|
قَدْ أَعَانَ اللهُ فَامْضُوا قُدُمَا |
نَحْوَ عَزٍّ تَعْتَلُونَ القِمَمَا |
وارْفَعُوا الرَّايَةَ فِي الْوَاحَةِ أَنْ |
أَمَّةٌ نَحْنُ وَلَسْنَا أُمَمَا |
قَدْ غَدَتْ وَاحَتُنَا وَارِفَةً |
جَنَّةً مِنْ قَبْلُ كَانَتْ حُلُمُا |
لَمْ تَكُنْ فِي الأَرْضِ إِلا بِذْرَةً |
جَادَهَا الغَيْثُ سَخِيَّا مُذْ هَمَى |
فَنَمَتْ لَمَّا رَأَتْ غَارِسًا |
سَاهِرَ الطَّرْفِ كَفِيلًا بالنَّمَا |
وَ دَعَا كُلَّ كَرِيمٍ مِثْلِهِ |
أَنْ أَعِينُوا الأَرْضَ مَعْ جُودِ السَّما |
فَإِذَا كُلُّ كَرِيمٍ عَامِلٍ |
وَإِذَا بِالخَيْرِ أَنْمَى وَنَمَا |
قَدْ رَأَيْتُ اليَوْمَ فِي وَاحَتِنَا |
بَعْدَ شَهْرَيْنِ مَضَى وَانْصَرَمَا |
وَهَجًا يَقْصُدُه ذُو بَصَرٍ |
بَلْ وَيَرْتَاحُ إِلِيهِ ذُو عَمَى |
وَتُطُرِّبْتُ بَعَذْبِ البَوحِ فِي |
كُلِّ سَبْكٍ إِذْ يُجَلَّي الصَّمَمَا |
لَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ أَجْزِيهَا وَقَدْ |
كُنْتُ فِيهَا عَامِلًا مُعْتَلِمَا |
ثُمَّ حَالَتْ جَفْوَةٌ مَا بَيْنَنَا |
أَلْزَمَتْ قَلْبِي النَّوَى فَالْتَزَمَا |
إِنَّنِي مِنْهَا قَرِيبٌ مُبْعَدٌ |
كَطَرِيدٍ حَائِمٍ حَوْلَ الحِمَى |
غَيْرَ أَنَّي طَارِدِي مِنْهَا الوَنَى |
أَنْفَدَ الحِبْرَ وَأَحْنَى القَلَمَا |
كَيْفَ يَسْعَى فِي رُبَاهَا مُعْدَمٌ |
عَاشَ لا يَشْكُو إِلَيهَا العَدَمَا |
ضَنَّتِ الدُّنْيَا عَلَيْهِ فَمَضَى |
وَالبَلايَا تَحْتَويهِ إِزَمَا |
أَنَا يَا صَحْبُ نَأَى بِي رَهَقٌ |
حَيْثُ آتَانِي الأَسَى وَالسَأَمَا |
عَظُمَتْ فِيَّ هُمُومٌ جَمَّةٌ |
أَوْهَنَتْ مِمَّا اعْتَرَانِي الهِمَمَا |
كَانَتِ الآَفَاقُ لِي حِلَّا فَمَنْ |
لِي بِحِلِّ حِيْنَ صَارَتْ حَرَمَا! |
صِرْتُ خَدَّامًا لِأَفَكَارِي التِي |
قَبْلُ كَانَتْ لِقَوَامِي خَدَمَا |
وَفُؤَادِي الغِرُّ مِمَّا رَاعَهُ |
أَثَّمَ الإِحْسَانَ لَمَّا أَثِمَا |
لَيْتَ مَا بِي مِنْ شَقَاءٍ لَمْ يُبَحْ |
لَازِمِي مَدَّ الأَسَى مُنْكَتِمَا |
لَيْسَ يُبْلِي حَسَنًا ذُو فَاقَةٍ |
لَمْ تُنَادِمْهُ الليَالِي كَرَمَا |
كَمْ سَقَاهَا السُّهْدَ حَتَّى نَفِدَتْ |
عَبَرَاتٌ ثُمَّ أَهْمَاهَا دَمَا |
يَجْلُدُ المَرْءُ عَلَى مِحْنَتِهِ |
ثُمَّ تُرْدِيهِ مَتَى مَا انْهَزَمَا |
وَأَنَا المَهْزُومُ مِنْ خَصْمِي الذّي |
بِانْهِزَامِي جَيْشُهُ مَا عَلِمَا |
كُلَّمَا اسْتَدْبَرْتُهُ اسْتَقْبَلنِي |
مُرْسِلًا نَحْوِي البَلَايَا حِمَمَا |
هَارِبًا مِنْ كُلٍّ رَامٍ سَهْمَهُ |
هَارِبًا لَكِنْ إِلَى حَيْثُ رَمَى |
لَسْتُ أَدْرِي أَقَرِيبٌ رَاحَتِي |
وَنَجَاتِي وَخَلَاصِي رُبَّمَا |
فَمَتى نُورٌ تَجَلَّى فِي غَدِي |
مَسَحَ البُؤْسُ عُيُونِي بِالعَمَى |
وَإِذَا عِشْتُ حَيَاتِي كَارِهًا |
لِحَيَاتِي عِشْتُهَا مُنْفَصِمَا |
أَنَا حِسُّ بَيْنَ نَارَيْنِ هُمَا |
