن ؟ من نحن ؟ عرب الداخل أم عرب الخارج؟ أم عرب اللاداخل واللاخارج ؟ أم عرب منطقة تقع في منتصف المسافة بين الداخل والخارج ؟ سكان المناطق المدارة ..المحتلة .. المحررة .. الضفة والقطاع.. القطاع والضفة .. يهودا والسامرة .. خيبل عزة " قطاع غزة " .. أين نحن ؟ في الداخل أم في الخارج ؟! عندما جاءوا الليلة قالوا يوم المساواة ، وقبله يوم الأرض ، وقبلها قالوا لبنان وما أدراك ما لبنان .. أنتم تؤيدون المخربين ، نحن همزة وصل بين الداخل والخارج .. نحن الداخل والخارج معا ، مع المساواة ، مع التحرير .. المساواة .. التحرير ، بعد أربعين سنة لم تتحقق المساواة في واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط، يا حلما أفسد روعة الزمان والمكان ، يا حلما داهم صفاء عقولنا ، لوث جو الطمأنينة في النفوس ، لم تتحقق المساواة لعرب الداخل رغم انتمائهم لأب ليسوا من صلبه ، رغم حملهم بطاقات ليست لهم ، لم تتحقق المساواة لهم فكيف تتحقق لنا نحن ؟ نحن الذين يريدون لنا أن نكون نَوَر التاريخ، حتى النَوَر طالتهم نعمة الاحتلال، حدت من حركتهم، قيدتهم ببطاقات شخصية ، المساواة الانتماء ، واللانتماء ، اللامنتمي ، نحن بلا هوية حقيقية، نحمل بطاقات تائهة ، يخشون فلسطينيتنا ، ويخشون اعتبارنا مثل عرب الداخل ، يخشون تركنا في حالنا ، يخشون ، يخشون ، ولهذا لاحقتهم حالة اللاقرار عشرين عاما متتالية .
    رائحة مسلخ البلدية تزكم الأنوف ، دم الحيوانات المذبوحة يتجول بحرية في شارع البحر ، يتحف السكان برائحته ، والمارة بقطراته التي ترسلها السيارات المسرعة ، ولون الدم يلوث شعاع الشمس المستلقي على الأرض ، وبيوت المعسكر تتجمع في وضع احتجاجي على هذه الرائحة الهمجية التي تصر على البقاء وسط السكان ، يجب أن يتمتع السكان برائحة ما ، فهم محرومون من حديقة عامة ، فلا أقل من التمتع بمرأى الحيوانات المذبوحة والمنقولة على عربات تجرها الحمير أو البغال ، ورائحة طفح الدم تصدمك على الريق ، تصد نفسك عن الطعام ، تجعلك تتقيأ أمعاءك ، تتقيأ جوفك .
    قفز بعيدا فوق الرصيف ليتفادى رذاذ الدم المتطاير من عجلات سيارة عسكرية مرت بسرعة ، دق باب منزل المحامي الذي وجده مستيقظا .
    ابتسم :
    - صباح الخير
    - صباح النور
    وابتسامة عريضة تجلت على الشفتين ، استطرد المحامي وما زالت آثار الابتسامة تقبع فوق الشفتين :
    - أراك تحمل الندى على رأسك ؟ إلى أين العزم ؟
    - لدي مشاوير كثيرة .. أخذوا الأولاد .. أرجو أن تذهب إلى مكتب الصليب الأحمر في خان يونس ، أبلغه بالأمر ، حياد وسلام أخذوهم الليلة .. الساعة الثانية عشرة .
    - كيف حدث ذلك ؟ولماذا ؟ أولادك في حالهم لا يفعلون شيئا.
    - ليس مهما .
