عدت مجددا وقد كنت وعدتكم بإتمام حديثي معكم عن الرمي وأيام التشريق. كانت أيام ولكم تمنيت لو أنها طالت لأعوام لجمال المشاعر فيها ورقة الإخاء, انتهينا من رمي جمرة العقبة في يوم النحر كما هو معلوم ولما أشرقت شمس صبيحة ذلك اليوم كما أخبرتكم سابقا كنت أبحث عن رفقة أو وسيلة تقلني للحرم لأداء طواف الإفاضة في ذلك اليوم العظيم اقتداء بسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ولكن لم يقدر الله لي فعدت واتجهت لدورة المياة والطريق إلى دورة المياة مشترك بين الحجاج والحاجات فكنت أبصرهم وهم يحلقون رؤوسهم استعداد للتحلل الأصغر مع ترانيم التكبير الشجية في صبيحة يوم العيد, ولما عدت إلى خيمتي حيث الحاجات الجميلات المرافقات لي فيها حدثتهم عما رأيت وجمال الامتثال للطاعة وبدأ عمليات تماييز الحجيج والتفريق بينهم بارتدائهم أزيائهم القومية , فقالت أحداهن هو التحلل فأجابت أخرى نعم وتابعت ثالثة نعم بعد الحلق أو التقصير يحل لكنّ كل شيء إلا النساء , فرمقتها إحداهن بنظرة ساخرة بها الكثير من الود (هو انت لك نساء!) فضحكن في تفكه وتندر فقالت الحاصل هكذا يقولها العلماء قالت إذا صححي قالت وهي تبتسم في دلال وجمال وخجل ماذا أقول إذا قالت لها وهي تضحك (إلا الرجال) . كانت مجموعة من بلاد شتى لارابط إلا العقيدة بينهم ووحدة التوجه ومع ذلك كما أسلفت تمازجن وتقاربن وتحدثن في كل هموم الأمة ومشكلات المجتمع المسلم وغير المسلم والرغبة الأكيدة بالارتقاء به ومشكلاتهن الشخصية وتبادلن الآراء ووجهات النظر .. ويالوضوح هدف لتعارفوا! . كانت واحدة منهن عراقية أمريكية زوجها يعمل أستاذا جامعيا بأحد جامعات الولايات المتحدة وحاصل على الجنسية إذ أن لهم فيها أكثر من أربع وعشرين عاما ويعمل حاليا لفترة مؤقتة بجامعة الملك عبدالعزيز, ومعها خالة زوجها التي هي تقريبا في مثل عمرها عراقية متزوجة من كويتي فهي كويتية , وثلاث مصريات الأولى زوجها أستاذ بعلوم التخطيط حصل على درجاته العلمية منذ عشرين عاما من الولايات المتحدة وابنتها التي تدرس في السنة الأخيرة بالجامعة وأختها, والسعودية التي زوجها أستاذ جيولوجي, كان الحديث يتبادل بيننا وكانت العراقية والمصرية شديدتا الإعجاب والإكبار لأمريكا , وقد قالت العراقية الأمريكية أنها ماتعلمت معاني أخلاقيات الأسلام ولم تعرفه حق معرفته إلا ببلاد الأمريكان وليس ببلاد العرب أبدا!, فهناك رأت تعاملا على مستوى أخلاقي راقي وأناس في منتهى الشفافية والطيبة وأن لاعلاقة بين الشعب الأمريكي ومايدور بالساحة السياسية وصارت تحدثنا عن جماليات ذلك المجتمع وروعة أولئك الناس, وتؤيد ذلك أختنا المصرية حرم الأستاذ الجامعي بمشاهداتها في فترة وجودها إبان دراسة زوجها هناك, قالت أختنا المصرية أنها زارت ديزني في الكريسمس وهي فترة تستقبل فيها أعدادا تصل للملايين ومع ذلك مارأت ماتراه من سوء استخدام لدورات المياه هنا من قبل الحاجات وأنها دائمة