لَسْتُ أَدْرِي رَغْمَ حِسِّي مَا هُمَا! |
لَيْسَ فِي الأَرْضِ لِمِثْلِي جَنَّةٌ |
وَإِذَا كَانَ تَلاشَتْ حُلُمَا |
أُمْسِكُ الهَمَّ غَرِيقًا فِيهِ لَمْ |
يَأْتِنِي الهَمُّ سِوَى مِلْحٍ وَمَا |
لَيْتَ مَنْ أَنْجَبَنِي عَلَّمَنِي |
أَنَّنِي فَارَقْتُ مِنْهُ الرَّحِمَا |
قَدْ وَهِمْتُ الدَّهْرَ بِالعَيْشِ الذِي |
يَدْفَعُ الغَمَّ وَيُؤْتِي النِّعَمَا |
فَإِذَا بِي فِي حَيَاتِي مُغْرَمٌ |
كُلَّ شَيْءٍ دُونَ جُرْمٍ غَرِمَا |
لَيْسَ لِلْشَّاعِرِ مَنْ بَيْتٍ سِوَى |
بَيْتِ شِعْرٍ لَمْ يُشَيَّدْ أُطُمَا |
أَمْقُتُ الشِّعْرَ وَقَدْ يَكْتُبُنِي |
حِينَ أَشْقَى بِالدَّرَارِي نُظُمَا |
لَيْتَهُ يَنَّفَكُّ عَنِّي لَيْتَنِي |
كُنْتُ مَنْسِيًا بِهِ مَا عَلِمَا |
كُلَّمَا أَدْرَكَنِي ضِيقٌ بَرَى |
جَسَدِي وَاسْتَنْزَفَ البَوْحَ دَمَا |
وَرَمَى الدَّمْعَ عَلَى عُجْمَتِهِ |
نُقَطًا حَتَى بَدَا مُنْسَجِمَا |
يَا رِجَالَ الوَاحَةِ الشِّعْرُ بِمَا |
يَعْتَرِينَا لَا يُدَاوِي أَلَمَا |
زَادَتِ الأَيَّامُ مِنْ أَشْجَانِنَا |
وَهْوَ زَادَ الأُذْنَ شَجْوًا وَالفَمَا |
نَقَّبُوهُ وانْتَقُوا جَيِّدَهُ |
وَاسْتَقُوا مِنْهُ النَّدَى وَالحِكَمَا |
وَاكْتُبُوُه سُنَنَا وَاضِحَةً |
تَدْرَأُ الغَيَّ وَتَمْحُو الظُّلَمَا |
أَيْنَ مِنَّا مَنْ تَوَلَّوْا أَدْبًا! |
إِذْ تَسَامَوا بِالسَّجَايَا فَسَمَا |
مُوقِدِينَ العَزْمَ عَالِينَ الذُّرَى |
شَامِخَاتٍ شَاحِذِينَ الهِمَمَا |
مُنْصِفِينَ النَّاسَ فِي أَحْكَامِهِمْ |
لَمْ يُحَابُوا عَادِلِينَ القِسَمَا |
مُحْسِنِينَ الصُّنْعَ قَالِينَ الخَنَا |
لا رِيَاءً حَافِظِينَ الذِّمَمَا |
حَسْبُنَا مَا كَانَ مِنْهُمْ ذَائِعًا |
صَارَ فِينَا خَافِيًا مُنْكَتِمَا |
رُبَّمَا مِنْ نَكَدِ العَيْشِ طَغَى |
بُؤْسُنَا يَسْلُبُ مِنَّا الشِيَمَا |
يُبْلِدُ الإِحْسَاسَ يَجْتَثُّ القِوَى |
يُوْضِعُ القَدْرَ بِنَا وَالقِيَمَا |
صِفَةُ العَيْشِ صَنِيعُ المَرْءِ فِي |
نَفْسِهِ أَوْ حَيْثُ حَطَّ القَدَما |
وَإِذَا سَادَ فَسَادٌ فِبِمَا |
عَمِلَ النَّاسُ وَسَنَّ الزْعُمَا |
وَإِذَا جَدَّ جَدِيدٌ فَمَضَى |
عَيَّبُوهُ الخَلْقُ أَنْ قَدْ قَدُمَا |
وَإِذَا مَا طَابَ عَيْشٌ لِلْوَرَى |
نِعَمًا أَمْضَوا عَلَيْهَا النِّقَمَا |
كَثُرَ الشَّرُّ بِنَا فِينَا فَمَنْ |
أَمِنَ الأَضْرَارَ أَوْ مَنْ سَلِمَا |
أَوْ مَنِ احْتَالَ عَلَى جَرْحِ الأَذَى |
مُسْتَعِينًا بِالأَذَى فَالْتَأَمَا |
كُلُّ دَاءٍ هَيِّنٌ إِبْرَاؤُهُ |
غَيْرُ دَاءِ القَلْبِ أَنْكَى سَقَمَا |
يَدَّعِي الصِّحَّةَ مَنْ رَانَ عَلَى |
قَلْبِهِ فِعْلُ الهَوَى أَوْ خُتِمَا |
هَذِهِ الدُّنْيَا وَأَخْلَاقُ الوَرَى |
فَبِمَا أَبْلَوْا بِهَا جَاءَتْ كَمَا |
إِنَّمَا تَحْكُمُنَا أَفْعَالُنَا |
وَضُعَ العَيْشُ بِنَا أَوْ كَرُمَا |