    قالها ومد يده مصافحا ، زكمت أنفه رائحة طفح الدم المنبثق من مسلخ البلدية ، تحرك مسرعا ، حث الخطى ، الشارع ينحدر إلى الشرق ، وكأنه صمم خصيصا ليسمح لطفح الدم بالتدفق إلى وسط المدينة ، ليتحف أكبر عدد من السكان برائحته ، وصل إلى آخر الشارع ، نظر إلى الجنوب عله يجد سيارة قادمة من رفح فيها متسع لراكب ، لاحت له قلعة برقوق التي تتشبث بالأرض ، تقاوم محاولات الاقتلاع ، قديمة هذه القلعة قدم الأمل في نفوس البشر، جديدة متجددة مثل الشوق ، قبتها التي حطم الإنجليز معظمها، تقف شامخة، ترنو إلى السماء ، تبثها شوقها إلى الشمس بعد ليل طويل ، بوابة القلعة مفتوحة ، ساحة التاكسيات أمامها تبدو خالية بعد منع سيارات الأجرة من الوقوف فيها، حاجز من المواسير الممتدة إلى يساره ، مبنى البلدية يرقد في تراخ وهو ما زال يرنو إلى الجنوب ، تبدو سيارة مرسيدس قادمة من بعيد ، قلعة برقوق تطل عليه ، برقوق ، قطز ، المماليك، التتار ، الصليبيون ، ما أشبه الليلة بالبارحة ، وصلاح الدين، وما أدراك ما صلاح الدين ؟
    اقتربت السيارة ، أشار بيده اليمنى . توقفت السيارة .
    - غزة ؟ وفتح الباب ، صعد إلى السيارة ، اتخذ مكانه في المقعد الأوسط ، صافح سمعه صوت مارسيل خليفة يأتي عبر شريط مسجل ، وقفوني على الحدود، قال بدّون هويتي ، سرح بعيدا، الحدود ، الحدود، الحدود والهوية ، في كل شارع يريدون أن نثبت هويتنا ، عند كل منعطف يفاجئك جندي ، يفتشك من الرأس إلى القدم ، يدقق في هويتك ، يسألك عن اسمك ، كأنه لا يعرف القراءة ، وكأنك لا تعرف اسمك أو تنتحل شخصية غيرك ، وكثيرا ما يطلب منك أن تذكر رقم هويتك عن ظهر قلب،وقفوني على الحدود قال بدّون هويتي!التفت،الكتيبة تستلقي على يسار الطريق ، الكتيبة ! أصر الناس على إطلاق هذا لاسم على أول مشروع إسكان تقيمه سلطات الاحتلال بعد أن فتحت عدة شوارع أمنية في المعسكر ، أطلقت عليه اسم حي الأمل "أ" ، وسماها السكان " الشقيري والكتيبة " ، فقد كانت كتيبة القوات الفلسطينية قبل هزيمة حزيران تقبع هنا، هبت رائحة أشجار البرتقال من البيارات المحاذية للطريق ، توقفت السيارة عند مفترق القرارة ، جوش قطيف ، ناحال حازاني ، في هذا المكان وقعت معركة رهيبة ، ومع ذلك خسرنا ، وقبعت في المكان وإلى الغرب ناحال حازاني وجوش قطيف قذىً في عيوننا، الدوريات العسكرية تنتشر على جوانب الطريق أقل من المعتاد ، بدت مستوطنة كفار داروم عن بعد ، عرفها من رائحتها ، رائحة مجاريها ، فقبل أن تنبت كفار داروم في هذه المنطقة لم يكن المرء يشم سوى رائحة زهر البرتقال ، أما الآن فمياه المجاري تتسلل عبر وادي السلقا من تحت جسر السكة الحديد متجهة إلى الغرب وكأنها تحاول الالتقاء بطفح الدم الوارد من مسلخ البلدية في خان يونس لاحاطة السكان بسياج واق من الرائحة الغريبة ، والسيارات تسير، مارسيل خليفة يغني، وقفوني ع الحدود، المعسكرات الوسطى تقبع في هدوء، معسكر المغازي يقابلك أولا من على يمينك، ثم النصيرات يقع في حضن البحر عن يسارك،وقبل وادي غزة وعلى اليمين يرقد مخيم البريج، يتذكر مستشفى الأمراض الصدرية ، زيارته لصديق له رقد فترة هناك ، في هذا المستشفى شعر بخوف غريزي يومها، كان يشعر أن الهواء يحمل ميكروبات السل إلى رئتيه في كل شهيق ، كان يود لو يكتم أنفاسه فلا يتنفس إلا بعد خروجه من المستشفى ، بل من منطقة البريج كلها، الواقف أمام مدخل المستشفى يستطيع مشاهدة الحدود.. الخط الأخضر .. بوضوح وبالعين المجردة ، حتى مستشفى الأمراض الصدرية لم يسلم من القصف المدفعي قبل حرب حزيران ، وادي غزة يستلقي تحت عجلات السيارة، ها قد اقتربنا، ما أبطأ هذا السائق! لافتة كبيرة تطل من بعيد، تقترب،سهم يشير إلى الشرق، بئر السبع، وسهم يشير إلى الغرب ، نتساريم ، هذا الطفح الجلدي الذي شوه بشرة الأرض ، وانطلقت السيارة، قوس كبير يفحج ساقيه فوق الطريق، وكلمات ترحيب باهتة ، غزة ترحب بكم، ويلكم تو جازا " مرحبا في غزة " ، بروخيم هابائيم" أهلا بالقادمين " ،التفت إلى الوراء ، الوجه الثاني للقوس يقول للخارجين رافقتكم السلامة ، جود فوييج " رحلة طيبة " .