الجفاف والنظافة و ان هناك عاملات يقمن بالتنظيف أولا بأول فور خروج المستخدمة له فأجابتها العراقية نعم , فاندهشت وقلت ربما هناك شركات متخصصة تعمل لذلك تعمل على مدار الساعة وتوفر مستخدمين دون انقطاع كما هو الحال في حملات الخمس نجوم والـ(VIP) فاستدركت العراقية وقالت لكن هم لايستخدمون الماء ولامحل للوضوء, طبعا هنا الوضوء يعمل على ترطيب الأرض اضافة لأداب الحمام التي اهتم بها الإسلام فلابد دائما وأبدا من الاستنجاء والتنزه من البول , ولاتظنوا أنني أعذر مجتمعي لهذا فليس هذا بعذر لما يقوم به المسلمون والمسلمات من سلوكيات في تعاملعم مع دورات المياة وغيرها فمعلوم في ديننا أن الطهور شطر الإيمان وأن إماطة الأذى عن الطريق صدقة , ولكن انخفاض الوعي الديني وانخفاض الوعي الصحي والعلمي وتدني الفطرة التي فطرت على عشق النظافة وغير ذلك أدى إلى حدوث مثل هذه الأمور. إن للذهاب إلى دورات المياة حكايا فتجد أن الجميع يفكر بنفس النمط أنا أذهب قبل كذا فيكون الحمام غير مزدحم فتجد أن الجميع يستيقظ في نفس الوقت ويتوجه هربا من الزحمة ليواجه الزحام!, اتقنت فهم نفسياتهم فصرت أذهب وهو خاوي لأعود ضاحكة حاملة النبأ ياقوم أوكازيون على الحمامات وأتندر عليهن وأقول الحمامات تحلف علي وتشدني وأنا أعرض عن هذا وأرفض هذا أوشاور نفسي في هذا فيضحكن ويتسابقن إليه , سمعت حاجا فلسطينيا صبيحة يوم عرفة ونحن ننتظر الحافلات يتحدث لنسائه وكان واضحا من حديثه أنه رجل يتمتع بخفة الظل فقال هناك ست كبيرة تأتي على كرسي متحرك لحمامات الرجال وتستأذنهم قائلة ياأولادي أنا امرأة مسنة ولاأستطيع استخدام الحمامات العربية وأعاني من كذا وكذا حتى إذا تعاطفوا معها وأدخلوها وتمكنت من الحمام أطالت مكوثها فإذا طرقوا عليها الباب صاحت ( إيه بقا في إيه هو أنا قاعدة العب محدش يعرف ياخد رحته في التوليت ولا ايه؟! ) بشكل مستفز لهم وتبقى كما يقول قرابة الساعة, أضحكني أسلوبه ومعاناته ومن معه من الرجال .إلا أن هذه السيدة المحتلة بإقامتها للمستوطنات وعملياتها الإرهابية المتكررة جعلت منظمي الحملة يسارعون في بناء الجدار العازل ويوفرون حماما إفرنجيا خلال أقل من أربعة وعشرين ساعة هي فترة وجودنا في عرفات ومزدلفة فكانت باستحواذها على الحمام الإفرنجي للرجال محفزة لتخليصهم من تسلطها وسبيلا للتفريج عن كبيرات السن من النساء, وعن الطعام كنا نأكل الثلاث وجبات دون تقاعس ولاتسويف ولاتأخير ولاكلل ولاملل وكانت أخت الأخت المصرية وابنتها (عبير الخالة وعبير ابنة الأخت)ا لاتفعلان وحين قالت عبير ياجماعة (مش طريقة دي بتاكلوا الوجبات الثلاثة وانتو مش بتتحركوا كتير) فنقول لها ضاحكات أنا وأختها وباقي الحاجات (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله) ثم أتابع وأقول لها ونحن نتبع السنة وأنتما تقصران فيها ومن رغب عن سنتي فليس مني وهذه أيام عبادة ويجب أن نقوم بها على الوجه الأكمل ونظل نضحك في سرور , حتى صرنا إذا حان وقت الطعام نقول ياجماعة هيا إلى السنة , في عصر ذلك اليوم جاءت واحدة من المشرفات على الحملة ودعتنا لبرنامج أقمنه بالخيمة الكبيرة كان جميلا مسابقات وفقرات هادفة, وقمن بتوزيع الأرقام لم أكن أرغب في المشاركة خجلا طبعا من الوقوف للكلام أمام الناس والاجابة على الأسئلة , ولكن اصرت الأخوات فأخذت الرقم وخبأته ولكن ماحدث أنهم حين أعلنوا عن رقمي لم أجب ثم قلت لزميلتي التي بجواري انظري هذه أنا لكن لن أذهب فسمعت الحاجة( الفتانة عببير) فقالت هنا هنا هذه صاحبة الرقم , فأصرين علي فقمت وأنا أتوعدها وأقول لها بسيطة , كان السؤال الموجه إلي من هي الشخصية التي تمثل لك المثل الأعلى ؟ فقلت محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم النموذج الإنساني الرائع المتكامل لمعاني الإنسانية , وتابعت قائلة في ليلة عرفة كان يحدثنا أحد العلماء في المخيم المجاور وكانت مكبرات الصوت لصيقة بخيمتنا فذكر حديثا في مامعناه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يغفر للظالم ويبدل المظلوم في هذا اليوم بالجنة فلم يعطها الله لها حتى إن كان يوم النحر وهبه الله إياه وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يضحك سرورا لذلك.. فقلت يالله , كم من مظلوم وهبه الله حق إجابة الدعاء طوال العام وأمرنا بأن نتقي دعوته وأن ليس بينها وبين الله حجاب يأتي معتمدا على هذه الخاصية قلبه محمل بالألم ووجع الضيم يريد أن يرفع يده ليسأل الله تعالى القصاص من ظالمه ليجد أن نبي الله صلى الله عليه وسلم برحمته قد أغلق عليه هذا الباب ليطهر قلبه من الغل وليصرفه لطلب الخير والمغفرة والجنة بدلا من أن ينشغل بغله وحقده ورغبته في التشفي فيالرسول الهدى ونبي الرحمة , طبعا حصلت على جائزة , وكانت كل متسابقة تحصل على واحدة , لما عدت قالت صويحباتي لم ترفضين المشاركة وأنت أصلا محاضر؟, قلت أولئك تلميذاتي وأنا سيدة الموقف وهنا أنا مسؤولة لاسائلة وأخشى أن (اتفقس) في تباسط وحب وبهجة.وتابعنا مشوار الحب والتآلف في رياض منى الوارفة بالإيمان وحب الرحمن .ولكن أتدرون؟ حين أبدت أخواتي اعجابهن بالشعب الأمريكي والحياة الغربية شعرت أن علي تقديم اعتذار لكاتب خاصمته ذات حين حين أثنى عليهم ووجه جهودا إليهم ولكن بعد فترة من التواصل وتبادل الحديث انتهت النساء إلا أنه مجتمع تميع فيه شخصيات المسلمين وتنتهك فيه القيم وتصبح البنات بلا رادع والشباب بلا موجه وأن الأسر تنفصل وتنفصم عراها وأن العقوق هو السائد وأن الحكومة تدعم تمرد الأبناء وتقلم أظافر الآباء وتحد من سلطة الأبوة ودور الدين .. وأنا أستمع لاأسمع وأردد في نفسي يالله هذا كله رغم جمال المجتمع هناك ورقي مواطنيه , وكأنما احتووا جسد القيم وخووا من روحها واحتوينا روحها تصارع الموت وتنبض بالحياة في جسدها الكسيح المشوهة المعاق في مرض مزمن طويل يصارع من أجل البقاء!. ولازالت تمضي بنا اللحظات بين تأمل