"المجموعة الممنوعة"
لمحمد صلاح الدين

بقلم: أحمد فضل شبلول

عن طريق البريد العادي، أرسل لي الكاتب الصحفي بجريدة الجمهورية محمد صلاح الدين، مجموعته القصصية التي أطلق عليها اسم "المجموعة الممنوعة"، ووقعت في 16 صفحة بدون غلاف، وأهداها إلى الضمير الحي (رضي الله عنه وأرضاه) ـ حسب تعبيره ـ وإلى فرسان الماستر في فترة السبعينيات، ليسجل بذلك موفقا مضادا في عصر الانفتاح الثقافي، وتدفق المعلومات، وحرية التعبير والنشر، سواء الورقي أو الإلكتروني.
إن الكاتب يقول في الصفحة الثانية: "هذه القصص كتبت في العقد الأخير، ولم تلق ترحيبا للنشر!" فإذا كان ذلك قد تم بالنسبة للنشر الورقي، فهل جرَّب الكاتب إرسال قصصه إلى أي موقع إلكتروني على شبكة الإنترنت، ورُفضت؟
هل جرَّب الكاتب ـ على سبيل المثال ـ إنشاء مدونة مجانية له (على جيران، أو مكتوب، مثلا)، لينشر بها أعماله الممنوعة، ووجد عدم ترحيب من أي جهة إلكترونية؟.
هل أرسل الكاتب قصصه الممنوعة إلى أي منتدى من المنتديات الإلكترونية لنشرها ورُفضت؟.
كل هذه الأسئلة ـ وغيرها ـ تُثار حاليا في عصر النشر الإلكتروني، ومدى حرية الكاتب في التعبير والنشر على المواقع، وفي المنتديات، وفي المدونات، ومن خلال المجموعات البريدية وغيرها من وسائل النشر الإلكتروني، والوساط المتاحة حاليا. خاصة أن أمامنا تجربة عملية للكاتبة السعودية رجاء عبد الله الصانع التي نشرت روايتها "بنات الرياض" من خلال البريد الإلكتروني، أو من خلال المجموعات البريدية أولا، قبل نشرها في كتاب مطبوع أثار ضجة أدبية ـ في بلادها ـ ولا يزال.
يبدو أن الكاتب الصحفي محمد صلاح الدين لا يزال يعيش أزمة النشر في السبعينيات حين هبَّ جيل جديد من الأدباء للكتابة والتعبير عن طريق مجلات الماستر التي سرعان ما انتشرت في مصر، وصدر منها مجلات عدة نذكر منها على سبيل المثال: "فاروس" بإشراف كاتب هذه السطور، و"نادي القصة" بإشراف عبد الله هاشم، بالإسكندرية ، و"روَّاد" و"عروس الشمال" في دمياط بإشراف محمد عبد المنعم وسمير الفيل، و"أصوات معاصرة" في الشرقية بإشراف حسين علي محمد، و"مصرية" بالقاهرة بإشراف عبد العزيز جمال الدين، وسلسلة "أدب الجماهير" في المنصورة بإشراف فؤاد حجازي، و"أدباء الجيل" في السويس بإشراف محمد الراوي، وغيرها.
لقد كانت هناك أزمة نشر طاحنة في السبعينيات والثمانينيات، أفرزت ما يسمى بظاهرة الماستر، لدرجة أن أحد الكتَّاب (في صحيفة يمنية) شبَّه مطبوعات الماستر في مصر، التي لا يُطبع منها أكثر من مائة نسخة، وتداولها بالأيدي بين الكتَّاب والقراء، بالمطبوعات التي تصدر سرًّا في زمن الاحتلال.
أما لماذا هذه القصص الأربعة لمحمد صلاح الدين (البقرة الضاحكة، ديمقراطية، ابن الوز، غوريللا) ممنوعة من النشر (ربما بالنسبة لمؤسسته الصحفية الرسمية)، فلأنها تتناول أوضاعا سياسية واجتماعية واقتصادية محظورة، من وجهة نظر الكاتب، مثل مسألة التوريث، والفساد والقهر، وقانون الطوارئ، والتعامل مع العدو ومن يسانده، وما إلى ذلك، وهو في كل ذلك يتوسل بالرموز والأقنعة والإيحاءات المختلفة، مثل قناع العمدة، ورمز البقرة ورمز السفينة ورمز الغوريللا، فضلا عن محاولة توظيف بعض الآيات القرآنية لخدمة الأغراض السياسية بالقصة: (إن البقر تشابه علينا، إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة، إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك، إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين، إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث).
وفي الوقت نفسه يحاول الكاتب استخدام شكل المقامات، ولكنه لم يعتمد كثيرا على السجع، وهو ما يمثل العصب الرئيسي لهذا الشكل الموروث منذ أيام بديع الزمان الهمذاني، والحريري، وأحياه محمد المويلحي في العصر الحديث، ثم بدأ يندثر ثانية هذه الأيام.
يقول على سبيل المثال في "البقرة الضاحكة" (ص 3): "العمدة في بلدنا أمره غريب، وأيضا عجيب .. العمدة في بلدنا كان قريبا .. بل وأكثر من ذلك .. كان حبيبا".
ولكنه في "ابن الوز" (ص 14) يقول: "الكبير تركها للأنذال .. يذيقون الناس العذاب أشكالا وألونا .. فشحطت السفينة .. وغرقت المينا".
وكان من الممكن أن يضبط سجعه أكثر لو قال: "الكبير تركها للأنذالْ .. يذيقون الناس العذاب ألوانا وأشكالْ .. فشحطت السفينة .. وغرقت المينا".
أسلوب السخرية والتهكم والكوميديا السوداء، أهم ما يميز هذه النصوص أو هذه القصص الأربعة، إزاء الأوضاع السياسية والاجتماعية التي يقوم الكاتب بكشفها والحديث عنها بجرأة ووعي، غير أن هناك بعض الأخطاء اللغوية الواردة في بعض الصفحات كان ينبغي التخلص منها.
وليس هناك شك في أن للكاتب أعمالا أخرى على هذه الشاكلة من الكتابة، لم يسعف عدد صفحات الملزمة لإضافتها، ربما لتكلفة الطباعة والتصوير، وكما سبق القول فإن الحل الأمثل لنشر هذه القصص الممنوعة ـ من وجهة نظر كاتبها ـ هو النشر الإلكتروني على شبكة الإنترنت.
غير أنني إحقاقا للحق اقرأ ـ في بعض صحفنا ومجلاتنا الحزبية والمستقلة ـ أعمالا أكثر فضائحية وأكثر سخرية وتهكما، وأقل رمزية مما قرأته للكاتب محمد صلاح الدين في مجموعته "الممنوعة".

أحمد فضل شبلول ـ الإسكندرية