    *******

  10. #10
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : May 2006
    المشاركات : 283
    المواضيع : 68
    الردود : 283
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي الكف تناطح المخرز رواية ييقلم : د . محمد أيوب / بقية الفصل الرابع

    الكف تناطح المخرز
    رواية
    بقلم : د . محمد أيوب
    بقية الفصل الرابع
    4
    شارع عمر المختار يبدو شبه خال من المارة ، سوق فراس بمحاله المتلاصقة إلى اليسار ، حاجز من الشبك والمواسير الحديدية يقسم الشارع إلى نصفين أعمدة النور تحتمي بقواعد إسمنتية ضخمة تقف شاهدا على الاحتلال ، تذكر بالكفاح المسلح، شركة الكهرباء القطرية تأبى رؤيتنا نضيء بيوتنا بطريقة بدائية تعلمنا معنى الاستقلال ، ويمتد الطريق ، منتزه بلدية غزة، السور الجديد للمنتزه يصافح أشعة الشمس فتنعكس إلى العين مزيجا من نور الأشجار والأزهار داخل المنتزه لم تستيقظ بعد ، ود لو يوقظها من سباتها ، ولكن..، ارتفع صوت بارد من المذياع، نوماتسين.. ودعاية للرشح أو ضد الرشح! لم ينتبه ، ودعاية أخرى لمادة تنظيف الصحون ، للجلي، ها هو شارع الجلاء ، سينما الجلاء ، عيد الجلاء ، طلب من سائق السيارة البيجو أن يتوقف، ترجل من السيارة، صفعه منظر السجن المركزي وهو يحتضن مسجدا صغيرا، ترى كيف يتعايش المسجد مع السجن؟! وكيف احتضن السجن المسجد؟! برج المراقبة يقف على الناصية الشمالية الغربية للسجن، يمسح مفترق الطرق ويتحكم في شارع عمر المختار من الشرق إلى الغرب ومن الغرب إلى الشرق وفي شارع الجلاء من الشمال إلى الجنوب ومن الجنوب إلى الشمال ، هنا دار الإذاعة الإسرائيلية .. إليكم الآن نشرة الأخبار أستهلها بالموجز..إليكم الأنباء بالتفصيل ، ألقيت زجاجة حارقة على سيارة عسكرية ، ولم يصب أحد بأذى، وتقوم قوات الأمن بأعمال التمشيط في المنطقة ، وصلت إلى قطاع غزة أمس البعثة المصرية للإشراف على امتحانات الثانوية العامة ، يوم المساواة ،الإدارة المدنية، التفت إلى الشرق قبل أن يقطع الشارع إلى الجنوب ، مبنى الإدارة غير بعيد.. بدت الأسلاك الشائكة والبوابة الواسعة التي أغلقت ببراميل ملئت بالباطون بعد العمليات الانتحارية في لبنان استبدلوها ببوابة تفتح على الغرب ، صوت إسرائيل ما زال ينبعث من المقهى المجاور ، عاليا، صاخبا، كأنما يريد إيقاظ أولئك الذين ما زالوا يغرقون في النوم ،إليكم الآن عناوين الصحف المحلية ، عبر الشارع بعد أن التفت إلى يساره ناحية الشرق ثم إلى يمينه ناحية الغرب ، أصبح على الرصيف الآخر ، تحت برج المراقبة مباشرة ، وبمحاذاة الأسلاك الشائكة التي استولت على الرصيف ، بكامله لتحمي البرج - هذه النبتة الغريبة- من أية رياح محلية ، اضطر إلى المشي على الاسفلت ، دار يسارا متجها نحو الجنوب ، برج آخر يقبع على بعد حوالي مائة متر ، وبوابة أخرى لا يدري إلى أين تفضي، لم يهتم بقراءة اللافتة، لاحت لافتة بيضاء كبيرة ..