وتفكر وتدبر وصلاة وتكبير وحلقات ومناقشات ومسابقات وأكل وشرب وحمدا لله على منه . كنا إذا تمنت إحدانا أمرا وجدته وكأنما نحن في الجنة التي يجد فيها العبد مايتمنى بمجرد الخاطر وكنت أمازحهن قائلة تدللن على حساب الرحمن ياضيوف الرحمن فيبالغن في الدلال توثقا في كرم المنان . محدثتكم تعاني من حساسية الصدر والجهاز التنفسي فكان لابد أن أحتاط فجلبت فيتامين ج , وبندول, والسيد فيكس, الذي أصبح عطر الحاجات بسبب الإصابة بالأنفلونزا وكنت سيدة الموقف فأقول لهن والله أنا أقدر مخترع تركيبة الفكس وأنتخب رجل الفكس كرجل العالم لكل عام , طبعا فهو ييسر لنا التنفس حين نضع رؤوسنا على وسائدنا للننام خاصة بعد تطبيق السنن.انتهينا للنوم استعدادا للرمي في أيام التشريق بعد رمي جمرة العقبة في يوم النحر , كنت أحمل هم الرمي فلا محرم معي وهناك أكثر من اربعمائة حاج قد قضوا من التدافع عند رمي جمرة العقبة يوم النحر, وكان مقررا أن تنطلق الحملة إلى جدة في اليوم الثاني من أيام التشريق للتعجل ومعنى هذا أن الرمي في هذا اليوم لابد أن يكون من الظهر حتى العصر أي في فترة الذروة وكنت أريد البقاء لليوم الثالث مع الحملات المجاورة وماوجدت سبيلا فالرجال المنظمين يخافون من تحمل مسؤولية امرأة رغم أنني حدثت المشرفات أنني امرأة يمكن الوثوق بها في تحمل أمرها ولكن لاسبيل , الآن لابد أن أذهب للرمي وكنت سأذهب بمفردي فهم سيمضون مع محارمهم ولكن ماحدث أن أخت الأخت المصرية وابنتها أحببن صحبتي , قلنا إذا لنذهب بعد العاشرة حيث ينخفض تعداد الرامين في ذلك الوقت ولكن في العصر جاءنا البيان التالي: من الأخت المصرية زوجة الأستاذ الجامعي لتقول اتصل بي الدكتور ويقول أنه قد جاء نفر من الحجاج ويقولون أن الرمي فارغ , قلن إذا لنذهب انطلقت هي مع زوجها وتجهزنا بعدهم وخرجنا , وفي الطريق كانت عبلة عائدة قالت عدن ياحاجات فالازدحام شديد هناك مالايقل عن مليون ونصف , فقالت أختها عبير والله قد خرجنا فلن نعود هذه ابنتكم خذوها ولنمضي ياندى متوكلين , ومضينا فإذ بابنة اختها خلفنا وانطلقنا حتى إذا شارفنا على الجمرات كان فقراء الحجيج يفترشون الأرض والباعة مما يصعب المرور وبلوغ الهدف, ومضينا حتى إذا بلغنا الجمرة الصغرى كانت الأمواج وكان التدافع وكان الرجال الأشداء يتحلقون حول نسائهم ليستقبلوا التدافع ويتصدوا له عوضا عنهم لتصل النساء بسلام وحاولنا واستغثنا برينا حتى بلغنا ويالله كم من الصعوبات تجد حتى تصل وحين تصل لاتجد نفسك إلا خفيفا رشيقا متحفزا , ترى السواعد وهي ترتفع وتقذف الحصيات باتجاه هدف محدد وتسمع حداء المسلمين الخالد بسم الله والله أكبر بسم الله والله أكبر بهمة ونشاط وحماس منقطعي النظير , تثير فيك كل الرغبة والهمة لتتغلب على نفسك وعلى شيطانك لتحقيق ماتريد, فإذا انتهيت من الرمي جاهدت للخروج , وللخروج من ميدان الرمي حكايا وأي حكايا . كان شاب يتحلق مع شباب من أهله لحفظ نسائهم فأردت الخروج فصدني , فرفعت صوتي قلت حسبك! مابك؟ لتحمي نساءك تؤذي نساء المسلمين فنادى أخوه وكنت أعتصر ألما من شدة التدافع وأشد الفتاة التي معي وقد طوقت خصرها بيدي خشية أن تسقط وقال له شدها , فشدني وأخرجني فأخرجتها,أرأيتم ماأجملهم كانوا رغم الازدحام يتخلقون بأخلاق الحاج التي من المفروض أن تكون أخلاق المسلم طوال العام , حتى إذا انتهينا للهواء ويالجمال الهواء ونعمة السعة وقفنا نستنشقه بلهفة وشوق وحب ونحمد الله وندعوا وياللدعاء بعد جمرة العقبة الأولى والثانية تشعر وكأنما لازلت بعرفات وكأنك على الغمام ترتفع على أجنحة الملائكة , قشعريرة محببة تسري بالجسد وتخفق بالروح لابالقلب وتجري لها العيون , فإذا انتهينا اتجهنا للجمرة الوسطى التي يكون الازدحام فيها عادة أقل ثم العقبة وربما يرجع ذلك لوقوف الحجيج للدعاء, وهناك تبصر مرة أخرى أخوة الإنسانية بمشاهدة إخوتك من شتى بلاد الدنيا وبكل اللغات والألوان والأشكال معك حيثما تحل وترتحل ( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ! . تكرر هذا الأمر لثلاث أيام وقد كان مقررا أن يكون ليومين فكما أخبرتكم كانت حملتنا من المتعجلين إلا أن الله تعالى من علي بتغيير نظام العودة فادخروا حافلة للمتأخرين فتأخرنا وحمدت الله فقد كان الرمي في ظهيرة اليوم الثاني أشبه بالانتحار ولما تأخرنا رمينا بعد العاشرة ليلا وكنت مدللة الحملة تتوافد المشرفات والحاجات بحثا عني لاصطحابي للرمي لأنني الحاجة الوحيدة التي لامحرم لها . وحين كن يأتين لاصطحابي أقول ياجماعة ياجماعة (بلاش تضغطوا على سعادتي أصلي رحت وجيت) يالكرم الله , قالت أختي العراقية الأمريكية , إن الرمي عملية عجيبة ممتعة رغم صعوبتها فها أنت تحاول حتى تصل وترمي فترتاح , قلت نعم هي الحياة**** , هدف تسعى لتحقيقه وتعترضك الصعاب وتحاول الحيلولة بينك وبين ماتريد وقد تدفعك لتعيدك للوراء فهناك من يصمد ويستمر وهناك من يتراجع ويتحين الفرص وهناك من ييأس ويقف حيث هو , ومن استمر في العمل الجاد الدؤوب وتحمل الصدمات والمعاناة بلغ هدفه وانتهى بالفلاح , قالت صدقت هي الحياة . أتعلمون يموت في الرمي من أراد أن يموت فقد جعل الله تعالى في الأمر سعة ولكنهم يصرون على الموت تارة طعما في اقتفاء السنة في الأوقات المفضلة تاركين للفرض الذي يقتضي الحفاظ على النفس وعدم القائها في التهلكة وأخرى في الاستعجال والرمي في زمن قصير ليضمنوا الخروج قبل مغيب الشمس فيتدافعون ويهلكون وقد جعل الله لهم في التأخر سعة! وأتعلمون أيضا حين رأيت فقراء الحجاج الذين يقطنون شوارع منى ورأيت سيل البشر الواقف في خارج الحمامات العامة ومعاناتهم حمدت الله على ماسخره لنا رغم تذمر بعض الحاجات ,وحين من الله علينا بالخروج من مضمار الرمي في أول أيام التشريق ونحن نقف على أرجلنا لم أعد أشعر أبدا بتعب الوصول رغم أننا حين عدنا نمنا ليلتها كأموات وقد عدنا على مشارف أذان العشاء من رحلتنا وصلينا المغرب