يوم عادي في حياة غير عادية
بقلم : د . محمد أيوب
انقطع التيار الكهربائي في الساعة السابعة من صباح يوم الخميس 32/8/2006م فقررت الخروج من البيت بعد الإفطار لأتجه إلى السوق ، أدرت محرك السيارة بعد أن تفقدت الأشياء الضرورية قبل تشغيلها ، درت يسارا ويمينا لأواجه الشرق ، وقفت على المفترق لأتأكد من خلو الطريق لأدور بعد ذلك نحو اليمين ، وإذا بسيارة تأتي مسرعة من الشرق ، يضغط السائق على بوق سيارته مصدرا صوتا مزعجا وكأنه يريد تنبيهي إلى خطأ ارتكبته وأن حضرت قادم من الشرق ، وأن علي أن أفسح له الطريق كي يعبر دون أن يفكر لحظة واحدة في استخدام لغة الضوء في سيارته أو تهدئة سرعته للتأكد من خلو الطريق عن يمينه ويساره ومن عدم وجود سيارات قادمة من الغرب ، اندفع حتى كاد يصطدم بي ، قلت له : الطريق للقادم من اليمين يا ابن الحلال ، يبدو أنه كان مؤدبا فلم يرد ولم يشتم كما يفعل غيره من السائقين كالعادة ، سرت في طريقي مسافة تساوي طول الشارع المتجه نحو الجنوب ، درت يمينا فيسارا لأفاجأ بسيارتين عبرتا الشارع دون أن يكون لهما حق العبور المعاكس ، وقف السائقان يتحدثان بينما وقفت سيارة غير مخالفة إلى اليمين فانغلق الشارع تماما ، تضطر أحيانا إلى التصرف بطريقة لا تروق لك ، السيارات تتجمع في انتظار أن يقوم الواقفون بفتح الشارع ، تسير السيارة المتجهة إلى الجنوب فتتحرك خلفها ، مجموعة من العمال الذي يجرون هنا وهناك من أو إلى مكتب البريد لصرف قيمة المساعدة المخصصة لهم ، كانت مجموعة من خمسة أو ستة عمال مع دراجاتهم التي يمسكونها بأيديهم يسيرون في عرض الشارع وهم يتحدثون ويعيقون حركة السيارات ، تأخذ نفسا عميقا لتهدئ أعصابك ، تقول في نفسك : مخطئ من يخرج من بيته ، البقاء في البيت أكثر راحة للأعصاب ، تتجه إلى السوق ، يدعوك أحد الأصدقاء إلى الجلوس قليلا ، وما تكاد تجلس حتى تسمع صوت رنين هاتفك المحمول ، كان على الطرف الآخر صوت صديقك ينبئك بأنه سيكون في البيت في الساعة الحادية عشرة والنصف حيث كنا قد اتفقنا في اليوم السابق على التوجه إلى المستشفى الأوروبي ، غادرت السوق وتوجهت إلى منزل الصديق ، لم يكن قد وصل بعد ، عدت إلى البيت في انتظار عودته ، اتصل بي وأبلغني بأنه تأخر عن الموعد بسبب انغلاق الطريق المؤدية إلى بيته بسبب وقوف السيارات وعربات الكارو في الشارع دون حسيب أو رقيب ، توجهت إلى بيت الصديق وخرجنا متجهين إلى عيادة ابني .
وعند نقطة اتصال شارع الشيخ ناصر مع شارع صلاح الدين وجدت سيارة تقف على الناصية لأخذ أحد الركاب دون أدنى اهتمام بسلامة الآخرين ، توقفت ووضعت يدي على خدي في انتظار أن يتكرم بفتح الطريق ، كنت أخشى أن أتجاوزه فتصيبني السيارة القادمة من الشمال ، ولما تحرك ببطء تحركت ، ولما حاذيته قال بلا مبالاة : معلش سامحني ، وهو مشكور على ذلك لأن غيره يستنكر كلامك أو صمتك وربما استخدم سلاحه أو أشهره في وجهك على الأقل كي يوضح لك أن من حقه أن يفعل ما يشاء ، فكرت في التوجه إلى المستشفى الأوروبي بسيارتي لأن قلبي حدثني أن شيئا ما سيئا ربما يحدث ، ولكني تركتها قرب العيادة بعد إلحاح صديقي وتوجهنا بسيارة ابني ، وما كدنا نصل إلى هناك حتى رن هاتف ابني المحمول ، كان على الطرف الآخر أحد جيران العيادة ، قال له : قل لأبيك أن يأخذ سيارته فورا من المكان حتى لا تصاب بقذيفة لأن هناك اشتباكا بين عائلتين ، عدنا على عجل ، وقبل أن نصل إلى محطة التحلية رأيت عشرات الملثمين وهم يحملون الأسلحة الرشاشة والقواذف الصاروخية وهم يحاولون اتخاذ سواتر لهم من الجدران المجاورة ، كان الملثمون يلبسون ملابس القوة التنفيذية ، وصلت إلى السيارة ، كان أحد الملثمين يقف على بعد بضعة أمتار وهو يحمل قاذفا من نوع بي تو أو بي سفن لا فرق ، لعنت هكذا ظروف ، فتحت باب سيارتي بعد أن طلبت من ابني أن يغلق عيادته حتى لا يصاب من رصاصة طائشة أو قذيفة ، غادرنا المكان لحسن الحظ دون ان نصاب بأذى .