مديرية التربية والتعليم، كانت اللافتة قبل يومين ذات لونين يتقاسمانها إلى مثلثين ..أخضر وأصفر ، وها هي الآن بلون أبيض مجرد تغيير ألوان وصياغة العناوين من جديد، ثم يبقى كل شيء على حاله لا يتغير ، ضحك على الذقون لا أكثر، جندي يجلس على كرسي بظهر إلى يسار الداخل تقابله غرفة صغيرة ، في الواجهة باحة صغيرة، درج إلى اليمين يصعد إلى الطابق الثاني ، حيث مكاتب مديرية التربية والتعليم ، والباحة الصغيرة تقود إلى باحة داخلية أوسع، تجاوز الدرج إلى الباحة الداخلية، في جنوب الباحة توجد غرفة الامتحانات ، موظفان كبيران في الإدارة يجلسان عند مدخل قسم الامتحانات كأنهما ينتظران أحدا ما ، تقدم نحوهما :
    - صباح الخير
    هبا واقفين، صافحاه بحرارة ، ربما اعتقدا أن له صلة بالامتحانات أو بالبعثة المصرية ، قال أحدهما :
    - تفضل اجلس .
    شكره ولم يجلس ، وصل إلى المكان رجل وامرأة ،قالت المرأة :
    - صباح الخير .
    رد أحد الرجلين :
    - يا صباح الورد، انتظرناكم بالأمس مدة طويلة، فماذا حدث؟
    ابتسمت المرأة:
    - تأخرنا في نقطة العبور
    قال أبو حياد:
    - أريد التحدث إلى السيد المسئول .
    بابتسامة عريضة قال الرجل :خدمة ؟
    - لقد أخذوا أبنائي الليلة ، وأنت تعرف أن الامتحان على الأبواب .
    ماتت الابتسامة على شفتيه لحظة ولادتها :
    - وماذا أستطيع أن أفعل لك؟!
    - أولادي لم يفعلوا شيئا، إنهم يفعلون ذلك مع مئات الطلاب كل عام يعتقلون الطالب بضع ساعات في أول أيام الامتحان أو بضعة أيام قبله أو خلاله ، وببساطة يضيع جهد سنوات.
    - وماذا أستطيع أن أفعل ؟
    - أدرك أنك لا تستطيع فعل شيء، إنه منصب فخري ، تماما مثل الدكتوراه الفخرية، ولكني أتساءل كيف تقبل ذلك ؟ أبناؤنا هم أبناؤكم، يحطمونهم كل يوم، وبدون أسباب ثم يدعي كل منكم أنه عبد مأمور .. طرطور أو ما شابه، قولوا لا ولو مرة واحدة ، وانظروا ماذا يمكن أن يفعلوا ؟!
    بان الذهول على وجه السيدة المصرية ، لم تنطق بكلمة واحدة ، لكن عينيها نطقتا بكل ما يجول في خاطرها.. هؤلاء الفلسطينيون يناطحون قوة تخيف العرب كلهم ، يناطحونها دون كلل، يشتمون ويزعقون، يلقون الزجاجات الحارقة ، يتظاهرون، وأنا يكاد يسقط قلبي بين قدمي، أنتظر بفارغ الصبر العودة إلى مصر، أنا أخاف من اليهود رغم كامب ديفيد، رغم الاتفاقيات التي بيننا .. كل عند اليهودي ونام عند النصراني .. هكذا تعلمت وهي صغيرة، وبدلا من أن نحذر من اليهود، بدءوا يزرعون فينا الحذر من النصارى،يخلقون المشاكل بيننا وبينهم ، ترى هل نحن على الطريق الصحيح؟
    استمر صوت الرجل يدق طبلتي الأذن :
    - لا أريدك أن ترجو أحدا، فقط أردت أن الفت النظر إلى خطورة الأمر .. يكفيهم استفزازا لنا ، سأذهب إلى الصليب، إلى مراسلي وكالات الأنباء ، إلى المحامين ، سأتحدث ولن أخشى شيئا.
