سلام الـلـه عليكم
الاخ الفاضل الاديب موسى نجيب موسى
قراءة مستعجلة في قصة " الطاهرة " للقاص موسى نجيب موسى
بقلم د . محمد حسن السمان
لعل قصة الطاهرة , شكل غير اعتيادي , من فن القص , يحتاج الى براعة وحرفية , والحقيقة انني قرأت القصة , عدة مرات , وفي كل مرة , اعجز عن الكتابة حول هذه القصة , وهذا ما قادني فعلا , الى تدارس فنيات هذا النص , مع اكثر من أديب , فقد رأيت فيها , حالة من الارتقاء والتسامي , في الكتابة , وهذا ايضا ما عبّر عنه , الاخ الفاضل القاص حسام القاضي , في جلستنا الادبية الاخيرة , على شاطىء الخليج العربي , فمن الاستخدام الموفق للمفردات , التي إما قد تمّ انتقاؤها بحرص شديد , او أن قدرة الاديب , جادت بها من خلال سليقته فطريا , دون تكلف , ومهما يكن من امر فإن هذه المفردات هي التي نسج منها القاص موسى نجيب موسى , هذا الجو الروحاني الثري , والذي حدا بالاديب جوتيار تمر , عند قراءته لقصة الطاهرة , ان يطلق على عليها , انها نوع من ادب التصوف العالي , وخاصة في فاتحة القصة , وهذا ما افصح عنه بالقول :
" لااعلم كيف انتابني شعور بان الطاهرة..والطاهر..هما يمثلا ن صوفية هذا الوقت..اعلم... بان التصوف في الادب يحتاج لاكثر من موسوعة لتعريفها..لكني اخص هذا النص بتلك المقولة..تصوف..يخرج عن الاطار الشائع..ويدخل دائرة الدسيسة..التي تفرق بين الروح والجسد احيانا.."
ومما يثير الاعجاب , هذه اللقطة الذكية غير المسبوقة , والتي فجرّها القاص موسى نجيب موسى , عندما اراد التعبير عن الحواجز والموانع التي تمنع اقتران الطاهرة بحبيبها , بالشوكات في الصدر :
" لكن كان يوخزها , فى صدره الناعم , شوكتان بارزتان بشده , كانت كل شوكة , تعرف طريقها جيداً , إلى وجهها الرقيق , ونبتت شوكة ثالثة , في صدره , سوف يكتمل نموها , بعد أن تضع زوجته , مولودها الثاني , بعد أيام قليلة ."
" تحاول أن تمد يدها لكى تنتزع الأشواك من صدره ليس خوفاً عليه بل خوفاً على وجهها الجميل من التشويه لكن عقيدتهما الدينية وحرصها الشديد على إتباع أعراف وتقاليد قريتها يقفون لها بالمرصاد عل الله يتدخل يوماً ما ويحل الأمر ... شوكة رابعة انغرست في بنصر يدها اليمنى سوف تنتقل مساء الأحد 12 / 9 / 2002ميلادية إلى بنصر يدها اليسرى عندما يكمل القس طقوس إكليل زفافها على من لا تحبه ويضع رأسها مع رأسه في تاج مقيد للابد . زاد نمو الأشواك كثيراً فى صدره وانغرست في جميع أنحاء جسدها حتى أنزفته كثيراً ."
انها لملامسة ساحرة , في بناء القصة , تستحق الاعجاب , وتدلل على مدى حرفية القاص وعراقته القصية , بالاضافة الى الذكائية اللافتة , ونسير في سحر هذا الجو الروحاني والصور الابداعية , وفجأة نجد القاص موسى نجيب موسى , ينتقل من جوه الاسطوري الروحاني الرائع , إلى حركة مادية , عندما طلب من البقال الذي يقع اسفل منزله كرتونة مهملة , ثم اخذ بقلم يكاد ينقضي حبره , يرسم مقبرتها الفخمة , وبمقص يعلوه الكثير من الصدأ , صمّم بناءه الكرتوني .... , وليت القاص موسى نجيب موسى لم يفعل ذلك بنا , واكتفى بالتعبير عن الضريح , وموقعه داخل ميدان فسيح , هو نقطة التقاء الأذينين بالبطينين , في قلبه الرهيف , دون حاجة للبقال والكرتونة والمقص ... , لبقينا ضمن نفس المستوى , من الروحانية والتصوف , الذي اعادنا اليه القاص , بحركة ذكية اخرى :
" غرة مارس من كل عام , كان يقام المولد السنوي , للست الطاهرة , وكان يفد على قلبه النقي , العشاق من كل صوب وحدب , ومعهم ذبائحهم وقرابينهم وأمتعتهم القليلة , حتى يتبركوا ,من ضريح الست الطاهرة. "
ثم يتابع القاص , الحالة الصوفية , ضمن وصف موفق للتبرك بالطاهرة .
"في غفلة , رأى صديقه , يقبض بشدة على علبة سجائره , ويلقيها أسفل ضريح الطاهرة , وهو يعلن بأنه تبرأ تماماً , من دنس التبغ اللعين , الذى تشبع به دمه, وأن الله تاب عليه منه , لكنه بعد قليل رآه هو بعينه , نفس الصديق , يجلس على مقهى قريب , اقامه صاحبه , على ناصية قلبه الواهن , يدخن النرجيلة بشراهة عجيبة."
ثم يتابع القاص مكرسّا الهالة الصوفية للطاهرة , وقد اصبحت رمزا ومزارا :
"أولئك العشاق , الذين يرون أن طهارتهم , من هوس العشق المقدس , لن يتم إلا بالانتحار , على جدران ضريح الطاهرة , علها تغفر لهم , تغفر عشقهم وجنونهم , بمحبوباتهم اللائى خان بعضهن بعضهم , بالزواج من أخر , أو خان بعضهم بعضهن , بالمضاجعة مع أخريات , أقل منهن جمالاً وعشقاً."
واخيرا جاءت القفلة متماشية مع سحر الجو الروحاني , عندما يصف القاص انفجار قلبه الواهن , وكيف تشظى , الى اشلاء متناثرة , ولم يبق منه , سوى قلب الطاهرة , الذي كان قد اسكنه بين التقاء الأذينين بالبطينين , " ولم يسلم من هذا الانفجار الشديد سوى قلب الطاهرة الذى رآه بجناحين نوريين فى موكب بهي ملائكي يطير صوب السماء حتى استقر اسفل قدمي العلي القدير. "
ولابد لي ان اؤكد , على ان القاص موسى نجيب موسى , قد قدم لنا بقصة الطاهرة , نموذجا ادبيا , غير اعتيادي , شكّل نقلة في اسلوبه القصي , تستحق القراءة والدراسة والمتابعة .
اخوكم
السمان