والعشاء جمع تأخير لتأخرنا في العودة وقت أذان المغرب , حتى أننا تأخرنا نوعا ما عن صلاة الفجر وكانت بعض الأخوات تشكو من صعوبة ماكان إلا أنني كنت قريرة راضية سعيدة فقالت إحداهن وهي الأخت العراقية هل رميتن : قلت نعم وسكت , قالت تابعي (ويش شفتوا) قلت (شفنا الموت) فانفجرن ضاحكات , قلت أليس حقا قالت هات فصلي قلت لاأجد ماأقوله فأنا سعيدة أنني رميت جمرات اليوم الأول وسعيدة بحفظ الله لنا وخروجنا سالمات , فانتبهت الشاكيات وشعرن أنهن من المنعمين , فالحمد لله رب العالمين , حين أبصرت أولئك الذين يبيتون بعراء منى أكبرتهم وزاد اعتزازي أنني من أمة المسلمين رغم مايجدون من حر النهار وانخفاض درجات الحرارة الشديدة في المساء والليل إلا أنك ترى في وجوههم الرضى وتنظر السعادة وكأنما لسان حالهم يقول الحمد الله الذي استضافني من بين المسلمين ووفقني لحج بيته وأحسن وفادتي, حقيقة تصاغرت طاعتي أمام طاعتهم وعدت أتلمس وسيلة لتحسين مستوى حجتي , فنحن مرفهين في حملة توفر لنا كل شيء وفي خيام مكيفة وعلماء ومحدثين يأتوننا ونحن في عقر دارنا دون أن نتحمل حتى مشقة الذهاب إلى مسجد الحيف وسواه , يالنعم الله . أتعلمون أن الحديث عن أيام التشريق يطول وسرد مافيه يحلو لي ولكنني أخشى أن تملوا فسأكتفي وقد أعود لأحدثكم عن طواف الإفاضة والوداع , ولكن تذكروا أنني لم أحدثكم حتى الآن عن مثلث مرسيدس وقد وعدتكم , وتذكروا أيضا حفاظنا على سنة أيام التشريق السالفة الذكر . حتى أن في صبيحة اليوم الأخير قالت عبير مه؟* ألازلتم متمسكات بالسنة فقلت ياعبير ياعبير هداك الله نطبق السنة كل يوم ونتقاعس في اليوم الأخير , الأعمال بخواتيمها فانفجرن ضاحكات ومعلقات بحب وجمال, وفي ذلك اليوم , تقرر أن نمضي ظهرا للرمي لأننا سنخرج إلى مكة فهو اليوم الثالث للتشريق , فما كان من عبلة إلا أن قالت أن زوجها يقول سيذهب بعد ساعة قلت ياعبير مالنا ومعتز ؟!.. قالت أختها عبير نعم مالنا وله قالت عبلة مابكم؟ انتظرنني أنا صديقتكم , قلت لها ضاحكة والله أخلاق الحج قاربت على الانتهاء وعهدك معي حتى مغيب شمس هذا اليوم (وكل شيقن انكشفن وبان) وضحكنا ثم خرجنا أختها وابنتها ومحدثتكم باتجاه الجمرات لننهي رمي اليوم الأخير وقد تبدل حال عراء منى إذا قد تعجل معظم قاطنيه ومضوا وبقي بعضهم رغم صعوبة البقاء تقربا إلى الله أثابهم الله على ذلك وكان الرمي في ظهر ذلك اليوم مجرد سياحة , وفي عصره حين وقفنا للنظر من على الجسر كان لعب عيال , نفر قليل بمواجهة الجمرة مباشرة يلقون في الحوض دون همة ولابذل جهد ولااظهار قوة وكنا ننظر ونقول سبحان الله كيف تبدل الحال , ياللطاعة والانصياع لأمر الله فلا تقديم ولاتأخير ولاتبديل ولاتغيير لمواعيدوحقا إن جمال المكان بسكانه! . وأنا في ذلك التأمل جاءني البيان التالي أن بوش يعتبر رمي الجمرات عمل إرهابي إذ يتعرض الرامين لأحد حلفائه!



أراكم على خير
















.. ولكم الحب