    عند تقاطع شارع الوحدة مع شارع الجلاء يقع مكتب الصليب الأحمر بغزة تحرك ببطء، قطع شارع عمر المختار من الجنوب إلي الشمال، ترك بُرجَي المراقبة خلفه ، التفت يسارا، والتفت يمينا، ثم عبر الشاعر، أصبح على الرصيف الآخر ، نظر جهة الشمال، سينما الجلاء وما أدراك ما الجلاء، أفضل صابون للجلي .. ترى هل اشتقت كلمة الجلاء من الجلي، وما هو أفضل صابون لتحقيق الجلاء ؟ هل يأتي يوم تذيع فيه الإذاعة الإسرائيلية دعاية لمثل هذا الصابون، الجلاء والجلي ، النحو والاشتقاق النحو والصرف، اللغة، الدعاية والادعاء ، التنظيف والقاذورات، أفضل صابون للجلي .. هنا دار الإذاعة الإسرائيلية، رائحة الفلافل المقلي تلاحقه، المعدة الخاوية تلاحقه، مشاويره تلاحقه.. إلى أين؟ استمر في المشي ، مكتب الصليب الأحمر ليس بعيدا، ارتفعت الشمس قليلا، غطى النور أرض الشارع، ظلال المنازل العالية تفترش الأرض ، رائحة الياسمين ما زالت تهب مع نسمة الصباح يقترب منه مكتب الصليب الأحمر، يدلف إلى الداخل ، يسأل أحدهم:
    -أخذوا أولادي الليلة، فماذا أفعل؟
    انتظر في هذه الغرفة، بعد قليل تحضر المسئولة عن مثل هذه الحالات.
    انتظر ، الثواني تمر بطيئة جدا، والمسئولة لم تأت بعد، نظر إلى ساعته للمرة العاشرة ، لم يتحرك عقرب الدقائق خطوة واحدة ، وبعد فترة خالها سنة كاملة حضرت المسئولة ، حدثها في الأمر ، حياد في التوجيهي، سلام قدم الامتحان، في الصف الأول الثانوي، أمسكت ورقة وقلما ، سجلت المعلومات، وعدته أن تبذل قصارى جهدها في سبيل الإفراج عن حياد حتى لا يخسر الامتحان .
    اختنق صوته وهو يشكرها،صافحها وخرج مسرعا، كاد يضعف ، قاوم الضعف في نفسه ، حاول إخفاء دمعة انزلقت من عينيه ، خرج لا يلوي على شيء ، ولو يا أبو حياد، أنت أول واحد بياخذوا أولاده؟ بالتأكيد لا، ولن تكون آخر واحد يأخذون أولاده، شد حيلك يا راجل ، شدة وتعدي ، شارع عمر المختار يصافح ناظريه من جديد، عبور جديد نحو برج المراقبة والأسلاك المحيطة، عبور وعبور مضاد، ثم عبور جديد وصبرنا وعبرنا ، وفايدة كامل ، وبالبندقية رفعنا العلم ورفعنا، وربك نصرنا ، وربك نصرنا، وربك نصرنا، وربك نصرنا ، وهذا البرج الذي يبصق في عين السماء وهذه الأسلاك الشائكة التي تحرمنا نعمة السير على الرصيف، وهذا الجندي القابع خلف زجاج البرج يتفحص المارة في حذر، وذلك السجن الذي يحتضن المسجد، وهذا المسجد المتلفع بأسوار السجن، والعبور والعبور المضاد ، الدفرسوار، كبريت، فايد .. حرب أكتوبر ،السويس، الكيلو"101" ، ويا بيوت السويس يا بيوت مدينتي، واختراق الحاجز النفسي ، والعبور الجديد نحو السلام، مسيرة السلام ، إلى أين قادتنا؟ هل ذقنا طعم السلام؟ هل أنجبت حرب أكتوبر سلاما حقيقيا؟ تلك الحرب التي قالوا إنها آخر الحروب ، فهل كانت كذلك؟ بصق باشمئزاز، نظر الجندي إليه في ريبة، ربما اعتقد أنه يبصق عليه، على الرغم من أن لعابه انقذف إلى الأرض، ولم يتجه إلى أعلى، هؤلاء الجنود عندهم حساسية مفرطة تجاه أية حركة مريبة تبدو من أي عربي ، فربما كانت البصقة عملا تخريبيا يجب أن يعاقب عليه قانونهم العسكري ، ربما اخترعوا مادة يحاكمون بموجبها أولئك الذين يبصقون على الأرض في وجود أحد العسكريين.. ربما .