عدت إلى البيت بعد أن أوصلت صديقي إلى بيته وأنا أشعر بالغثيان ، عاد التيار الكهربائي بعد انقطاعه أكثر من سبع ساعات ، حاولت نسيان قرف اليوم ففتحت الإنترنت لأتابع أنباء الوطن من صحف تصدر داخل الوطن وأخرى تصدر خارجه ، ومن دنيا الوطن عرفت سبب المشاكل ، اختطاف أحد الأفراد ، مما أدى إلى وجود هذا الحشد من أفراد القوة التنفيذية ، وكم فوجئت من التعليقات على الخبر ، تعليقات متعصبة من الجميع وردود أكثر تعصبا ، وقد تصل الردود والتعليقات إلى حد الشتيمة والتجريح ، لذلك آمل أن تقوم صحيفة دنيا الوطن بإغلاق باب التعليقات أو عدم السماح بنشر أي تعليق يحمل في ثناياه أي تجريح أو شتيمة لكائن من كان ومهما كان السبب ومهما بلغت درجة الاختلاف في وجهات النظر ، انتقلت إلى صحيفة الوطن التي تصدر في أمريكا لتصفحها ، ينقطع التيار الكهربائي من جديد فتذهب الأشياء التي كنت أتصفحها ، ليعود التيار مرة ثانية وكأن هناك من يتلاعب بشكل مقصود بالتيار الكهربائي فيؤدي إلى تلف الكثير من الأجهزة الكهربائية .
وبعد صلاة العصر توجهت إلى لقاء عقد في قاعة البلدية حول العدوان الإسرائيلي على لبنان وما سيترتب عليه من نتائج ، دار حديث حول الانتصار ومن هو الطرف المنتصر في الحرب السادسة ، كما دار حديث حول فشل الفلسطينيين في تحقيق أي نصر وحول كيفية الاستفادة من تجربة حزب الله ، وحديث عن حرب أهلية محتملة ، طلبت قصاصة ورق لأسجل عليها بعض الملاحظات ، ولما فتح باب النقاش أعطي حق الكلام لأحد الحضور وتم تحديد دقيقة واحدة للمتكلم ، وبعد أن أنهى الرجل كلامه رفعت يدي طالبا السماح لي بالكلام فقيل لي بعد كل متحدث من الضيوف يسمح لشخص واحد من الحضور بالكلام ، تحدث الضيف الثاني ، لم أرفع يدي ، ولكن من يحمل لاقط مكبر الصوت أشار لمدير الحوار فأعطيت الإذن بالكلام، قلت : لدي ملاحظة قبل أن أتكلم ، لم نحضر هنا للاستماع فقط ، نحن أصحاب رأي ومن حقي أن أعبر عن رأيي ولا تكفي دقيقة واحدة للتعبير عن هذا الرأي ، وأشرت إلى أنني لا أحب الارتجال ، لذلك سجلت نقاطا سريعة ومختصرة ،قلت : الهزيمة في نظري هي انكسار إرادة أحد الطرفين المتصارعين ، والانتصار هو سيادة إرادة طرف على الطرف الآخر في الصراع ، والذي حدث أن الإرادة لم تنكسر وأن سيادة إرادة الطرف الآخر لم تتحقق ، وبالتالي فإن الحديث عن انتصار هنا أو هزيمة هناك ما زال مبكرا لأن الحرب الحقيقية لم تبدأ بعد ، لأن اجتياح غزة كان مجرد بروفة ومقدمة لاجتياح لبنان ، وما جرى في لبنان هو مقدمة وبروفة للحرب السابعة القادمة من أجل إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد ، وأردفت : لا يجوز شطب نضالات الشعب الفلسطيني ببساطة وبجرة قلم ، لأن ما حققه المقاتل الفلسطيني في معركة الكرامة شكل نقطة مضيئة وسط الظلام الدامس الذي ساد بعد هزيمة حزيران سنة 67 ، ( مما أعاد الثقة بالمقاتل العربي ومهد لحرب أكتوبر 73 وما سبقها من معارك أعادت الثقة للجندي المصري بنفسه وقدراته سواء في معركة رأس العش أو في معركة الطيران أو غيرها من المعارك الجزئية والفرعية كما أعاد صمود حزب الله في المعركة الثقة من جديد بالمقاتل العربي ) " إضافة خارج اللقاء " .
وقبل صلاة المغرب انتهت الندوة ، عدت إلى البيت مثقلا بهموم يوم عادي جدا في حياة غير عادية لشعب غير عادي في تصرفاته .
والسؤال الذي يجب أن نجيب عليه جميعا : إلى متى تظل الفوضى هي القاعدة ؟ ومن المسئول عن الانفلات الأمني في البلد ؟ يخرج المواطن من بيته وهو لا يثق بإمكانية عودته سالما إلى بيته وأسرته ، فقد تصيبه طلقة طائشة فتقتله على الفور أو تسبب له عاهة دائمة ، وقد تصيبه قذيفة فيجمعون أشلاءه ليتوجهوا بها إلى المشفى القريب ومن ثم إلى المقبرة دون أن يصحو من هول الصدمة ، ألا يكفينا ما نتعرض له من ظلم حتى نظلم أنفسنا وكأننا نريد أن نؤكد للعالم كله أننا لا نستحق وطنا وأننا لا نستطيع أن ندير أمورنا بأنفسنا ؟ والله إنه أمر مؤسف وغير معقول أن تستمر حياتنا بهذا الشكل ! على العقلاء أن يتحركوا قبل أن نعض أصابع الندم .