    ******
    ساحة التاكسيات في غزة،أو ساحة فلسطين كما يكرهون تسميتها ، تكاد تخلو إلا من بعض السيارات ، بعض السائقين ينادي ، أصواتهم تختلط خان يونس ، رفح ، نابلس .. رام الله.. القدس سأله أحدهم:
    - إلى أين؟
    - إلى القدس .
    أشار له السائق .. القدس ، فتح الباب ، ركب السيارة . باعة الصحف يتسابقون بين السيارات ، أطفال في عمر الزهور ، تركوا المدارس لسبب من الأسباب ، تسربوا في سن مبكرة ، لو أن لنا دولة لما تركت هؤلاء الأطفال يتوهون في الشارع .. القدس ، النهار ، القدس .. أخبار الإضراب ، يوم المساواة ، تقدم منه طفل ، قدم له جريدة النهار ، ابتسم للطفل: هل طلع النهار ؟ هز الطفل كتفيه ومد الصحيفة بإلحاح، سأله:هل معك الشعب ؟ هز الطفل رأسه علامة النفي، هل معك الفجر ؟ نفى الطفل، إذن أعطني القدس، تناول الصحيفة، أخذ يقفز ببصره بين العناوين كأنه يبحث عن شيء محدد!
    تنفس الركاب الصعداء حين أدار السائق مفتاح السيارة، فأصدرت صوتا أشبه باحتجاج طفل يريد لعبة لم يحصل عليها بعد، تحركت السيارة ، ساحة الشجاعية تكاد تكون خالية من السيارات أو المارة ، العمال على غير المعتاد ، لا يوجد منهم أحد، السيارة تطوي الأرض ، مصنع السفن أب..مفترق جباليا يقترب ،آثار عجلات مطاطية مشتعلة ، بقايا متاريس ترقد على جانبي الطريق، المنطقة الصناعية تطل من بعيد، دخان يتصاعد من بعض المداخن، يختلف عن دخان المطاط المشتعل ، له طعم آخر غريب، حاجز إيرز، عين شيطانية تختلس النظر إلى كل من هب ودب ، جنود يتسكعون هنا وهناك، شخص بملابس مدنية يقف وفي يده أوراق ينظر إلى السيارات الرائحة والغادية بعين متفحصة، اقتربت السيارة من الحاجز، أبطأ السائق من سرعته حتى كاد يتوقف، انحنى جندي وأطل داخل السيارة ، طلب من أحد الركاب هويته، نظر إلى الهوية دون اكتراث، ثم أعادها وأشار للسائق أن يمشي، جسر ضيق يلوح عن بعد، يافطة تحمل اسم يد مردخاي .. " دير سنيد سابقا "،المجدل تقترب منهم بسرعة جنونية، فالطريق تكاد تكون خالية إلا من بعض السيارات ذات الرقم الأصفر، الرمزور " الإشارة الضوئية " يطل عليهم بعين حمراء تهددهم بالتوقف.. لو أنني أستطيع البصق في عينك، لو أنني أستطيع لفعلت، أشعر أن الرمزور يتعمد إيقاف من هو في عجلة من أمره، يتعمد أن يطيل فترة الوقوف، رفع السائق قدمه عن الفرامل، فقد انقلب اللون الأحمر إلى أصفر، ثم أطلت عين خضراء، فاندفعت السيارة في طريقها .
    وجه حديثه للسائق:
    - لا توجد سيارات عربية على الطريق، ما السبب يا ترى؟
    ابتسم السائق، نظر إليه من خلال المرآة،ونظر إلى الصحيفة نظرة ذات مغزى:
    - ألم تسمع بالإضراب .
    تجاهل الأمر :
    - أي إضراب ؟
    أجاب السائق: يوم المساواة ؟
    ضحك : مساواة ؟ لمن ومع من؟
    بدا الغضب على وجه السائق:
    - بين العرب واليهود.
    بسخرية: إذن لماذا لم تضرب اليوم؟
    انفجر غضب السائق :
    - تريدني أن أشارك في الإضراب، إذن اضمن لي دخلا بديلا، لا تقل لي انه مجرد يوم، أيام الاحتجاج أكثر من أن تعد، لو أن لنا نقابة حقيقية، لو أن النقابات تدفع لأعضائها أجرة نصف يوم عمل .. أو ربع يوم عمل ، لما وجدت أحدا يخرج عن الإضراب ، أريد أن أسألك:
    - أين تذهب أموال الصمود؟ من المستفيد منها ، وهل يستفيد الفقراء منها شيئا؟ الأغنياء فقط هم الصامدون على غناهم، هم الذين تتسع جيوبهم لأموال الصمود ! لو أنني أدخلت بعضا من أموال الصمود أو حصلت على جزء منها لوضعوني في السجن، أما هم، هؤلاء الأغنياء ، يروحون ويجيئون دون أن يعترضهم أحد على جانبي الحدود،عِلق البر،عِلق البحر ، قال:
    ومع ذلك لم يذهب العمال إلى أعمالهم اليوم.
    استطرد السائق وكأنه يكمل حديثه:
    - العمال أحسن من أنظف لحية في البلد، أنظف من أغنياء البلد، إضراب يعني إضراب ، فكرك أنا طالع الشغل بمزاجي، المعلم صاحب السيارة، رأسه وألف سيف إن ما سرحت اليوم ليطردني ويشغل غيري مطرحي ، السواقين زي الهم على القلب، ما قلتلك مالناش نقابة تسهر على مصالحنا وتحمينا من غول اسمه الطمع.
    وهبت نسمة صباحية حملها شعاع شمس اقتحم السيارة لدى التفافها نحو اليمين، دير اللطرون يربض بين الأشجار،القدس تقترب ، وتلك الدبابة التي تقف فوق منصة عالية وكأنها تهدد السماء بسبابتها المعدنية، فهل خافت السماء وعيد تلك الدبابة التي كانت أول دبابة تقتحم الضفة الغربية في حرب حزيران؟ القدس تقترب.. القدس لنا يا فيروز .. القدس يا ابن الخطاب .. القدس تقترب، ترى هل أعطى الرب القدس ليعقوب بعد أن انتصر يعقوب عليه ، وهل حقيقة انتصر يعقوب على الرب ولم يتركه إلا بعد أن أعطاه القدس وما حولها من أرض فلسطين، القدس، الصمود والتصدي، أموال الصمود التي تتحول إلى عمارات يزرعها الأغنياء الصامدون مسامير في عيون الفقراء ، إلى معاصر زيتون لم تعد تجد ما يكفيها – لكثرتها- من ثمار الزيتون لتعصره، فتعتصر جهد العمال وعرقهم ، أموال الصمود التي اشترى بها الصامدون من الأغنياء أراض في مصر خشية ان تنجح سياسة الترانسفير " الترحيل أو الطرد " فيطردهم اليهود من هذه الأرض كما طردوهم أول مرة ، هؤلاء الأغنياء يأخذون أموال الصمود علنا، ويعبثون بأصابعهم الوسطى في إست الثورة سرا، يجاملون الاحتلال ويلعنون دين الثورة في السر، ويهتفون بحياة الثورة والقائد في العلن، ويحيون الأخوة قادة العرب وغير العرب .
    تنحنح أحد الركاب في المقعد الخلفي وقال:
    - أنت تظلم الأغنياء يا أخي ، ألم يشارك الأغنياء في صنع الثورة، الغنى ليس عيبا في الإنسان.
    تنهد السائق بأسى:
    - أنا أظلم الأغنياء ، أنا المظلوم أصبح ظالما، هل يمكن أن تخبرني كيف يصبح الغني غنيا؟
    أجاب الراكب من المقعد الخلفي :
    - رزقكم في السماء وما توعدون.
    ثم أردف:
    - لكل مجتهد نصيب يا أخي .
    - ولكني أحرث طول عمري كالحمار ومع ذلك لم أصبح غنيا! فهل يجتهد الأغنياء أكثر مني ولذلك تأتيهم أموال الصمود! لماذا تنبت هذه العمارات وهذه المشاريع التي لا نستفيد منها باسم الصمود ؟لماذا؟
    مسح الراكب في المقعد الخلفي لحيته بيده:
    - تستطيع أن تأخذ قرضا وأن تبني عمارة مثلهم.
    ضحك بمرارة : منين لي الأرض يا حسرة، شرط أساسي يكون عندك أرض حتى يوافقوا على القرض.
    تدخل راكب آخر:
    - يا جماعة : قيام الدولة سيحل كل المشاكل.
    ضحك أبو حياد:
    - أية دولة ؟ دولة الأغنياء ؟ أم دولة الفقراء ؟ دولة يتغير فيها الظالم ويبقى الظلم والمظلومون على حالهم، نريد دولة يتساوى فيها الجميع، ينال الجميع حقوقهم.
    ابتسم السائق:
    - والله ما بدنا دولة تخلي وضعنا على حاله، الموت أرحم من ظلم القريب وابن البلد، توقفت السيارة أمام حاجز شرطة ، إلى اليمين، تناثرت كلمات عشبية فوق منحدر بسيط، حروف عبرية قصوها في الأعشاب المزروعة .. بروخيم هبائيم ليوروشلايم " مرحبا بالقادمين إلى القدس" ، طلب الشرطي الهويات أخذ يسجل الأسماء في ورقة معه، طلب رخصة السائق ، حقيبة الإسعاف، الطفاية، فتح باب السيارة من الخلف، بحث فيها عن ممنوعات ،ألقى نظرة متشككة على الركاب ، ثم أعاد لهم هوياتهم.
    انطلقت السيارة ، عبر السائق شارع يافا، اليهود المتدينون يروحون ويجيئون بلا عمل ، يبدو أنهم يقضون أوقاتهم في تمشيط لحاهم، وتجديل شعر سوالفهم.
    وجه أبو حياد حديثه للسائق:
    - أريد أن تدلني على مكتب المحامية فيليتسيا لانغر.
    ابتسم السائق ابتسامة أكبر من الألم الذي يختزنه بين ضلوعه:
    - سأوصل الركاب إلى الموقف وأحجز دورا ثم أعود بك إلى مكتبها.
    خيم الصمت على الركاب ، سعل الراكب من المقعد الخلفي سعلة حادة، مسح لحيته بيده:
    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
    ثم وجه حديثه إلى (أبو حياد) :
    - يا راجل غزة كلها ما فيش فيها محامين؟ مش لاقي إلا هالكافرة ؟
    - وهل عندك أفضل منها.
    - نعم يا أخي ، هناك محام له علاقة طيبة مع بيرس شخصيا، لو ذهبت إليه لساعدك كثيرا.
    - يا أخي لو وقعت في محنة لا سمح الله ، وخيرت بين صديق بيرس وبين فيليتسيا لانغر فمن تختار ؟
    قال راكب : فيليتسيا بالتأكيد.
    توقفت السيارة ، قال السائق للركاب :
    - حمد لله على السلامة.
    ثم استأذن من أبي حياد، سجل اسمه ليحفظ دوره،عاد إلى السيارة ، أدار محركها توجه إلى مكتب المحامية في القدس الغربية، دارت السيارة عدة مرات ، عبرت أكثر من شارع، ثم توقف السائق، نزلا من السيارة ، صعدا إلى بناية لها عدة مداخل ، تجاوزا المدخل الأول والثاني والثالث ، توقفا قليلا، اعتقد أن المكتب هنا، قال السائق، وصعدا الدرج، صافحت عيونهما ورقة معلقة على باب المكتب .. المكتب مغلق بسبب المشاركة في إضراب يوم المساواة ، قفل عائدا، قرر أن يوصي صديقا له أن ينوب عنه في توكيل المحاميـة غـدا .[/font][/size][/B][/color][/align]

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. الفصل الأول من رواية : وصلنا للواحة
    بواسطة عبده حقي في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 08-07-2014, 06:14 PM
  2. عًٍ ى دًٍ
    بواسطة اسماء محمود في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 28-10-2008, 04:11 PM
  3. الكوابيس تأتي في حزيران - رواية ، بقلم : د . محمد أيوب / 1
    بواسطة د . محمد أيوب في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 30-07-2008, 08:32 AM
  4. الكوابيس تأتي في حزيران - رواية ، بقلم : د . محمد أيوب / 2
    بواسطة د . محمد أيوب في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 07-07-2008, 08:48 AM
  5. الكوابيس تأتي في حزيران - رواية ، بقلم : د . محمد أيوب / 3
    بواسطة د . محمد أيوب في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 21-09-2006, 12:53 AM